mardi 14 juin 2011

جرابيع مغليه على نار هادئة

في الحكايا القديمة... يحكى أن شيخاُ بعث إليه طاغوت من الطواغيت بأبنائه ليعدهم لخلافته في السيطرة على رقاب العباد والتحكم بمصائرهم. فجمعهم هذا الشيخ وذهب بهم إلى إحدى الصحاري، وهناك وبعد أن ظنّوا إليهم أنه سوف يتحدث عن تاريخ الشعوب وعن المعارك الفاصلة في عمر الأرض , وجدوه وقد وضع كتبه جانباً ثم قال :
"اليوم سوف أعلمكم كيف تطبخون" الجربوع"* حياً !"
نظر الأمراء إلى بعضهم ليتأكدوا من أنهم سمعوا الهذيان نفسه وعندما عادوا إليه بأبصارهم التي بدأت تشكك في العمر الافتراضي لعقل هذا المتأرجح بين الموت والموت وهل الشيخ خرف أو أصابه جنون.. كان يتابع كلامه وكأن شيئاً لم يكن:
"لنر من منكم لديه أفضل طريقة ؟"
ترددت الكلمة وتأكدوا منها واستوعبتها أدمغتهم استغراباً .. لقد أذهلتهم غرابة السؤال .. لكن أحدهم رد بعفوية قائلاً : " نطبخه في إناء فيه ماء يغلي!!"
"بكل هذه البساطة !!!"
ردد الشيخ في تهكم... "وما الذي سوف يغريه بالبقاء في إناء لا يوجد به إلا ماء.. ويغلي أيضاً.. ترى لو كنت مكانه هل كنت ترغب في البقاء؟؟!!"
سكت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير.. وأحس الجميع بسحابة من الغباء تظللهم ..أما العجوز .. وبعد أن حطم أسوار المقام السلطاني في نفوس صغار الطواغيت ،وبعد أن زرع في قرارة ذاتهم أنهم بحضرة من هو أعلم منهم بكثير ،هنا قال..لا.. بل نقش قاعدته الخبيثة في قلوبهم التي لابد أن يعملوا بها قائلا:
"لو وضعنا" الجربوع" في الماء الساخن لقفز منه فوراً.. مهما كانت المغريات.. هو حب البقاء ، ولو وضعناه في ماء دافئ لبقي قليلاً ثم قفز خارجاً.. طلباً للغذاء ، لكن لو وضعناه في الماء الدافئ فوق النار الهادئة ووضعنا في الماء بعض الطعام بطريقة تجعل الحصول عليه صعباً ولكن ليس مستحيلاً فإن "الجربوع" سيبقى في الإناء حتى يموت مغلياً!!!."
هنا تساءل احد الصغار:" لماذا لا يقفز والماء يغلي ؟؟! ...قال الشيخ..: "لأن ردة فعله التي كان يتميز بها قد تم ترويضها بالماء الدافئ الذي زادت سخونته تدريجياً ، حتى أصبحت ردة الفعل تلك خيطاً من دخان لا يعلم أحد أين ذهب".
بعد ذلك أكمل الشيخ حديثه رافعاً صوته : "هكذا أيتها العقول الفارغة تحكم الأمم.. هكذا توضع الأغلال في أعناق الشعوب.. تلك التي لا طاقة لكم بمواجهتها.. ولا قدرة لكم على تحمل غضبتها.. أشغلوها بالبحث عن طعامها بيد.. وباليد الأخرى حافظوا على استمرار اتقاد النار الهادئة تحتها في ازدياد محسوب.. احذروا من أن تزيدوا حدة النار فجأة.. إلا بعد أن تروا ذوبان أطرافها وقد تمددت وأصبحت غير قادرة على اتخاذ قرار قفزته.. وإياكم أن يغيبن عن بالكم استمرار وجود الطعام ولكن بالقدر الضروري.. فقط لإشغالها عن التفكير في ما تحت الإناء."بعد ذلك أخذ الشيخ يتحرك أمامهم واضعاً يديه خلف ظهره وهو يقول : "هناك عقول لا تستطيع التفكير في أكثر من أمر واحد في ذات الوقت.. أشغلوها بأمرها ذاك. وهناك عقول حبست في محيط جسدها ..لا تفكر إلا في إشباع رغباته.. اجعلوا تلك الرغبات أفقاً لا نهاية له"

ثم توقف الشيخ ووجه نظراته إليهم.. حادة.. قوية.. نفذت إلى أعماقهم مثل الخوف.. وقال :
"ولكن الخطر ورعب الخطر.. في عقول تتعب في مرادها التواريخ.. عقول ترى من خلال الأعمال مستقبل النوايا ..وتقرأ الخطى جيداَ فتعرف المصير.. عقول ترفض مبدأ الإناء من أساسه.. وتعرف كل الحيل.. عقول تأبى أن تعيش في غير الرؤوس.. همومها أكبر من أن تحملها أمه .. وطموحاتها أعلى منزلة من نجمه.. وعزائمها لا يفنيها حتى الموت إذ هي تنزرع في كل من عرفهم وآمن بما آمنوا به.. إن واجهتكم مثل هذه العقول .. فقد استعصت على من كانوا قبلكم.. نصيحتي إليكم... أعطوهم ما يطلبوكم.. ولن يطلبوا غير حقهم.. فإن لم تفعلوا فسوف يعلون وينتصرون ثم لا يعطونكم ما تطلبون."
هكذا يفعل الطواغيت بالشعوب في كل ما كان وزمان , فلنعمل على رفض مبدأ الإناء وإنقاذ أجسادنا من نار الدنيا, النار التي يمارسها علينا الطواغيت ومحاولة إذابتنا وانصهارنا عن مبادئنا وقيمنا ولا شك أننا- نحن الذين نعيش في هذا الزمان ويسوؤنا ما وصل إليه حالنا لسنا المسؤولين وحدنا عن هذا الحال من اضطراب في المستوى التفكير فإن الاضطراب لا يسأل عنه جيل واحد. ما نلقاه اليوم من ضربات في الشرق والغرب, وما وصل إليه حالنا ومن أننا نأكل ما يزرع غيرنا, أو نستهلك وينتج غيرنا, وما نلقاه نحن من متاعب إنما نجني تفريط أناس سبقونا , ونحصد ما غرسوا, وفي الوقت نفسه فإن ما نبذله من جهد, وما نبنيه في ثبات ومصابرة ربما يتأخر ظهورها فلا يظفر بها إلا أولادنا وربما أحفادنا .وإذا كنا نحيا في ضوء إيمان بقضية قدمها لنا سلف صالح, فلا نستكثر أن تحيا الأجيال المقبلة في ضوء ما نقدم من جهد وتعب وعمل , وأن يطوينا هذا الليل الذي نعيش فيه لتنعم هي بتباشير الصباح.
إذا فعلينا أن نجاهد ونعمل , ولا يكن همنا هو اقتطاف الثمر العاجل, إنما العمل لذاته, وفي الشعور بتوفيق الله والأمل في رضاه . أما متى يقطف الثمر فليس ذلك إلينا ولا توقيته في مقدورنا, إنما هذا رهين تطورات الأوضاع السياسية العالمية والمحلية, ولكننا نعمل ونحن على ثقة تامة:
أولا: من أن الثمرة لا بد آتية, ولا بد للحق أن يستقر, ولا بد للباطل أن يبور.
ثانيا: من أن من عاش ومات على مبدئه لا يتزحزح عنه عاش كريما ومات ميتة الكرماء. ونال جزاء العاملين. ونحن إنما نعمل ونجتهد لمبدأ نؤمن به وليس لنصر عارض نرغب في التمتع به.
أما التمكين في الأرض وطرد الطواغيت , وتمام الثمرة في الدنيا , فقد يحصل وقد لا نحصل عليه ,
فالمخلصون يعملون بلا كسل ولا ملل. وهم على ثقة تامة بالنصر.

يجب أن نراجع أنفسنا.. نعم نراجع أنفسنا لنكشف أي أخطاء أو انحرافات قد تؤخر النصر, وأن نتخذ الإجراءات اللازمة لتجاوزها. ولكن لا بد من تحققه إن نحن صبرنا وصابرنا.

فلنعمل على تغير الواقع الذي نعيشه حتى لا نصبح" جرابيع مغليه على نار هادئه"

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire