mardi 14 juin 2011

الثوار الجُدُد: لا تعودوا إلى البيت


الثوار الجُدُد: لا تعودوا إلى البيت ـ مقال لسعيد ناشيد ـ منقول عنا http://www.a-kandil.com/press/?p=9898

الثوار الجُدُد: لا تعودوا إلى البيت
ليسوا أبطالا مسلحين ولا مصلحين مشهورين. ليسوا قادة ميدانيين ولا رجال دين أو خطباء مفوهين، لكنهم يصنعون ما عجزت عنه كافة الحركات المعارضة للاستبداد العربي على مدى تاريخها، الذي هو تاريخ اجترار للخيبات وللفشل، بدءاً من عصر الشيوعيين القدامى مروراً بزمن الإسلاميين الوسطيين وانتهاء بمرحلة السلفيين الجهاديين.
لم يدركوا بأننا أمة لا تحسن صناعة الثورات؛ وبأننا لم نكن، قبل اليوم، نعرف طريقاً ثالثاً بين الجماعة والخروج، بين الطاعة والفتن. لم نكن نعرف طريقاً ثالثاً بين «المخزن والسيبة» وفق تعبيرنا في المغرب، أو بين الحاكم العربي المستبد والإرهابي الفوضوي المجاهد، بحسب ما كان يراه الغرب.
هؤلاء الفتية لم يدركوا بأن ما سيفعلونه مستحيل، ففعلوه.
شقوا طريق الخروج من عصر الاستبداد الشرقي والإرهاب العالمي، دفعة واحدة. إلى أين؟ لا شيء محسوم سلفاً، وبنحو يرهن الإرادة والمبادرة والتفاؤل. لكن الأهم أنهم جعلوا اللعب أكثر انفتاحاً وأوراقه أكثر انكشافاً، بما يحد من إمكانية سرقة أحلامهم مجددّاً.
قادمون من كل فج عميق، لا يطلبون ثأراً ولا يرمون حجراً، لا يطلقون ناراً ولا يحتجزون بشراً. بالأيادي الفارغة وبالصدور العارية يهتفون ويغنون وينشدون، وأحياناً يتسامرون. قوم عزّل إلا من ضمائرهم، ومع ذلك وربّما بفضل ذلك يصرّون في صمود وينتصرون في الأخير. وبعد النصر ماذا يفعلون؟ ينظفون الشوارع. فقد فعلوها في القاهرة بمصر وفي بنغازي بليبيا… وفي الأخير لا يتوقفون، وإنما يعاودون الإصرار مجدّداً ويعودون إلى الميدان بالأعين المفتوحة وبالأبصار الناظرة. هؤلاء الفتية أدركوا أخيراً بأنهم إذا أغمضوا أعينهم فستُسرق أحلامهم.
فهموا الدرس الأول في التاريخ.
ليس هذا فقط..
إنهم لا يناورون، لا يتآمرون، لا يخططون في السر والخفاء، وليس لديهم ما يخفون، فهم أربأ من أن يبحثوا عن عنصر المفاجأة أو يبتغوا مباغتة الأجهزة الأمنية للأنظمة المستبدة. تراهم يصرحون سلفاً ومسبقاً بكل ما سيفعلون، ومع ذلك، وربما بفضل ذلك، يطيحون بأعتى الأنظمة الاستبدادية ويفجرون ينابيع الثورات في جل المجتمعات العربية. وبعد النصر لا يتوقفون؛ فقد أدركوا بأن الثورة إما أن تكون دائمة أو ستكون مجرّد ثورة مغدورة.
ليسوا تروتسكيين ولم يكونوا يوماً كذلك، لكنهم فهموا الدرس الأهم في كل الثورات: بعد الثورة لا تعودوا إلى البيوت.
إنهم يصنعون ثورات تعلن عن مواعيد انطلاقها ولا تضع علامات لتوقفها.
أعلنت الثورة في مصر عن موعد انطلاقها بنحو مسبق، وهو 25 يناير (كانون الثاني) في ميدان التحرير بالعاصمة القاهرة. وفي الأخير انتصرت الثورة وما زادها نصرها إلا إصراراً على الدّوام والاستمرار، حتى لا يلتف أحد على الآمال.
في البحرين أعلن الثوار بأن موعدهم هو 14 فبراير (شباط) في دوار اللؤلؤة بالعاصمة المنامة، وهكذا كان، وهم يصرون على الصمود في الميدان، ويوما بعد يوم يقتربون من الانتصار الموصول بالاستمرار.
في ليبيا قالوا بأن موعدهم هو 17 فبراير (شباط)، وهم الآن، رغم استعانة النظام بكل ذخيرته الحربية وبالمرتزقة الأجانب، مصرون على النصر ويوشكون، وبعد الانتصار سيستمرون.
في المغرب أعلنوا يوم 20 فبراير (شباط)، في ساحة النافورة بالرباط، وهم مصرون على النصر ويحاولون.

هؤلاء يخرقون كل القواعد الثورية التي عرفها الإنسان.
من الذي كان يُصدق، قبل اليوم، بأن الثورة يمكن أن تفشي، من تلقاء نفسها، سرّ موعدها، فيكون ذلك الكشف سرّاً من أسرار نجاحها وانتصارها؟
كان يُقال بأن الحرب خدعة؟ كان يُقال بأن الثورة مؤامرات محبوكة؟ لم يصدقوا ما يُقال. فقد جعلوا للثورة قواعد لعبة مفتوحة وأوراق مكشوفة. وبهذا النبل ينتصرون. ولا يزيدهم نصرهم إلا إصراراً على دفع المد الثوري إلى أقصى مداه، وتحرير الممكن من انسداد الأفق ومن جمود سياسة الأمر الواقع.
أيها الباحثون عن انتماءاتهم وخلفياتهم لا تفتشوا كثيراً؛ فهؤلاء الثوار الجدد منفلتون من عقال كل القوالب السياسية الجاهزة سلفاً لحبس أنفاس الممكن إلى حد العطالة؛ لأنهم صدى التاريخ حين يقول التاريخ كلمته.. لأنهم الإنسان.
سعيد ناشيد
http://www.a-kandil.com/press/?p=9898

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire