mercredi 16 février 2011

حول البيان التأسيسي للمجلس الوطني لحماية الثورة"، أو عندما تتحول المساندة للحكومة إلى احتقار لكل معارضيه

تونس في 16 فيفري 2011



رسالة مفتوحة إلى سيادة رئيس الجمهورية التونسية المؤقت

الموضوع: حول البيان التأسيسي للمجلس الوطني لحماية الثورة

سيدي الرئيس

لقد طالعتنا الصحف الصادرة يوم الثلاثاء 15 فيفري 2011 ببيان صادر عن جملة من الأحزاب والحركات السياسية والمنظمات المهنية والنقابية وعدد من جمعيات المجتمع المدني ضمنته جملة من المبادئ لحماية الثورة ومن المطالب التي يتعين على الحكومة المؤقتة الاستجابة لها "وفاء لدماء الشهداء وانتصارا لطموحات الشعب ودرءا لمخاطر الالتفاف على الثورة وإجهاضها" في رأي الأطراف الممضية على هذا البيان.
واعتبارا لما يتسم به الوضع في البلاد من تردّد ومن مؤشرات تنبئ بمخاطر جمة تتهدد مصير البلاد واقتصادها ومكانتها في العالم، فإننا نذكر أن خطر الالتفاف على الثورة لا يتأتى فقط من القوى التي كانت تمسك بزمام السلطة في عهد النظام السابق والتي تسعى اليوم لاستعادة المواقع التي فقدتها والنفوذ الذي كانت تمتلكه وإنما أيضا من القوى التي تتحفز اليوم لتنصيب نفسها وصية على الثورة وناطقة باسم إرادة الشعب في حين أنها لم تحصل على أي تفويض منه باعتبار أنه لم تجرى بعد انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تعبر عن الإرادة الشعبية وتستجيب للمعايير الدولية. إن كل هذه الأطراف سياسية كانت أو جمعياتية مهما كانت تمثيليتها وجدية برامجها عليها أن تحتكم إلى الديمقراطية لا أن تحكم باسمها أو باسم الشعب. فلا تحكيم للديمقراطية بدون انتخابات حرة ونزيهة. وإن كان من حق هذه الأطراف ومن واجبها أن تتجنّد كسلطة مضادة داخل المجتمع إلى جانب بقية قواه الحية وهيئاته لتؤمن بيقظتها سلامة الانتقال الديمقراطي السلمي، فليس من حقها أن تنتصب كسلطة بديلة فوق مؤسسات الدولة ودستورها لأن قي ذالك نفي للديمقراطية وسطو على إرادة الشعب وثورته. وباعتبار أن هذه الأطراف لم تحصل على أي تفويض شعبي لا يحق لها بالتالي أن تصادر حق باقي الأطراف الوطنية في أن يكون لها رأي مغاير حول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية والخروج بالبلاد إلى برّ الأمان من خلال تركيز مؤسسات دستورية راسخة تحظى بتأييد شعبي وتتولى حكم البلاد وكذلك حول المهام العاجلة المطلوب تنفيذها لتحقيق هذا الغرض.
سيدي الرئيس
لا نظن أنه قد خفي عن سيادتكم ما تضمنه إعلان المبادئ هذا من انحراف خطير تحوّل بمقتضاه مجلس حماية الثورة من مجلس يقف عند حدود التنصيص على مبادئ عامة وإنشاء قوة مضادةcontre pouvoir تمارس نشاطها داخل المجتمع المدني وتعارض العمل الحكومي عند الاقتضاء وعلى تصويبه في اتجاه يحمي الثورة وييسر انجاز مهام الانتقال الديمقراطي إلى مجلس قيادة للثورة يسعى إلى تنصيب نفسه سلطة بديلة تقريرية تتأسس بمقتضى مرسوم رئاسي وتعدّ التشريعات وتصادق عليها وتراقب العمل الحكومي وتزكي المسؤولين المعيّنين في الوظائف السامية للدولة.
إن حصول أمر كهذا سيكون بداية لمنزلق خطير يدفع بالبلاد صوب المجهول. فهذه الأطراف ليست متفقة فيما بينها حول الموقف من الحكومة المؤقتة إذ أن بعضها رافض لها وبعضها الآخر قابل بها في حين تتفق جميعها على ضرورة الاستحواذ على صلاحياتها وتحويلها إلى مجرّد هيئة تصريف أعمال تأتمر بأمر ذلك المجلس وتتولى تنفيذ ما تتفق عليه هذه الأطراف داخله. كما أنه لا يفوت سيادتكم علما أن هذه الأطراف تشقّها اختلافات أيديولوجية وفكرية عميقة ولها مصالح حزبية ووجهات نظر متباينة لن تفتئ عن الظهور على السطح من جديد، عندما يصبح الأمر يتعلق بصياغة التشريعات واتخاذ الإجراءات المتعلقة بالعمل الحكومي اليومي والتعيينات في الوظائف السامية وغيرها من المهام، ما من شأنه أن يعيق عمل الحكومة في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة ويعطل مصالح البلاد والعباد ويزيد من تعقيد الأوضاع الراهنة.
سيدي الرئيس
إن محاولة هذه الأطراف الركوب على الأحداث وتنصيب نفسها مجلسا لقيادة الثورة ووصية على الشعب من خلال مرسوم رئاسي يشرّع وجود مجلس تكون له سلطة تشريع وتقرير ويتولى مراقبة الأداء الحكومي يكشف عن تنكّر للديمقراطية كأسلوب في صياغة القرار وإدارة الحكم وكطريقة في حلّ الخلافات بين الأطراف الاجتماعية. ولا بد في هذا المضمار من التذكير بأنه لا يحقّ لا لمنظمات المجتمع المدني ولا للمنظمات النقابية أن تدعي التفويض من منظوريها لتمثيلها في المسائل السياسية المتعلّقة بكيفية إدارة المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد والتي هي من المسائل الخلافية داخل هذه المنظمات والهيئات ولا يجوز لأي طرف داخلها مهما كان موقعه القيادي أن يستأثر بحقّ فرض إرادته على غيره من المنضوين فيها وأن يستحوذ على القرار داخلها. ولا يفوتنا التذكير أيضا أن المجتمع التونسي لا يمكن بأية حال اختزاله في تنظيم أو تحالف تنظيمات ظرفي مهما اتسعت دائرته، فهو يضم أطرافا اجتماعية واسعة ومتعددة من عمال وفلاحين وأعراف وموظفين ورجال تعليم ومثقفين وأطباء ومهندسين وشباب عامل وعاطل لكلّ منهم الحقّ في المشاركة والتعبير عن مواقفه عبر هيئاته المنتخبة.
سيدي الرئيس
إن مطالبة الأطراف الممضية على هذا البيان إعادة تركيب اللجان الثلاث التي تشكّلت للنظر في مسائل الإصلاح السياسي وتقصي الحقائق حول الأحداث الأخيرة والاستقصاء في قضايا الفساد والرشوة من إعادة النظر في صلاحياتها ومطالبتها بأن تطرح المشاريع التي تقرّها على هذا المجلس المزمع تشكيله أمر خطير ولا ينبأ بخير إذ سينجر عنه فقدان هذه اللجان استقلاليتها ومصداقيتها ويؤدي إلى عرقلة عملها وإطالة أمده في حين أن الجميع يتطلّع إلى النتائج التي سيسفر عنه عملها حتى تنجلي الحقيقة حول التجاوزات الأخيرة وحول شبهات الرشوة والفساد وحتى تقدّم لجنة الإصلاح السياسي مقترحات عملية للانتقال نحو الديمقراطية وللمنظومة الدستورية التي يقتضيها.
سيدي الرئيس
إن تأمين مهام الانتقال الديمقراطي يستوجب من سيادتكم التعجيل بإنجاز الإصلاحات السياسية الديمقراطية ويستوجب أيضا ترشيد الأداء الحكومي وتعديله عبر التفاعل الإيجابي مع حركية المجتمع وانتظاراته حتي نؤسس للشرعية الشعبية ونتجه نحو انتخابات حرّة ونحو دستور ديمقراطي يعكس إرادة الشعب وسيادته.

وتقبلوا سيادة الرئيس فائق عبارات التقدير والاحترام.

الإمضاء
عبد الحميد الأرقش
نزار بن صالح
منير الكشو
كارم الداسي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire