lundi 20 juin 2011

جدل الهوية في تونس هل يعيد التاريخ نفسه

بورقيبة واشكالية الهوية في تونس مقال منشور في كتاب السلطة وآليات الحكم في عصر الحبيب بورقيبة في تونس والبلاد العربية مؤسسة التميمي للبحث العلمي 2003
بورقيبة واشكالية الهوية في تونس

د. سالم لبيض
المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس

I ـ هوية بورقيبة :
1ـ هوية بورقيبة الإثنية و أصوله التاريخية :
ينتمي "الحبيب بورقيبة " إلى عائلة بورقيبة ذات الأصول الطرابلسية .و ينحدر من قبيلة الدرافلة الليبية التي تنقسم إلى مجموعة من الفروع ( اللحمات )، هي النواصف ،الرضاونة ، المعاتقة ، أولاد رجب و السقاسف وهو الفصيل الذي تنتمي إليه عائلة "بورقيبة" [1].إستقرت هذه العائلة تاريخيا بمدينة مصراته الليبية ،تأثرت كما هو الحال بالنسبة للكثير من العائلات الطرابلسية بالصراع الحاد و الدامي الذي دار بين أفراد الأسرة القرمانلية (1711 – 1835)للظفر بالسلطة و الحكم ، وهو ما انعكس سلبيا على الحياة العامة وساعد على بروز حركات التمرد و الإنتفاضات المحلية التي كانت تهدف إلى التخلص من حكم أفراد هذه الأسرة خاصة بعد إثقال كاهل الأهالي بالضرائب و ما تزامن مع ذلك من إهمال لمختلف الأنشطة الإقتصادية [2].
لقد ساعدت هذه الظروف على هجرة العديد من العائلات الليبية إلى تونس ، فقد هاجر الجد الأعلى ل"بورقيبة " المدعو "الحاج محمد بورقيبة " إلى تونس سنة 1795 عن طريق البحر، حيث إستقر بمنطقة الساحل التونسي مصطحبا معه 40 من عبيده وخدمه .وقع إختياره على مدينة المنستير لتكون موطن إستقراره ضمن ما يعرف ب"حومة الطرابلسية" ، التي قد يكون من المساهمين الأوائل في تأسيسها [3].تشير بعض الدراسات إلى أن عائلة بورقيبة "المنستيرية" عرفت بتأييدها لإنتفاضة "علي بن غذاهم" سنة 1864 التي جاءت كرد فعل على خيارات الضرائب المجحفة التي فرضتها سياسة البايات والتي كانت من نتائجها حملة الجنرال زروق على الساحل وقمعه لسكانه ، كما نهبت وبأمر الجنرال زروق نفسه قطعان الماشية التي كانت على ملك الطرابلسية بمنطقة الأعراض .
وأمر الجنرال زروق في نفس الوقت بإدخال "علي بن الحاج محمد بورقيبة "ليشتغل بالجيش التونسي بين سنة 1864 و1881 وذلك قبل أن يقع تعيينه شيخا على حي الطرابلسية ومستشارا بلديا أثناء الفترة الإستعمارية[4] . في هذا المناخ المتميز ببحث عائلة بورقيبة (الوافدة من منطقة طرابلس) على مكانة إجتماعية متميزة وعلى نفوذ سياسي ولد "الحبيب بن علي بن الحاج محمد بورقيبة " بحي الطرابلسية بمدينة المنستير سنة 1903 !!!
2 – هوية بورقيبة الفكرية والأيديولوجية :
الحبيب بورقيبة هو أحد تلاميذ المعهد الصادقي قبل أن ينتقل للدراسة بالجامعات الفرنسية حيث تلقى تكوينا قانونيا أهله للإلتحاق بمهنة المحاماة بتونس . لقد أعجب بورقيبة بعالم مدينة باريس لفترة ما قبل الحرب العالمية الأولى فقد عاش مضاعفاتها و أحداثها السياسية والفكرية والأيديولوجية ،وشارك في التظاهرات السياسية والمحاضرات النفسية التي كانت تلقى في مستشفى سانت – آن ، كما عرف عنه حضوره مناقشات مجلسي النواب والشيوخ الفرنسيين . تأثر بورقيبة أثناء فترة دراسته بفرنسا بالمدرسة الوضعية ومؤسسها "أقوست كونت" صاحب المقولة الشهيرة "عش للآخرين" التي كان بورقيبة يرددها كثيرا [5]. يعرف بورقيبة بسعة إطلاعه على تاريخ فرنسا وآدابها وحضارتها هذا علاوة على إطلاعه الواسع على تاريخ تونس منذ العصور القديمة . من الشخصيات التي حظيت بآهتمام بورقيبة ، وكان لها تأثير كبير على شخصيته كل من "حنبعل" و"يوغرطة" و"القديس أغسطينو" وبدرجة أقل مؤسس علم العمران البشري و الإجتماع الإنساني "عبد الرحمان بن خلدون" .ولم يكن بورقيبة يرى حرجا في إجراء المقارنة بينه وبين الرسول محمد (ص)معلنا تفوقه الشخصي عليه[6]. وهو ما دفعه إلى إعلان معاداته للشرق عموما وللعالم العربي الإسلامي خصوصا بسبب تخلفه!!! معتبرا أن تونس هي نقطة إلتقاء بين الشرق و الغرب .
3 – هوية بورقيبة السياسية :
إن ما يشد إنتباه الباحث أثناء قراءته لتجربة بورقيبة السياسية هو قدرته على إدارة الأزمات التي كان يتعرض لها وتحويل مواطن ضعفه إلى إنتصارات وقوة منافسيه ومناوئيه إلى هزائم وتراجعات . أولى التجارب التي خاضها بورقيبة في هذا المجال هي إنضمامه للحزب الحر الدستوري التونسي مع بقية "جماعة العمل التونسي " وذلك أثناء مؤتمر الحزب المنعقد في 12 – 13 ماي 1933بنهج الجبل بتونس إلا أن ذلك لن يستمر طويلا فقد قرر بورقيبة الإستقالة بسبب خلافاته الداخلية مع اللجنة التنفيذية للحزب قبل أن تمر سنة على إنضمامه إلى هذا الحزب وذلك بتاريخ 9 سبتمبر 1933 ، ليبدأ تجربة جديدة هي تجربة إنشاء الحزب الحر الدستوري الجديد الذي عقد مؤتمره التأسيسي بقصر هلال في 2 مارس 1934 الذي ضم ممثلي مجموعة من الشعب الدستورية في الساحل والعاصمة لم يتجاوزعددهم 50 نائبا في حين أن عدد الشعب المنتمية للحزب قد فاق المائتين آنذاك . تمكن الحزب الجديد الذي كان بورقيبة كاتبه العام حتى أحداث أفريل 1938 ثم رئيسه بعد هذا التاريخ أن يحقق لنفسه الإستمرارية والتواصل في حين أن محاولات إنشقاقية وإنقلابية أخرى شهدها الحزب الحر الدستوري لم يكتب لها النجاح من ذلك إنشقاق "حسن القلاتي "و"محمد النعمان "وتأسيسهما "الحزب الإصلاحي" سنة 1921، وإنشقاق "فرحات بن عياد" و"والطيب بن عيسى "و" الشاذلي المورالي" وتأسيسهم "الحزب الحر الدستوري المستقل "بعد ذلك بسنة ، هذا علاوة على المؤتمر الإستثنائي الذي عقده جماعة الحزب القديم في نهاية شهر أفريل من سنة 1934 محاولة منهم لإحتواء الأزمة التي يعيشها حزبهم [7].
