samedi 29 décembre 2012

راشد الغنوشي و الربع التونسي الخالي – بقلم : عبد الحليم المسعودي



مقال رائع يبرز فيه الكاتب مسوغات و خفايا الحقد الكبدي الذي يكنه راشد الغنوشي 
 لبــورقيبة مذكرا بالمكاسب الحداثية التي تحققت في العهد البورقيبي





 
(1)
تزامنا مع أسراب الزغاريد التي تملأ أرجاء البيوت من أقصى جنوب إلى أقصى شمال البلاد بمناسبة نجاح تلاميذ و تلميذات تونس في اجتياز امتحان الباكالوريا , و هي الزغاريد ذاتها التي إشتاقها التونسيون تخرج ناصعة و فصيحة من عقيرة الأم و الأخت و العمّة و الخالة و الجدّة و الجارة و القريبة و البعيدة , سيذكر الناجحون و الناجحات دائما أنهم الحاصلون على أوّل باكالوريا تقام اختباراتها زمن الثورة التونسية … سيذكرون ذلك كما يذكر الآن ذلك الجيل حصولهم على هذه الشهادة في آخر زمن بورقيبة العجوز المتهالك عام 1985- 1986 و التي سمّيت و لا تزال بــ » باكالوريا بورقيبة » ,و هي نفس السنة التي بعدها التي شهد فيها مناضلي الإتحاد العام لطلبة تونس في المركب الجامعي بتونس ترجّل الجنرال بن علي و هو يقمع بزيه العسكري انتفاضة الطلاب في كلية الحقوق بتونس و يُرمى بالحجارة متراجعا على عقبيه و متفوها بالكلام النابي ضد الطلاب الثائرين اللذين سوف يتعقبهم لينفيهم إلى رجيم معتوق … أجل ستكون هذه الباكالوريا بمذاق متفرد على الدوام لأنها باكالوريا الثورة و ستكون زغاريدها أسرابا من الطيور المحلقة التي ستنادي أسراب جديدة من زغاريد النجاح في » السيزيام » و الذي سيوسم أيضا بـ » سيزيام الثورة » … ربما ستكون هذه الزغاريد تعويضا على تلك الزغاريد الشحيحة التي انقبضت في عقائر التونسيات الحرائر تهليلا بسقوط المخلوع و انقشاع الظلم القابع على الصدور .
(2
الناجحون في البكالوريا هذا العام في الدورة الأولى من الإمتحان ( و اللذين يبلغ عددهم 61 ألف و 350 مترشح ) سيتحولون بعد تخرجهم من الجامعة إلى ذوات متفسخة فاسدة التكوين متحللة الأخلاق منسلخة عن الهوية العربية الإسلامية و تابعة للإستعمار للغرب المتصهين … هكذا ما يمكن فهمه من لسان حال زعيم حركة » النهضة » و حزبها الشيخ راشد الغنوشي الذي أوفى السّب المقذع للزعيم بورقيبة مهندس التعليم في تونس الدولة الوطنية و اتهامه بالتصهين و التطبيع و العمالة ….هكذا تفتقت عبقرية الشيخ راشد الغنوشي الذي صرح مؤخرا على أن الأجيال التي تخرجت من الجامعات منذ زمن بورقيبة هي ضحية برامج تعليمية فاسدة , و هي الأجيال التي لا يمكن التعويل عليها لأنها مستعدة لبيع البلاد و الاتجار بسيادة البلاد التونسية , و هو ما يعني تباعا لهذا المنطق أننا نحن الأجيال التي زاولت الدراسة زمن بورقيبة و الجيل الذي زاول الدراسة في زمن المخلوع بن علي هو جيل فاسد و متفسّخ و منبت و تابع للغرب و متصهين ومطبع لإسرائيل و مستعد بذلك لبيع البلاد . و هو ما يعني أيضا أن كل ما أنجز على أرض الواقع التونسي و على رأسها الدولة و المدرسة و المؤسسة هو بناء فاسد في الأصل , و هو ما يعني أيضا أن الأجيال المنتسبة لتيار حركة النهضة و التي زاولت تعليمها في المدرسة التونسية هي أيضا أجيال فاسدة وهو ما يعني أيضا و بنفس المنطق أن اتباعها لزعيم حركة النهضة وفقا لما حصلته في المدارس التونسية الفاسدة باطل و من باب التهويم ظلال اللهم إذا ما قام الغنوشي بتطهيرها و إعادة تأهيلها بمناهجه القويمة في النظر و التفكير في المدارس الطالبانية … و يبقى من المؤسف فعلا على المستوى الأخلاقي – حتى بالمنظار الإسلامي نفسه – إشباع رجل كالزعيم بورقيبة بهذا الشتم المقذع على الملء , و كأني أراه يشتم البلاد في أعز ما لديها من الناحية الرمزية بدءا من نضالات أجيالها الوطنية و شهدائها و وصولا إلى حداثتها و مدرستها وقوانينها و المكانة العلية للمرأة التونسية التي جعلتها فاعلة في هذه الثورة التونسية التي يتمتع بها الغنوشي و يتلمض غنائمها الظاهرة و الباطنة , هذه المرأة التونسية التي لايرى الغنوشي خلاصها من هذا الفساد و هذا الزيغ إلا في اتباع نموذج ما تحضي به المرأة السودانية و جلدها في الطريق العام بالسياط بجريمة إرتداء السروال في زمن » الفقيه « حسن الترابي قاتل المفكر الشهيد محمود محمد طه .
(3)
لكن ما الذي يفسر كل هذا » الحقد الكبدي » للغنوشي على الزعيم بورقيبة أولا و على المدرسة التونسية , أي بلغة أكثر تجردا على المهندس و بنائه ؟؟؟ .
لا شك أن راشد الغنوشي المحروم من التعليم البورقيبي و الذي فشل في دراسة الفلسفة في دمشق و لم يحصل منها إلا على دروس ناصر الدين الألباني و الإنكباب على ابن تيمية و أبن القيم و التعرف على كتابات المودودي و سيد قطب و حسن البنا و السباعي و الندوي لا يمكن إلا أن يعادي هذا التعليم , و لا شك أن هذا التعليم البورقيبي هو تعليم قائم على العقل و قائم بالأساس في جوهره على الفلسفة , و لا ننسى أن راشد الغنوشي يكفر بالفلسفة و أنه لم يتورع في محاربتها حين كتب فيها » إن درس الفلسفة ليس عديم الفائدة في علاج ما نعانيه من مشكلات فحسب بل عنصر تخريب و تدمير و تشتيت في ميدان النفس و المجتمع . و هذا هو الحال الذي نحن عليه اليوم » بل يذهب أكثر من ذلك حين يضرب غرض الحائط بكل جهد قدمه الفلاسفة المسلمون حين يقول : » ماذا يهمنا أن نعرف موقف المعتزلة من صفات الله و موقف ابن رشد من الكون هل هو قديم أو محدث و رأي ابن سينا في النفس و خلودها و موقف الأشعري من الكسب و القضاء و القدر و قضية القرآن قديم أو محدث … ألم يأت الإسلام ليقدم للناس حلولا عملية » (أنظر مجلة المعرفة عدد2 السنة 3) خاصة و أن الشيخ راشد الذي سبق له و أن درس الفلسفة لتلاميذ الباكالوريا كان يدرك أن هذه الفلسفة لا تحول تلميذا سيكون إهتمامه المستقبلي مشكلة القدرعند إبن تيمية » في حين أن يدرسه هذا الطالب في المدرسة البورقيبية لا تحوله إلى » ميت بين يدي مغسله » على حدّ عبارة عمر التلمساني في حديثه عن العلاقة التي كانت بينه و بين حسن البنا كما يورد ذلك عبد الله عمامي في كتابه حول النهضة . و هو ما يفسر جانبا من هذا الحقد الكبدي للمشروع البورقيبي في التعليم القائم على العقل لا على النقل و على الإبداع لا على الإتباع و على الحرية لا على الوصاية و على التفكير لا على التكفير .
(4)
إن » تحويل الكائن إلى ميت بين يدي غاسله » هي القاعدة الأساسية في فكر الغنوشي لكي يتحول هذا الكائن إلى مسلم حقيقي , بل هي أحد أهم أركان حركة » النهضة » منذ أن كانت تسمي نفسها بحركة الإتجاه الإسلامي منذ نهاية السبعينات , و هو ما يعني أن التعليم البديل الصالح الذي يريده الغنوشي للأجيال عليه أن يكون خاليا كالربع الذهني الخالي من كل ملكة عقلية في الفكير و النقد و بالتالي قطع أرحام الإبتكار و الإختبار و الإجتهاد و التعويل على التكرار و النقل و الحفظ , بل الذهاب إلى قتل بذرة الإدراك لدى الناشئة و هي تفتح أعينها على العالم , و الغنوشي يعوّل في ذلك على الخراب الذي بدأ في الغقول الصغيرة في مجال التربية الأساسية في تونس زمن المخلوع و الذي يتم فيه تدريس تلميذ الفصل الثالث الإبتدائي باسم التربية الإسلامية مسألة » » أسباب النزول » … و هو الأمر الذي ما كان لبورقيبة أن يسمح به ضمن رؤيته للدين و الحياة , بل نظرته للدين الإسلامي الذي يلخص أركانه في المقولة التالية :
» إن أركان الدين و قواعده مرتكزة على أساسين الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه , و أساس العقل الذي ارتقى به النوع الإنساني على البهائم و السوائم حتى أتى بعجائب الإكتشافات التي نشاهد منها كل يوم ما هو أعجب مما شاهدنا في اليوم الذي قبله , و إن النفش لتمتلئ إعجابا بمبلغ الحرية العقلي التي منحها الإسلام لأتباعه , حيث مكنهم من التصرف في أحكام الدين » , (خطاب 14 سبتمبر 1959) … فهل يسبّ رجلا يقول هذا الكلام ؟
(5)
و مع السّب المقذع لبورقيبة و اتهامه بالتصهين و التطبيع و الذي تفتقت به القريحة الأخلاقية للشيخ راشد الغنوشي الذي صرح مؤخرا على أن الأجيال التي تخرجت من الجامعات منذ زمن بورقيبة هي ضحية برامج تعليمية فاسدة , و و مع هذا التجريم للأجيال المتعلمة في المدرسة البورقيبية بسبب إستعدادها لبيع البلاد و الإتجار بها , تكمن تكتيكات حركة النهصة في إرباك كل خطوة تقوم بها القوى الوطنية للخروج من المأزق في اتجاه الإنتقال الديموقراطي , و هو ما يغني في الأجندا السياسية لحركة النهضة التغويل على الإرباك و التأزيم , و خلق مناخ من التوتر و ابتكار حالة من السعار و الإرباك النفسي يتمّ فيها شحن النفوس و إقناعها بأن » النهضة » هي الحل . و الحل الحقيقي في منطق راشد الغنوشي أن تونس عبارة عن ربع خال لم ينجز فيها أي شيء منذ ميلاد الدولة التونسية الحديثة على يد الزعيم بورقيبة , و البديل ربع تونسي خال يؤثثه الغنوشي على هواه و على هوى الأفكار النيرة لإبن تيمية …و في
الإنتظار سأتلذذ في جنة العقل بزغاريد النساء بمناسبة نجاح تلاميذنا في الباكالوريا و السيزيام ….

رحم الله الزعيم بورقيبة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire