mercredi 22 juin 2011

وطن .. من كلمات



وطن .. من كلمات
**
يحدث للكلمات في الغربة أن تحل محل الوطن ... يحدث لها أن تحتويك بشيء من الدفئ و العشق ..
أن تسمد حلمك بأمل و إرادة .. هامسة في أذنك ترانيم النسيم ... نسيم وطنك و موسيقى مقدسة لطقوس بدائية النقاء تراقص في أجوائها ذاكرتك بصمت دون أدنى رعشة أو همسة . إن جمالية الكلمات تكمن في توحدك بها .. مستفزا بذلك تلك الوحدة الشرسة التي أطلقت عنان بردها الغربة ..
تتوحد بكلماتك .. فتجد أنك مازلت على قيد الحلم .. مازلت تعيش في رائحة ونكهة زيت وطنك و خبزه..
وبالذاكرة في بردك الطويل هذا رغبة في أخذك صوب البعيد .. نحو دفئ يستحم به وطنك حيث الفضاءات إسراءً ومعراجا تتناوب على أرضك بحثا عن العشق وخبز الخلود ..
وطنك يا رجل .. حيث طائرتك الورقية لم تزل تحلق في سمائه غير مكترثة بجاذبية أهل الأرض المختلة .. فبعد أن حمّلتها أنت حلمك .. لم تعد هي قادرة على الهبوط .. على أرض جف دمع زيتونها من هول ما أصاب أبنائها !!غير مدركين بالاخطارالتي تحدق بهم من كل جانب تاركين لعدوهم القيام بأفظع الجرائم ضد أبناء شعبهم بقتل الأطفال والنساء والشيوخ اطفالُ أبرياء اختطفهم الموت من أحضان أمهاتهم كانوا يحلمون بالحرية والسلام ؟؟؟؟
الذاكرة .. الأن .. أمك وبعض الحنّاء .. أحمر خفيف على القلب بزغرودة على شهيد أو حلم .. أمك ومركز الكون .. أهازيج السماء الليبية والكروم .. وثوب طفلة مطرز بأمنيات وأحلام وابتهالات بأن يعم على الأرض الحب والسلام .
والبرد يقسو عليك أكثر هذه الليلة .. فبمقدار ما تزداد أنت حلما تزداد خيبة .. وبمقدار ما تعشق كلمة .. تعشق جنونا .. وفي أوج الارتعاش ينهض رجل من بين الصفحات اسمه ( أدو رنو ) ليقول لك :
(الإنسان الذي لم يعد له وطن .. يتخذ من الكتابة وطنا يقيم فيه . )
كم أنت متعب مابين الدفئ والخيبة .. مابين الغربة والتبعثر .. فأي وطن يدفئ عشقك يا رجل وأنت الذي يبحث عن وطن في الكلمات .. أما أن تسكن وطنا من رواية ؟
ترفض الإجابة .. وتلوذ بنفسك المرتجفة إلى كتاب يشبه خيبتك لدرجة أنك قرأته أكثر من عشر مرات لتنال قسطا من الدفئ والراحة .. ولكن هيهات .. متعب أنت و تائه حتى الرمق الأخير من ذاكرة لا تشبع منك أبدا .. ذاكرة تقودك إلى طفولة خلفتها ورائك على غصن شجرة لوز خوفا عليها من شراهة الغربة ..
يالطفولتك ؟؟ التي كانت مجرد خربشات بريئة على جسد طرابلس التي لم تكن مدينتك يوما بل عشقا .. ومختبئ الذاكرة على وقع خبر عاجل :
طفلة من مصراتة المقاتلة سئمت الحياة .. فبترت جسمها الغض رغما عنها في صباح عمرها المبكر بزيادة في الوزن لا تتجاوز القذيفة الواحدة .. اسمها ملَك ..
غربة وبرد وذاكرة وكلمات تغريك بوطن .. ثم غصة مؤلمة على الطفلة المصراتية ملَك..
هكذا أنت في غربتك لا تملك من حركتك المملة هذه سوى تنهيدات حزن حارة على ما ورائك من وطن مشتعل ..
تنهيدات تدفع الموت إلى التحرش بك ببرد مؤلم كصدأ الحديد عندما يحتك بجسدك عن عمد وحقد .. عارضاً عليك صداقة قائمة على أساس دفعك إلى تمنّيه .. إلى عشقه رغما عنك .. إذ أنه يأتي إليك دائما وبأشكال مختلفة .. يغريك الموت .. تقترب منه .. يصدك بسادية فادحة رافضا توليّ أمرك في الوقت الذي تعيش فيه مرتجفا مشردا في دهاليز الغربة . و باحتضان حلمك ترفض الموت وصداقته .. ماضيا على رؤوس إرادتك نحو المستحيل الذي ينتقص من شدة أملك .
في غربتك .. تبني شرفة من كلمات عشق تطل على الوطن .. متجاهلا النظر إلى مشهد الغربة الوطنية الذي رسمته أيادي الطغاة الملطخة بالدماء المحرمة .. مفتوناً بمشهد آخر تعجن فيه العجائز على الساحل الطاهر ماء الحلم مع قمح المجد ..
وفي السماء .. تنطلق طائرتك الورقية بحلم لم يزل يحلق في سماء الوطن ..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire