mercredi 23 mars 2011

النص، الوعي، الواقع: نحو نظريةٍ مقاصديةٍ تأويليةٍ:

النص، الوعي، الواقع: نحو نظريةٍ مقاصديةٍ تأويليةٍ: محمد جمال باروت*

في كتابه "عيال الله: أفكار جديدة في علاقة المسلم بنفسه وبالآخرين" يحلُّ المفكر الإسلامي محمد الطالبي إحدى أبرز إشكاليات العلاقة ما بين النص المقدّس ممثلاً هنا بالنصّ القرآني وبين المصلحة والواقع، حين يقول: "النصّ مقدّسٌ والتأويل حر"(1). يمكن إدراج هذا الفهم لإشكالية العلاقة ما بين التأويل والنص في فضاء نظريةٍ هيرمينوتيكية (تأويلية) للنص تتخطى حدود النظرية الفقهية البيانية كما تبلورت في التاريخ الفكروي الإسلامي، فالعلاقة مابين التأويل (الحر) وبين النص (المقدّس) تنبني هنا على ما يمكن تسميته بلغة رولان بارت بـ "ذاتيةً النصّ" أو"ذاتيّته النصيّة".
تميّز هذه الذاتيّة النصيّة كل النصوص "العليا" إذا ما جاز التعبير وفي مقدمتها النصوص المقدّسة، وهو ما يفسّر ارتباط النظرية الهيرمونيتكية (التأويلية) تاريخياً بـ "تفسير النصوص المقدّسة". والمقصود هنا بالتفسير ليس المعنى الفقهي الكلاسيكي الذي يتبادر إلى الذهن والذي يقابل "التأويل" في ثنائيات الوعي القار بالنصّ القرآني بـ "المتشابه" و"المحكَم" أوبـ"الظاهر" و"الباطن" في النص القرآني، بقدر ما هو عمليةٌ أو صيرروةٌ قرائيةٌ تمضي من ظاهر النص إلى ما يجاوزه. ولقد رسّخت السنيّة الإسلامية في التاريخ الفكري الإسلامي مفهوماً "ظاهرياً" للنص يختزله إلى مستواه التركيبي وليس التحويلي والتوليدي الذي لا يمكن أن يظهر إلا في عملية القراءة التأويلية بقدر ما أنّ "المتشابه" القرآني قد أفسح المجال أمام طلاقة القراءة الهيرمونيتكية (التأويلية) التي تمّت بواسطة الوعي العِرفاني الأفلوطيني المحدَث، وشكّلت الإطار المعرفي لنشوء الكثرة الكاثرة من الفرق الإسلامية في التاريخ الإسلامي، إذ تكوّنت هذه الفرق جميعها في الفضاء الفسيح الذي يتيحه تأويل النص القرآني بحكم ثراء ذاتيّته النصيّة.
لقد عبّر ذلك عن خصوبة الهيرمونيتيكا الإسلامية نفسها بقدر ما عبّر عن عمق الاحتمالية القرائية لها في عملية التأويل. ولقد كان من شأن ذلك أن يفضي إلى احتمال ثورةٍ لاهوتيةٍ إسلاميةٍ آلت بدورها إلى مدوناتٍ مؤسسيةٍ وطرائقية وطقسيةٍ مغلقةٍ أو ساكنةٍ، غير أن الصراع القرائي على النص وإنْ كانت مفاعيله أو بكلامٍ أوضح وظائفه سياسيةً- اجتماعيةً تتصل بإشكاليات السلطة والقوة، كشف عن مدى إمكانية ممارسة النص القرآني وجعله في صيرورةٍ إنتاجيةٍ مستمرةٍ تتخطى حدود الفهم الفقهي لظاهره، وهومايسميه بعض منظّري نظرية التلقي الحديثة بـ "صيرورة القراءة"(2). لكنّ نظريةً تأويليةً للنص القرآني تتجاوز ثنائية الفقهي الظاهري البياني للمحكم/ العرفاني الباطني للمتشابه ما تزال غائبةً وإن كانت هناك بعض الجهود الثمينة التي تعمل في هذا الاتجاه مستفيدةً من استثمار الفتوحات المنهجية الحديثة ما بعد البنيوية في تخطي المفهوم السكوني البنيوي للنص إلى المفهوم الديناميكي الحرَكي. ويمكن تكثيف هذه الجهود من زاوية علاقتها بقرائية النص القرآني أو بذاتيته النصية وفق مصطلح رولان بارت بأن النص القرآني(وينطبق ذلك عموماً على النصوص المقدّسة كلّها التي تتميز طبيعتها بشعريةٍ عليا على حدّ تعبير جون كوهن في كتابه عن الشعريةّ) كلام يصدر عن ذاتيته النصية التي تجعل منه في علاقة المرسل الإلهي- المتلقي البشري دائم الإنتاج لأنه مستحثُّ بشدةٍ، ودائم التخلّق لأنه هو في شأنٍ ظهوراً وبياناً، ومستمرٌ في الصيرورة لأنه متحرك، وقابلٌ لكلّ زمانٍ ومكانٍ، لأن فاعليته متولّدةٌ من ذاتيته النصيّة"(3). ووفق هذه المنطلقات يغدو النص في النظرية التأويلية الممكنة بمثابة اللغة عند دوسوسور مقابل الكلام الذي يقوم به الإنجاز اللغوي التأويلي أو القرائي التفاعلي، أو بمثابة الكفاية مقابل الإنجاز بمصطلحات تشومسكي في نظريته الوصفية والتحويلية للنحو. ويفتح هذا التمييز الباب أمام القول بالقراءة كعمليةٍ تحويليةٍ للنص المقروء الذي يقوم هنا على نوعٍ من الاقتصاد العلاميّ، فهولا يدرج على سطحه إلا ما يعتبره ضرورياً لاتسّاقه الخطي، ولذلك فهو يتميّز بنوعٍ من الديناميةّ التواصلية مع القارئ بحيث ينتظر من هذا الأخير المبادرة التأويلية الملائمة، ويسعى هو نفسه إلى استقطاب القارئ ودعوته على الانخراط في عام النص عبر طرائق خطابية وقولية وبلاغية تساعد القارىء في تحيين البنيات وتأويلها(4).
2
لقد حدث في تاريخنا الفكري الإسلامي أن تغلّب الفقهي على الهيرمونيتكي اللاهوتي أو التأويلي بالمعنى المحايث للنصوص المقدّسة، بل وقام نوع صلبٌ من الثنائية ما بينه وبين الفهم التأويلي.كان علم أصول الفقه يمثّل هنا أحد أهم إنتاجات الحضارة الإسلامية على المستوى العلومي أو الإبيستمولوجي من زاوية أنه يحكم بقواعده طريقة إنتاج الأحكام التفصيلية. وهذه الأحكام بنيت على علم أصولٍ لها هوعلم أصول الفقه، وهو ما ميّزها عن القانون في الحضارات الأخرى ما قبل الحضارة الحديثة. ويترتب بموجب علم أصول الفقه على كل قاعدةٍ أصوليةٍ، فقهٌ أو حكم شرعي عملي بقدر ما يعني في طريقةٍ معاكسةٍ استنباط الأصول أو القواعد الإبيستمولوجية من الأحكام الفرعية، نظير استنباط الأصوليين الحنَفيين قواعدهم الأصولية من أحكام الإمام أبي حنيفة النعمان الذي لم يقم بتصنيف أصوله وتقعيدها على غرار ما قام به الإمام الشافعي.
إن علم أصول الفقه يُعنى بموجب ذلك بإنتاج الأحكام الشرعية العملية دون غيرها من أحكام اعتقادية، ومن ثم فإن مجاله غير المجال الاعتقادي الكلامي اللصيق بالمجال التأويلي. فهذا هو أبو حامد الغزالي يقول في"المستصفَى" إنّ الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الثابتة لأفعال المكلّفين خاصةً، حتى لا يطلق اسم الفقيه على متكلّمٍ وفلسفيٍ ونحويٍ ومحدّث ومفسّرٍ، بل يختص بالعلماء بالأحكام الشرعية الثابتة للأفعال الإنسانية كالوجوب والحظر والإباحة والندب والكرَاهة، وكون العقد صحيحاً وفاسداً وكون العبادة قضاءً أداءً وأمثاله(5).
لقد أدّى جمود علم الفقه طرداً مع "إغلاق" باب الاجتهاد، وازدياد الاتباعيّة في الفكر الإسلامي إلى أن يتوسط الإنتاج الفقهي بين المسلم وبين النص، بحيث غدت الشريعة أقوال الفقهاء وأقوال الفقهاء هي الشريعة(6). ولم يكن ذلك ممكناً لولا أن النظرية الفقهية للنص قد اضطلعت بوظيفة نظريةٍ معرفيةٍ بالنص نفسه، واختزلت هذا الوعي إلى حدود الوعي الفقهي الذي يمثل جانباً من جوانب منظومة الوعي الإسلامي، وبمعنى آخر غدا الوعي الإسلامي بالنص وعياً فقهياً، أسبغ القداسة فعلياً على الإنتاج الفقهي، مع أنه إنتاج بشري بحت ليست له أي قداسةٍ في المنظور الديني، ويمثل الشق التاريخي من التشريع لا أكثر ولا أقل، والذي يتميز بتغيره وحينيته وبخصائصه الوظيفية. بل إن هذا الوعي الفقهي أخذ يحكم الوعي الاعتقادي، مزيحاً الوعي التأويلي جانباً عن منظومة التفكير الإسلامي، وبهذا المعنى شكّل الفقه المنتَج منظومةً كهنوتيةً بالمعنى الاعتباري للكهنوتية وليس بالمعنى التجسيدي بالضرورة، أي منظومةً تتوسّط بين المسلم وبين النص، وبالتالي بين المسلم والله. وهذا التحول جزء من أنتروبولوجية الإسلام أي الإسلام كما يمارسه المسلمون وليس جزءاً من طبيعته اللاهوتية التي تنفي أي توسطٍ اعتباريٍ أو مشخص بين المسلم والله.
لكن عملية إزاحة الوعي التأويلي وبالتالي إيقاف الذاتية النصية القرآنية عن الحركة لصالح ترسيماتٍ فقهيةٍ حلّت فعلياً مكان النص الذي يتجاوزها ويتجاوز بحكم دينامياته كل قراءاته، ليكون دائم المقروئية والتحيين، لم يكن ممكناً لولا أن الوعي الفقهي قد فرض آلياته المعرفية على الوعي الإسلامي.
وبمعنى آخر لم تكن المعارضة ممكنةً ما بين التفسير والتأويل التي يتميز فيها الفقيه عن الكلامي والتأويلي في اعتنائه بالأحكام العملية، لولا أنّ التصورات العقائدية أو القصدية القرائية قد أثرت في نظرية المعرفة الإسلامية بالنص أوفي أدنى حد في الوعي به. فالتصورات الكلامية تحكم طريقة الوعي الفقهي حتى وإن استقلّ هذا الوعي ذاتياً عن الوعي الكلامي أو الاعتقادي. ومن هنا استخدم المتكلمون الأشاعرة قواعد علم أصول الفقه في مجال العقيدة أو أصول الدين، بشكلٍ غدا فيه هذا التأسيس حاسماً في تحديد الصورة النهائية للكلام الاعتقادي الإسلامي، فكان ما فعله الأشعري في الحقل الإسلامي السني لأصول الدين(العقيدة) نظير ما فعله الشافعي في حقل أصول الفقه(الشريعة).
لقد خضع أقطاب المتكلمين هنا في إطار سيادة الوعي الفقهي إلى قواعد الأصوليين ومعاييرهم الإبيستمولوجية البيانية والتفسيرية والقياسية النصية التي تجوّف النص من ذاتيته التوليدية والتخلقية والديمومة والصيرورة، أي تجوفه من قابلياته التأويلية، وغدت أصول التفكير العقدي محكومةً بأصول التفكير الفقهي وقواعده، وأدى ذلك إلى تحويل التأويل نفسه إلى شكلٍ من أشكال التفسير البياني. فما هو قياس أو استدلال تمثيلي أو قياس الفرع على الأصل في النموذج الأصولي هو قياس الشاهد على الغائب في النموذج الكلامي الذي يفترض الوعي التأويلي. وهذا القياس هو من أضعف أنواع الاستقراء معرفياً، فطاقته الاستكشافية محدودة ؛ لأنها مقيّدةٌ بمثال سبق على حد تعبير الإمام الشافعي. والطامة الكبرى تكمن هنا في تقييد الوعي الفقهي للوعي الإسلامي على مختلف جوانبه، من حيث اختزاله لقواعد التفكير عامةً وليس لقواعد العلم بالأحكام وحدها.
إن القياس الفقهي لا يثبت حكماً بل يكشف حكماً ثابتاً للمقيس(الفرع) من وقت ثبوته للمقيس عليه (الأصل) لوجود علّة الحكم فيه، كما هي في المقيس عليه. وغاية ما في الأمر أن ظهور الحكم في المقيس تأخر إلى كشف المجتهد عن علّة وجود الحكم، وبيان اشتراك المقيس والمقيس عليه فيهما، فيظهر أن الحكم فيهما واحد(7) وبلغة عبد الوهاب خلاف "القياس مظْهرٌ لا مثبت" فـ "لا يثبت ولا يضع حكماً في الفرع من عنده، وإنما يظهر أن حكم الأصل الذي ورد فيه النص ليس مقصوراً على واقعة النص، وإنما هو حكمٌ فيها، وفي كلّ واقعةٍ تحقّقت فيها علّته"(8). ليست الأحكام هنا إلا نصّاً أو حملاً عليه بالقياس في ضوء آلية قياس الفرع على الأصل التمثيلية.
لا يفارق حكم الفرع هنا حكم الأصل لأن أثر القياس هو تعدية الحكم من محلٍ إلى محل. بكلامٍ آخر القياس في نظرية النموذج الأصولي للنص هو تفسير للنص وفق قواعد النموذج وليس وفق ما يتيح النص من إمكاناتٍ قرائيةٍ أخرى، ولا يعدو التفسير التمحور حول وسائل فهمه وبيانها أكثر من التمحور حول مقاصده. ومع أن ابن تيمية قد تميز نسبياً بتخطي المسالك اللغوية الضيقة للعلل، وأخذ المقاصد بعين الاعتبار في استدلاله التمثيلي، فإن تصوره لـ"القياس الحق" أو"الصحيح" لا يعدو قياس الطرد(الجمع بين المتماثلين)وقياس العكس(التفريق بين المتخالفين)، أي أن العلة تعمل طرداً وعكساً. فالقياس الفاسد هو تبعاً إلى ذلك الذي لا يتحقق فيه التماثل في العلة.
لقد تحول الوعي الفقهي إلى وعيٍ شكليٍ يضحّي بمقاصد الشريعة وحكمتها، فهناك وفق عبد الله دراز ركنان لاستنباط أحكام الشريعة هما: علم لسان العرب وعلم أسرار الشريعة ومقاصدها. ولقد انشغل الأصوليون بالركن الأول في حين "أغفلوا الركن الثاني إغفالاً"(9). إن تهميش المقصد قد كان بحكم آليات الوعي الفقهي والنموذج الشكلي القياسي الذي يحكمه، ومن هنا لم يعد المقصد يرد في النموذج الأصولي إلا عبر إشارةٍ في باب القياس عند تقسيم العلّة بحسب مقاصد الشارع، وبحسب الإفضاء إليها، ويصبح المقصد هنا تابعاً إلى القياس في إنشاء الأحكام الشرعية العملية(10). وهو ما سبق لمحمد أبي زهرة أن لاحظه حين أشار إلى أن علماء الأصول منذ الشافعي لم يتجهوا على بيان المقاصد بقدر ما وقفوا عند الوسائل(11) التي باتت تطلب لذاتها وليس لما وراءها، فيرى الطاهر بن عاشور في ضوء مفهومه للمقاصد كعلمٍ أصوليٍ جديدٍ "أنّ معظم مسائل أصول الفقه لا ترجع على خدمة حكمة الشريعة ومقصدها، ولكنها تدور حول مصدر استنباط الأحكام من ألفاظ الشارع بواسطة القواعد" ومن هنا أدّت عبادة الوسائل على حساب المقاصد إلى وضع النموذج الأصولي في مواجهة المقاصد نفسها، ومن ثم تعطيل النص عن مقاصده.
لم يعد ممكناً حل مأزق النموذج الأصولي وأزمته باتت مزمنةً من دون إعادة تأسيسه من جديد على أساس المقاصد الكلية للشريعة التي يمكن إدراجها في إطار نظريةٍ عامةٍ لتأويل النص القرآني في إطار عالمٍ متغيّرٍ على أساس تحقيق المصلحة التي يفترض بها أن تشكّل رحى التشريع الإسلامي. فالتأويل في ضوء المصلحة هو من أهم أبعاد هذه النظرية المدعوة إلى السيادة، والتي ينطلق فيها فهم النص من وعيٍ جديدٍ هو الوعي المقاصدي. وهو ما يربط مابين التأويل والاجتهاد من ناحية أن "التأويل هو من صميم الاجتهاد بالرأي المستند إلى المناهج الأصولية، وهو صرف المعنى اللغوي الظاهر المتبادر إلى معنى آخر، بالاستناد إلى دليل من نص قاعدةٍ عامةٍ أومن حكمة التشريع، يجعل المعنى المؤوّل راجحاً بالدليل"(12). وهذا الرأي هو لفتحي دريني وأهميته أنه يضع النظرية الفقهية في إطار النظرية التأويلية أو يعتبر النظرية الفقهية مجرد مصدر من مصادر النظرية التأويلية، بما يكشف عن انحياز الدريني على مدرسة الاجتهاد بالرأي الذي يدخل التأويل بحسب المصلحة والتطور الثقافي والعرفي في صلبها، هوما يوضحه بقوله: "والتأويل من صلب الاجتهاد بالرأي في نطاق النص، بما هو جهد عقلي ينصب على تفهم المراد من النص لا على ضوء ما يوحي به من منطق اللغة في معناه الظاهر"(13). ويقترب الدريني في ذلك من نظرية المقاصد الشرعية في طرحها الجديد في إعادة الاعتبار للوعي التأويلي في فهم النص وممارسته وإنتاجه.
إن التأويل في إطار وعيٍ مقاصديٍ تأويليٍ جديدٍ بالنص يمكنه أن يحلّ عقبات ما يسميه رضوان السيد بعدم قدرة النظرات التجديدية المعاصرة على التحرك إلا في غير مجالات الجزئيّات(14). ومن ثم اعتماد وسائل استدلال مستقلة في ضوء الاجتهاد المطلق بالشّرع، بما في ذلك تخصيص عام النص وتقييد مطلقه، أو تأويل ظاهره أو إيقافه عن العمل، ولقد وقع فقهاً وتاريخاً ومصلحةً ً في عهد المسلمين الأوائل. فالتأويل هنا لا يخص غير الواضح الدلالة مثل"الخفي" و"المشكل" و"المجمل" و"المتشابه"، بل يشمل أيضاً ما هو واضح الدلالة بأقسامه المعروفة مثل الظاهر والنص اللذين يقبلان التأويل، إذ إن إغلاق التأويل حتى في الظاهر والنص"قد يؤدي إلى البعد عن روح التشريع والخروج عن أصوله العامة وإظهار النصوص متخالفةً"(15). وإنّ تخصيص العام هو من أوضح أشكال التأويل أي من أوضح إخراج اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر يحتمله ولومن بعيد، أو تستدعيه ذاتيته النصية، أو تستدعيه المصلحة. عن المصلحة التي يفرضها الواقع تغدو هنا من أهم طرق الدلالة، والتخصيص بالتالي بوصفه شكلاً من أشكال التأويل يكون بأدلةٍ معينةٍ تنتمي برمتها إلى حقل المتغير في الواقع مثل العقل والعرف والمصلحة وروح التشريع ومقاصده، بما في ذلك قيادة التخصيص إلى نسخ النص فعلياً، مع أنّ المنتمي إلى الفضاء التأويلي الإسلامي يقول انسجاماً مع فهمه لقداسة النص وحرية التأويل إنّ هذا ليس نسخاً بل هو بيان للمراد من العام أو المطلق، مع أنه نسخ من حيث إن النسخ في أصغر تعريفاته رفع للحكم بعد ثبوته. وبالنسبة على المسلم غير الملتزم أو غير المسلم قد لا يعني ذلك شيئاً لكن بالنسبة إلى من أرادوا ويريدون أن يعيشوا بحسب الإسلام فإن العطل ليس في دينهم بل في كوابح فهمهم له. وحين يفهمون النص مقاصدياً ستضيق الفجوة بينهم وبين غير المسلمين على أساس رسالة الانتماء الإنساني التي تشكل جوهر النص.

*******************
الحواشي
*) كاتب مفكر من سوريا.
1) محمد الطالبي، عيال الله: أفكار جديدة في علاقة المسلم بنفسه وبالآخرين، دار سراس للنشر، تونس، 1992، ص137.
(2) قارن مع أحمد بوحسن، نظرية التلقي والنقد الأدبي الحديث، في"نظرية التلقي: إشكالات وتطبيقات"، مجموعة باحثين ونقاد، جامعة محمد الخامس، 1993، ص21.
(3) منذر عيّاشي، مقالات في الأسلوبية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1990، ص137.
(4) ميلود حبيبي، النص الإبداعي بين التلقي وإعادة الإنتاج، في"نظرية التلقي: إشكالات وتطبيقات"، مصدر سبق ذكره، ص174.
(5) أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، دون تاريخ.
(6) سيد سابق، فقه السنّة 1/13، ج1، دار الكتاب العربي، بيروت، دون تاريخ.
(7) عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، مكتبة القدس، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1978، ص12.
(8) عبد الوهاب خلاف، مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نصّ فيه، جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالية، 1955، ص22.
(9) عبد الله دراز، من مقدمته لتحقيق: الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي، ص10-11.
(10) عبد الله دراز من مقدمته لتحقيق الموافقات في أصول الشريعة، المصدر السابق، ص11، قارن مع عبد المجيد الصغير، الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام: قراءة في نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة، دار المنتخب العربي، بيروت، ط1، 1994، 469-471.
(11) محمد أبو زهرة، الشافعي، ص372-373.
(12) فتحي الدريني، حول مفهوم الاجتهاد، مجلة المعارج، العددان 44-45، 2003، ص364.
(13) المصدر السابق، ص364.
(14) أورده قيس خزعل العزاوي، الفكر الإسلامي المعاصر، نظرات في مساره وقضاياه، دار الرازي، بيروت 1992، ص74.
عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، دار القلم، الكويت، 1983، ص166.

vendredi 18 mars 2011

د. عبد الوهاب المسيرى: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة


بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة

د. عبد الوهاب المسيرى



ما هي العلمانية؟ هذا السؤال قد يبدو بسيطا، و الإجابة عليه أكثر بساطة، فالعلمانية هي فصل الدين عن الدولة ، أليس كذلك؟ قد يندهش القارئ إن أخبرته أن إجابتي علي هذا السؤال بالنفي و ليس بالإيجاب. و لتوضيح وجهة نظري أري أنه من الضروري أن أطرح قضية منهجية خاصة بالتعريف. إذ أرى أن هناك نوعان من التعريفات تداخلا واختلطا وأديتا إلى نوع من الفوضى الفكرية. فهناك التعريفات "الوردية" التى تعبر عن الأمل والتوقعات من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك ما تحقق بالفعل فى الواقع. وكثيراً ما يكون البون بينهما شائع، ومع هذا يستمر كثير من الباحثين في استخدام التعريفات الوردية التي وردت في المعاجم حتى بعد أن اتضح أن ماتحقق على أرض الواقع جد مختلف.

تم تعريف العلمانية في أواخر القرن التاسع عشر باعتبارها "فصل الدين عن الدولة"، وكان التصور أن عملية الفصل هذه ستؤدي لا محالة إلى الحرية والديموقراطية وحل مشكلات المجتمع، فيَحل السلام فى الأرض وتنتشر المحبة والأخوة والتسامح. ولكن كلمة "دولة" كما وردت في التعريف آنف الذكر لها مضمون تاريخي وحضاري محدد، فهي تعني بالدرجة الأولى المؤسسات والإجراءات السياسية والاقتصادية المباشرة. كما أن الدولة في القرن التاسع عشر حين وُضِعَ التعريف، كانت دولة صغيرة وكياناً ضعيفاً، لا يتبعها جهاز أمني وتربوي وإعلامي ضخم (كما هو الحال الآن)، ولا يمكنها الوصول إلى المواطن في أي مكان وزمان. وكانت كثير من مجالات الحياة لا تزال خارج سيطرة الدولة، فكانت تديرها الجماعات المحلية المختلفة، منطلقة من منظوماتها الدينية والأخلاقية المختلفة. فالنظام التعليمى على سبيل المثال لم يكن بعد خاضعاً للدولة، كما أن ما أسميه "قطاع اللذة" (السينما – وكالات السياحة – أشكال الترفيه المختلفة مثل التليفزيون) لمَ يكن قد ظهر بعد. والإعلام لم يكن يتمتع بالسطوة والهيمنة التى يتمتع بهما فى الوقت الحاضر. والعمليات الاقتصادية لم تكن قد وصلت إلى الضخامة والشمول التي هي عليه الآن. كل هذا يعني في واقع الأمر أن رقعة الحياة الخاصة كانت واسعة للغاية، وظلت بمنأى عن عمليات العلمنة إلى حد كبير. ويلاحظ أن تعريف العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة يلزم الصمت بخصوص حياة الإنسان الخاصة و الأسئلة الكونية الكبرى مثل الهدف من الوجود و الميلاد و الموت، و لا يتوجه لمشكلة المرجعية ومنظومة القيم التى يمكن أن يحتكم إليها أعضاء مجتمع واحد.

ولكن حدثت تطورات همشت التعريف الوردي القديم منها تعملُق الدولة وتغوُّلها وتطويرها مؤسسات "أمنية وتربوية" مختلفة ذاتَ طابع أخطبوطي يمكنها أن تصل إلى كل الأفراد وكل مجالات الحياة. ثم تغوَّل الإعلام وتعملق هو الآخر وأصبح قادرا على الوصول إلى الفرد في أي مكان وزمان، والتدخل في تعريفه لنفسه وفي تشكيل صورته لنفسه، وفي التدخل في أخص خصوصيات حياته وحياة أطفاله، وفي صياغة أحلامهم ولا وعيهم. والإعلام بالمناسبة مؤسسة غير منتخبة ولا توجد أى مؤسسة لمراقبتها ومساءلتها. والسوق هي الأخرى لم تعد سوقاً، وإنما أصبحت كيانا أخطبوطيا يسيطر على الإعلام و علي كل مجالات الحياة، وهو يوجه رؤى البشر ويعيد صياغة أحلامهم وتوقعاتهم. كل هذا نجم عنه تضييق وضمور – وأحياناً اختفاء – الحياة الخاصة. في هذا الإطار، كيف يمكن أن نتحدث عن فصل الدين عن الدولة؟! أليس من الأجدر أن نتحدث عن هيمنة الدولة والسوق و الإعلام، لا علي الدين و حسب بل علي حياة الإنسان العامة و الخاصة.

إن ما يتشكل على أرض الواقع أبعد ما يكون عن فصل الدين عن الدولة، وإنما هو أمر أكثر شمولا من ذلك. فآليات العلمنة لم تعد الدولة وحسب وإنما آليات أخرى كثيرة لم يضعها من وضعوا تعريف العلمانية في الحسبان، من أهمها الإعلام والسوق و الدولة المركزية القوية. ومع هذا كلِّه ظل التعريف القديم قائماً، ولذا حينما نستخدم لفظ "علماني" فهو لا يشير إلى الواقع وإنما للتعريف الوردي الذي تخطاه الواقع، ويدور الحوار بشأن العلمانية في ضوء التعريف الوردي القديم وليس في ضوء معطيات الواقع الذي تحقق.

لكل هذا وجدت أنه لامناص من إعادة تعريف العلمانية انطلاقا من دراسة ما تحقق في الواقع بالفعل و ليس من التعريف المعجمي، علي أن يحيط التعريف الجديد بمعظم جوانب الواقع الذي تمت علمنته. فحاولت أن أقوم بتطوير نموذج تحليلي من خلال ما أطلق عليه "التعريف من خلال دراسة مجموعة من المصطلحات المتقاربة ذات الحقل الدلالي المشترك أو المتداخل". فجمعت معظم المصطلحات التي تُستخدم في وصف أو نقد المجتمعات العلمانية الحديثة مثل التسلع و التنميط و الإغتراب و إزاحة الإنسان عن المركز، ثم جردت النموذج الكامن وراءها جميعا. فلاحظت أن معظمها يشير إلى حالة إنسانية (مثالية) تتسم بالتكامل والتركيب والكلية والحرية والمقدرة على الاختيار والتجاوز، وهي حالة يكون فيها الإنسان مستقلا عن الطبيعة/ المادة، متميزا عنها، متجاوز لقوانينها لأنه يتحرك في حيزه الإنساني الذي له قوانينه الإنسانية (الاجتماعية والحضارية) الخاصة، ومن ثم فهذه الحالة هي ما يشكل إنسانية الإنسان وجوهره. ولكن هذه المصطلحات تشير أيضا إلى أن ثمة انتقال من هذه الحالة الإنسانية الجوهرية المتجاوزة الافتراضية إلى حالة واقعية ومتحققة في المجتمعات العلمانية الحديثة تتسم بذوبان الإنساني في المادي. من كل هذا استخلصت نموذجا يمكن تلخيص ملامحه في صياغة بسيطة جدا: العلمانية التي تحققت في الواقع تعني أن ثمة انتقال من الإنساني إلى الطبيعي/ المادي، أي من التمركز حول الإنسان إلى التمركز حول الطبيعة، أي الانتقال من تأليه الإنسان وخضوع الطبيعة إلى تأليه الطبيعة وإذعان الإنسان لها ولقوانينها ولحتمياتها، أي أن هذه العلمانية تشكل سقوطا في الفلسفة المادية.

وانطلاقا من هذا قمت بالتفريق بين ما أسميه "العلمانية الجزئية" التي يمكن أن أطلق عليها "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية"، وهي "فصل الدين عن الدولة" من ناحية، ومن ناحية أخرى ما أسميه "العلمانية الشاملة"، وهي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية. وهي رؤية شاملة، لأنها تشمل كلاً من الحياة العامة والخاصة، بحيث تتساوى كل الظواهر الإنسانية والطبيعية وتصبح كل الأمور مادية. إن العالم، من منظور العلمانية الشاملة (شأنها في هذا شأن الفلسفة المادية)، خاضع لقوانين مادية كامنة فيه لا تفرق بين الإنسان و غيره من الكائنات. كل هذا يعني نزع القداسة عن الطبيعة والإنسان وتحويلهما إلى مادة استعمالية، يوظفها القوي لحسابه. والعلمانية الشاملة بطبيعة الحال لا تؤمن بأية معايير أو مطلقات أو كليات، فهى لاتؤمن إلا بالنسبية المطلقة. بل إننى أذهب إلى أن ثمة ترادف بين العلمانية الشاملة والرؤية الداروينية الصراعية، ولذا أسميها العلمانية المادية أو العلمانية المنفصلة عن القيمة أو العلمانية الداروينية، إذ إنه في غياب المعايير التى تتجاوز الذات الإنسانية تظهر آلية واحدة لحسم الصراع وهي القوة، ولذا نجد أن البقاء هو للأقوى، ولعل المنظومة الداروينية الصراعية هي أقرب المنظومات اقتراباً من نموذج العلمانية الشاملة.

و العلمانية ليست ظاهرة إجتماعية أو سياسية محددة واضحة المعالم تتم من خلال آليات واضحة (مثل إشاعة الإباحية)، يمكن تحديدها بدقة وبساطة. كما أنها ليست -كما يتصور البعض- أيديولوجية أو حتى مجموعة من الأفكار التي صاغها بعض المفكرين العلمانيين الغربيين، وأن هذه الأفكار نشأت في أوروبا بسبب طبيعة المسيحية، باعتبارها عقيدة تفصل الدين عن الدولة وتعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وأنه للتحقق من معدلات العلمنة في مجتمع ما، فإن علي الباحث أن يتناول عمليات العلمنة الواضحة وآلياتها المباشرة ومؤشراتها الظاهرة، فإن وجدها،صُنِّف المجتمع باعتباره مجتمعاً علمانياً، وإن لم يجدها فهو، بكل بساطة، مجتمع إيماني! وانطلاقا من هذا التصور الاختزالي تصبح مهمة من يود التصدي للعلمانية هي البحث عن هذه الأفكار العلمانية والممارسات العلمانية (الواضحة) وعن القنوات التي يتم من خلالها نقلها. ومهمة من يبغى الإصلاح هي ببساطة استئصال شأفة هذه الأفكار والممارسات، عن طريق إصدار تشريعات سياسية معينة وفرض رقابة صارمة على الصور والأفكار الواردة من الخارج.

إن مَن يدرس ظاهرة العلمانية باعتبارها مجموعة من الأفكار المحددة والممارسات الواضحة، يتجاهل الكثير من جوانبها وبالتالي يفشل في رصدها. إن مصطلح «علمانية» كما هو متداول لا يشير إلا إلى هذه الجوانب الواضحة و الظاهرة التي أشرنا إليها، فهو دال قاصر عن الإحاطة بمدلوله. فالعلمانية ثمرة عمليات كثيرة متداخلة بعضها ظاهر واضح والآخر بنيوي كامن، وتشمل كل جوانب الحياة، العامة والخاصة، الظاهرة والباطنة، وقد تتم هذه العمليات من خلال الدولة المركزية، بمؤسساتها الرسمية، أو من خلال قطاع اللذة من خلال مؤسساته الخاصة، أو من خلال عشرات المؤسسات الأخرى (ومنها المؤسسات الدينية)، أو من خلال أهم المنتجات الحضارية أو أتفهها.

ولذا فدائما ما أشير إلى ما أسميه "العلمنة البنيوية الكامنة" لوصف ما أتصور أنه أهم أشكال العلمنة وأكثرها ظهوراً وشيوعاً. والتي تتسرب لنا، وتتغلغل في وجداننا، دون أي شعور من جانبنا، من خلال منتجات حضارية يومية وأفكار شائعة وتحولات اجتماعية تبدو كلها بريئة أو لا علاقة لها بالعلمانية أو الإيمانية. خذ علي سبيل المثال سلعة من أكثر السلع شيوعا و أبسطها، التِّيشيرت
وما قولكم في هذه النجمة السينمائية المغمورة (أو الساطعة) التي تحدثنا عن ذكريات طفولتها وفلسفتها في الحياة وعدد المرات التي تزوجت فيها وخبراتها المتنوعة مع أزواجها، ثم تتناقل الصحف هذه الأخبار وكأنها الحكمة كل الحكمة! وقد تحدثت إحداهن مؤخرا عما سمته "الإغراء الراقي"، مما يدل على عمقها الفكري الذي لا يمكن أن تسبر أغواره. أليس هذا أيضاً علمنة للوجدان والأحلام إذ تحوَّلت النجمة إلى مصدر للقيمة وأصبح أسلوب حياتها هو القدوة التي تُحتذى، وأصبحت أقوالها المرجعية النهائية؟ وقد يكون وصف أقوال هذه النجمة بأنها منافية للأخلاق أو للذوق العام وصفاً دقيقاً، ولكنه مع هذا لا يُبيِّن الدور الذي تلعبه النجمة وأفكارها في إعادة صياغة رؤية الإنسان لنفسه وتَصوُّره لذاته وللكون بشكل غير واع- ربما من جانبها ومن جانب المتلقي معا.

أن بعض المنتجات الحضارية التي قد تبدو بريئة تماماً و مجرد تسلية مؤقتة تؤثر في وجداننا وتُعيد صياغة رؤيتنا لأنفسنا وللعالم. إذ إن أولئك الذين يرتدون التِّيشيرت، ويشاهدون الأفلام الأمريكية (إباحية كانت أم غير إباحية)، ويسمعون أخبار وفضائح النجوم ويتلقفونها، ويشاهدون كماً هائلاً من الإعلانات التي تغويهم بمزيد من الاستهلاك، ويهرعون بسياراتهم من عملهم لمحلات الطعام الجاهز وأماكن الشراء الشاسعة يجدون أنفسهم يسلكون سلوكاً ذا توجُّه علماني شامل ويستبطنون عن غير وعي مجموعة من الأحلام والأوهام والرغبات هي في جوهرها علمانية شاملة دون أية دعاية صريحة أو واضحة. وربما كان بعضهم لا يزال يقيم الصلاة في مواقيتها ويؤدي الزكاة.

ونظراً لعدم إدراك البعض لأشكال العلمنة البنيوية الكامنة هذه، فإنه لا يرصدها. ولذا، يُخفق هذا البعض في تحديد مسـتويات العلمنة الحقيقية. وعلى هذا، فقد يُصنَّف بلد باعتباره إسلامياً (مثلاً) لأن دستور هذا البلد هو الشريعة الإسلامية مع أن معدلات العلمنة فيه قد تكون أعلى من بلد دستوره ليس بالضرورة إسلامياً ولكن معظم سكانه لا يزالون بمنأى عن آليات العلمنة البنيوية الكامنة التي أشرنا إليها.

و الله أعلم.

الأنوثة في فكر ابن عربي


إنَّا إنَاثٌ لما فِينَا يُولِّده

فلنحمد اللّه مَا فِي الكونِ من رَجلِ

إنَّ الرجَالَ الذِين العرفُ عَيَّنهم

هم الانَاثُ وَ هم سُؤلِي وَهم أملي



[1]

ابن عربي





ارتبطت التجربة الصوفية في السياق الإنساني، بانفتاح متفرَد على آفاق معرفية متميزة. وتمثلت علاقتها مع الدين كمؤسسة بعلاقة اتصال وانفصال ، علاقة امتداد وانقطاع في آن.



ففي الوقت الذي تتقاطع فيه الفلسفة الصوفية مع التراث الديني كبعد أساسي في تأسيس هذه التجربة، يحاول التصوف الفلسفي أن يقدّم تصوَره الخاص المبني على قراءة للعمق الخفي والمستتر لهذا الدين، الذي لا يعود مهمًا، فقط كأوامر ونواهي، وعادات وعبادات…



والتجربة الصوفية هي تجربة مسلكية تمثل رغبة محرقة في الاتصال مع" الله "، وفي الذهاب من الظاهر إلى الباطن، من المألوف إلى الماورائيات ، وذلك لا يتم إلا باستيفاء شروط واختبارات روحية عميقة.



من هنا شكّلت التجربة الصوفية طرحاً مختلفا، وفريداً، ورؤية للوجود تحمل الكثير من الغموض والغرابة بالنسبة لمن يحيا البعد المادي بعيدا عن عالم الروح ، لأنها تترك للجوانب المدهشة في هذا الكون وفي الكائن سحرهاودهشتها.



من جهة أخرى تتأسس التجربة الصوفية من علاقة ثلاثية الأبعاد ، تتجسد ، في علاقة الإنسان مع " الله " (أو المقدس)، و في علاقة الانسان مع الوجود وكائناته ، وفي علاقة المكوّن مع الكائنات ، فهي تجربة معرفية، تجربة في النظر والسلوك، تطرح نظامها الخاص، وتقدم أدواتها التي تختبر بها المجهول.



وقد تميز تأويل ابن عربي للنصوص الدينية، جعله يبتعد في مناطق جلبت له تأليب الفقهاء وانتقاداتهم الحادّة ، أدت بهم لاتهامه بالزندقة، لكن عندما نتأمل عميقًا في نظريته الفلسفية نكتشف هذه القدرة المدهشة على استكناه النص، والتوغل في عتماته، ولا شك أن التجربة الشخصية (الصوفية) التي عاشهاالشيخ الأكبر، وظرفه التاريخي أتاحا له هذه الفتوحات، فهو عاش في الأندلس في لحظة حضارية عرفت أوج التبادل الحضاري والمعرفي، والانفتاح على الثقافات الأخرى، والديانات المختلفة. وهو قد تأثر بكل التيارات التي كانت موجودة في عصره، وكل ما وصله من علوم متباينة، وان موسوعته "الفتوحات المكية" خير شاهد على هذه التأثيرات.

ومن أطرف تصورات ابن عربي هي نظرته إلى المفاهيم واعطائها توصيفات جيدة أخرجتها عن مضامينها السائدة، كما ان نظرته للديانات الأخرى تميزت بانفتاح حقيقي تميز بروح تسامحية قل نظيرها. وذلك في إطار نظريته في التأويل الرمزي، فهو" لم يهتم بأسس الاختلاف والتنوع بقدر ما حاول اكتشاف البنية التي توحد تلك الأديان والشرائع، فما يهمه ليس توزعها الإيديولوجي والجغرافي، ولكن بنيتها الأساسية الجوهرية التي تجد كامل تفسيرها في فكرة التجلي، وفعلا، فالاعتقادات والأديان تشكل مظاهر وتجليات لمعاني الألوهية"[2]



لذلك نجد ان الإبداع الفلسفي في الخطاب الأكبري ينفتح على أنساق فكرية إنسانية كونية ، هذا البعد الذى يتخذ فى فكره بعدا وجوديا. وعبره يطرح العلاقة بين الوحدة والكثرة، الثبوت والحركة، التنزه والتشبيه.. من خلال رؤية تنبنى على قطبية الوجود "الأنوثة والذكورة".





كما فرّق بين التجليات الوجودية والتجليات الاعتقادية، فالكون والمخلوقات كلها مظاهر التجلي الإلهي، هذا التجلي المستمر والمتغير بلا انقطاع " فلو لم يظهر التبدل في العالم لم يكمل العالم، فلم تبق حقيقة إلهية إلا وللعالم استناد إليها، على أن تحقيق الأمر عند أهل الكشف أن عين تبدل العالم عين التحول الإلهي في الصور"[3].



فالكون والوجود يتحولان بتحول التجليات الإلهية، كما أن التجليات تكون بحسب استعداد البشر واختلافاتهم، والإنسان الكامل هو الذي يدرك ثبات الحقيقة رغم اختلاف تجلياتها في الصور المختلفة.



ومن هنا فمعرفة المتصوفة له تمييزهم عن غيرهم " فالعارف الكامل يعرفة في أي صورة يتجلى فيها، وفي كل صورة ينزل فيها، وغير العارف لا يعرفه إلا في صورة معتقده، وينكره إذا تجلى له في غيرها".[4]





مفهوم الانثى عند ابن عربي





تحضر مسألة الأنوثة مع صاحب الفتوحات بخصوصيةٍ ميزَّته عن سابقيه، حيث تتخذ معه طابِعًا معرفيًّا بشكلٍ واضحٍ وصريح ؛ فيخترق الأزواج المفاهيمية على المستوى الأنطولوجي والأنتربولوجي ، والمعرفي واللغوي… ف" الانثى " كمفهوم هي نقطة محرقية لاستقطاب التجليات الالهية كونها تمثل البعد المنفعل في تلقي الانوار الالهية .



فخطاب ابن عربي لا يكف عن الاحتفال بالأنوثة le féminin بحضوره الباذخ و بهائه اللامع ، بحشمته المضيئة وعتمته الواعدة ، وسريته الكاشفة، من داخل صونها المحير، ماهيته الأسرار كلها.



فيحضر مفهوم الأنثى بشكله الواسع والعميق إلى حدٍّ يمكن للباحث أن يعتبر أنّ الخطاب هو خطاب أنوثة ، يقول ابن عربي في معرض مناسبة كتابته للفتوحات ، التي هي مشاهدته القلبية للانبياء ، حين يصل إلى عيسى:



" قد جثى يخبرة بحديث الأنثى "[5]



فخطاب ابن عربي يمخرالأعماق لينتشر على صفحات الكتابة ، فهو ينكتب على صفحات الروح وما يُكتنز داخل الجسد كما ينكتب على برانيته في آن



فيتم العبورعبر الجسد نحو الطاقة الفعالة للفكر وممكناته دون أن يجعله جزءًا أساسيًّا من الجسد المكتوب corps écrit ،فينفتح خطابه على الصيرورة الأنثوية devenir- féminin نحو خارج الكينونة، فيهز أساس اللغة ليبحر نحو سطح الوجود، وأحداثه الخالصة.



والاعتراف "بالانوثة والذكورة " كقطبية تميزالوجود، هو في ذاته إعادة النظر في مبادئ الفكر " العقلاني " ( مبدأ الهوية ، الخلق ….) لذلك عمد ابن عربي لاعتماد مبادئ منها (التثليث ، الحب ، الرؤية …) الأمر الذي سمح له بمرونة تقبل القضية ونقيضها ، فتتعدد الدلالات المتعلقة بنفس الموجود و تتقابل لتثير حيرة الفكر ، هذه الحيرة التي يعتبرها عين الصواب وهي الطريق لمعرفة الكون نظرًا للطابع الخيالي الذي يتسم بها .



فالهوية عنده في تفتّح مستمر ومتواصل فالذات حركة دائمة في تجاه الآخر. ولكي تبلغ الذات الآخر لابد من أن تتجاوز نفسها، أو لنقل : لا تسافر الذات في اتجاه كينونتها العميقة، إلا بقدر ما تسافر في اتجاه الآخر وكينونته العميقة. "ففي الآخر تجد الذات حضورها الأكمل. الأنا هي، على نحو مفارق اللاأنا. والهوية، في هذا المنظور، هي كمثل الحب - تخلق باستمرار."[6]



لذلك يتميز الخطاب الأكبري بأنه خطاب بلا ذات discursivite sans sujet تشتغل فيه سيرورة الكتابة على الآثارles traces ، أكثر مما تشتغل على ماهية معطاة، فيتجاوز محدودية الحدس والشطحات الى العمل عليها، ومحاولة أسرها انطلاقا من ماكينة تأويل مركبة ذلك ما يسميه دريدا في (Eperons)[7])، العملية الأنثوية التي تكتب وتكتب في آن ، واليها يؤول الأسلوب.



ويتميز أسلوب الكتابة عن "الأنثى " عند الشيخ الأكبر بميزات جمالية منها:





اولا: فهو يتجاوز بالكلمة والمصطلح حدود التركيب والمعنى المألوف ليجعلها تناغم في صيرورة سحرية سرّية، فنجد في اسلوبه افتتانا هرموسيًّا، غنوصيًّا، يلج نوعا من الانخطاف اللانهائي، وهذا الامر شبيه بما أسماه نيتشه في سياق آخر: الرقص بالكلمات والأسلوب .



ثانيا: ان خطابه عرفاني فلسفي صوفي ، لذلك يتجاوز محدودية الحدسيات والشطحات الى الاشتغال عليها، ومحاولة أسرها انطلاقا من ماكنة تأويل مركبة ، ومن أشكال تعبير متنوعة ، فمفهوم "الانوثة عنده " يتجاوز البعد المادي و الصورة لتأخذ بعدًا غيبيا اونطولوجيّا .



ثالثُا : أن خطابه "بلا ذات "discursivite sans sujet ينطلق فيه من خلال سيرورة الكتابة على ما يترتتب عليها، أكثر مما ينطلق من معطيات محددة.



لذلك نجد أن هذا الاسلوب لا قياس له ولا ينضبط لأنه انخراط في لانهائية النهائي ، ويمكن ان نصفه بالمقاربة المربكة للحواس المدوخة للفكر ، وتطرح المقاربة هنا كإلتزام انطولوجي .





فالشغف الانخطافي عند ابن عربي هو انخطاف ينمرس في أفق المعلوم وازاء ملفوظاته ، وهو يختلف عن الانخطاف العاري… ، الذي يبتكر الآخر ، وينشغل به ويستحضره ، وفق نمط يجعل الكتابة رهينة الأنثوي.



وهذا الأمر يجعل التجربة الانخطافية Iexperience extatqué تجربة مشروطة بفاعلية التأويل ، ويجعل العمق الأونطولوجي، ملزما باستدعاء المنطوق الملفوظ ، واستخراج ممكنات المجاورة منه . فهي انخراط الكتابة، في استدعاء الأنثوي واستثماره .





إحتفال ابن عربي بالعلة المؤنثة





و يأتي احتفال فكر _الكتابة عند الشيخ الأكبر بالعلة المؤنثة في اماكن كثيرة من كتبه يقول في فصوص الحكم : "فإذا الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه ، فهو بين مؤنثين ، تأنيث ذات وتأنيث حقيقي(…) كآدم مذكر بين الذات الموجود عنها وبين حواء الموجودة عنه (…) فكن على أي مذهب شئت ، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم ، والعلة مؤنثة ..)[8]



وقد خص ابن عربي آخر الفصوص (فص الكلمة المحمدية) الجزء الأكبر منه لتأويل حديث نبوي وابراز موقع التأنيث داخله وأهميته وفاعليته وأبعاده اللامرئية ، لا كتأنيث لفظي متعلق بالتركيب اللغوي للحديث (كون الحديث ذكر العدد على وجه التأنيث ، رغم أن العرب تذكر لوجود مذكر في الخطاب )، ولكن كتأنيث معنوي غير لفظي، يعتمد إبراز الأنوثة المطلقة الأنوثة التأكيدية ، التي هي من الكتابة والجسد ، تجربتهما القصوى التي تنكتب خارج أسر الإرادة /المشروع ، ولا تصير قابلة للمعرفة قبل أن تكون موضوعا لرغبة سيده . إنه ما يسميه بلانشو Blanchot سلطة الأنثوي المتعذر تعريفها، حتى على من يقدر أو يعتقد البقاء غريبا عنها، لا "الأنثوي الأبدي" , l’éternel feminin الذي تحدث عنه غوته ، والذي هو نسخة شاحبة من بياتريس الأرضية والأبدية لدانتي[9].





الانثى محل انفعال والانفعالية عَرَض





يقوم التصور العرفاني لابن عربي على اعترافه بحضور "الأنوثة والذكورة " عبر كل فعل من منطلق كونهما منفعل / فاعل، يقول ابن عربي: " فإن كل منفعل رتبته رتبة الأنثى وما تم إلا منفعل، والفعل مقسم على الحقيقة بين الفاعل والمنفعل ، فمن الفاعل الاقتدار ومن المنفعل القبول للاقتدار عليه "[10]



وأن تكون الأنثى محل الانفعال هو تأكيد لأبعاد هذه العملية الخلاقة والاستراتيجية ، إبراز لأهمية التأنيث المعول عليه ، ولمنزلته في الوجود، أو لتلك الأنيما L’Anima القوة الأنثوية المحررة التي تصير نافعة ومؤكدة.



يمكن في هذا السياق ، اعتبار كتاب ابن عربي (ترجمان الأشواق )، تعبيرا عن هذه الفاعلية المشتغل عبر الفتنة : فتنة الكيان ، المجسد وفتنة اللغة في آن ، أو فتنة التأويل وفتنة الأنثى - الخطاب معا.



وتتحدد الفاعلية والانفعالية عند ابن عربي كعلاقة أو نسبة ، والنسب ليست من حقائق الكائن عنده لأنها مجرد أعراض يقول ابن عربي في رسالته عقلة المستوفز في باب الكمال الإنساني : "فكلامنا إذا في صورة الكامل من الرجال والنساء فإن الانسانية تجمع الذكر والأنثى ، والذكوريّة و الأنوثية إنما هما عرضان ليستا من حقائق الانسانية …"[11]







الأنوثة مبدأ كوني لأن صور الكون ذات طبيعة انفعالية





ينطلق ابن عربي من مبدأ هو أنه لا يوجد في الوجود إلا الحق وأعيانه وصوره ، والكون هو صور الحق المنعكسة في مرآة الوجود وتحمل الصورة سمات المتجلي ، فما يُطبع في الصورة من موجودات كونية يجد أصله في الوجود الإلهي وهو شأن الأزواج المفاهيمية : الجمال والجلال ، الوحدة والكثرة ، القدم والحدوث …..) [12]



وهذه الصور للموجودات هي ذات طبيعة انفعالية لذا يصرح الشيخ الاكبر بأنه ما تمَّ إلا منفعل إذ أن كلّ ما سوى الله فهو منفعل أي محل يتميز بالاستعداد للتلقي والتأثر فتسري الأنوثة كمبدأ كوني على اعتبار ان الكون محل لفعل الخالق .



وهنا نفهم عمق الدلالة في "الوصية الحكمية " الوصية الاولى في كتابه الوصايا :





إنَّا إنَاثٌ لما فِينَا يُولِّده * فلنحمد اللّه مَا فِي الكونِ من رَجلِ





كون الانسان مرآة التجليات الاسماء والصفات الالهية وهو محل استقطاب للافعال الإلهية ، و هذا الإستعداد للقبول ، خاصية ذاتية تميز المحل وبفعل هذه الخاصية وُجدَ الكون لأن كل الموجودات قي تمتلك قابلية المحل إلا الله والمحل عند بن عربي لا يعني أنه المكان لأنه يقول ب "أينية المحل "بتعبير ابسط هو "أين تتجه الصورة " فإن المحل هو القابل للتلقي ….



يقول ابن عربي :" وليس (تعالى )محل حوادث بل الأعيان محل الحوادث وهو عين الحوادث عليها ، فإنها محال ظهوره …فما هو لنا بأين ونحن له أين ، فمن لا أينية له هو نحن ، فأعياننا أين لظهور ……."[13] وميزة العين هي الرؤية وخاصية المحل هي تلقي أثر المتجلي أي أثره أو صورته مما يجعل من المحل مرآة وموضوع للرؤية .





المرآة كمفهوم هي تجسيد لمبدأ الأنوثة





الأنثى عند الشيخ الأكبر محل، والمحل مرآة ، والرؤية كعلاقة بين المرآة والمتجلي وصورته هي أساس الإيجاد ، ويتطلب هذا الإيجاد محلا أصليًّا يقبل تجلي الوجود المطلق ويتمثل في الأعيان الثابتة ، ويُعد ابن عربي أول من استعمل مصطلع الأعيان الثابتة بمعنى الحقائق الباطنية للأشياء [14].



وجلاء مرآة الوجود يرجع إلى فعل التنفيس كحركة رحمة وارتياح وذلك لقوة تأثير الحبّ وإذا سألنا "من أين الحب ؟" يجيب ابن عربي :" من تجليه في اسمه الجميل "…… " فإن قلت وما الجمال ؟ " قلنا نعوت الرحمة والألطاف من الحضرة الإلهية باسمه الجميل "[15]



فحضورالمرآة في فكر ابن عربي يتعلق بطرحه لمبدأ الأنوثة على المستوى الأنطولوجي ، فالمرآة ارتبط تاريخيا بالجمال والخيال والحب والمرأة … وكل تركيبات هذه المفردات وعناصرها جعلها تقترن بعالم الطبيعة والانفعال ومن ثم الزوال ، كما ان الأنوثة احتلت في إطار التفكير الفلسفي مرتبة النقص والتبعية على اساس إعطاء الافضلية للفاعل بالنسبة للمنفعل .



اما عند ابن عربي فإنه إستمد المقولات المتداولة في عصره (الفاعل والمنفعل ) وافرغ هذه المفاهيم من مضامينها السابقة ليعيد بناءها على أساس إلغاء الأفضلية والتراتتبية .



وقد اعتمد ابن عربي في بنائه لمبدأ الأنوثة على مبادئ :





· مبدأ التثليث بدل مبدأ الهوية .





· انطلق من علم النكاح عوضًا عن التأمل .





· اعتمد على مبدأ المحبة كأصل للمعرفة والإيجاد بدلا من اعتماده على العقل .





هذا من ناحية مبدأ الانوثة عند ابن عربي أما من حيث الكتابة نفسها، فهي تنخرط في رقصها الانخطافي المؤنث ،عبر التأرجح الذي تلج حيزه باستدعائها لحميمية الأنثوية وفتنتها ، تنسكن بنوع من الكتابة البيضاء، المعتمة التي تتشظى في آثارها traces، في انمحاءاتها في صمتها، وفي اللامفكر فيه الذي تكتنزه ، تكتبه وتمحوه ، لتصير أثر الأثر trace d’une trace ، أو لتنوشم باستحالة الكتابة ، بنوع من الاشتغال الهرمسي ، الفعال في العمق الفاصل و الرابط بين حافتي ثنائية الجنسين في آن واحد Ie pli des deux sexes ، لأن خط الأنثوي ، يمر في ترحاله الباذخ بينهما.