المثال الثاني الأكثر وضوحا في نجاح بورقيبة في إدارة الأزمات السياسية هو الطريقة التي أدار بها ما يعرف بالأزمة اليوسفية ، نتيجة توقيعه إتفاقيات الإستقلال الداخلي سنة 1955 وبروتوكول إستقلال تونس سنة 1956 . إنقسم الشعب التونسي ومن ورائه جماعة الحزب الحر الدستوري الجديد نتيجة لذلك إلى قسمين ،قسم موال لرئيس الحزب الحبيب بورقيبة ولجماعة الديوان السياسي وقسم ثان موال للأمين العام صالح بن يوسف ولجماعة الأمانة العامة . تمكنت المجموعة الثانية من تعبئة الغالبية الكبرى من أفراد الشعب ومن منخرطي الحزب الحر الدستوري الجديد بإعلان 374 شعبة دستورية مقاطعتها للديوان السياسي ، منها 350 قررت الإنتماء لليوسفية من خلال إعلانات إنضمام نشرتها على أعمدة الصحف التونسية آنذاك [8]. إن ما يدعم هذا الموقف هو إنضمام الجامعة الدستورية للعاصمة التي تعد لوحدها 60000 منخرط من ضمن 321 ألف منخرط يتوزعون على 31 جامعة دستورية ، إلى الحركة اليوسفية [9]. لقد كانت اليوسفية إضافة إلى ذلك مدعومة بجناحها العسكري المتمثل في "جيش التحرير الوطني " وبتأييد جماعة باندونغ التي إنبثقت عنها حركة عدم الإنحياز وحركات التحرير الوطني والثورة الجزائرية والنظام الناصري . بالرغم من كل ذلك إنتهت اليوسفية إلى الفشل وإنتهى بورقيبة إلى النجاح، فإلى ماذا يعزى ذلك ؟
لقد رأى الكثير من الدارسين أن إنشقاق بورقيبة ورفاقه عن الحزب الحر الدستوري بعد أقل من سنة من إنضمامهم له وتأسيسهم للحزب الجديد الذي حقق نجاحات كبيرة في فترة وجيزة هو نتيجة مباشرة لما تتمتع به هذه المجموعة عامة وبورقيبة على وجه الخصوص من أفكار تحديثية وأساليب جديدة في الممارسة السياسية[10] بالرغم مما يتطلبه ذلك من وقت وتجربة لا شك أنها لم تتوفر لبورقيبة ورفاقه مما يدعو إلى السؤال الذي يتعمق مع خوض بورقيبة تجربة الصراع مع اليوسفية . فقد بينت هذه التجربة طبيعة بورقيبة الإنقلابية مرة أخرى وإعتقاده في صحة رأيه مهما كان فرديا ةخطإ الآخرين رغم تشكيلهم للأغلبية ، يتجسد ذلك في الموقف من توقيع إتفاقيات الإسقلال الداخلي الذي رفضته النسبة الغالبة من أفراد الشعب التونسي ومن الشعب الدستورية ولم يتوان في التحالف مع عدو الأمس أي الإستعمار الفرنسي من أجل تحقيق أهدافه في الوصول إلى هرم الحكم من ناحية والقضاء على جماعة الأمانة العامة وزعيمها "صالح بن يوسف" من ناحية أخرى . لقد تعلم بورقيبة كيف يكون براغماتيا – ميكافيليا فالسياسة لا تعرف غير المصالح أما الأخلاق و المبادئ فلا مكان لها في العمل السياسي ، تلك هي القاعدة التي يتعلمها المبتدئ في علم السياسة الليبرالي والغربي ، وهكذا كان بورقيبة صاحب التنشأة الغربية حتى أن أحد الدبلوماسيين الغربيين علق قائلا عند تنحيته من هرم الحكم في تونس " لم أر رجلا خارج فرنسا أقرب إليها من الرئيس بورقيبة ولم أر في العالم العربي رجلا أقل تشابها مع العرب منه " [11].
II - بورقيبة ومقومات الهوية :
1 – بورقيبة و الإسلام :
تشير بعض الدراسات إلى أن بورقيبة يمثل إمتدادا لمشروع تنويري تعود جذوره إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهو مشروع يقوم على حجة القوة و الإقتداء بالغرب دون التفريط في مقومات الشخصية الإسلامية !!! إستنادا إلى الفكر الإصلاحي التونسي ممثلا في خير الدين وإبن أبي الضياف على وجه الخصوص[12].
يتسم الموقف البورقيبي من الإسلام بالتذبذب وعدم الإستقرار وقد إنقسم هذا الموقف إلى مرحلتين ، مرحلة قيادة الحزب الحر الدستوري الجديد والحركة الوطنية بين سنتي 1934 و 1956 ثم موقفه أثناء قيادته للدولة الحديثة بداية من سنة 1957 . خلال المرحلة الأولى لا نكاد نجد تصريحا لبورقيبة أو قولا أو تحركا ظاهرا منه يعارض مظهرا دينيا أو قاعدة إسلامية أو قانونا شرعيا . بل لقد جعل من الآية القرآنية "وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين " شارة لحزبه [13]. والملاحظ أن كل خطابات بورقيبة الشفوية والمكتوبة أثناء هذه المرحلة تبدأ بالبسملة وتتسم بدغدغة الشعور الديني عند تحريضه لقادة الحزب المحليين والقبائل على الكفاح ، هذا علاوة على موقفه الرافض للمؤتمر الأفخارستي ومسألة التجنيس .
مع إنطلاقة المرحلة الثانية وهي مرحلة قيادة بورقيبة للدولة الحديثة بدأت مواقف هذا الأخير تتسم بالإزدواجية ، فهناك إسلام بورقيبة البروتوكولي الذي كثيرا ما عبر عنه أثناء المناسبات الرسمية وغير الرسمية . جاء في إحدى خطبه في نهاية الخمسينات بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف " أخاطبكم من تحت قبة النور وأمام قبلة الهدى، فهذه أول بيت من بيوت الله في المغرب العربي ومنها إنبعث صوت الآذان الخالد " وجاء في إحدى أقواله " لا نعرض عن مبادئ الإسلام كما وقع الإعراض عنها في الماضي ولا ندعي أنها لا تفي بحاجة العصر ولكن نتفهمها حق التفهم " [14]. ولم يكتف بورقيبة بهذه الأقوال بل ذهب أكثر من ذلك عندما أشار أثناء إستقباله للملك فيصل بتونس سنة 1966 إلى أن الأساس الذي قامت عليه الدولة التونسية بعد إستقلالها وهو الأساس الذي قامت عليه الحركة التحريرية هو الإسلام . يمكن وصف "إسلام بورقيبة" بأنه إسلاما بروتوكوليا يتصف بشيء من النفعية والبراغماتية التي يتطلبها كسب الرأي العام على المستوى الوطني وكسب تأييد النخب السياسية والدوائر الإقتصادية و المالية في الدول الإسلامية.
