من أجل مجلس وطني
للحوار حول انتقال الجمهورية
من الدكتاتورية إلى الديمقراطية
تقديم:
مضى شهر على انتصار الشعب التونسي وبناته وأبنائه المتطلعين للحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الإجتماعية ضد الظلم والقهر والحيف الإجتماعي وضد الثراء الفاحش، وقد ترك في أغلب المدن والجهات من سقطوا غدرا، أغلبهم برصاص القناصة. وكانت مدينتي القصرين وتالة الجريحتين هما اللتين قدمتا 60 شهيدا، وهو أكبر عدد في قافلة الشهداء.
مضى شهر على زعزعة نظام حكم الرئيس أمام صمود المجتمع التونسي بمختلف طبقاته ونسائه ورجاله وشيبه وشبابه، ومسؤولين وإداريين ورجال أعمال ومستثمرين وفلاحين وتجار، صغار ومتوسطين وكبار، ومثقفين وفنانين وشغالين بالفكر والساعد وإعلاميين، ونشطاء سياسيين وحقوقيين وفي المجتمع المدني، وشباب استغل العالم الإفتراضي ووسائل الإتصال العصرية، على الوجه الأفضل، مجتمع وقف أمام "تغوّل" قلّة ممن استثروا بصورة فاحشة على حساب الشعب والمجموعة الوطنية واستباحوا الأملاك الخاصة والعمومية وأشاعوا الرشوة والفساد وتعدوا على شفافية المعاملات ونشروا الظلم والقهر وأخضعوا البلاد وأذلوا العباد.
مضى شهر على خلع الرئيس السابق من الحكم، وعلى بداية صيرورة انتقال الجمهورية سلميا من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.
ومنذ ذلك الحين شهد الوضع، انفجار كل القضايا تقريبا، المطلبية والإجتماعية والسياسية والإدارية والأمنية وغيرها، التي لم تجد طريقها للحلّ في السابق. لذلك ظهر كمّ هائل من المشاكل التي هي في حاجة ماسة إلى حلول عاجلة. وتمثل بحجمها وتكاثرها ضاغطة جدّية على الوضع وعلى الحكومة الإنتقالية. كما تمثّل مجالا للمناورات السياسية التعجيزية التي تقوم بها قوى عديدة، لها مصلحة في دوام الحال على ما هو عليه، وهي تدفع بالأوضاع إلى مستوى من التعقيد من شأنه أن يفتح الطريق نحو المجهول، وقد يكون بصدد الإعداد إلى دكتاتورية أشدّ وطأة على الديمقراطية والشعب من سابقتها.
مجموعة الـ28 تحاول أن تدفع في اتجاه "ازدواجية في السلطة":
الحكومة الإنتقالية من ناحية و"مجلس حماية الثورة" من ناحية أخرى.
أعلنت مجموعة من الأحزاب والجمعيات والمنظمات (16 حزبا وتيارا و12 جمعية ومنظمة)، بعد اجتماع لها التأم بقصر العدالة بباب بنات بتونس العاصمة، عن تأسيس "المجلس الوطني لحماية الثورة". وقد عبّرت في البيان الذي أصدرته بالمناسبة على أن يكون لهذا المجلس "سلطة تقريرية" وأن "يتولى السهر على إعداد التشريعات المتعلّقة بالفترة الإنتقالية" وأن يراقب "أعمال الحكومة المؤقتة" وأن يخضع "تسمية المسؤولين في الوظائف السامية لتزكية الهيئة" وأن يتخذ "المبادرات التي يفرضها الوضع الإنتقالي في كل المجالات وفي مقدمتها القضاء والإعلام".
إن هذه القرارات تؤسس في الحقيقة والواقع "لسلطة بديلة" عن السلطة الإنتقالية القائمة، وتحاول إنشاء وضع يتسم بازدواجية السلطة: "سلطة الشارع" التي يعبّر عنها "مجلس حماية الثورة"، وهي "سلطة" "خارجة عن القانون" تستمدّ شرعيتها من الشارع ومن "مجلسها"، هذا من ناحية، وسلطة انتقالية تستمد شرعيتها من "الإنتقال الدستوري"، من ناحية أخرى. وهذا يعني أن الخطوة التي أقدمت عليها مكونات "مجلس حماية الثورة" تدخل في قطيعة مع التمشي الدستوري الذي قبلت به أغلب الأطراف، وفي مقدمتها الإتحاد العام التونسي للشغل، ولم تعارضه سوى الأحزاب التي نادت منذ البداية بضرورة إنشاء مجلس تأسيسي. وهي أيضا خطوة تتعارض مع المشاورات المكثفة التي حصلت مع بعض مكونات الـ28، ونخص بالذكر الإتحاد العام التونسي للشغل و"التكتل الديمقراطي"، ومع الإرتياح الذي عبّرت عنه بعض المكونات الأخرى حيال تركيبة الحكومة الجديدة، ومع الدعوة التي أطلقتها حركة النهضة بـ"ترك الحكومة الإنتقالية تقوم بعملها"، بدعوى أنها حكومة تصريف أعمال، وأن المهم هو عمل اللجان الذي ينبغي أن يكون مفتوحا أمام كل القوى، دون إقصاء.
ازدواجية السلطة لا تساعد على "تطوير الثورة" بل تعيقدها وتدفعها نحو المجهول
إن بعث "مجلس لحماية الثورة" يبدو وكأنه يعبّر عن سعي من قبل مكوناته لحماية "ثورة قامت بها"، أو عن رغبة في استرجاع قيادتها للثورة انتزعت منها بالباطل، والحال أنّ النقابيين (مناضلين وإطارات وسطى وقاعدية) هم من ساهم في تأطير التحرّكات الميدانية في الجهات، وأن الهيئة الإدارية للإتحاد العام التونسي للشغل، بالقرار الذي اتخذته من أجل تنظيم إضرابات إقليمية، هو الذي ساهم في تأجيج الأوضاع وتحويلها إلى "ثورات سلمية" متنقلة، من جهة إلى أخرى، وأن المحامين، من مختلف التيارات، بتحرّكاتهم في المحاكم قد أعطوا للحركة رمزية إضافية، بينما ظلت أغلب مكونات "المجلس" مجرّد مشارك في حركة الإحتجاج وفي "الثورة السلمية". وقد غادر أغلب مناضلاتها ومناضلوها، شارع بورقيبة، يوم الجمعة 14 جانفي مكسوري الخاطر، أمام المواجهة التي جدّت مع قوات الأمن، ولم يكن لأحد أمل في إمكانية تنحي بن علي من الحكم، يومها بالذات.
لذلك فإنه ليس من حق مجلس الـ28 ادعاء حماية ثورة لم يقم بها عمليا، ولم يتقدّم لها بمشروع سياسي موحد، بل هناك مشاريع عدّة وأبرزها مشرع "حزب حركة النهضة"، ومشروع جبهة 14جانفي، والمشروع القومي- البعثي، ومشروع الإتحاد العام التونسي للشغل. ونظرا لوجود هذا التعدد ولعدم وضوح الرؤية ولانعدام وجود وفاق حول مشروع موحدّ، فإن ذلك يشرّع أيّ تحرك لمختلف المكونات باسم "شرعية الشارع" أو باسم "الشرعية النضالية"، وهكذا نجد أنفسنا أمام قوى عديدة تدفع لسبب أو لآخر في اتجاه التحريض على الإضراب والتظاهر مثلا. وهو سلوك من شأنه أن يعمّق عدم الإستقرار السياسي والأمني ويعرّض الإقتصاد الوطني إلى مواجهة مزيد من الصعوبات التي قد تؤثر على أدائه، حتى على المدى المتوسط. ممّا قد يفتح الطريق نحو حلّ عسكري يفرض الإنضاط في المجتمع باسم حماية الوطن، أو نحو حلول سياسية قصووية قد تنشئ دكتاتورية جديدة، أرضية أو سماوية، باسم الثورة. وأمام ضعف "البديل الثوري" ومحدودية الوعي السياسي العام ومحدودية القوى المنظمة البديلة ميدانيا، فإن التأجيج، عن طريق إحداث ازدواجية في السلطة، يضعف رمزية الدولة ويشجع على تجاوز القانون ويفرض قانون الغاب وإحلال سلطان الإنسان الفرد بدل سلطة المواطن.
وعلى هذا الأساس فإن ازدواجية السلطة لا تخدم في هذه الحالة الدقيقة قضية الديمقراطية والتقدّم، بل سوف تمكّن القوى الرجعية، بقواها القديمة والجديدة، من مسك الميدان وفرض الحلول التي تساعدها على الوصول إلى الحكم. وفي هذه الحالة لن يكون للإتحاد العام التونسي للشغل من دور يلعبه غير دور المرافق لصعود إحدى هذه القوى، التي، منها من يبسط بضلاله على "مجلس حماية الثورة"، ومنها من لم نشهد حركته بعد، وإن لم تكن خفية.
من أجل مجلس وطنيّ للحوار حول تحوّل الجمهورية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية
ينبغي أن ندرك بأننا في تونس لم نشهد حوارا وطنيا عميقا، سواء أيام الحركة الوطنية، حول الإنتقال من الملكية إلى الجمهورية، أو بعد تنحية الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة من الحكم ولا في أيامنا هذه بعد خلع الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حول انتقال الجمهورية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية. وذلك لسببين، يتمثل الأول في وجود إرادة واضحة لدى المتنفذين في الحزب الحرّ الدستوري الجديد ثمّ في التجمع الدستوري الديمقراطي، وفي السلطة، من أجل كبت الوعي الديمقراطي وتفكيك تعبيراته السياسية والمدنية عن طريق القمع والتهميش وشراء الضمائر والتخويف وإفساد الحياة السياسية والثقافية والفكرية، ويتمثل الثاني في تحويل فضاءات الحوار إلى قفر.
وتأسيسا على ما سبق تتأكد حاجة مجتمعنا إلى مرحلة انتقالية، يجري فيها حوار عميق حول المشاريع البديلة عن الدكتاتورية وحول أنماط الحكم وحول المبادئ والقيم والآليات والمؤسسات الديمقراطية، كي يتمكن المواطن التونسي من الإختيار المسؤول ساعة يجد نفسه أمام صندوق الإقتراع. وهو السبب الرئيسي الذي يجعلنا نرفض المضيّ مباشرة في خيار المجلس التأسيسي، باعتباره يجعل المواطن رهينة لدى القوى السياسية والمدنية التي لها قدرة على التجييش، ويسمح لها بابتزازه للحصول على الأغلبية التي تمكنها من جعل السلطة على صورتها، أي في توافق مع مشروعها الخاص. وقد شهد القرن الـ20 نسخة من "ديمقراطية صندوق الإقتراع" التي كانت تفتقد للوعي الديمقراطي والتي مكنت ميسوليني وهتلر من الوصول إلى الحكم.
ولذلك نحن مع "مجلس وطني للحوار حول انتقال الجمهورية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية"، يتألف من كل الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني الأساسية، وبمشاركة المنظمة الشغيلة ومنظمة الفلاحين والأعراف، ويضم أيضا عددا من ذوي الإختصاص وأصحاب الخبرات والمعارف، ومن الصحفيين، ومن ممثلي الجهات، ومن ممثلي اللجان الثلاثة. وزيادة على ذلك ضرورة مشاركة الحكومة الإنتقالية والرئيس المؤقت في هذا المجلس، إذ من الملح أن يستأنسا به في اتخاذ قراراتهما الخاصة بالمرحلة الإنتقالية.
نحن مع "مجلس وطني للحوار حول انتقال الجمهورية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية" يجري فيه التحاور حول مشروع الجمهورية الديمقراطية وحول المشروع المجتمعي ومشروع التنمية ومشروع المصالحة الوطنية...إلخ، لأننا نريد أن يتعرّف الشعب التونسي على مختلف الآراء حول الموضوعات والملفات المطروحة للمناقشة، وأن يتبيّن من مقاصد الكلمات والأطروحات والمواقف والبرامج وأن يقف على المبررات الحقيقية، لهذا المقترح أو ذاك من نمط الحكم وبنيته وتنظيمه الخاص، كي يدرك أن التوصل إلى تحقيق وفاق وطني، مهما كانت حدوده، حول هذه المسائل هو الذي سيمكن تونس من الخروج إلى العالم في وجه مشرق جديد.
إن تمسكنا بنهج الحوار نابع من قناعتنا بأنه لا يمكن مواصلة التعامل مع التونسي وكأن شيئا لم يحدث في تكوينته النفسية وفي عقليته، ومن أن الموضوعات والملفات فكرية وسياسية بامتياز لها صلة بالخيارات الإستراتيجية لكل طرف، وتتطلب منّا التعامل معها كما هي وليس كما نريد. وعلى هذا الأساس يمكن لـ"مجلس الحوار الوطني..." أن يحقق اتفاقا بين مكوناته حول آلية الإنتقال من الدكتاتورية إلى الجمهورية، سواء على طريقة الثورة الفرنسية، أي المجلس التأسيسي، أو على طريقة الثورة الأمريكية، "المؤتمر الدستوري"، أو أن يقع البحث في صيغة ثالثة تحمل روح الوفاق المتحقق وتلعب دور التأسيس، هذا في صورة ما إذا حصل اتفاق حول ضرورة دستور جديد، ويبدو أن الإتجاه العام سائر إلى هذه الغاية.
ذا كانت الحكومة الانتقالية غير شرعية والبرلمان غير شرعي والدستور كذلك وكل المنظومة القانونية والحقوقية السابقة ...الخ وكذلك ما يسمى " بمجلس حماية الثورة" لانه غير منتخب ولا يمثل الشعب التونسي مهما كان عدد الاحزاب الممضية معه (وماننساش اللي الامضاء متاع اتحاد الطلبة مشكوك فيه) فما الحل للخروج من الازمة ؟
RépondreSupprimerأنا نعتقد اللي قبل ما نطرحو نظام برلماني والا رئاسي وقبل ما انقول مجلس تأسيسي والا انكملو وانصلحو الدستور القديم ..الخ يلزم التوانسة والاحزاب والمنظمات تتناقش فيما بينها وتقرب الرؤى وتصورات المستقبل وبعد اتجي آليات الانتقال ومش العكس ، ويلزمنا نعملو هذا في أسرع وقت ممكن ، يعني الاهم في رايي اليوم هو حوار وطني مفتوح على كل الطيف السياسي والاجتماعي والمدني التونسي وحول الخطوط العريضة لمستقبل بلادنا ، ثم تاتي كل الخطوات الاخرى بما فيها اسقاط الحكومة من عدمها