بهذا المعنى يكون ابن عربي أحد القلائل الذين ورطوا الكتابة في مساءلة الأنثوي، والذين اندمجوا في تحقق الهدف الملغّز لفعل الكتابة والذي هو : اطلاق الصيرورات من قيودها ، déchainer les devenirs .





Marwa kreidieh





Marwa_kreidieh@yahoo.fr





المراجع :





· ابن عربي ، الوصايا ، مطبعة كرم ، دمشق ، سوريا ، 1958 .





· ابن عربي ، الفتوحات المكية ، دار صادر، د.ت بيروت، لبنان .





· ابن عربي ، فصوص الحكم ، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان 1980.





· ابن عربي ، عقلة المستوفز / من مجموعة رسائل ابن عربي ، دار الانتشار العربي ، بيروت، لبنان 2002 .





· أدونيس ، الصوفية والسوريالية ، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1992.







· منصف عبد الحق : الكتابة والتجربة (نموذج محي الدين بن عربي)، منشورات عكاظ، الرباط ، 1988.







· Derrida, Eperons, Falmmarion/champs, 1987.





· Blanchot; la communaute, inavouable, Mnuit, . 1983, P.91





· The Mystical Philosophy of Muhyid-in Ibn Arabi , Ed. A.M.S Press, New York 1974 , p.41









[1] الوصايا ، ابن عربي، مطبعة كرم ، دمشق ، سوريا ، 1958 ، ص.4 .





[2] - منصف عبد الحق : الكتابة والتجربة (نموذج محي الدين بن عربي)، منشورات عكاظ، الرباط، ط1 1988، ص 198.





[3] - ابن عربي : الفتوحات المكية، دار صادر بيروت، ج3، ص 457.





[4] - ابن عربي : المصدر نفسه ، ج 3، ص 132.





الفتوحات المكيَّة ، ابن عربي ، دار صادر ، الجزء الأول ، ص. 2 – 3 .[5]





[6] أدونيس : الصوفية والسوريالية، أدونيس : الصوفية والسوريالية، دار الساقي، بيروت، 1992،ص166.





[7] Derrida, Eperons, Falmmarion/champs, 1987.p 35





[8] ابن عربي ، فصوص الحكم - دار الكتاب العربي 1980، بيروت ص 220ـ 218.





[9] Blanchot; la communaute, inavouable, Mnuit, . 1983, P.91





[10] الفتوحات المكيَّة ، مرجع سابق ،الجزء الأول ، ص.507





[11] عقلة المستوفز / رسائل ابن عربي ، ابن عربي ، ، ط1 ، دار الانتشار العربي ، بيروت ،لبنان 2002 ، ص.75





[12] حسب فلسفة ابن عربي فإن هذا التقابل لا يتعلق بذات الله بل بأسمائه ويتمثل عبر المراتب الأولى للوجود في الحضرة الثالثة .





[13] الفتوحات المكيَّة ، مرجع سابق ،الجزء الثاني ، ص.74 – 75 .





[14] The Mystical Philosophy of Muhyid-in Ibn Arabi , Ed. A.M.S Press, New York 1974 , p.41





[15] الفتوحات المكيَّة ، مرجع سابق ،الجزء الثاني، ص. 114 - 133

lundi 14 mars 2011

هيئة ميثاق القبائل التونسية. من اجل الخلاص الوطني

هذا البيان نُشر سنة 2006
بيــــــــــان


عاشت القبائل منذ الاستقلال صابرة على كل القرارات الصادرة عن الرئيس السابق الحبيب بورقيبة والمتمثلة في دثر القبلية من عروق الوطن حتى حرم ابن القبيلة من الحماية القبلية ليتفرد به الحكم البائد لكنه فشل في هذه المؤامرة. ها نحن اليوم نشهد نوعا جديدا من التسلط والحرمان ويبرز هذا من خلال الحملات ضد النساء والبنات المتحجبات بنزع الحجاب مدعين بذلك بأنهم طائفة جديدة لا توجد داخل الإسلام والعروبة وبهذا ينتزعون من الشعب حقهم في اختيار معتقداتهم وبالتالي دفع هذا العمل الشنيع شبابنا إلى الهجرة خارج الوطن حتى و أن كانت غير قانونية للبحث عن عمل ومكان يتوفر فيه الأمن والاستقرار. إذ نجد معظم شبابنا اليوم لا يعمل حتى وإن توفرت لديه شهادة عليا بينما نهبت ثروات بلادنا من قبل عائلة الطرابلسي ومن معهم. من أجل وطننا تونس ومن أجل تحريرها من أيادي العملاء ومن الهيمنة الغربية فأننا نسعى اليوم إلى توحيد الجهد الوطني الخير والمخلص للوطن وذالك لتحقيق مستقبل زاهر لتونس وأبنائها حيث يجب علينا أولا تخليص تونس من الهينة الغربية التي تبرز من خلال سيطرتها على تفكيرنا؛ لباسنا وحتى تصرفاتنا اليومية. وقد أصبح الصهاينة يعيشون بيننا ويفرضون أرآهم ويأخذون أفكارنا إلى بلادهم التي اغتصبوها من أهلها ومن هنا أصبحت تونس تعيش داخل مجموعة من الجواسيس والعملاء الذي صنعهم الاستعمار العولمة الغربية وخاصة الأمريكي حيث يريد هذا الأخير أن يجعل من تونس منطلقا للتدخل في شؤون منطقة المغرب العربي والعالم الإسلامي مستفيدة من الوهن العربي الحكومي القائم لنشر ثقافتها في جميع أنحاء العالم ولبناء مجتمع شرق أوسطي جديد بقيادة الصهيونية العالمية والعمل على شرذمة الخارطة العربية الإسلامية مما يجعل هذا الكيان الصهيوني القوى العظمى والمسيطرة على العالم.
أن هدف الأمريكيين والصهاينة لا يقتصر على تونس فقط بل على جميع البلدان العربية من خلال ما نشهده اليوم من حروب وصراعات داخل المنطقة العربية رغم كل ذالك فإن الشباب العربي يقف دائما بالمرصاد لتحرير وطنه و بروز نظرة الاشمئزاز والكره داخل قلوب العرب اتجاه الأمريكيين حيث تجرئ الكثيرون على انتقاد هذا الهيمنة سوى أن كان ذالك في ارويا أو أسيا أو من خلال تظاهرات رافضة للهيمنة الرأسمالية والداعية لوقف الهيمنة الأمريكية وحلفائها.
ومن اجل شهداء بلادنا الذين أتاحوا لنا فرصة العيش في الاستقلال الأولي فإننا نسعى إلى مقاومة الظلم والاستبداد وتحرير تونس من هذا الاستعمار الغربي ولإعادة بنائها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا على أسس عربية إسلامية صحيحة هادفة إلى إقامة نظام وطني ديمقراطي تعددي يؤمن بوحدة صف الشعب التونسي وسيادته ويحقق كرامته واستقلاله السياسي ويصون الحريات ويضمن حقوق الإنسان ويعمل على تحقيق الرفاهية والتقدم لشعب تونس الذي ضحى ولازال يضحي بالغالي والنفيس من اجل تحقيق ذلك و من خلال هذا الوعي للمشروع الإمبريالي. ومستلزمات المواجهة من قبل القبائل الوطنية كافة والتي عبرت عنه بأساليب سلمية صاعد إلى مواقف وأساليب أخرى. مرورا بالموقف الوطني الرافض للهيمنة وأدواتها وعملاءها وترتيباتها السياسية. دعم المناضلين أمثال السادة: الدكتور المنصف الرزوقي والدكتور مصطفى بن جعفر والأستاذ نجيب ألشابي والسيد حمى الهمامي ماديا ومعنويا وإعلاميا وتوفير بيئة وملاذا آمنا لهم لتحقيق أهدافنا المنشودة. وقد هيأنا لذلك بيئة صحية لحوار وطني ملتزم بقضية تونس والأمة وفق برنامج وطني شامل يحتوي على أفكارا للمناقشة حول قيام هيئة الأحرار التونسية. "من اجل الاستقلال التامٍِ" والمحافظة على وحدة الصف وحمايته. تضم الأحزاب والقوى والحركات والشخصيات الوطنية القومية والإسلامية من كل المهن والوظائف والشرائح الاجتماعية والعلمية والأكاديمية وأساتذة الجامعات والعسكريين ورؤساء القبائل والمخلصين من أبناء الزيتونة رجال ونساء والرافضين لهذا النظام العميل إضافة إلى رموز الطلبة ورجالها الشجعان.
وفقا على ما تم في اجتماع قبائل ورغمه والهمامة وبني يزيد والجلاص في قفصه يوم الحد 28 أكتوبر2006 فان هذه الأفكار المقترحة تطرح للمناقشة لإقرارها والبناء عليها لتشكل مشروع للعمل الوطني الجاد. طريقا للخلاص من هذا النظام الذي تحكمه شجرة الدر وعملاءها نأمل أن تلقى رضا وقبول الجميع إنشاء الله .مع الاستعداد والرغبة الصادقة لتطويرها بما يخدم التوجه الرئيسي المتمثل في تحرير شعبنا من الظلم والاستبداد والقهر وإفشال المشروع الإمبريالي الصهيوني ضد امتنا العربية الإسلامية وإعادة بناء بلدنا وفق أسس حضارية. والله من وراء القصد.

1 ترسيخ مفهوم المواطنة وحب الوطن والولاء له قبل أي ولاء والانتماء لتاريخه وحاضره ومستقبله قبل أي انتماء آخر...والتأكيد على حق الشراكة في الوطن الواحد والعيش تحت راية واحده

2 الالتزام بعروبة تونس وانتمائها القومي الإسلامي نظرا لتاريخ تونس المجيد بدون تمييز وتناحر و لكونها جزء من امة عظيمة كان لها دورا حضاريا متميزا في قيادة الإنسانية عبر قرون من تاريخها المجيد.

3 الالتزام بالعمل الديمقراطي وتجسيده قولا وفكرا وممارسة وثقافة وممارسة الشورى وتبادل الرأي. وقبول الرأي الآخر واحترام وجهات النظر الوطنية وممارسة النقد والنقد الذاتي لجميع المواقف والإجراءات والقرارات

4 احترام حرية الفرد في الفكر والسياسة وإبداء الرأي وحرية المعتقد والانتماء الوطني والعمل الثقافي والمهني والحزبي بعيدا عن التعصب الأعمى إنما هو الطريق السليم لإطلاق طاقات الإنسان الخلاقة من اجل تحقيق أهداف وطنية صادقه

5 العمل على محاربة الأفكار الهدامة والتخريبية والدعوات المشبوهة التي تناصر الامبريالية وعملاءها وفضح أهدافها وغاياتها والابتعاد عن التطرف والعنصرية والابتعاد عن مفاهيم القومية والحزبية والطائفية المتعصبة على حساب حب الوطن والانتماء له والاستعداد للتضحية في سبيله.

6 ترسيخ قدسية حقوق الإنسان واحترامها وتأكيد حقه في العيش الكريم والسعادة والعمل على توفير ما يحقق الرفاهية والحياة الحرة الكريمة له ولعائلته وإشعاره بان ذلك هو حق مقدس من حقوقه المفروضة على الوطن طالما هو قد جسد انتماءه للوطن واستعد للدفاع عنه بكل ما يستطيع لإنجاز اسمي هدف في تاريخ تونس هو التحرر الوطني وبناء البلاد والمشاركة في صنع قراره المستقل.

7 جمع العناصر الوطنية الصادقة والثابتة في مواقفها برفض الهيمنة على أمتنا وتشجيع الإبداع والمبدعين والمتميزين بعطائهم الوطني والتركيز في ذلك على لصحاب الكفاءات العلمية والمهنية والأكاديمية والتي هم مفخرة لتونس. وضرورة المحافظة على هذه الثروة الوطنية الهائلة وذالك بتوفير المناخ الملائم لتحقيق أهدافه.

8 العمل على توحيد التونسيين وتقريب وجهات النظر حول مختلف القضايا المطروحة والشائكة والتي خلقها الاحتلال وأعوانه والوصول إلى موقف متقارب

9 دعوة للتونسيين جميعا إلى رفض الخنوع والذل والتردد وذلك من خلال حوار وطني بناء وهاديي بعيد عن العنف والتشنج ومغادرة مفهوم الوصاية من احد على احد أو حزب أو حركة على بقية الأحزاب والحركات إشاعة مفهوم حق الجميع في المواطنة واتخاذ القرار وتداول السلطة وقيادة الحياة مما يهيئ أرضية خصبة للوطنية الصادقة بان تنمو وللعزة والكرامة والموقف الوطني الشجاع أن يتجسد

10 بعث روح المحبة والتسامح وعدم رفع السلاح من قبل تونسي ضد تونسي آخر ومهما كانت الأسباب وان يكون هناك تحرك اجتماعي حضاري وقبائلي ومن رجال الدين وتوسيع النطاق لتطويق هذه المظلمة الطارئة على شعبنا والقضاء عليها والعمل على تحقيق التآخي بين الجميع من مختلف المنابت والاتجاهات بما يساهم في تحقيق الهدف الأسمى لهذه الجبهة ولكل التونسيين الشرفاء ذلك هو هزيمة المشروع الأمريكي والصهيوني وتحرير منطقة المغرب العربي من الانزلاق.

11. إعلان حوار وطني بناء وواسع بين الأحزاب والقوى والقبائل والشخصيات المشاركة في الهيئة وبقية التجمعات والحركات المناهضة للهيمنة وذلك للمساهمة في عمل سياسي وطني رصين يهيئ لمرحلة ما بعد التحرر وإعداد مشروع متكامل لقيادة البلاد.

12 تقوم هيئة الميثاق من خلال علاقاتها بالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني العربي والدولي لدعمها
سياسيا وماديا وإعلاميا وذلك من خلال تشكيل لجان لدعم الميثاق في كل الأقطار العربية والدول الصديقة.

13 تشكيل لجنة سياسية للهيئة ولجنة للعلاقات الخارجية من اجل التحرك على صعيد الدول العربية والإقليمية ودول العالم لمد الجسور و لشرح وتوضيح مدى التدمير الأخلاقي والاقتصادي الذي أصاب الشعب التونسي من جراء الجرائم التي ترتكب يوميا من قبل النظام العميل والعمل على فضح مشاريعه ونواياه وعملاءه وارتباطاتهم المشبوهة وأهدافهم الدنيئة من نهب ثروات الشعب وسرقة خيراته والعمل على محاسبتهم.

قفصه"تونس: في 28 أكتوبر2006

حمد بن علي بن المختار الهمامي
صالح بن سعيد بن مفتاح الورغمي
الفالح بن ضو بن سعيد الشلخشاني
المختار بن فرج بن هنيه الجلاصي

القائمة الكاملة لأعضاء مجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطى

ممثلون عن الاحزاب السياسية:

حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، أحمد الخصخوصى
2) حركة التجديد، سمير الطيب
3) الحزب الديمقراطى التقدمي ، منجى اللوز
4) التكتل الديمقراطى من اجل العمل والحريات، مولدي الرياحى
5) حركة النهضة، نور الدين البحيرى
6) الحزب الاشتراكى اليساري، البشير العبيدي
7) حزب العمل الوطنى الديمقراطي، محمد جمور
8) حزب تونس الخضراء، عبد القادر الزيتوني
9) حزب الاصلاح والتنمية، محمد القوماني
10) حركة الوطنيين الديمقراطيين، شكرى بلعيد
11) حركة الوحدويين الاحرار، بشير البجاوي
12) المؤتمر من اجل الجمهورية، سمير بن عمر

ممثلو الهيئات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني:
الاتحاد العام التونسي للشغل، منصف اليعقوبي ورضا بوزريبة
2) الهيئة الوطنية للمحامين، سعيدة العكرمي
3) جمعية القضاة التونسيين، احمد الرحموني
4) الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، مختار الطريفي
5) الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، سناء بن عاشور
6) جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، راضية بالحاج زكري
7) العمادة الوطنية للاطباء، محمد نجيب الشعبوني
8) المجلس الوطنى للحريات بتونس، عمر المستيري
9) الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، سمير ديلو
10) جمعية حرية وانصاف، محمد النوري
11) نقابة الصحافيين التونسيين، نجيبة الحمروني
12) نقابة الاطباء الاخصائيين للممارسة الحرة، فوزى الشرفي
13) حركة تحديث الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، قيس السلامي
14) منظمات المهاجرين، كمال الجندوبي ومحمد لخضر لالة
15) الجمعية الوطنية لغرف عدول الاشهاد، عماد عميرة

//شخصيات وطنية
مصطفى الفيلالي
2/ العياشي الهمامي
3/ جليلة بكار
4/ انور بن قدور
5/ محمد البصيري بوعبدلي
6/ فرحات القمرتي
7/ منير قراجة
8/ منجي بن عثمان
9/ محمد الصغير اولاد احمد
10/ ابراهيم بودربالة
11/ عبد العزيز المزوغي
12/ عبد الستار بن موسى
13/ عبد الجليل بوراوي
14/ منصف وناس
15/ عبد الحميد الارقش
16/ سفيان بالحاج محمد
17/ هادية جراد
18/ علي المحجوبي
19/ مختار اليحياوي
20/ عبد المجيد الشرفي
21/ محمود الذوادي
22/ محمد بوزغيبة
23/ سامي الجربي
24/ نورة البورصالي
25/ درة محفوظ
26/ خديجة الشريف
27/ زينب فرحات
28/ لزهر العكرمي
29/ هالة عبد الجواد
30/ محسن مرزوق
31/ لطيفة لخضر
32/ حسين الديماسي
33/ منجي ميلاد
34/ عدنان الحاجي
35/ سمير الرابحي
36/ سامية البكري
37/علياء الشريف
38/ احلام بالحاج
39/ كلثوم كنو
40/ جلبار نقاش
41/ مصطفى التليلي
42/ سوفي بيسيس

dimanche 13 mars 2011

التتبعات لعبة في يد السلطة التنفيذية

ان من اهم المطالب الفورية لتحقيق العدالة الحقيقية ومحاسبة قتلة الابرياء شهداؤنا الابرار هي رفع يد السلطة التنفيذية عن القضاة حتى يتمكنوا من مباشرة الاتهام دون وصاية عليهم من احد

للمقارنة بين القانون المصري و وضعية القضاة المصريين الذين يتمتعون بسمعة طيبة و القانون التونسي سنقدم لكم مثالا بسيطا عن القيود التي يعانيها القضاء التونسي. فالمادة 22 من قانون الاجراءات الجنائي المصري تنص :

يكون مأمورو الضبط القضائي تابعين للنائب العام وخاضعين لإشرافه فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم.


وللنائب العام أن يطلب إلى الجهة المختصة النظر فى كل أمر من تقع منه مخالفات لواجباته ، أو تقصير فى عمله ، وله أن يطلب رفع الدعوى التأديبية عليه ، وهذا كله لا يمنع من رفع الدعوى الجنائية.

أما في القانون التونسي

ينص الفصل 22 من مجلة الاجراءات الجزائية: الوكيل العام للجمهورية مكلف تحت إشراف كاتب الدولة للعدل بالسهر على تطبيق القانون الجنائي بكامل تراب الجمهورية.

و ينص الفصل 23 : لكاتب الدولة للعدل أن يبلغ إلى الوكيل العام للجمهورية الجرائم التي يحصل له العلم بها و أن يأذنه بإجراء التتبعات سواء بنفسه أو بواسطة من يكلف أو بأن يقدم الى المحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى كاتب الدولة للعدل من المناسب تقديمها

يتبين جليّا أن النيابة العمومية في مصر سيدة نفسها لا تأتمر بأوامر أحد، أما في تونس فتلك النصوص المشوهة قد قضت على استقلالية القضاء، فصار القاضي مجرد تابع، و صارت التتبعات لعبة في يد السلطة التنفيذية، نقول قولنا هذا لكي يفهم الشعب أي موضع وضعنا، و أي حرج نعاني، يجب تغيير هذه القوانين المعاقة التي سنتها مجالس تشريعية تكدس فيها أتباع الجبان الأكبر، فطوعوا القضاء بالنص القانوني و وسعوا الفرقة بينه و بين الشعب
نصّ منقول

استراتيجيات التحكّم في البشر والسّيطرة على الشعوب عن ناعوم تشومسكي

استراتيجيات التحكّم في البشر والسّيطرة على الشعوب

يكشف عالم اللسانيات والمفكر الأمريكي ناعوم تشومسكيفي هذا المقال ما يمكن تسميته بـ" استراتيجيات التحكّم والتوجيه العشر " التي تعتمدها دوائرالنفوذ في العالم للتلاعب بجموع النّاس
وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم.
ويبدو أنّ تشومسكي استند في مقاله إلى "وثيقة سريّة للغاية " يعود تاريخها إلى ماي 1979, وتمّ العثور عليها سنة 1986عن طريق الصدفة , و تحمل عنوانا مثيرا " الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة ", وهي عبارة عن كتيّب أو دليل للتحكّم في البشر وتدجين المجتمعات والسيطرة على المقدّرات, ويرجّح المختصّون أنّها تعود إلىبعض دوائر النفوذ العالمي التي عادة ما تجمع كبار الساسة والرأسماليين والخبراء في مختلف المجالات
عموما المقال مثير جدّا بما فيه من فضح لخطط مفزعة يمكن تلمّس تطبيقاتها العينيّة بوضوح في السياسة الدولية, وحتّى المحليّة , وفي الخيارات الاقتصادية والتعليميّة أيضا

1.استراتيجية الإلهاء والتسلية
عنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع ، عبر تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا الهامة والتغيرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية ، مع إغراق النّاس بوابل متواصل من وسائل الترفيه , في مقابل شحّ المعلومات وندرتها. وهي استراتيجية ضرورية أيضا لمنع العامة من الوصول إلى المعرفة الأساسية في مجالات العلوم والاقتصاد وعلم النفس وعلم الأعصاب ، وعلم التحكم الآلي. "حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية ، اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها . أبقوا الجمهور مشغولا ، مشغولا ، مشغولا ، لا وقت لديه للتفكير ،و عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات. مقتطفات من كتيّب أو دليل "الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة".....ه

2.استراتيجيّة افتعال الأزمات و المشاكل وتقديمالحلول
كما يسمّى هذا الأسلوب "المشكلة/ التّفاعل / الحلّ". يبدأ بخلق مشكلة , وافتعال"وضع مّا" الغاية منها انتزاع بعض ردود الفعل من الجمهور ،بحيث يندفع الجمهور طالبا لحلّ يرضيه. على سبيل المثال : السّماح بانتشار العنف في المناطق الحضرية ، أو... تنظيم هجمات دموية ، حتى تصبح قوانين الأمن العام مطلوبة حتّى على حساب الحرية. أو : خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحدّمن الحقوق الاجتماعية وتفكيك الخدمات العامّة , ويتمّ تقديم تلك الحلول المبرمجة مسبقا , ومن ثمّة, قبولها على أنّها شرّ لا بدّ منه

3.استراتيجية التدرّج
لضمان قبول ما لا يمكن قبوله يكفي أن يتمّ تطبيقه تدريجيّا على مدى 10 سنوات. بهذه الطريقة فرضت ظروف اقتصاديّة و اجتماعيّة مثّلت تحوّلا جذريّا كالنيوليبراليّة و ما صاحبها من معدلات البطالة الهائلة و الهشاشة والمرونة .... العديد من التغييرات التي كانت ستتسبّب في ثورة إذا ما طبقت بشكل وحشيّ, يتمّ تمريرها تدريجيّا وعلى مراحل

4.استراتيجية التأجيل
هناك طريقة أخرى لتمرير قرارلا يحظى بشعبية هو تقديمه باعتباره "قرارا مؤلما ولكنّه ضروريّ "، والسّعي إلى الحصول على موافقة الجمهور لتطبيق هذا القرار في المستقبل. ذلك أنّه من الأسهل دائما قبول القيام بالتضحية في المستقبل عوض التضحية في الحاضر. و لأنّ الجهد المطلوب لتخطّي الأمر لن يكون على الفور. ثم لأنّ الجمهور لا يزال يميل إلى الاعتقاد بسذاجة أنّ "كلّ شيء سيكون أفضل غدا" ، و هو ما قد يمكّن من تجنّب التضحية المطلوبة. وأخيرا ، فإنّ الوقت سيسمح ليعتاد الجمهور فكرة التغيير و يقبل الأمر طائعا عندما يحين الوقت

5.مخاطبة الجمهور على أنّه مقصّر أو أطفال في سنّ ما قبل البلوغ
معظم الإعلانات الموجّهة للجمهور العريض تتوسّل خطابا و حججا وشخصيات ، أسلوبا خاصّا يوحي في كثير من الأحيان أنّ المشاهد طفل في سنّ الرضاعة أو أنّه يعاني إعاقة عقلية. كلّما كان الهدف تضليل المشاهد , إلاّ وتمّ اعتماد لغة صبيانية. لماذا؟ "إذا خاطبت شخصا كما لو كان في سنّ 12 عند ذلك ستوحي إليه أنّه كذلك وهناك احتمال أن تكون إجابته أو ردّ فعله العفوي كشخص في سنّ 12 ". مقتطفات من دليل "الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة

6.مخاطبة العاطفة بدل العقل
التوجّه إلى العواطف هو الأسلوب الكلاسيكي لتجاوز التحليل العقلاني ، وبالتالي قتل ملكة النقد. وبالإضافة إلى أنّ استخدام السجل العاطفي يفتح الباب أمام اللاوعي ويعطّل ملكة التفكير، ويثير الرّغبات أو المخاوف والانفعالات

7.إغراق الجمهور في الجهل والغباء
لابدّ من إبقاء الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستعملة من أجل السيطرة عليه واستعباده. "يجب أن تكون نوعية التعليم الذي يتوفّر للمستويات التعليميّة الدنيا سطحيّا بحيث تحافظ على الفجوة التي تفصل بين النخبة و العامّة و أن تبقى أسباب الفجوة مجهولة لدى المستويات الدنيا"... مقتطفات من وثيقة "الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة"....ه

8.تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة
تشجيع العامّة على أن تنظر بعين الرضا الى كونها غبيّة و مبتذلة و غير متعلّمة

9.تحويل مشاعر التمرّد إلى إحساس بالذّنب
دفع كلّ فرد في المجتمع إلى الاعتقاد بأنّه هو المسؤول الوحيد عن تعاسته ، وذلك بسبب عدم محدوديّة ذكائه و ضعف قدرته أو جهوده. وهكذا ، بدلا من أن يثور على النظام الاقتصادي يحطّ الفرد من ذاته و يغرق نفسه في الشّعور بالذنب ، ممّا يخلق لديه حالة اكتئاب تؤثر سلبا على النشاط . و دون نشاط أو فاعليّة لا تتحققّ الثورة..ه

10.معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لذواتهم
على مدى السنوات ال 50 الماضية ، نتج عن التقدّم السّريع في العلوم اتّساع للفجوة بين معارف العامة وتلك التي تملكها و تستخدمها النّخب الحاكمة. فمع علم الأعصاب وعلم الأحياء وعلم النفس التطبيقي وصل "النظام العالمي" إلى معرفة متقدّمة للإنسان ، سواء عضويّا أو نفسيا. لقد تمكّن "النظام" من معرفة الأفراد أكثر من معرفتهم لذواتهم . وهذا يعني أنه في معظم الحالات ، يسيطر "النظام" على الأشخاص ويتحكّم فيهم أكثر من سيطرتهم على أنفسهم
المصدر: http://horratv.blogspot.com/2011/03/blog-post_5443.html

samedi 12 mars 2011

ثورة تونس ---- القصة الكاملة كما لم تروى ابدا ---الجزء الثالث


ثم كان الاعتصام الثاني الأثقل وطأة والأشد تصعيدا والأكثر تنظيما وخصوصا أنه قد تكون المجلس الوطني لحماية الثورة الذي تبنى مواقف المعتصمين ومنحهم امتدادا سياسيا عميقا. وقد منح السفير الفرنسي الذي عوض المبعوث الخاص والقادم من العراق خصيصا لضمان مصالح فرنسا في تونس الغنوشي فرصة كبيرة وأملا أكبر في النجاح في احتواء الوضع رفقة مجموعته التي تحوي أيضا نجيب الشابي الرجل الذي كان الأوفر حظا في الوصول للسلطة. لكن الغنوشي لم يستطع خداع الناس أكثر رغم محاولته الحديث عن الأغلبية الصامتة والتقليل من أهمية الاعتصام اعتمادا على وسائل الإعلام التي يسيطر عليها خاصة وأنه أقنع مراسل الجزيرة في تونس أن يلزم الحياد. فكانت مظاهرات الجمعة 26 فيفري الحاشدة والتي قارب عدد المشاركين فيها النصف مليون تجمع منهم عند الزوال في وقت واحد قرابة الثلاث مئة ألف مع مظاهرات حاشدة في أغلب المدن الكبرى للجمهورية وانطلاق اعتصام القصبة في صفاقس. كانت المسمار الأخير في نعش الغنوشي وحكومته فبالرغم من إصراره على البقاء والتركيز على الانجازات التي حققها للثورة وساوم بها طويلا وبالرغم من تهوينه من شأن تجمع القصبة ونشره في وسائل الإعلام أرقاما أقل بكثير من الواقع. إلا أنه وفي نظر الخارج تأكد فشله الذريع في الخروج بتونس من الممر الضيق الذي حشرت فيه. وقد دعت أمريكا في ردة فعل طبيعية رشيد عمار لسفارتها حيث قضى يوم الجمعة والسبت هناك لتباحث التطورات الأخيرة والخطيرة في نفس الوقت الذي قام فيه الغنوشي مرة ثانية بإعطاء الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة. ذلك الضوء الذي ينتظره مسؤولوا الأجهزة الأمنية بفارغ الصبر لإعادة الخوف والرعب للشباب من وزارة الداخلية وللبوليس بعد أن أصبحت هيبة الجهاز كله في مهب الريح. فكانت الجريمة الثالثة لهذا الجهاز الإجرامي في حق الشعب التونسي وشبابه بعد الثورة. ثم انتقل رشيد عمار مباشرة من سفارة أمريكا لقصر الرئاسة حاملا معه تصورا كاملا للوضع بعد الغنوشي فلقد أفرزت المشاورات مع الأمريكيين ثلاث قرارات أساسية
1- سحب الثقة تماما من الغنوشي وحكومته وتعويضه بالباجي قايد السبسي وكان مقترحا من ضمن خيارين.
2- الاستجابة لأغلب مطالب المعتصمين بعد أن تبين أنها مطالب شعبية
3- التوجه جديا نحو مجلس تأسيسي ونظام برلماني وبدء الحوار الجدي مع حركة النهضة بصفتها البديل السياسي الأوفر حظوظا في الساحة
فخرج الغنوشي صاغرا وأراد في خروجه أن يؤلب التونسيين على بعض في فتنة ينتقم بها ممن تسببوا في إقصائه فحرض أذيال التجمع الذي حرص طويلا على المحافظة على مكاسبه وتعطيل حله على التظاهر وعلى التخريب أيضا. فخرجوا في محاولات يائسة أظهرت حجمهم الحقيقي وكشفت عن وجوههم المتربصة في تجمع القبة. كما خرج معه أحمد نجيب الشابي وقد مني بهزيمة نكراء قضت على كل أحلامه بالمجد والسلطة وقرطاج. فكان تفاعله مع الحدث متشنجا جدا عنيفا ارتكب خلاله مجموعة من الأخطاء قضت على البقية الباقية من حظوظه خصوصا بعد تهجمه على حركة النهضة رغم أنها كانت تطرح دعمه بجدية لآخر لحظة. لعلمه أنها أصبحت تمثل البديل عن حزبه عند أصحاب القرار.

نأتي الآن للباجي قايد السبسي. هو رجل مشبع بالقيم الفرنسية بالديمقراطية والمواطنة. له تجربة مع بورقيبة ومع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في عهده. اختلف مع بورقيبة فأطرده ثم عاد مع بن علي حين التف حوله الجميع. ورحل عنه حين انقلب عن وعوده وشعاراته في بداية التسعينات. رجل في مجمله غير مورط في جرائم نظام بن علي ولا في جرائم نظام بورقيبة لو أرجعنا خلافه مع بورقيبة لطريقة تعامل هذا الأخير مع الشعب. ما يهمنا في هذا الرجل أنه يبدو أن أصحاب القرار اقتنعوا أخيرا أنه لا يجب فرض خياراتهم على الشعب وأنهم بذلك سيبقون يدورون في حلق مفرغة في حين أن من مصلحة الجميع أن تستقر الأوضاع في تونس في أقرب وقت. ويبدو أنهم اقتنعوا أخيرا أن خوفهم من الإسلاميين ليس مبررا بما يكفي. وأنه يمكنهم إيجاد طرق للتعامل معهم في إطار أكثر عدالة. فكان الباجي قياد السبسي رجل المرحلة الذي قد ينجح في المرور بتونس إلى مر الأمان أقل قدر من الخسائر. هو إحدى الأوراق الرابحة الأخيرة بعد أن احترقت كثير من الأوراق قبله. ونتمنى من الله أن لا يصطدم مجددا مع الشعب وأن يصدق القول والنية وأن لا يستعمل الأجهزة الأمنية مرة أخرى كما فعل الغنوشي. وكما قيل في القصبة إن عدتم عدنا.

ثورة تونس ---- القصة الكاملة كما لم تروى ابدا ---الجزء الثاني


لقد كان الفرنسيون يميلون أكثر لنجيب الشابي باعتباره البديل الأكثر حظوظا على جميع الأصعدة وقتها لخلافة بن علي وخير ضامن لمصالح فرنسا لكن قوى النظام السابق كانت سترفضه بشدة ولن ينجح في تحقيق الانتقال الهادئ للسلطة فاضطروا للاعتماد على الغنوشي في هذه المرحلة على أن يتسلم نجيب الشابي مقاليد الأمور فيما بعد بناءا على شرعية انتخابية يكون فيها الأوفر حظا والوحيد المؤهل للنجاح خصوصا بعد التطمينات التي تلقوها من راشد الغنوشي بحصوله على دعم حركة النهضة. وكونت الحكومة الأولى في ظروف صعبة وجو من عدم التعاون من المعارضة وحتى من بعض أصدقاء فرنسا لأنهم أحسوا أنهم مهمشون. وكانت الحكومة الأولى ضعيفة لا تستجيب لمتطلبات الوضع خصوصا أن الغنوشي دفع نحو الحفاظ على بقايا النظام القديم قويا لأطول مدة ممكنة حتى يتسنى للمسؤولين المورطين أن يقومو بمحو كل آثار تورطهم وفعلا استطاع الغنوشي الصمود بتلك الحكومة أياما طويلة لكنها لم تكن كافية لحذف تاريخ اسود طويل وجبل من الوثائق التي تدين المسؤولين السابقين.
وفي إطار إتلاف الأرشيفات لابد أن نمر على أخطر أرشيف على الإطلاق والأكثر ضخامة والأكبر تأثيرا في مجريات الأحداث. هو طبعا أرشيف البوليس السياسي في وزارة الداخلية. هذا المكان الذي تتجمع فيه ملايين الوثائق والتقارير والصور الخ التي جمعها البوليس السياسي من فترة بداية الاستقلال حتى الآن. وتنقسم هذه الوثائق حسب الأهمية لكنها كلها تقريبا موجودة في قبو وزارة الداخلية في غرف مصفحة ومؤمنة جدا. ومباشرة بعد سقوط بن علي تجمعت مجموعة من الضباط الكبار برفقة خبراء أمنيين أجانب في قبو الوزارة ليقوموا بالإشراف على عملية نسخ هذا الأرشيف ونقل كل نسخة لجهة. بعضها لجهات أجنبية وبعضها تم إخفاؤه بعناية في مكان ما لا يعرف به إلا هم. وتم إتلاف الباقي. طبعا هم بدؤوا بالأهم ثم المهم وهذا تطلب منهم وقتا طويلا لكثافة الوثائق وكثرتها. حتى أن السيد فرحات الراجحي حين همس في أذنه بما يحصل في القبو ونزل ليرى كانوا لازالوا لم يستكملوا عملهم مما أشعرهم بحنق شديد عليه وهددوه خصوصا وقد كشف وجود خبراء أمنيين أجانب يشرفون على العملية. وكان يجب إخفاء الأمر بأي شكل لكن قوة شخصية الوزير الجديد وصلابته جعلته يصدع بجزء كبير من الحقيقة. لكنه للأسف لا يستطيع إكمالها بل وحتى المحافظة عليها حتى الآن لما تعرض له من تهديدات جدية أكد له الغنوشي شخصيا مدى جديتها. وبقي المسؤولون الأمنيون يعملون في صمت في قبوهم لبضع أيام أخرى أكملوا فيها مهمتهم بالرغم من قيام الوزير بعزل أغلبهم. بمساعدة الغنوشي الذي يعتبر أن القوة الأمنية تعتبر الطرف الأكثر تهديدا لنجاح عمليته السياسية لعدم خضوعها له. وكان يريد حقيقة ترويضها. وليس القضاء عليها.

وكان الرفض الشعبي الكبير لحكومة الغنوشي الأولى التجمعية أثر كبير في تراجع ثقته بإمكانية المحافظة على النظام السابق وعلى مصالح المتنفذين فيه. فغير الحكومة في محاولة لتهدئة الرافضين ومثل اعتصام القصبة الأول مشكلة كبيرة للغنوشي لم يجد سبيلا للتخلص منه سوى إعطائه الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية للتعامل معه. وطبعا أجهزتنا الأمنية لا تتقن غير القمع والقتل فكانت ردة الفعل عكسية جدا وكانت فضيحة تملص منها الغنوشي في صمت وتحملتها مجموعة من المسؤولين الامنيين الذين تمت إقالتهم

ثورة تونس ---- القصة الكاملة كما لم تروى ابدا ---الجزء الأول


مع بداية تصاعد الاحتجاجات في نهاية شهر ديسمبر ومع سقوط القتلى برصاص البوليس أرسل رئيس فرنسا لبن علي يطالبه لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء الاحتجاجات في أقرب وقت لأن الأمر بدأ يثير القلق. ولقد قامت الأجهزة الأمنية بتطبيق الخطة الكلاسيكية والتي طبقتها مع حركة النهضة سابقا والقاضية بنشر عصابات الأمن لتنهب وتحرق الممتلكات وتروع الناس. ثم خرج كما خرج في بداية التسعينات ليسرد نفس المعزوفة عن إرهابيين وملثمين الخ نفس الاسطوانة المشروخة والتي كررها من بعده مبارك والقذافي في بلاهة وغباء. فلما فشلت تلك الخطة قام بن علي بتكليف علي السرياطي وخبرائه الأمنيين وجهازه باتخاذ الإجراءات لوقف الاحتجاجات بأي ثمن فنشر هذا الأخير قناصته على أسطح القصرين وسيدي بوزيد ليحصد العشرات ضانا أنه بذلك يستطيع بث الرعب في قلوب الناس فيلزمون بيوتهم ويستتب الأمن. لكن الشباب هناك زاده رصاص القناصة غضبا وشجاعة وتحديا وحطم جميع القواعد الأمنية في صمود مفاجئ للجميع. وتصاعدت الأحداث في سرعة كبيرة وانتشرت الاضطرابات من ولايتي سيدي بوزيد والقصرين إلى الكاف وسليانة وثم جندوبة وقفصة ثم عمت أغلب مناطق الجمهورية في تسارع أربك السلطة ودعت الحكومة الفرنسية تشعر بقلق شديد وتوفد مبعوثا خاصا ليتابع الأوضاع عن كثب ويتخذ التدابير اللازمة في حال تأزمت الأمور بشكل لا رجعة فيه. ومنحت نظام بن علي فرصته كاملة لاحتواء الوضع. ولكن لأن شباب تونس ظهر بصورة مختلفة تماما عن تلك التي صورها الخبراء المهتمون في الشأن الداخلي لبلادنا والخبراء الأمنيون أيضا فإن النظام ومن يقفون خلفه عجزوا تماما عن التعامل مع المستجدات. وحين أمر بن علي رشيد عمار بإطلاق النار على المحتجين في إعلان حرب صريحة على الشعب تماما كما فعل القذافي الذي لا يملك جهازا بوليسيا مثل بن علي فاعتمد مباشرة على الجيش والمرتزقة. عند إصدار هذا الأمر من طرف بن علي كان قد حسم تماما قرار التخلي عنه من طرف أمريكا وفرنسا والذي كان يدرس من فترة إذ أن لجوءه لذلك الخيار يعني فشله في احتواء الأزمة والسيطرة على البلاد. ونظرا لعلمهم بضعف الجيش وعدم قدرته على إدارة دفة الأحداث فقد صدر الأمر لرشيد بن عمار بعدم الاستجابة لأوامر بن علي والقدوم للسفارة الأمريكية لتأمينه والتشاور في فترة ما بعد بن علي. كان قدوم المبعوث الفرنسي الخاص لتونس يوم سبعة أو ستة جانفي اتصل منذ ذلك التاريخ بعدة أطراف سياسية التي عرفت بأنها صديقة فرنسا أهمها الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل من أجل العمل والحريات وحتى التجديد والنهضة وبعض التيارات الغير معترف بها وجراد. وكانت هناك فكرة تكوين حكومة انقاذ وطني وقد قام نجيب الشابي بالدعوة لها يوم الأربعاء السابق لرحيل بن علي بعد مشاورات مع المبعوث لكنها لم تلاقي نجاحا لفشله في تكوينها ولرفض الفكرة من طرف رجال النظام القائم. وقد اتصل المبعوث الفرنسي بالسفارة الأمريكية وطمأنه بخصوص مصالح أمريكا بالمنطقة وطلب منه عدم التدخل بصفة مباشرة في الأوضاع. اللافت للنظر خلال تلك الأحداث أن بن علي كان مصرا لآخر لحظة وربما زوجته هي التي كانت مصرة أنه قادر على السيطرة على الوضع وأنه لم يلعب جميع أوراقه. لهذا كانت أغلب اتصالات المبعوث الفرنسي في معزل عنه ويوم الخميس تقرر كل شيء لأنهم توقعوا تماما ما سيحدث يوم الجمعة في قراءة جديدة لتطورات الأوضاع مع الدعوة النقابية للإضراب العام ومدى التجاوب الذي لقيته الدعوة للتظاهر يوم الجمعة في الفايس بوك وجس نبض الشارع التونسي. فكان الكل يعلم حقيقة الوضع منذ يوم الأحد السابق لرحيل بن علي إلا المعني بالأمر. ويوم الجمعة صباحا على الساعة التاسعة صباحا تقريبا ذهب رشيد بن عمار من السفارة الأمريكية رفقة السفير الأمريكي لقصر الرئاسة ويقال أنه كان بالحمامات لكن الأرجح أنه كان بقرطاج. وطالبا بن علي بالرحيل في هدوء وأمام رفضه وخاصة رفض ليلى لهذا المطلب قالا له أن الخروج مؤقت حتى تهدأ الأوضاع وبعدها لو أمكن أن يعود فسيعود. فاشترط عليهم حماية عائلته الموسعة فتعهد له رشيد عمار بذلك وتم الأمر وقامت طائرة عسكرية بنقل بن علي وزوجته وبعض المقربين إلى مالطا حيث تقبع طائرته الخاصة ومع رفض مالطا دخوله لأراضيها أضطر للرحيل لباريس لأنه سبق لساركوزي أن دعاه لها في حال تطلب الأمر ذلك. لكن وفي أجواء فرنسا بقي معلقا لأكثر من ساعتين قبل أن يعلن ساركوزي اثر اجتماع ضيق رفضه استقبال بن علي لعدم قدرته على تحمل استتباعات ذلك الأمر فرحل لإيطاليا مستنجدا ببرلسكوني صديقه الحميم لكن هذا الأخير الذي كان غارقا في مشاكله القانونية والأخلاقية رفض مباشرة استقباله وحتى أن يرد عليه وفي حيرة كبيرة دعاه الإسرائيليون للقدوم إلى شرم الشيخ تمهيدا لاستقباله في إسرائيل لكن لصعوبة الأمر بالنسبة لرئيس عربي فار يلحقه العار وجرائمه المتنوعة لم يكن يستطيع إضافة الالتجاء لإسرائيل لكل ذلك وبعد أربع ساعات من الانتظار والقلق والتوتر والاتصالات المكثفة خصوصا مع الأمريكان بعد أن خذله الفرنسيون وجد أخيرا مستقرا في السعودية حيث استطاع أن يستقر إل حين.
وبالنسبة لخطاب نجيب الشابي ليلة 13 جانفي الذي تزلف فيه بن علي كان خارجا عن السياق لأنه يعلم أن بن علي مصر على البقاء وأنه لم يستجب لمطالب المبعوث الفرنسي وقد غاب عنه وربما حتى عن الغنوشي أن السفير الأمريكي قد قرر ليلتها أن يذهب مع رشيد عمار للقصر لإخراج بن علي. في حركة اعترضت حتى المشاورات التي كانت يقودها المبعوث الفرنسي.
ثم خرج لنا الغنوشي ليلقي على مشاهدنا تلك المسرحية الساخرة على شاشة التلفزيون في جو من الاضطراب العام وحضر تجول والآلاف من أتباع النظام القديم يستعدون "لقلب الفيستة" وارتداء لباس البطولة.
لقد كلف الغنوشي الذي كان يشارك في المحاورات منذ البداية وأبدى تجاوبا مع المبعوث الفرنسي على خلاف بن علي الذي كان مصرا على قدرته على السيطرة على الأوضاع وأنه لم يلعب كل أوراقه. كلف برئاسة الجمهورية لتحقيق استمرارية النظام وضمان المحافظة على المصالح العامة للمنتفعين المهمين السابقين وطبعا أهمهم فرنسا. ولم يضعوا في حسبانهم المسألة الدستورية المشهورة لكنهم تجاوزوها ومارس الغنوشي جميع صلاحيات رئيس الجمهورية بالرغم من أن النظام في تونس رئاسي وبالرغم من أنه دافع باستماتة عن النظام الرئاسي.

كيف يتم حل البوليس السياسي

<كيف يتم حل البوليس السياسي

1- يتم التخلي نهائيا عن عملائه في المعارضة وفي التيارات السياسية كلها
2- يتم التخلي نهائيا عن المرشدين من ميليشيات التجمع السابقة والموظفين الحكوميين في مختلف إداراة الجمهورية وخصوصا المؤسسات التعليمية
3- يتم منع العودة لتجنيد مخبرين جدد وتجريم ذلك بالقانون بالنسبة لجميع أجهزة الدولة
4- منع صرف أي منح أو مكافآت أو جرايات لموظفي الداخلية لأن تلك هي طريقة تمويل المرشدين
5- تفكيك 70 بالمئة من أعوان وحدات التدخل وإدماجهم في أجهزة الامن العمومي
6- تجميد انتداب أعون جدد لوزارة الداخلية لمدة عشر سنوات حتى يتم تفريغ العدد الزائد الذي نتج عن نظام بوليسي دام 23 سنة
7- تفكيك جهاز استخبارات الرئاسة تماما وتسريح كل أعوانه وإحالتهم للتقاعد
8- إنقاص عدد أعوان فرقة الارشاد تدريجيا حتى يعود لحجمه الطبيعي
9- نقل أعمال وأعوان الإدارة العامة للاستعلامات للمركز الوطني للدراسات الاستراتيجية ويقوم بعمله كما هو تماما لكن بغير الصفة الامنية لأن دوره الحقيقي ليس أمنيا بقدر ماهو استراتيجيا والتخلص بالتالي من أعوان الاستعلامات وإحالتهم للتقاعد أو ادماجهم في مؤسسات اخرى
10- فتح وزارة الداخلية امام القضاء والتحقيق في جرائم التعذيب وإحالة المسؤولين المورطين بالتعذيب على التقاعد ومحاكمة من أدى التعذيب لديه بالموت.
11- رفع الحصانة عن وزارة الداخلية وعن مسؤوليها والفصل الكامل بالدستور بينها وبين المؤسسة السياسية
12- تفكيك وإلغاء جهاز مراقبة شبكة الاتصال العالمي الأنترنات
13- تفكيك وإلغاء إدارة مراقبة الاتصالات في المصلحة الفنية
14- تحجيم جهاز الحدود والأجانب واقتصاره على متابعة الأجانب فقط وتجريم تتبعهم للتونسيين سواء بالخارج أو بالداخل
15- تجريم قانونا من يستعمل نفوذه الأمني أو أحد الأجهزة الأمنية أو أكثر من اجل غرض سياسي مهما كان بصفة مباشرة أو غير مباشر

مقاطع مختارة من قصيدة الأصولـــيون

مقاطع مختارة من قصيدة
الأصولـــيون


لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي - حفظه الله

أبلغ رجال الأمن حتى يزحفوا ….. فها هنـــــــا جماعة تطرّفوا
من الأصولييـــن أعداء الوطن ….. أخطر من جميع عباد الوثن
قـــــد نأمن الهندوس واليهودا ….. وقـــــــد نقيم معهم العهودا
إلا أولاء، فأذاهـــــم يُحْذرُ ….. فهم علينا من يهودَ أخطـــــرُ
عرفتهــــم باللحن والسمات ….. ومجمــــل الأعمال والصفات
إذا ما دعى الداعي إلى الصلاة ….. هبّوا لهـــــا في خفة القطاة
حتى صلاة الفجر في المساجد ….. والناس بين راقــــد وراكــد
غايتهـــــم بها رئاءُ النـــاس ….. فمن يطيق ذا السلوك القاسي؟
أعفـَوْا لحاهم زعموها سنة ْ ….. يدنيهــــــم اتباعها للجنـــــــة
ومنهم الحليق كي لا يعرفا ….. للأمن فهو خصمهم مهما صفا

۞۞۞۞۞۞۞۞

لكنهم مهما اختـَفـَوْا وضللوا ….. عليهمو ألف دليـــــل يوصل
أعمالهم تكشفهم وتفضحُ ….. ما في الوعا على الوعاء ينضح
حياتهم أساسهــــا التزمتُ ..... وفكرهم قوامــــه التعنتُ
تشدَّدوا في الدين وهو يسرُ ..... وكل فرد في السلوك حرُّ
دعواهمو في نصره عريضة ..... لكنْ قلوبُهم هي المريضة
كم رغـّبوا في نهجه ورهـّبوا ..... تعصباً وبئس ما تعصبوا
إذا دُعوا لحفل لهو ٍ راقص ..... أبَوْا، بلا ذوق، إباء ناكص
فما لهم في الفن من خـَلاق ..... إذ حُرموا الحلوَ من المذاق
والرقص عندهم حرامٌ منكرُ ..... كذا قضى الجمودُ والتحجرُ
وحرَّموا ما ساد عـُرْفَ الناس ..... من عهد شيخنا أبي نواس

۞۞۞۞۞۞۞۞

وأنكروا فوائــــــد البنوك ..... كأننـــــا في الزمن المملوكي
ناسين ما حتمــــه التـَغـَيُّر ..... والديــــــن، مثل غيره، يُطوَّر
وخالفوا مفتينـــا الطنطاوي* ..... مجدد الزمـــــان في الفتاوي
الشرع في يده كالعجينــــــة ..... لا كالألي عقولهم سجينــــــة
لم يلتفت للشكل بل للجوهر ..... ولم يضيق مثل شيخ الأزهر**
وما علينا من مخالفيــــــــه ..... وقوفنا بجنبه يكفيـــــــــــــه
وكلما رد عليـــــــــه العلما ..... زادوه شهرة كنجـــم السينما
فهو بنا شيخ شيوخ العصر ..... من مثله من نجبــــــاء مصر

*كان الشيخ سيد طنطاوي مفتياً للجمهورية في ذلك الحين
**الشيخ جاد الحق رحمه الله الذي أنكر على الطنطاوي فتوى تحليل فوائد البنوك

۞۞۞۞۞۞۞۞

وشدَّدوا على ذوي المزاج ِ ..... ورفقة الأنس بليل ٍ داج ِ
وقاوموا نفوذ أهل الكـَيـْفِ ..... فحق أن يؤدَّبوا بالسيف
حتى الدخان عندهم ممنوعُ ..... فمـــــــا لهم بطيبٍ ولوعُ
همُّهم الدعوة والدراسة ..... دوماً ومزج الدين بالسياسة
يؤذنون في أماكن العملْ ..... من غير خوفٍ أو حياءٍ أو خجلْ
والناس فيهم تاركو الصلاةِ ..... فكيف يُؤذوْنَ مدى الأوقات

۞۞۞۞۞۞۞۞

بيوتهم تحفل بالدلائـــل ..... على انتمائهم بدون حائـــل
ستجد السواك والمصاحفا ..... والكتب فيها تالداً وطارفا
من البخاريِّ وشرح مسلم ..... إلى ابن تيمية وابن القيـِّم
وأدوات قـــــــــوة الأبدان ..... بزعم دعم قـــــــوة الإيمان
وكم لديهـــم كتب مُضلة ..... والاعتراف سيد الأدلــــــة
أشد في الفتك من البارود ..... رسائل البنـَّاء والمودودي
وكتب القطبين كالظلال ..... والقرضاوي بعد والغزالي
ومثلها رسائل ابن بـــاز ..... وعلماء الشام والحجــــاز
وربما وجدت للترابــي ..... وهو كبيـــر زمرة الإرهاب
وقد ترى من كتب الغنوشي ..... وتلك كالهرويين والحشيش
نساؤهم يزهيـــن بالحجاب ..... والبعض يصررن على النقاب
أشكالهن ترعب الصغارا ..... وتقلق اليهــــــود والنصارى
فكيف يخفون على المباحث ..... وكل شيءٍ ظاهر للباحـــــــث

۞۞۞۞۞۞۞۞

فتش تراهم خلف كل حادثة ..... تحدث في الأرض وكل كارثة
وكــــــل ما يقلق أهل الغرب ..... فهم وراءه بغير رَيْـــــــــب
وإن يكن في جزر الهاوائــي ..... أو خللاً في مركب الفضـــاء
والله لـــــولا خشية العزال ..... لقلتُ هـــــم محركو الزلزال*
في كـــل معهدٍ وكل جامعة ..... أسماؤهـم هي النجومُ اللامعة
يكتسحون يوم الانتخـــــاب ..... أصوات الاتحــــــاد للطلاب

*الزلزال الذي وقع في مصر في 5 أكتوبر1992

۞۞۞۞۞۞۞۞

تصوروا منطـــــــق هؤلاء ..... يدعــــــون للعودة إلى الوراء
يدعون للسنة والكتـــــــــابِ ..... وتللك دعوى ثلة الإرهــــــــابِ
وأن نسير في خطا محمــــــدِ ..... لنقتدي بهديـــــــــــه فنهتدي
فالخير في اتباع نهج من سلفْ ..... والشر يبدو في ابتداع من خلفْ
فهم خصوم قادة التنويــــــــــر ..... وحَرَسُ الدين من التطويـــــــــر
أبَعْدَ أن سرنا إلى القمـــــــــرْ ..... ندعو إلى عهد عليًّ وعمـــــــرْ
ونمتطـــــي سفينة الصحراء ..... والعصر يزجي سفن الفضـــــاء
كيف يقيمُ عصرُنــــــا الحدودا ..... ويَجْلدُ السكـِّير والعربيــــــــدا
ويقطع الأيدي من اللصوص ..... إذن هلكنـــــا نحن بالخصوص
إذا منعنا الخمر والملاهـــــي ..... فكيف نغــــــري سائحاً؟
بالله وما مصير اللاهيات في الهرم ..... هل يرتجين العون من أهل الكرم
وما مآل أسرة القانـــــــون ..... هل يبعثونهم إلى السجــــــــون
وللفنون عندنــــــــا أسواقُ ..... فهل مصيرهـــــــا هو الإغلاقُ
قد عارضوا الدستور جهراً علنا ..... إذ نادَوْا القرآن دستور لنا
ودَعَوْا المرأة للحجـــــــاب ..... فما ترون يا أولي الألبــــــاب
وأين يذهب "الميني" و"الميكرو" ..... إن صح ما قالوا وعم السترُ

۞۞۞۞۞۞۞۞

أولئكم هم الأصوليونـــــــا ..... قد خرَّبوا الدنيا وشانوا الدينا
فاستنفِروا لحربهم كل القوى ..... فما لهم غير الفناء من دوا
فكل يوم يكسبون أرضــــا ..... تمتد طولاً بيننا وعرضــــا
حتى غـَزَوْا ساحة أهل الفنِّ ..... وأفسدوا المخرج والمغنـِّي
ومن غريب ما نرى ونسمعُ ...... توبة أهل الفن، هذا المفجعُ
ممثلاتٌ يرتدين الحجابـــــا ..... أليس ذلك العجبَ العجابـــا؟
وراقصاتٌ يعتزلن الرقص ..... كأن هذا الرقص كان نقصا
من ذا يعيب الهز للبطــــون ..... وذاك من روائع الفنـــــون
أليس من ميراثنا الثقافـــــي ..... رياضة الخصور والأردافِ
فيـــا مثقفون أسرعوا الخطا ..... فدولــة الفن دنت أن تسقطا
ماذا وراء ذلـك التحجبِ ..... إلا تــــآمر أثيــــم أجنبــــــي
يدعو نجوم الفــن أن يتوبوا ..... كأنما كانت لهــــــم ذنوبُ
أليس يــــدرك هؤلاء السادةْ ..... أنَّ الفنـــــون ذروة العبادةْ
ما الفن إلا صلوات الروح ..... دعك من المتون والشروح

۞۞۞۞۞۞۞۞

قد غيروا الأعراف والأفكارا ..... حتى غدا المألوف قبلُ عارا
أنظر لما نراه في المصايفِ ..... من احتشام زائدٍ بل زائــــفِ
الغيدُ بالخمار والجلبـــــاب ..... وكم نزلن البحـــــــر بالحجاب
يا حسرتا على زمان انقضى ..... يبدو به الشاطئ لحماً أبيضا
هذا هو الدين لدى الأصولي ..... منْ يجْفه يُحرمْ من الوصول
قد عسروا في شرحه ونفروا ..... والديـــن قال يسروا وبشروا
ما الدين في الإحراج للحكــام ..... أن يطلبوا الحل من الإسلام
ما الدين بالصوم ولا بالصلاة ..... الديـــــن خذ في خفة وهات
الديـــن أن تبدوا ظريفاً مرنا ..... وإن عبدت عنزة أو وثنـــــا
فطهِّر القلب مـــن التعصب ..... وإنْ جحدت بالكتاب والنبــي
الديـــــن ما يراه حاكم البلدْ ..... وقولـُــــه المفتـَى به والمعتمدْ
دع عنـــك ما يقوله الشيوخ ..... فما لهــــــم في علمهم رسوخ

۞۞۞۞۞۞۞۞

كم طلبوا الإذن بحزب مسلم ..... يدعو لحكم غير ما تقدمي
يطبق الشرعَ وكل قيمــــــة ْ ..... كأننا في الأعصر القديمـــة ْ
ويعلن الدعــــــوة للإسلام ..... هل نحن أهل الشرك والأصنام؟
لدولــــــــــةٍ دينيةٍ كالحزب ..... تحكم باسم الله لا اسم الشعب
لا بأس بالأحزاب للشيوعي ..... فذاك أمـــــر ليس بالممنوع
أمـــــا السماح للأصوليينا ..... فذلك المحال ما حيينــــــــا
لقد تعلمنا من الجزائــــــــر ..... إذ ظفروا بأغلب الدوائــــر
كيف يُزج الدين في السياسة ْ ..... وتطمح اللحى إلى الرئاسة ْ
وتدخل العمائـــــــــم الوزارةْ ..... يا لجلال الهــول والجسارةْ
ولم يكـــن لها سوى الأوقاف ..... فهل تحيدون عن الأعراف
أنحن في إيران أم في القاهرة ..... إذ أعين الغرب علينا ساهرة
لن ياذنـــــوا برجعة الإسلام ..... وما علينــــا غير الاستسلام

۞۞۞۞۞۞۞۞

واحذر من التمييز والتصنيف .....ما بين داعي الرفق والعنيف
فكل هؤلاء فـي الهوى سوا ..... من لم يمارس عنفه فقد نوى
لكن أهل الاعتدال أخطر ..... لأنهم على الطريـق أصبر
هم يربحون جولة فجولـــة ..... وبعد ذاك يبلعون الدولـــــة

ديوان المسلمون قادمون

jeudi 10 mars 2011

أساسيات انتخاب المجلس التأسيسي

في أساسيات انتخاب المجلس التأسيسي بقلم الأستاذ , عبد الوهاب معطر محامي و أستاذ جامعي في القانون الدستوري و العلوم السياسية ( الجزء الأول) أولا , القواعد المتعين مراعاتها إن إرادة الشعب هي إرساء لنفوذ السلطات العامة، وعلى هذه الإرادة أن تعبر عن نفسها من خلال انتخابات نزيهة تقوم عبر اقتراع عام ومتساو وبتصويت سري و وفقا لعملية معادلة تضمن حرية التصويت ( المادة 21، 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) وأشار الإعلان العالمي لمعايير انتخابات حرة ونزيهة الصادر عن اتحاد البرلمان الدولي في باريس 26/3/1994 إلى أن سلطة الحكم في أي دولة تستمد شرعيتها فقط من الشعب، كما يعبر عن ذلك في انتخابات حرة ونزيهة تعقد في فترات منتظمة على أساس التصويت السري العادل. ويحق لكل ناخب أن يمارس حقه في التصويت مع الآخرين وان يكون لصوته نفس الثقل لأصوات الآخرين، وان تضمن سرية الاقتراع. وأكدت وثائق الأمم المتحدة على عمومية الاقتراع والتساوي في الاقتراع العام، أي أن يكون لكل مواطن الحق في التصويت في أي انتخاب وطني أو استفتاء عام يجري في بلده. - ويكون لكل صوت من الأصوات نفس الوزن، - وعندما يجري التصويت على أساس الدوائر الانتخابية تحدد الدوائر على أساس منصف بما يجعل النتائج تعكس بشكل أدق واشمل إرادة جميع الناخبين، - ولضمان سرية الانتخاب يجب أن يكون بإمكان كل ناخب أن يصوت بطريقة لا سبيل فيها للكشف عن الطريقة التي صوت أو ينوي التصويت فيها، - ولتعزيز نزاهة الانتخابات لا بد من أن يكون كل ناخب حرا في التصويت للمرشح الذي يفضله أو لقائمة المرشحين التي يفضلها ، ولا يرغم بالترهيب أو بالترغيب غير المشروع على التصويت لمرشح معين أو لقائمة معينة، - وان تشرف على الانتخابات سلطات تكفل استقلالها وتكفل نزاهتها وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام السلطات القضائية، - ويجب أن تشكل آليات حيادية، غير منحازة أو آلية متوازنة لإدارة الانتخابات - ومن اجل تعزيز نزاهة الانتخابات، يجب أن تتخذ الإجراءات الضرورية حتى تضمن أن الأحزاب والمرشحين يحصلون على فرص متساوية لعرض برامجهم الانتخابية. ثانيا , التوافق على نظام اقتراع عادل من المتعارف عليه اليوم في بلادنا أن اللجنة الخاصة بالإصلاح السياسي بمكوناتها هي التي ستضع قانون انتخاب المجلس التأسيسي و لعل من أهم المسائل التي ستحظى بجدل واسع هي الإتفاق حول ضبط نظام الإقتراع المتعين إعتماده لتحويل الأصوات المدلى بها إلى مقاعد ، ذلك أن اختيار هذا النظام أو ذاك ليس أمرا حياديا بل أن له أثرا حاسما في الشخص الذي سينتخب وفي الجهة أو التيار أو الحزب الذي سيقع انتخابه. ذلك أنه حين يحصل حزبان مثلا على عدد مماثل من الأصوات، فان نظاما انتخابيا معينا قد يعطي السيطرة في هذه الحالة لهذا الطرف أو ذاك، في حين قد يمنح نظام آخر تمثيلية أوسع لجميع الأطراف و بالإضافة إلى ذلك فإن لأنظمة الإقتراع انعكاسات أخرى تتجاوز هذا الأثر الأولي، فلها على سبيل المثال تأثير كبير في نظام الأحزاب السياسية القائمة، وبخاصة في عددها وأهميتها النسبية داخل المجلس، كما أنها تؤثر على تماسك الأحزاب وانضباطها الداخليين. فبعض الأنظمة يشجع التجزئة ، اذ تكون أجنحة عدة لحزب واحد على خلاف متواصل، في حين أن أنظمة أخرى تشجع الأحزاب على التحدث بصوت واحد واستبعاد أسباب الخلاف. كذلك يمكن أن تؤدي الأنظمة الانتخابية دورا حاسما في مجرى الحملات الانتخابية وتصرف النخب السياسية، إذ تساهم في تجديد المناخ السياسي العام، فهي يمكن أن تشجع أو تؤخر تكوين تحالفات بين أحزاب، كما يمكن أن تحفز الأحزاب و الجماعات على امتلاك قاعدة واسعة وإبداء نزعة توفيقية، أو على العكس يمكن أن تستثير شعور الانتماء الجهوي أو العائلي. مع ذلك تجدر الإشارة إلى انه ليس من الضروري أن يفضي نظام انتخابي معين إلى النتائج نفسها بحسب البلد الذي يطبق فيه. فعلى الرغم من التجارب المشتركة، تتوقف آثار نظام انتخابي ما، إلى حد كبير، على الوضع الاجتماعي-السياسي القائم في البلد المعني ، إذ تدخل في الحسبان هنا عوامل عدة : بنية المجتمع على الصعد الأيديولوجية والدينية أو الاجتماعية، ثم نمط الديمقراطية ( راسخة، انتقالية أو جديدة ) ، ووجود منظومة أحزاب في حالة تكوينية وقيد التكون، وعدد الأحزاب " الجدية " ، والتركز الجغرافي لناخبي حزب معين أو تشتتهم. كذلك يؤثر نموذج النظام الانتخابي في جوانب أخرى إدارية وقانونية، مثل توزيع مراكز الاقتراع، وتحديد المرشحين، وتسجيل الناخبين، وإسناد المسؤولية للإدارة الانتخابية، وتقسيم الدوائر، وشكل بطاقات الاقتراع و طريقة فرز البطاقات، وإعلان النتائج. ولهذا فان النظام الانتخابي، بالمعنى الواسع، يحول الأصوات المدلى بها في انتخاب عام إلى مقاعد مخصصة للأحزاب والمرشحين. أما المتغيرات الأساسية، فهي التالية : - الصيغة الانتخابية المطبقة ( مثلا، هل نحن في صدد نظام اكثري أو تمثيل نسبي أو مختلط؟ وما هي القاعدة الرياضية المستخدمة لحساب توزيع المقاعد ؟ ). - وزن الدائرة ( حصة الدائرة من المقاعد وما هو المعيار لتقسيم الدوائر ؟ )، هل يعتمد معيار عدد السكان ** المبادئ الرئيسية لوضع نظام انتخابي لوضع نظام انتخابي، من المستحسن البدء بالاتفاق على المعايير التي تلخص ما يراد تحقيقه أو اجتنابه، وبصورة عامة، نوع المجلس والحكومة المنشودين. وأن المعايير التي نذكرها أدناه تغطي ميادين عدة، ولكنها غير كاملة،و بالإمكان إضافة معايير أخرى لا تقل أهمية و الواقع أن بعض المعايير تتشابك وتبدو أحيانا متناقضة، وغالبا ما تكون كذلك فعلا. و الحال أن التوفيق بين أهداف متضاربة هو أحد الجوانب الأساسية لمفهوم المؤسسات، مثلا ، يمكن السعي في وقت واحد لمنح المرشحين المستقلين الفرصة لانتخابهم، وتشجيع انطلاق الأحزاب السياسية القوية. أو انه يمكن التصور بأنه من الحكمة إقرار نظام يتيح للناخبين خيارا واسعا من المرشحين والأحزاب، إلا أن ذلك قد يجعل بطاقة الاقتراع اكثر تعقيدا ويسبب مشاكل للناخبين الأقل تعلما. فحين نختار نظاما انتخابيا معينا، لا بد من وضع لائحة بالأهداف الأساسية، بحسب أولويتها. ثم نقدر أي نظام انتخابي أو أي تركيبة من الأنظمة هو الذي يخدم هذه الأهداف على الوجه الأفضل. أن صوغ النظام الانتخابي يجب أن يأخذ في الحسبان الأهداف التالية : - ضمان قيام مجلس تأسيسي ذي صفة تمثيلية واسعة . - التأكد من أن الانتخابات هي في متناول الناخب العادي وأنها صحيحة. - تشجيع التوافق بين أحزاب متناقضة من قبل. - تعزيز شرعية السلطة التأسيسية. - تشجيع قيام حكومة مستقرة وفعالة. - تنمية حس المسؤولية إلى أعلى درجة لدى النواب المنتخبين. - تشجيع التقارب داخل الأحزاب السياسية. - - مراعاة طاقات وامكانيات البلد الإدارية والمالية. - تشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات ولذلك لا بد من تسهيل الإجراءات على المواطنين وتحفيزهم على المشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية اقتراعا وترشيحا . - تشجيع التنمية السياسية والتعددية الحزبية . - تشجيع الشباب والنساء على المشاركة الفاعلة في الانتخابات ولهذا مهما كانت أية عملية انتخابية نزيهة و منتظمة فان نتائجها السياسية تعتمد بشكل أساسي على النظام الانتخابي المعمول به، وبما أن اختيار النظام يتأثر غالبا باعتبارات سياسية فلا بد لأفراد الشعب و نخبه من امتلاك المعرفة الضرورية بالأنظمة الانتخابية المعمول بها في العالم والتجارب المختلفة في هذا المجال ولهذا سنحاول استعراض ابرز النظم الانتخابية في الجزء الثاني من هذه المساهمة لتمكين سائر المواطنين من التأثير في مجريات هذا الموضوع الحاسم (الجزء الثاني أنظمة الإقتراع ) و( الجزء الثالث , المقترحات أو ما هو منشود )
الجزء الثاني من أساسيات انتخاب المجلس التأسيسي
معطر محامي و أستاذ جامعي في القانون الدستوري و العلوم السياسية تطرقنا في الجزء الأول من هذه المساهمة إلى القواعد المتعين مراعاتها من طرف المشاركين في الهيئة المكلفة بوضع قانون انتخاب المجلس التأسيسي كتعرضنا إلى ضرورة التوافق على نظام اقتراع عادل يتلاءم مع الثورة مشددين على خطورة و أهمية نظام الإقتراع لانعكاسه الأكيد على تركيبة المجلس و على الخيارات الكبرى للدستور المراد وضعه وكذلك على الحياة السياسية للبلاد في الأمد المنظور نتولى فيما يلي التبسط في مختلف أنظمة الاقتراع لغاية تمكين المواطنين من القدر اللازم من الثقافة الانتخابية الكفيلة بتشريكه في هذا المضمار للدفع في اتجاه اعتماد مؤسسات قادرة على التقدم نحو إرساء نظام ديمقراطي يتمتع بالاستقرار المانع من الانتكاس وعلى الرغم من عدم تركيزنا على الجوانب الإدارية للعملية الانتخابية (كتوزيع مقرات الاقتراع، أو تسمية المرشحين، أو تسجيل الناخبين، أو الجهاز الإداري للعملية الانتخابية، إلخ) فإن هذه المسائل على درجة بالغة من الأهمية حيث يؤدي تجاهلها إلى تقويض الفوائد المرجوة من أي نظام انتخابي يتم اختياره. كما أن تصميم النظام الانتخابي يؤثر في مجالات أخرى من قوانين الانتخابات: فاختيار النظام الانتخابي له تأثيره على طريقة تحديد الدوائر الانتخابية، وكيفية تسجيل الناخبين، وكيفية تصميم أوراق الاقتراع، وكيفية فرز الأصوات، بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى للعملية الانتخابية.التي قد نتعرض إليها لاحقا , ما هي النظم الانتخابية؟ في مفهومها الأساسي هي مجموعة من الإجراءات والأنظمة التي تعمل على ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في الانتخابات إلى عدد المقاعد التي تفوز بها الأحزاب أوالمرشحين الأفراد ، وهي تتكون من عدد من المتغيرات الأساسية تتمثل في الآلية الانتخابية المستخدمة (الفردية، النسبية، المختلطة) وتركيبة ورقة الاقتراع (هل يصوت الناخب لمرشح واحد أو لقائمة حزبية، وهل بإمكانه التعبير عن خيار واحد أو مجموعة من الخيارات)، بالإضافة إلى حجم الدائرة الانتخابية و كما أشرنا تعتبر مسألة انتقاء النظام الانتخابي من أهم القرارات بالنسبة لأي نظام ديمقراطي. ففي غالبية الأحيان يترتب على انتقاء نظام انتخابي معين تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسية في البلد المعني ومن ثمة فإن الخلفية وراء انتقاء النظام الانتخابي قد تكون بنفس أهمية الخيار المعتمد ذاته. فعملية انتقاء النظام الانتخابي هي مسألة سياسية بالدرجة الأولى، وليست مسألة فنية يمكن لمجموعة من الخبراء المستقلين معالجتها فغالباً ما تكون المصالح السياسية في صلب الاعتبارات التي يتم الأخذ بها في عملية انتقاء النظام الانتخابي من بين الخيارات المتوفرة. و التي تتلخص عموما في ثلاثة اتجاهات رئيسية تتفرع منها العديد من الآليات المختلفة لتنفيذ العملية الإنتخابية وهي كالتالي الإنتخاب الفردي و الإنتخاب بالقائمات ( 1 ) و الإنتخاب بالأغلبية ( 2 ) و الإنتخاب بالتمثيل النسبي ( 3 ) أولا , الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة يكون الانتخاب فرديا إذا ما جري تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية متساوية في عدد الناخبين ومتعددة بقدر الأعضاء المراد انتخابهم, بحيث يكون للناخبين في كل دائرة أن ينتخبوا عضوا واحدا من بين المرشحين ممن يختارونه عادة لشخصه وبقطع النظر عن انتمائه الحزبي وليس للناخبين في الدائرة الواحدة التصويت لأكثر من مرشح واحد، ونظام الانتخاب الفردي هو الذي تأخذ به العديد من البلدان ، حيث تقسم البلاد الى دوائر انتخابية متساوية من حيث التعدد السكاني ويمثل كل دوائره نائب واحد في المجلس ويختار الناخبون المرشح عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر فلو افترضنا أن المجلس التأسيسي سيتكون من 250 نائب مثلا فإنه من المتعين تقسيم البلاد إلى 250 دائرة انتخابية متساوية في عدد سكانها ويختار الناخبون في كل دائرة نائبا واحدا أي الذي يفوز بأكثرية الأصوات من بين المترشحين العديدين . و لقد أثار موضوع الانتخاب الفردي الكثير من النقاش ، بالرغم من مضي مدة طويلة على ظهوره ، نظراً لما ينطوي عليه من إيجابيات وسلبيات. فقد أشار أنصاره إلى أن هذا النظام يحقق توازناً كبيراً بين المصالح المختلفة، على خلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي غالباً ما يفسح المجال أمام أحد الأحزاب للاستحواذ على كافة المقاعد النيابية. كما يتسم هذا النظام بالبساطة، إذ يختار الناخب نائباً واحداً في دائرته الانتخابية الصغيرة مما يمكنه من اختيار أكفأ المرشحين، بخلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي يشتت الناخب بين عدة مرشحين لا يكون في الغالب على معرفة كافية بهم. كما يمنح هذا النظام الناخب المزيد من الحرية والاستقلالية في اختيار النائب، إذ يقلل من هيمنة الأحزاب السياسية على إرادة الناخبين، في حين يخضع غالباً نظام الانتخاب بالقائمة الناخب لسيطرة الأحزاب السياسية ويحد من حريته في الاختيار بين المرشحين. ويسمح نظام الانتخاب الفردي للنائب بالإطلاع على احتياجات دائرته الانتخابية ويمكنه من معرفة المشاكل التي تعاني منها بحكم كونه من سكانها غالباً. ويحقق هذا النظام المساواة بين الدوائر الانتخابية كونه يقسم الدولة إلى دوائر صغيرة لكل دائرة ناخب واحد. لكن هذا النظام لا يخلو من العيوب منها أنه يجعل الاختيار قائما على أساس المفاضلة بين الأشخاص لا بين المبادئ والأفكار. كما يجعل المرشح أسير الدائرة الانتخابية ويركز عنايته لخدمة مصالحها ويغفل مصالح البلاد. أما الانتخاب بالقائمة فهو يفترض تقسيم الدولة إلى عدد قليل من الدوائر الانتخابية الكبيرة الحجم، ويمثل الدائرة الواحدة عدد من النواب يجري انتخابهم في قائمة تثبت فيها أسماءهم وبالعدد الذي يحدده القانون فإذا افترضنا مثلا الأخذ بجعل المعتمديات دوائر انتخابية و أسندنا لكل معتمدية عددا من النواب يتناسب مع عدد متساكنيها فإنه يتعين أن تتقدم قائمات متعددة تحتوي كل واحدة منها على عدد من المترشحين لا يتجاوز عدد النواب المخصصين للمعتمدية المعنية و تفوز القائمة التي تحرز على أكبر عدد من الأصوات التي يقع احتسابها حسب الطرق المبينة أدناه و المهم هنا هو أن أسلوب تقسيم الدوائر الانتخابية يختلف في ظل الانتخاب الفردي عنه في الانتخاب بالقائمة، ففي الانتخاب الفردي تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية صغيرة الحجم ( مثل المعتمديات أو العمادات) وتنتخب كل دائرة من هذه الدوائر نائبا واحدا. أي يصوت الناخب لمرشح واحد. أما الانتخاب بالقائمة فيقلل عدد الدوائر، ويكبر حجم كل منها، ( مثل الولايات ) ليقع فيها انتخاب عدة نواب، ومن هنا تصبح مسألة ضبط الدوائر الإنتخابية على قدر كبير من الأهمية , و لقد ، أشار أنصار نظام الانتخاب بالقائمة إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها أنه يحرر النائب من سيطرة الناخب ولا يدع مجالاً لتحكم العلاقات الشخصية. ويزيل هذا النظام عن الانتخابات كل ما من شأنه المساس بنزاهتها واستقلاليتها كالضغط على الناخبين أو إغوائهم أو التغرير بهم، على خلاف الحال في نظام الانتخاب الفردي الذي قد يفسح المجال واسعاً أمام الرشوة الانتخابية ا. وإن نظام الانتخاب بالقائمة يوسع من الخيارات المتاحة أمام الناخب في اختيار النواب بحكم تعددهم، خلافاً لنظام الانتخاب الفردي الذي يضيق من هذه الخيارات إذ لا يجد الناخب في الكثير من الأحيان بداً من التصويت لنائب معين بحكم العلاقات الشخصية أو الانتماء الأسري. كما أن نظام الانتخاب بالقائمة يجعل المفاضلة بين نائب وآخر تقوم على أسس موضوعية مردها الموازنة بين المبادئ والأفكار المختلفة لا بين الأفراد كما في الانتخاب الفردي و من الواضح أن كل نظام (الفردي و بالقائمة ) تسجل له إيجابيات وعليه سلبيات ولا يمكن من حيث الواقع تفضيل أحد الأنظمة على الآخر ، فقد ينجح النظام في دولة معينة ويفشل في أخرى، إذ يتوقف الأمر على وعي الناخبين ونضجهم السياسي وعراقة تجربة الدولة الانتخابية وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. و بالإضافة لذلك فإنه ولئن كان الإنتخاب الفردي لا يطرح إشكالا من جهة وضوح و سهولة الإختيار فإن الانتخاب بالقائمة يتضمن قدرا متفاوتا من الحرية للناخبين. إذ يثير الانتخاب بالقائمة التساؤل بشأن حرية الناخب في تكوين قائمته الانتخابية، فهل هو ملزم بالتصويت على القائمـة كما طرحها الحزب السياسي، أم للناخب المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة وإنشاء قائمته الانتخابية الخاصة؟ للإجابة على هذا التساؤل نشير إلى أن الدول انقسمت في ذلك بين ثلاثة أنظمة مختلفة كالتالي ,, - النظام الأول: نظام القائمة المغلقة وفي هذا النظام يلزم الناخب بالتصويت على إحدى القوائم الحزبية، دون أن يكون له الحق في إجراء أي تعديل عليها، سواءً بالإضافة أو الحذف أو بإعادة ترتيب الأسماء. النظام الثاني: نظام المزج بين القوائم وفي هذا النظام يكون للناخب الحرية في تكوين قائمته الانتخابية، عن طريق المزج بين الأسماء الواردة في قوائم الانتخابات المختلفة. شريطة أن لا يتجاوز عدد هذه الأسماء عدد النواب المخصصين للدائرة النظام الثالث: نظام إعادة ترتيب القوائم ووفقاً لهذا النظام للناخب إعادة ترتيب أسماء المرشحين الذين تضمهم القائمة التي اختارها، دون أن يكون له المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة لكن ومع مراعاة الفوارق بين الإنتخاب الفردي أو الإنتخاب بالقوائم فإن هذين النظامين يشتركان فيما بينهما من جهة وجوب توفر أغلبية للفوز . ثانيا . نظام الأغلبية بموجب هذا النظام يعد فائزاً في الانتخابات المرشح أو المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في الدائرة الانتخابية، ويمكن تطبيق هذا النظام في حالة التصويت الفردي أوالتصويت على القائمة. فإذا كان الانتخاب فردياً فاز المرشح الذي حصل على أكثر الأصوات، أما إذا كان التصويت على قائمة، كانت القائمة فائزة بجميع مقاعد الدائرة الانتخابية متى حصلت على أكثرية الأصوات. و يذهب غالبية الفقه الدستوري إلى أن هناك تلازماً حتمياً بين نظام الأغلبية بالقائمات ونظام الثنائية الحزبية، لأن هذا النظام يؤدي في المدى الطويل على الأقل إلى التقليل من عدد الأحزاب، فيندمج بعضها في بعض حتى ينتهي الأمر إلى وجود حزبين كبيرين يتبادلان الأغلبية البرلمانية على امتداد السنين، وخير مثال على ذلك النموذج الأمريكي والبريطاني، حيث يأخذ كل منهما بنظام الحزبين الكبيرين، ونظام الأغلبية في الانتخابات و في الواقع فإن أهم ما يتميز به هذا النظام هو البساطة والوضوح والقدرة على تكوين أغلبية برلمانية متماسكة، مما يؤدي في النهاية إلى استقرار الحكومات.إلا أن ما يسجل عليه أنه قد يتنافى مع الديمقراطية الحقة، كما أن نتائجه قد لا تتسم بالعدالة كونه يضع القوة السياسية في يد الحزب الذي يظفر بها، ويترتب على ذلك إهمال ما عداه من الأحزاب التي قد يكون بعضها ذات أهمية كبيرة مما يجعل المجلس النيابي المنتخب بعيداً عن أن يكون ممثلاً لجميع شرائح المجتمع، وما لم تمثل الأقلية في المجلس فإن الحكومة لا تكون حكومة ديمقراطية قائمة على مبدأ المساواة، بل تكون حكومة فئة ممتازة تفرض سلطاتها على كل من يخالفها في الرأي. و مهما كان الأمر فإن ما تتجه الإشارة إليه هو أن نظام الأغلبية سواءا كان فرديا أو بالقائمات فهو يأخذ إحدى صورتين رئيسيتين: -نظام الأغلبية البسيطة: و فيها يقع إنتخاب المرشح أو المرشحين الذين حصلوا على اكبر عدد من الأصوات, بصرف النظر عن مجموع الأصوات التي حصل عليها باقي المرشحين. أي حتى لو كانت الأصوات التي حصل عليها الآخرون تزيد على نصف مجموع الأصوات المعطاة في الدائرة. فلو فرضنا أن دائرة معينة اجري فيها الانتخاب على أساس الأغلبية البسيطة مع الأخذ بنظام الانتخاب الفردي, وان المرشحين فيها ثلاثة, حصل أولهم على (800 )صوتا, والثاني على( 700 ) صوتا، والثالث على (500 ) صوتا, فان المرشح الأول هو الذي ينتخب, على الرغم من أن المرشحين الآخرين قد حصلا على أكثر من نصف الأصوات المعطاة. وإذا فرضنا أن الانتخاب على أساس القائمة, وان الدائرة مخصص لها( 3 ) مقاعد, وان القائمة المقدمة من الحزب (أ) قد حصلت على (800 )صوتا، والقائمة المقدمة من الحزب (ب) قد حصلت على (700) صوتا، والقائمة (ج) قد حصلت على (500) صوتا، فإن الحزب (أ) هو الذي يفوز بالمقاعد الثلاثة. 2- نظام الأغلبية المطلقة: في نظام الأغلبية المطلقة يتوجب إعادة الانتخاب في المثالين السابقين, لان نظام الأغلبية المطلقة يعني أن المرشح الذي ينتخب هو الذي يفوز بأكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة (أي 50٪+ 1) مهما كان عدد المرشحين. فنظام الأغلبية المطلقة لا يكتفي بمجرد حصول أحد المرشحين على أكثرية الأصوات بالنسبة لبقية المرشحين منفردين. بل يلزم لانتخاب أحد المرشحين أن يحصل على أصوات تفوق مجموع الأصوات التي حصل عليها باقي المرشحين مجتمعين. ففي المثالين السابقين يلزم إعادة الانتخاب بين المرشح الأول والمرشح الثاني, أو بين القائمة (أ) والقائمة (ب) ويكون الفوز لمن يحصل منهما على أكثرية الأصوات. وقد تؤدي إعادة الانتخاب في دورة ثانية إلى فوز المرشح الثاني أو القائمة الثانية. وقد يتضامن أنصار المرشح الثالث مع أنصار المرشح الثاني, فيفوز هذا الأخير على الرغم من أن ترتيبه كان الثاني في الدورة الأولى ثالثا : التمثيل النسبي أن نظام الأغلبية هو دون شك الأقدم في العالم، غير أن التمثيل النسبي قد تم تطبيقه للمرة الأولى، في بلجيكيا 1889 وفي هذه الأيام يطبق في اكثر من 60 بلدا في العالم سيما أنه. يجري في دورة واحدة و يتيح تلافي التكاليف المعروفة في الأنظمة التي تطبق الدورة الثانية. ويقصد بنظام التمثيل النسبي منح كل حزب أو اتجاه عدد من المقاعد النيابية يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها. باعتبار أن العدالة هي الميزة الأولى لهذا النظام، فهو الذي يجعل عدد المقاعد التي تحصل عليها القوى السياسية يتناسب مع نسبة حضورها الانتخابي و من ثمة فإنه أيا من القوى السياسية أو أي جزء من الرأي العام لا يستأثر من ناحية المبدأ بالتمثيل الكامل كما أنه لا يظل أيضا دون تمثيل . ولم يتم تبني هذا النظام إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على إثر تعالي الأصوات المنادية بالعدول عن نظام الأغلبية، كونه لا يمثل اتجاهات الرأي العام تمثيلاً حقيقياً في البرلمان، كما أنه يحابي الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة، وقيل بحق إن نظام التمثيل النسبي وحده هو الذي يسمح بتوزيع المقاعد البرلمانية بين الأغلبية والأقلية. وانقسم رأي الفقه بشأن إمكانية تطبيق هذا النظام في ظل نظام الانتخاب الفردي إلى اتجاهين : الاتجاه الأول : يرى أن هذا النظام لا يمكن تطبيقه إلا في صورة الانتخاب بالقائمة لأنه بحكم طبيعته يتطلب عدة مقاعد توزع بنسبة معينة، كما أن نظام القائمة يفترض تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة . الاتجاه الثاني : يذهب إلى أن نظام التمثيل النسبي يمكن تطبيقه في ظل نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة، وهو ما يجري عليه العمل في جمهورية أيرلندا منذ نشأتها وفي أستراليا في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ منذ سنة 1949 . و بقطع النظر عما ذكر فإن أهم ما يتميز به هذا النظام أنه يسمح بتمثيل كافة اتجاهات الرأي العام والأحزاب السياسية في البرلمان، كما أنه أكثر عدالة من نظام الأغلبية،لكونه يضمن لكل حزب عدداً من المقاعد في المجلس النيابي يتناسب وعدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات. ويؤمن هذا النظام المحافظة على الأحزاب السياسية وينميها، وفي ذلك ترسيخ لمفهوم التنافس السياسي المشروع ويجنب البلاد الأزمات الناشئة عن التنظيمات السياسية غير المشروعة كالمنظمات والأحزاب السرية. بل يشجع الناخـب علـى الإدلاء بصوته لمن يشاء من الأحزاب السياسية، فالناخب قد يعرض عن المشاركة في الانتخابات حينما يرى أن الأحزاب المشاركة في الانتخابات لا تمثل رأيه، أو حينما يخشى إهدار صوته لكونه يدلي به لحزب ليست له إلا شعبية محدودة و من جهة أخرى فثمة من يعيب على نظام التمثيل النسبي أنه قد يجعل الناخب غير قادر على الاختيار بين عدد كبير من المرشحين. ويشجع الأحزاب السياسية على التعدد إلى أقصى حد، فكل جماعة مهما قل عددها تستطيع أن تكون حزباً، فهي لن تهدر صوتاً هنا أو هناك ليكون لها في النهاية مقعداً تحصل عليه في المرحلة الثانية إن لم تستطع الحصول عليه في المرحلة الأولى . وهذا النظام يشتت مقاعد البرلمان بين عدة أحزاب وهو أمر غير مرغوب فيه كونه لا يهيىء السبيل لأي حزب للحصول على الأغلبية المطلقة في المجلس النيابي الأمر الذي يعقد مهمة تشكيل الوزارة، والمعلوم أن تشكيل الوزارة من أكثر من حزب واحد يعني عدم الانسجام السياسي، بل إن ريح الخلافات قد تعصف بها بعد فترة قصيرة من تشكيلها ويقوم التمثيل النسبي على أن تكون الانتخابات حسب قائمة الأسماء ومبدأ الأكثرية النسبية معاً، ويجب تبعا لذلك أن يقسم مسبقا عدد المصوتين على عدد النواب المقرر انتخابهم في الدائرة الانتخابية وعندما ينال المرشح ناتج القسمة يعتبر نائباً. والمقصود بالقاسم الانتخابي أنه الرقم الذي يتم الحصول عليه من قسمة عدد الأصوات الصحيحة المعطاة في الدائرة على عدد المقاعد المخصصة لها كما أن الدائرة الانتخابية يمكن أن تكون كامل تراب البلاد كما يمكن أن تقسم البلاد إلى دوائر عديدة هذا وتجدر الإشارة إلى أن الفرق بين التمثيل النسبي على مستوى الدولة والتمثيل النسبي على مستوى الدوائر يكمن في أن القاسم الانتخابي في التمثيل النسبي على مستوى الدولة كلها هو قاسم انتخابي قومي واحد في كل أراضي الدولة بينما يكون القاسم الانتخابي في التمثيل النسبي على مستوى الدوائر قاسماً انتخابياً خاصاً بكل دائرة على حدة، زد على ذلك هناك فرق جوهري في كيفية توزيع المقاعد الباقية في نظام التمثيل النسبي بين صورة الدائرة الوحيدة و صورة تعدد الدوائر داخل الدولة . من ذلك أنه عندما يكون التمثيل النسبي على مستوى الدولة و في دائرة واحدة فإن القوائم الانتخابية المتنافسة تكون قوائم قومية إذ يقدم كل حزب قائمة قومية وحيدة بمرشحيه على مستوى الدولة، ويتم استخراج القاسم الانتخابي من قسمة عدد الأصوات الصحيحة في الدولة كلها على عدد المقاعد البرلمانية وتوزيع المقاعد الباقية على أساس أكبر البواقي. و من اجل الاستفادة من مميزات نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي وتقليل عيوب كلا النظامين، لجأت العديد من الدول إلى اعتماد " النظام المختلط " وهو معمول به حاليا في العديد من البلدان والذي يعني انتخاب عدد من المقاعد ( نصفها مثلا ) على أساس الدوائر الفردية ( الأغلبية ) والنصف الآخر على أساس التمثيل النسبي كما هو الحال في ألمانيا. هذا و قد اعتمدت بلغاريا " النظام المختلط" في 1990، وذلك لانتخابات البرلمان التأسيسي الذي اقر دستور بلغاريا في 1991، والبالغ 400 عضو نصفهم 200 على أساس الدوائر الاقليمية للتمثيل النسبي و، 200 مقعد على أساس الدوائر الفردية بنظام الأغلبية المطلقة أي ( 50% + 1 ) حيث جرى تقسيم البلاد الى 200 دائرة لكل منها مقعد واحد ، وجرت انتخابات لجولة ثانية في العديد من الدوائر و السؤال المطروح هو أي نظام اقتراع يستجيب لمتطلبات انتخاب المجلس التأسيسي لبلادنا و ماهي الخيارات الكبرى المتعين مراعاتها في العملية الإنتخابية برمتها حتى يكون لدينا مجلسا يستجيب لطموحات الثورة و قادرا على النهوض بالمهام التاريخية المنتظرة منه ? هذا ما سيكون موضوع الجزء الثالث من هذه المساهمة المتواضعة الأستاذ عبد الوهاب معطر