لقد كانت لبورقيبة بالتوازي مع هذه المواقف مجموعة من الممارسات والرؤى العفوية أوما يمكن أن نطلق عليه تسمية "إسلام بورقيبة العفوي " ، تتلخص أبرز معالمه فيما يلي :
- وصف الصلاة بأنها " زقزقة مياه "وإنزال الرأس للأرض ويكون المصلي "يكب ويقعد"
- الدعوة إلى التخلي عن الحج لما ينجر عن ذلك من نزيف للعملة وتعويضه بالحج إلى مقام الصحابي أبي زمعة البلوي بالقيروان
- وصف الصيام بأنه مانع للعمل والإنتاج مع الدعوة للإفطار في شهر رمضان بل الدعوة إلى فتح المطاعم و الحانات أثناء هذا الشهر
- فتح باب الإجتهاد لكل إنسان له "فكر حر ومادة شخمة " فيقبل من الإسلام ما يراه صالحا ويترك ما لا يراه كذلك دون حاجة للمعرفة الدينية أو إلمام بالنصوص ومصادر التشريع التي تحتل مرتبة أكثر أهمية من الإجتهاد مثل القرآن والسنة النبوية
- التطاول على الأنبياء والرسل مثل النبيء إبراهيم بقوله "طلعت البخارية في رأسه" فنام نوما رأى فيه أحلامه والنبيء محمد (ص) الذي يعتبر نفسه متفوقا عليه ، هذا علاوة على السماح بآقتران إسمه معه في أناشيد إسلامية
- القضاء على كل المؤسسات ذات العلاقة بالدين الإسلامي وإصدار التشريعات المنافية له مثل حل جمعية الأحباس والتفويت في أملاكها لفائدة الخواص والدولة وتهميش دور المؤسسة الزيتونية بل القضاء عليها كمؤسسسة تعليمية ذات دور حضاري هام ، هذا إضافة إلى منع تعدد الزوجات بعد إصدار مجلة الأحوال الشخصية وإصدار المناشير التي تمنع الزي الإسلامي[15].
إن المتأمل في حقيقة موقف بورقيبة من الإسلام يصطدم بحقائق مثيرة وغريبة في نفس الوقت ، فالرجل لا يؤمن أصلا بالديانات بمعناها التقليدي ويعتبرها مجرد إختلاقات بشرية ومن ثمة فالرسل عنده ليسوا بمبعوثين من الله كما يدعون ، بل هم قوم ساعدتهم قدراتهم الشخصية وظروفهم الإجتماعية على حمل الرسالة كما يذهب إلى ذلك "محمود الذوادي".[16]
لا شك أن موقف بورقيبة من الإسلام كما تجسد لديه بصفة عفوية ينبع من ظاهرة الشخصنة وعبادة الذات التي ميزت سلوكه وهو ما يتافى مع مبادئ الديانة الإسلامية التي لا ترى في الرسل في نهاية الأمر سوى بشر يمشون في الأسواق ويأكلون . لقد وجهت هذه الديانة نقدا شديدا لكل من إدعى الألوهية مثل فرعون وغيره ، صحيح أن بورقيبة لم يدع الألوهية ولكن حجم تظخم الذات والشخصنة لديه يضعه على طرفي نقيض مع الإسلام الذي يرى في سلوك الأفراد الذبن ينشغلون بشؤون بناء صرح عظمتهم الشخصية ويعملون على تأليه أنفسهم بين الخليقة ، ضربا من ضروب الكفر [17].
لقد أثارت مواقف بورقيبة من الإسلام ردود فعل مختلفة فمنهم من إعتبر ذلك ضربا من ضروب الكفر مثل الشيخ "عبد الرحمان خليفي " الإمام الخطيب بجامع عقبة بالقيروان الذي أصدر كتابا يكفر فيه المفطر المتعمد في رمضان ويدعو إلى عدم الصلاة عليه بعد وفاته ، هذا علاوة على المظاهرة التي إندلعت يوم 16 جانفي 1961 بمدينة القيروان والتي أدت إلى سقوط ضحايا كرد فعل على إقالة الإمام من مهام الإمامة[18]، ومنهم من إعتبر موقف بورقيبة من الإسلام موقفا لائكيا ، يتعلق الأمر بموقف النخبة التونسية المعاصرة أمثال "عبد القادر الزغل " الذي يعتبر أن الدولة التونسية أثناء الفترة البورقيبية هي دولة لائيكية مستدلا على ذلك بأن التعليم والأمور المدنية ترجع إلى الدولة وليس إلى المؤسسة الدينية ،ونفس الموقف عبر عنه "هشام جعيط "وتبناه "عياض بن عاشور" معتبران أن بورقيبة يؤيد لائكية غير معادية لللإسلام [19]. هناك بعض المواقف التي يذهب أصحابها مذهبا آخر معتبرين أن بورقيبة هو إمتداد للحركة الإصلاحية التي جسدها مصلحين أمثال "خير الدين"و"محمد عبده" و"الأفغاني" و"رشيد رضا" وغيرهم بعد أن إستطاع أن يبلور "رؤية إسلامية " هي نتاج لتكوينه المزدوج العربي والغربي[20] !!! وهي رؤية مبالغ فيها ليس لأن بورقيبة لا يعد مفكرا فقط حتى يرتقي إلى مرتبة رواد الحركة الإصلاحية العربية بل هوأحد أكبر دعاة إعتماد النموذج الأروبي الغربي "المتقدم " كبديل للنموذج العربي الإسلامي الشرقي "المتخلف" سياسيا وثقافيا وكذلك تنمويا ولم تكن مواقفه وأقواله وممارساته "الإسلامبة " سوى خدمة لهذا التوجه كما أثبتنا ذلك سلفا .
2 – بورقيبة والعروبة :
إن ما ينطبق على الاسلام يكاد ينطبق على العروبة لدى بورقيبة ، فبعض المناسبات البروتوكولية والرسمية التي إستدعت كسب ود بعض القادة والمسؤولين العرب كانت تفرض عليه الإعتراف بآنتماء تونس للأمة العربية كقوله "نحن جزء من الأمة العربية"[21] أو الإعتراف بحق هذه الأمة في الوحدة السياسية " إن الوحدة هدف نصبو إليه جميعا وهي أمر حيوي بل ضرورة في عصر التكتلات "وهي " وسيلة إستراتيجية للدفاع عن السيادة تجاه الآخر ورد الأطماع والصمود تجاه الضغوط الخارجية "[22].
إن مواقف بورقيبة التي تبدو في ظاهرها مؤيدة للعروبة والوحدة العربية ليست سوى مواقف موجهة للإستهلاك السياسي ، فكثيرا ما أبدى بورقيبة رفضه المعلن للعروبة ولكل ما يمت لها بصلة وربما يرجع ذلك إلى صراعه مع "صالح بن يوسف " رمز التيار العروبي في تونس بداية من سنة 1955 والمعروف برفضه للنهج الذي تبناه بورقيبة القائم على توقيع إتفاقيات الإستقلال الداخلي وبروتوكول الإستقلال في 20 مارس 1956 الذي إعتبره "بن يوسف" كارثة جديدة و لذلك يدعو" الشعب العربي الأبي إلى الحذر واليقظة ومضاعفة الجهود ومواصلة الكفاح الشريف لتقويض صرح الإحتلال الأجنبي "[23]. ويعتبر الخلاف البورقيبي – الناصري وآنحياز جمال عبد الناصر إلى صالح بن يوسف عاملا آخر يضاف إلى عوامل رفض بورقيبة للعروبة بل للقومية العربية كخيار أيديولوجي وسياسي كان عبد الناصر أحد أبرز رواده مما ساعد على تأخر إندماج تونس في محيطها العربي وإنضمامها إلى جامعة الدول العربية [24]. لقد تدعم عداء بورقيبة للعروبة بسبب الأعمال المسلحة التي إستهدفت نظامه وكادت أن تطيح به والتي كانت تنتمي بشكل أوبآخر إلى تيار القومية العربية الذي شهد تناميا لأنصاره في تونس ، مثل محاولة الإنقلاب العسكري التي قادها "لزهر الشرايطي" سنة 1962أوالحركة المسلحة التي قامت بها مجموعة من الفصائل القومية بمدينة قفصة سنة 1980 بقيادة "أحمد المرغني "وبدعم من النظامين الليبي والجزائري .
وكرد فعل على كل ذلك كان بورقيبة يجد مبررا لعدائه للعروبة والقومية العربية فهو صاحب المقولة "إن ما يربطنا بالعرب ليس إلا من قبيل الذكريات التاريخية وأن مصلحة تونس أن ترتبط بالغرب وبفرنسا بصورة أخص وأن مرسيليا أقرب لنا من بغداد ودمشق و القاهرة وأن إجتياز البحر الأبيض المتوسط لأسهل من إجتياز الصحراء الليبية[25] ". وكبديل للعروبة و الإنتماء العربي وجد بورقيبة في "الأمة التونسية والشخصية التونسية " ما ينسجم مع توجهاته الفكرية وإختياراته الأيديولوجية ذات الخلفية الغربية ، فقد جاء في أحد أقواله " الوطن التونسي لا الوطن العربي لأن تونس لها شخصيتها منذ آلاف السنين منذ عهد قرطاج ، أما العرب فيشكلون عدة أمم لا أمة واحدة وهو ما يؤكد إنقسامهم إلى عدة دول [26]".
المستوى الثاني الذي يبرز من خلاله عداء بورقيبة للعروبة هو موقفه من اللغة العربية وإنحيازه للعامية بدل الفصحى ، فقد خطب في ملتقى هواة الأدب في المنستير يوم 29 جويلية 1968 قائلا :" إن اللغة التي يتكلمها الشعب ويفهمها كل تونسي مهما كان نصيبه من الثقافة ومهما كانت الجهة التي ينتمي إليها ومهما تباينت الجهات ليست الفصحى بل العامية لذلك من حق الأدب الشعبي والشعر الشعبي أن يحتلا مكانهما عند الشعب وأن يكون هما أدبه وشعره "[27]. لاشك أن هذا الموقف ليس موقفا عفويا بأي حال من الأحوال ذلك أن الموروث الإستعماري في مستوى الإدارة والتعليم يستوجب تبني سياسة تعريبية شاملة وسريعة للحد من ظاهرة الإزدولجية اللغوية التي أسست لها الإدارة الإستعمارية الفرنسية عموما والمدرسة الفرنكو- العربية على وجه الخصوص خاصة أن اللغة والثقافة العربية كما كانت تدرس بجامع الزيتونة كانت تتعرض للتحقير من طرف المدرسين الفرنسيين بالمدرسة الصادقية كما يروي ذلك الأستاذ" محمود المسعدي"[28] ، مما ساعد على تشويه "الشخصية التونسية " التي باتت ميالة إلى تمجيد لغة المستعمر. لقد حافظ بورقيبة أثناء فترة حكمه علىسياسة الإزدواجية اللغوية مع وضع لغة القرآن في المرتبة الثانية بل في المرتبة الثالثة بعد كل من الفرنسية و العامية التونسية !!! لقد إتسمت سياسات التعريب "البورقيبية" بالتذبذب والإضطراب والتراجع ،ولم يتردد بورقيبة في التصريح سنة 1987 بأن تعريب التعليم في تونس أدى إلى تردي مستوى التلاميذ والطلبة محاولا بذلك تبرير إختياراته في إلغاء التعليم الزيتوني كمربض للغة العربية وثقافتها ،والحد من البعثات الطلابية للمشرق العربي، وعدم القيام بأي حملات تحسيسية بأهمية اللغة العربية كلغة وطنية يجب الإعتزاز بها وإعطائها الأولوية في الإستعمال ،وعلى خلاف ذلك كانت هذه الحملات تشمل ميادين أخرى مثل تنظيم النسل والنصائح الصحية. وقد كان هذا الموقف يشمل الطاقم الحكومي البورقيبي حتى أن وزير أول سابق عرف عنه أنه قال كرد فعل على حركة التعريب بأن ما يهم تونس في المقام الأول هو التقدم ولوكان ذلك عن طريق إستعمال اللغة الصينية[29]، أما التعريب الشامل فذلك لا يعتبر من أولويات السياسة البورقيبية التي حافظت على اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الإدارة التونسية بالرغم من أن الدستور التونسي ينص صراحة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد التونسية وما يتطلبه ذلك من إعتماد لهذه اللغة في كافة المجلات التعليمية والإدارية بين التونسيين هذا علاوة على إعتمادها في تخاطبهم وتراسلهم الرسمي .
3 – بورقيبة والقضية الفلسطينة :
تقدم لنا الدراسة الهامة التي نشرها الدكتور "عبد الجليل التميمي " تحت عنوان "المسألة الفلسطينية وعلاقات الحبيب بورقيبة بالمؤتمر اليهودي العالمي " متابعة دقيقة لتطورعلاقة بورقيبة بالمنظمة الصهيونية العالمية عبر أحد أبرز تنظيماتها وهو المؤتمر اليهودي العالمي وموقفه من نشأة دولة إسرائيل التي هي ثمار نشاط هذا المؤتمر وغيره من التنظيمات الصهيونية ، وهي دراسة لاغنىعنها في فهم هذه المسألة . ملخص ذلك هو أن موقف بورقيبة الذي عبر عنه ضمن ما يعرف بخطاب أريحا سنة 1965 والذي تضمن النقاط التالية :
- ضرورة قبول التسوية التي نادت بها الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية ويهودية
- ضرورة قبول الفلسطنيين مبدأ الحوار مع إسرائيل بدل الحل العسكري
- لا بد على العرب من الإعتراف بالأمر الواقع ووضع حد للسياسة اللاعقلانية لزعمائهم الذين يصفهم بورقيبة بالغباء[30] !!!
وما أثارته هذه التصريحات من إعتداء على عواطف العرب وحقهم في أرضهم المغتصبة وما أنتجه ذلك من ردود أفعال تراوحت بين التصدي المباشر وإتهام الرجل بالخيانة والمطالبة بمحاكمته وإعدامه كما طالب بذلك " أحمد الشقيري " رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ، ليس موقفا عفويا وليد اللحظة يريد أن يجنب العرب والفلسطنيين شر القتال ، بل هو نتاج لتكوين بورقيبة الذي تلقاه في فرنسا منذ أن كان طالب حقوق هناك ثم تربصه على أيدي أحد المحامين اليهود بتونس وهو "أندريه شمامه " بعد عودته إلى تونس سنة 1927 ، لقد كان بورقيبة من أنصار فكرة التعايش السلمي الإسلامي - اليهودي ، وأحد أكبر المنددين بمن أفشلوا محاضرة حول "الإبحار اليهودي" سنة 1938 والإحتجاج عليهم ونعتهم بذوي العقلية المتأخرة ، وهوما دفع أنصار الحزب الحر الدستوري التونسي القديم وهي الجهة التي وقفت وراء ذلك إلى إعتبار بورقيبة " عميل المعمرين الفرنسيين والصهيونيين وحليف اليهود ضد المسلمين "[31].وبالرغم من ذلك إستمر بورقيبة في محاولة تبرير دفاعه على الطائفة اليهودية بل ذهب أكثر من ذلك سنة 1952أي بعد أربع سنوات من قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين عندما صرح لجريدة القناص "...أعتقد أنه من الضروري الإرتباط بعلاقات حسنة مع إسرائيل ولو كنا أحرارا لناضلنا في العالم العربي من أجل هذا الهدف "[32]. إن العلاقة بين بورقيبة والمؤتمر اليهودي العالمي بدأت سنة 1954 كما يشير إلى ذلك قولدمان في تصريح له بتل أبيب سنة 1965 وإستمرت بعد ذلك في شكل لقاءات منتظمة بتونس وأروبا طيلة فترة حكمه وقد كان المؤتمر اليهودي العالمي يراهن على الدور الذي يمكن يلعبه بورقيبة في الترويج" للمشروع الصهيوني" في كل من المغرب العربي والوطن العربي فقد وصفه "إيسترمان "السكريتير السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي بأنه " أهم رجل دولة ديمقراطي في إفريقيا الشمالية وحتى في العالم العربي ،لممارسة تأثيره لتحقيق السلام في الشرق الأوسط "[33] . وكان بورقيبة يعي جيدا الدور المنوط بعهدته فبالإضافة لما قام به من ترويج حول إمكانية التعايش مع دولة الصهاينة إسرائيل ضمن أحداث أريحا لسنة 1965 المشار إليها ساعد بورقيبة هذه الدولة بالطاقات البشرية من اليهود التونسيين مقرا "بحق اليهود التونسيين المطلق في الهجرة إلى إسرائيل مؤكدا على أن هذا الأمر سيستمر " وهو ما أقره وزير داخليته مصرحا بأن "هجرة اليهود التونسيين سوف تستمر دون عوائق أو قيود من طرف السلطات الرسمية .. ولن أتدخل في شؤون يهود البلد، ومن هذا الجانب لا تقلقوا أبدا حول مسألة مغادرتهم البلاد ...وأنه لا يمانع في وصول يهود آخرين شريطة أن يكون العدد ضروريا وأساسيا لنشاط الوكالة اليهودية " ، وقد وصل عدد المهاجرين من اليهود التونسيين إلى ما يفوق الخمسين ألفا [34].
يقودنا كل ما سلف إلى مناقشة دور بورقيبة فيما يسمى بعملية السلام ، إذ يذهب بعض الدارسين وكذلك بعض مؤيدي بورقيبة ومريديه إلى أن الرجل كان مستشرفا للمستقبل وصاحب رؤية ثاقبة لما ستؤول إليه الأحداث من إتفاقات وتوقيع معاهدات سلام مع دولة إسرائيل عدو الأمس ، ويمكن أن يكون ذلك صحيحا بناءا على فرضيتين إثنتين:
- الفرضية الأولى : أن يكون بورقيبة خاليا من رصيده السياسي المؤيد والمرتبط بنشاط بعض التنظيمات التي لها علاقة بالنشاط الصهيوني أو هي إحدى أدواته مثل المؤتمر اليهودي العالمي الذي تمكن من أن يكسب تأييد بورقيبة لهجرة اليهود التونسيين هذا علاوة أن الرجل هو أول عربي يؤيد قيام دولة إسرائيل وما يعنيه من ذلك تحويل لوجهة الصراع بين العرب وعدوهم وإلغاء للحواجز السياسية والنفسية في مرحلة كانت حاجة العرب إلى حشد القوة ودعم المقاومة وليس التلويح بسلام يفرضه قانون الغالب على المغلوب حسب لغة إبن خلدون ، الغالب هو محتل الأرض والمغلوب هو صاحب الأرض الحقيقي .
- الفرضية الثانية : أن يكون السلام و التعايش قد حصل بين العرب وإسرائيل بعد تلك الحروب الطويلة التي عرفتها المنطقة ، لقد بينت الأحداث أن مقولة التعايش هي مقولة وهمية وأن إتفاقات السلام التي بدأت بكامب دافيد المصرية الإسرائيلية ووادي عربة الأردنية الإسرائيلية وقبلها إتفاقيات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية هي في واقع الأمر إتفاقات ورقية أما على الأرض فهناك مغلوب وهناك غالب ،أما الغالب فهو ذلك الذي يفرض شروطه على أرض إحتلها ويقتل أهلها وليس له إستعداد للتفريط في شبر واحد منها بل وليست له إستراتيجية سلام بل له إستراتجية حرب وجوسسة وتخريب لم ينج منها مجالا من مجالات الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية ، وأما المغلوب فهو ذلك المسلوب الأرض والعرض والقوة وهو المقتول والفاقد لجميع الحقوق ، وما بين هذا وذاك نمت تلك الأعشاب الطفيلية التي أطلق عليها جماعات السلام مثل جماعة كوبن هاقن وجمعيات السلام التي ظهرت في كثير من الأقطار العربية بالتوازي مع مؤتمر مدريد وإتفاقيات أوسلو وآختفت بآختفائها مع إنطلاقة الإنتفاضة الفلسطينية الثانية . فهل كان بورقيبة مستشرفا لمستقبل الصراع بين العرب وإسرائيل أم كان ممهدا لتسرب الصهيونية للعقل العربي؟
III - الهوية البورقيبية :
1 – تحديث سياسي مرضي :
يقصد بالتحديث السياسي إقامة نظام ديمقراطي بإعتبار ذلك ضرورة من ضرورات هذا العصر وهو مقوم ضروري للإنسان المعاصر الذي لم يعد مجرد فرد في رعية بل أصبح مواطنا يتحدد كيانه بجملة من الحقوق هي الحقوق الديمقراطية التي في مقدمتها الحق في إختيار الحاكمين ومراقبتهم وعزلهم فضلا عن حق الحرية ، حرية التعبير والتفكير والإجتماع وإنشاء الأحزاب [35]. فهل إستجابت البورقيبية لذلك ؟ إن هذا السؤال يستمد شرعيته من أن بورقيبة داعية التحديث و العقلانية وهي الأرضية التي قامت عليها الليبرالية السياسية الغربية ترك تراثا سياسيا غنيا بمعادات الديمقراطية وإطلاق العنان لهيمنة الحزب الواحد ورفض أي شكل من أشكال التعددية الحزبية وذلك حسب رأيه راجع إلى أن "الواقع والظروف الحالية جعلت قيام حزب آخر أمرا غير معقول ، إذ لم يوجد تكتل له طريقة أخرى وأهداف أخرى ووسائل أخرى توفي بالصالح العام وتجمع حولها جانبا عظيما أو حتى متوسطا من الشعب التونسي "معتبرا أن التعددية السياسية هي مولدة للصراعات والمزايدات والديماغوجية والتخريب ، خاصة و أن الظروف التي عرفتها تونس منذ 1933 لا تسمح بظهور قائمات أخرى ، من يمكن لها أن ترشح أفضل مما قدمنا ؟وماذا عساها أن تقدم كنتائج أثرى مما فعلنا ؟ومن أين لها أن تدافع عن برنامج أصلح من برنامجنا .[36] لقد كان بورقيبة يعتبر الشعب التونسي شعبا متخلفا عن مقتضيات الممارسة الديمقراطية بل يعتبر ذلك طامة كبرى بالنسبة لشعب متخلف ذهنيا ونفسيا مثل الشعب التونسي[37].ويذهب بورقيبة نفس المذهب بالنسبة للحرية التي يؤدي "فتح بابها على مصراعيه إلى أن يلجه من لايستحق الحرية ويستعملها للهدم وزرع بذور الحقد والكراهية وتشتيت شمل الأمة وتقويض أسس الدولة وما من سبيل لمنح الحرية الكاملة على نحو ما هو موجود في بريطانيا إلا حين يصل مستوانا إلى مستوى الشعب البريطاني [38]". لقد كانت تلك الخطب والمواقف هي الخلفية التي حكمت المجتمع التونسي عامة والمجتمع السياسي على وجه الخصوص فالتجربة السياسية لتونس أثناء الفترة البورقيبية تبين أن التحديث السياسي المتمثل في وضع دستور ومجموعة من النصوص القانونية الأخرى المكملة مثل مجلة الصحافة أوالمجلة الإنتخابية أوغيرها لتنظيم الحياة الحياة السياسية لم تكن سوى إجراءات بروتوكولية لأن الرجل لا يؤمن أصلا بحق الشعب في الحرية و الديمقراطية طالما أن هذا الشعب متخلفا ، مما أدى إلى إرساء تجربة سياسية تتميزبسيطرة الحزب الواحد الذي هوالحزب الإشتراكي الدستوري وبالتداخل الكامل بين الحزب والدولة وهو ما سيؤدي إلى دولنة المجتمع بصفة مطلقة كل ذلك من أجل هيمنة بورقيبة على الجميع وآختزال كل من الدولة والمجتمع في شخصه ، ألم يقل "النظام أنا "[39] . لقد حولت شخصنة بورقيبة للدولة مؤسسات هذه الأخيرة إلى مجرد أجهزة كاريكاتورية فارغة من أي محتوى فرئيس الحكومة هو مجرد رئيس لديوان بورقيبة ومنفذا لسياساته ، والبرلمان ذو اللون الواحد هو مجرد حجرة لتسجيل القوانين التي تتقدم بها الحكومة ومقولة فصل السلط هي مقولة شكلية لأن السلطة القضائية تحولت إلى مجرد جهاز من أجهزة السلطة التنفيذية وظف في حالات كثيرة لإجتثاث المعارضات السياسية هذا علاوة على تحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعات خاصة يتصرف فيها ذوي النفوذ في الحزب – الدولة دون رقابة أي كان [40].وفيما يتعلق بنظرة بورقيبة للمجتمع فإن تخلف هذا الأخير قد جعل منه مجرد ورشة يجري فيها بورقيبة تجاربه السياساته المختلفة فهو أب الإستقلال التونسي وهوصاحب فضل تأسيس الدولة الحديثة !!! الذي يفعل ما يحلو له ، حتى تحول المجتمع التونسي تحت تأثير ذلك إلى مجرد جوقة دائمة تزين مناسبات بورقيبة العامة مثل الحملات الإنتخابية (الرئاسية و التشريعية والبلدية) وزياراته وخطبه في الجهات أثناء المناسبات والذكريات الوطنية وأعياده الخاصة مثل عيد ميلاده الذي تستمر الإحتفالات به كامل شهر أوت (إلقاء المحاضرات ، إلقاء الأشعار لاسيما الشعبية منها وإقامة حفلات الطرب ) ، كما جعل من شوارع المدن التونسية فضاءات لنصب تماثيله وما يعكسه ذلك من تظخيم للذات بل وعباداتها [41].مستفيدا في ذلك من طبقة سياسية ونخبة فكرية إنتهازية [42]لم تكتف بمحاولة إضفاء الشرعية على ممارسات سياسية تتنافى مع قيم الديمقراطية الساسية و مع أخلاق المجتمع وقيمه ومقومات هويته بل عملت على تنظير مقولات طوباوية مثل مقولة "الأمة التونسية"[43].لا شك أن بورقيبة لم يكن يؤسس فقط لدولة كليانية ذات لون واحد ترفض أي تنوع أوتعدد أوإختلاف سياسي أو تداول على السلطة وإنما إضافة إلى ذلك كان يعيد إنتاج مفهوم سياسي "قروسطي "وهو مفهوم "الشعب القطيع " الذي يرتبط مصيره بمصير حاكمه مما يدفعه إلى منح حاكمه ورئيسه حق الرآسة مدى الحياة . إن إرساء بورقيبة قواعد الحكم المطلق والإستبداد السياسي يمثل الأرضية الخصبة لتهميش أية مطالبة من طرف المجتمع والمجتمع السياسي للإندماج والتواصل مع المحيط المغاربي والعربي تجسيما للروابط العربية الإسلامية .
2 – البورقيبية وحركات الهوية في تونس :
لاشك أن مواقف بورقيبة من الحركات السياسية لن تكون محكومة برؤيته السياسية القائمة على الإستبداد ورفض إسناد الشرعية لأي كيان سياسي يمكن أن ينافسه أو ينافس حزبه في تسيير شؤون البلاد فقط وإنما إضافة إلى ذلك رفض شرعية الحركات التي تستند إلى شرعية الهوية . فعندما إضطر النظام البورقيبي إلى الإعتراف ببعض الأحزاب السياسية ومنحها الشرعية القانونية بعد الأزمة مع الحركة العمالية والنقابية سنة 1978 والحركة المسلحة التي شهدتها مدينة قفصة سنة 1980 ، إكتفى هذا النظام بالإعتراف بالأحزاب التي نشأت وترعرعت في أحشاء الحزب الإشتراكي الدستوري مثل " حركة الإشتراكيين الديمقراطيين "و" حركة الوحدة الشعبية " ، إذا ما آستثنينا الحزب الشيوعي التونسي الذي يستمد شرعيته وجوده التاريخي بالرغم من حضر نشاطه ما بين 1963 و1981. أما أحزاب الهوية ونقصد بذلك الأحزاب التي تتخذ من القومية العربية أوالفكر الديني الإسلامي مرجعية لها ، فقد أغلق الباب أمامها منذ البداية أي منذ أن صدر قانون الأحزاب الذي يرفض قيام أحزاب تستند إلى شرعية اللغة أو الدين بإعتبار أن تلك قواسم مشتركة بين جميع التونسيين ،وقد نسي بورقيبة وأجهزة حكمه أو تناسى أن التراث السياسي الليبرالي الغربي يحتوي شواهد كثيرة على وجود أحزاب غربية كثيرة تستند في خلفيتها الفكرية والسياسية إلى الديانة المسيحية أو إحدى القوميات الأروبية .وبالرغم من الشروط المجحفة التي وضعت أمام الحركات ذات الهوية القومية أوالإسلامية فقد تقدمت هذه الحركات بمطالب إلى سلطة الإشراف لنيل تأشيرة العمل القانوني بداية من سنة 1981 أي بعد إعلان بورقيبة في المؤتمر الإستثنائي للحزب الإشتراكي الدستوري من أنه " لا يرى مانعا من ظهور تنظيمات وطنية سياسية كانت أو إجتماعية بشرط أن تلتزم بالمصلحة العليا للبلاد والشرعية الدستورية وحماية المكاسي القومية ونبذ العنف والعصبية وعدم الولاء أيديولوجيا وماديا للخارج "[44] وما أضافه محمد مزالي من ضرورة الإعتراف بالشرعية البورقيبية ورآسته مدى الحياة ، بالرغم من ذلك فقد رفضت السلطة مطلب التأشيرة الذي تقدم به الأستاذ "البشير الصيد " لحركته "حركة التجمع القومي العربي " حتى تمارس نشاطها بصورة معلنة و قانونية وتصدر الحركة الجريدة الناطقة بإسمها وهي جريدة "النداء العربي " ، كما تعرض الأستاذ الصيد مؤسس هذه الحركة إلى المحاكمة و السجن [45]. الطرف الثاني من حركات الهوية الذي تقدم بطلب تأشيرة حزب قانوني هو "حركة الإتجاه الإسلامي " الذي إضافة إلى رفض حقه في العمل القانوني وإصدار جريدة ناطقة بإسمه تعرض كوادره للمحاكمة والسجن في السنوات 1981 و1982 و1983 وإغلاق منابره الفكرية مثل مجلة المعرفة بل ودفع هذه الحركة إلى خيار العنف من جديد [46].
إن المتأمل في تجربة بورقيبة الفكرية والسياسية يلاحظ أن الرجل كان محكوما بالإرث الزيتوني فهو يدرك أن الجامع الأعظم كان المنبر الذي دعم جماعة الحزب القديم كما دعم مشائخه حركة الأمانة العامة اليوسفية وكانت منظمة " صوت الطالب الزيتوني " المنظمة الطلابية التي نشأت في أروقة هذا الجامع الطرف المعادي لبورقيبة وتوجهات حزبه التفاوضية ، وهو ما دفعه إلى وضع حد لنشاطه العلمي والسياسي ، ومن ثمة فهو يعلم أن حركات الهوية في تونس لن تكون إلا سليلة الحركات التي نشأت بالجامع الأعظم والحركة اليوسفية التي وجدت تأييد الناصرية في مصر ذلك العدو القديم الذي وجد بورقيبة شعاراته ومبادئه تتكرر ضمن برامج الحركات القومية الناشئة .
3 – أزمة البورقيبية :
إن مأزق البورقيبية يتجد بصورة رئيسية في عجزها على إعادة إنتاج ذاتها في شكل تيار فكري وسياسي بعد أن إنتهت كتجربة في مقاومة الإستعمار!!! وفي السلطة والحكم . لقد كان بورقيبة يعمل على أن يكون ندا لـ "جمال عبد الناصر " هذا علاوة على أنه خصمه التقليدي ، إلا أن الملاحظ أن تجربة عبد الناصر في الحكم وما تركه من آثار فكرية وسياسية من خطب ومؤلفات (فلسفة الثورة ،الميثاق وبيان 30 مارس) قد كان لها تأثيرا واسعا في النخب السياسية والفكرية العربية بإعتبارها تمثل حلقة من حلقات حركة النهضة العربية فنشأت التنظيمات والحركات الناصرية وبرز المنظرون الناصريون على أيام عبد الناصر وما بعدها حتى أن بعض شباب هذه الحركات قد ولد بعد وفاة عبد الناصر لقد باتت الناصرية تيارا واسعا في الوطن العربي بأكمله وهي نموذج للتجربة الوطنية في الحكم في معادات الإستعمار والعدالة توزيع الثروة ...إلخ فماذا عن البورقيبية ؟ إذا ما إستثنينا بعض المذكرات التي كتبها بعض وزراء بورقيبة السابقين التي هي أقرب إلى رد الإعتبار لذواتهم التي تعرضت إلى الإهانة وسوء المعاملة وبعض البحوث العلمية التي وضعاها أكاديميون ضمن قراءاتهم للتحولات التي يعيشها المجتمع التونسي لاسيما ما يقوم به الأستاذ "عبد الجليل التميمي " من مؤتمرات علمية حول التجربة البورقيبية فإننا لا نكاد نعثرعلى تيار فكري بورقيبي ولا على تنظيرات ولا أقول نظرية بورقيبية في تونس أو خارجها ولعل ذلك يعود إلى البورقيبية لم تشكل في أي وقت من الأوقات نموذجا يحتذى ولعل ذلك يعود إلى أن صاحبها أراد لها أن تكون نقيضا للهوية ومقوماتها الرئيسية أي العروبة والإسلام .
خاتمـــــــــة:
خلاصة هذه الدراسة هو أن الحبيب بورقيبة لم يكن معصوما من الخطإ ويرتقي بتجربته فوق النقد ، لقد بدأ حياته مناضلا سياسيا بعد أن نشأ في أسرة ذات أصول طربلسية إستقرت بالمنستير في نهاية القرن الثامن عشر ودرس في المعهد الصادقي ثم بالجامعة الفرنسية ،وإنتهى به الأمر رجل دولة طيلة ثلاثين سنة كاملة وما بينهما لم يتوان عن إعلان عدائه للهوية العربية الإسلامية ومقوماتها الرئيسية المتجسدة في العروبة والإسلام بسبب خلافه العميق مع الحركة اليوسفية وبسبب ما تلقاه من تكوين غربي أراد أن يقوم بتحديث المجتمع على ضوءه فجاء تحديثا مرضيا نتيجة عقلية الإقصاء التي مارسها ضد مكونات المجتمع السياسي وخاصة أحزاب وحركات الهوية .

[1] أغسطيني (هنريكو)سكان ليبيا القسم الخاص بطرابلس ،تعريب التليسي (محمد خليفة) دار الثقافة بيروت 1975 ص 267
[2] بن إسماعيل (عمر) إنهيار حكم الأسرة القرمانلية في ليبيا مكتبة الفرجاني طرابلس 1966 ص 15
[3] إبراهيم ( أبو القاسم أحمد) المهاجرون الليبيون بالبلاد التونسية مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله للنشر تونس 1992 ص 61
- ورد في هذا المؤلف أن عائلة بورقيبة المستقرة بمدينة مصراته الليبية من العائلات الثرية ، و إنعكس ذلك على سلوك الجد الأعلى لبورقيبة بعد هجرته للمنستير حيث عرفت هذه العائلة بتقديمها مائدة أكل للفقراء كل يوم جمعة بحومة الطرابلسية ، هذا علاوة على عتق الحاج "محجد بورقيبة " لعبيده الأربعين سنة 1846.
[4] نفس المرجع و الصفحة
[5] كريم (مصطفى) تأملات في شخصية بورقيبة تعريب (التميمي ) عبد الجليل ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة الوطنية قراءات علمية للبورقيبية منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات أفريل 2000 ص 13
[6] نفس المرجع و الصفحة
[7] جلاب (الهادي)مؤتمر 2مارس 1934 قطيعة أم تواصل ضمن مؤتمر قصر هلال إعداد عبد المجيد كريم ، حسين رؤوف حمزة والهادي جلاب منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية ص ص 5 - 6
[8] الشابي (منصف )صالح بن يوسف دار الأقواس للنشر 1990 ص 185
[9] واردة (منجي) جذور اليوسفية المجلة التاريخية المغاربية عدد 71 – 72 ماي 1993 ص 502
[10] Khaddar (Moncef) Parti unique et violence politique en Tunisie memoire de D E S Universite de Paris I 1971 p10
[11] الذوادي (محمود) العلاقة بين شخصية بورقيبة وأزمة الهوية في المجتمع التونسي الحديث مجلة دراسات عربية عدد 11-12 \ 32 سبتمبر - أكتوبر 1996 ص 116
[12] الكيلاني (مصطفى ) المضامين الثقافية ورموزها في عهد بورقيبة ضمن الحبيب بورقيبة و إنشاء الدولة ...مرجع سابق ص ص 169 – 170
[13] الهيلة (محمد الحبيب ) بورقيبة و الإسلام ضمن الحبيب بورقيبة ... مرجع سابق ص 179
[14] نقلا عن الهيلة ...المرجع السابق ص ص 180 - 181
[15] الهيلة ...مرجع سابق ص 183 ، كريم ، تأملات ... مرجع سابق ص 16
[16] الذوادي، العلاقة بين شخصية ... مرجع سابق ص 116
[17] الذوادي ... نفس المرجع ص 117
[18] العلاني (علية) الخلفيات الدينية والسياسية لمظاهرة 1961 بالقيروان ضمن أعمال المؤتمر الثاني حول بورقيبة والبورقيبيون وبناء الدولة الوطنية مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات سبتمبر 2001 ص 119
[19] نقلا عن سعد (منيرة) بورقيبة و الإسلام ضمن بورقيبة والبورقيبيون ...المرجع السابق ص 187
Zghal ,A bdelkader , “l islam ,les janissaires et le destour “ in Tunisie au present une modernite au dessus de tout soupcon CNRS Paris 1987 p p 371 – 384
Ben Achour ,Yadh , ‘Islam perdu ,islam retrouve ‘ in le maghreb musulman CNRS Paris 1981 pp 65 - 75
[20]Hajji(Lotfi) Pour une relecture critique de la relation de bourguiba a l islam in Realites n 850 \11-17 \4\2002 p23
[21] خطاب بورقيبة يوم 13 ديسمبر 1963
[22] خطاب بورقيبة بمناسبة زيارة العقيد القذافي إلى تونس
[23] التركي (عروسية ) الطاهر لسود بين بورقيبة بن يوسف وعبد الناصر مجلة الوطن عدد4 1997 ص 12
[24] الكتاب الأبيض في الصراع بين الجمهورية التونسية والجمهورية العربية المتحدة ، كتابة الدولة للشؤون الخارجية التونسية ديسمبر 1958 ص ص 34 - 36
[25] عبد الله (الطاهر)الحركة الوطنية التونسية رؤية شعبية قومية جديدة مكتبة الجماهير بيروت 1976 ص ص 155
[26] الحناشي (عبد اللطيف ) موقف الحبيب بورقيبة من قضايا الوحدة العربية والمغاربية ضمن أعمال مؤتمر بورقيبة والبورقيبيون ...مرجع سابق ص ص 88 - 89
[27] نقلا عن البالغ (الهادي) الخصوصية اللغوية والثقافية ضمن الذاتية العربية بين الوحدة والتنوع ،مركز البحوث و الدراسات الإقتصادية والإجتماعية بتونس 1979 ص 76
[28] الذوادي (محمود) التخلف الآخر الأطلسية النشر جانفي 2002 ص 183
[29] نفس المرجع ص ص 184 - 185
[30] التميمي (عبد الجليل )المسألة الفلسطينية وعلاقات الحبيب بورقيبة بالمؤتمر اليهودي العالمي ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة ... مرجع سابق ص38
[31] نفس المرجع ص صر43 - 44
[32] نقلا عن المرجع السابق ص ص 47 – 48 جريدة Le franc – tireur بتاريخ 7 فيفري 1952
[33] أنظر نص التقرير الذي نشره الأستاذ التميمي ضمن دراسته السالفة الذكر ص 58
[34] التميمي ... نفس المرجع ص 50
[35] الجابري (محمد عابد) إشكالية الديمقراطية والمجتمع الكدني في الوطن العربي مجلة المستقبل العربي عدد 167 –1 – 1993 ص 13
[36] أنظر خطابات بورقيبة على التوالي في 11ماي و29 جويلية 1963 و7 ديسمبر 1965
[37] خطاب بورقيبة في 26 أفريل 1966
[38] خطاب بورقيبة في 18 جانفي 1963
[39] وناس (منصف ) الدولة والمسألة الثقافية في المغرب العربي سراس للنشر ص 8
[40] الصغير (عميرة علية )هل نجح بورقيبة في مشروعه التحديثي ضمن أعمال المؤتمر الثاني حول بورقيبة والبورقيبيون ...مرجع سابق ص 111
[41] الذوادي ... مرجع سابق ص 116 ، أنظر كذلك الذوادي (محمود) تأملات في العهد البورقيبي في ضوء كتاب رسالة مفتوحة إلى الحبيب بورقيبة ، دراسات عربية عدد 1 ج 24 سيتمبر 1988 ص 130
[42] بوقرة (عبد الجليل) هل بورقيبة مستبد ؟ ضمن بورقيبة والبورقيبيون ... مرجع سابق ص 67
[43] المبروك (مهدي ) هل نحن أمة ، أزمة الإنتماء لدى النخب التونسية دار البراق للنشر 1989 ص ص 26 – 31
[44] خطاب بورقيبة في المؤتمر الإستثنائي للحزب الإشتراكي الدستوري جريدة الصياح 11 أفريل 1981
[45] مقابلة مع الأستاذ البشير الصيد أجرتها معه مجلة الشراع اللبنانية بتاريخ 24 – 12 1984
[46] أنظر مقالنا التحولات في أنماط الخطاب الديني في المغرب العربي المجلة التاريخية المغاربية عدد 95 – 96 ص ص 595 – 597

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire