samedi 12 mars 2011

ثورة تونس ---- القصة الكاملة كما لم تروى ابدا ---الجزء الثالث


ثم كان الاعتصام الثاني الأثقل وطأة والأشد تصعيدا والأكثر تنظيما وخصوصا أنه قد تكون المجلس الوطني لحماية الثورة الذي تبنى مواقف المعتصمين ومنحهم امتدادا سياسيا عميقا. وقد منح السفير الفرنسي الذي عوض المبعوث الخاص والقادم من العراق خصيصا لضمان مصالح فرنسا في تونس الغنوشي فرصة كبيرة وأملا أكبر في النجاح في احتواء الوضع رفقة مجموعته التي تحوي أيضا نجيب الشابي الرجل الذي كان الأوفر حظا في الوصول للسلطة. لكن الغنوشي لم يستطع خداع الناس أكثر رغم محاولته الحديث عن الأغلبية الصامتة والتقليل من أهمية الاعتصام اعتمادا على وسائل الإعلام التي يسيطر عليها خاصة وأنه أقنع مراسل الجزيرة في تونس أن يلزم الحياد. فكانت مظاهرات الجمعة 26 فيفري الحاشدة والتي قارب عدد المشاركين فيها النصف مليون تجمع منهم عند الزوال في وقت واحد قرابة الثلاث مئة ألف مع مظاهرات حاشدة في أغلب المدن الكبرى للجمهورية وانطلاق اعتصام القصبة في صفاقس. كانت المسمار الأخير في نعش الغنوشي وحكومته فبالرغم من إصراره على البقاء والتركيز على الانجازات التي حققها للثورة وساوم بها طويلا وبالرغم من تهوينه من شأن تجمع القصبة ونشره في وسائل الإعلام أرقاما أقل بكثير من الواقع. إلا أنه وفي نظر الخارج تأكد فشله الذريع في الخروج بتونس من الممر الضيق الذي حشرت فيه. وقد دعت أمريكا في ردة فعل طبيعية رشيد عمار لسفارتها حيث قضى يوم الجمعة والسبت هناك لتباحث التطورات الأخيرة والخطيرة في نفس الوقت الذي قام فيه الغنوشي مرة ثانية بإعطاء الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة. ذلك الضوء الذي ينتظره مسؤولوا الأجهزة الأمنية بفارغ الصبر لإعادة الخوف والرعب للشباب من وزارة الداخلية وللبوليس بعد أن أصبحت هيبة الجهاز كله في مهب الريح. فكانت الجريمة الثالثة لهذا الجهاز الإجرامي في حق الشعب التونسي وشبابه بعد الثورة. ثم انتقل رشيد عمار مباشرة من سفارة أمريكا لقصر الرئاسة حاملا معه تصورا كاملا للوضع بعد الغنوشي فلقد أفرزت المشاورات مع الأمريكيين ثلاث قرارات أساسية
1- سحب الثقة تماما من الغنوشي وحكومته وتعويضه بالباجي قايد السبسي وكان مقترحا من ضمن خيارين.
2- الاستجابة لأغلب مطالب المعتصمين بعد أن تبين أنها مطالب شعبية
3- التوجه جديا نحو مجلس تأسيسي ونظام برلماني وبدء الحوار الجدي مع حركة النهضة بصفتها البديل السياسي الأوفر حظوظا في الساحة
فخرج الغنوشي صاغرا وأراد في خروجه أن يؤلب التونسيين على بعض في فتنة ينتقم بها ممن تسببوا في إقصائه فحرض أذيال التجمع الذي حرص طويلا على المحافظة على مكاسبه وتعطيل حله على التظاهر وعلى التخريب أيضا. فخرجوا في محاولات يائسة أظهرت حجمهم الحقيقي وكشفت عن وجوههم المتربصة في تجمع القبة. كما خرج معه أحمد نجيب الشابي وقد مني بهزيمة نكراء قضت على كل أحلامه بالمجد والسلطة وقرطاج. فكان تفاعله مع الحدث متشنجا جدا عنيفا ارتكب خلاله مجموعة من الأخطاء قضت على البقية الباقية من حظوظه خصوصا بعد تهجمه على حركة النهضة رغم أنها كانت تطرح دعمه بجدية لآخر لحظة. لعلمه أنها أصبحت تمثل البديل عن حزبه عند أصحاب القرار.

نأتي الآن للباجي قايد السبسي. هو رجل مشبع بالقيم الفرنسية بالديمقراطية والمواطنة. له تجربة مع بورقيبة ومع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في عهده. اختلف مع بورقيبة فأطرده ثم عاد مع بن علي حين التف حوله الجميع. ورحل عنه حين انقلب عن وعوده وشعاراته في بداية التسعينات. رجل في مجمله غير مورط في جرائم نظام بن علي ولا في جرائم نظام بورقيبة لو أرجعنا خلافه مع بورقيبة لطريقة تعامل هذا الأخير مع الشعب. ما يهمنا في هذا الرجل أنه يبدو أن أصحاب القرار اقتنعوا أخيرا أنه لا يجب فرض خياراتهم على الشعب وأنهم بذلك سيبقون يدورون في حلق مفرغة في حين أن من مصلحة الجميع أن تستقر الأوضاع في تونس في أقرب وقت. ويبدو أنهم اقتنعوا أخيرا أن خوفهم من الإسلاميين ليس مبررا بما يكفي. وأنه يمكنهم إيجاد طرق للتعامل معهم في إطار أكثر عدالة. فكان الباجي قياد السبسي رجل المرحلة الذي قد ينجح في المرور بتونس إلى مر الأمان أقل قدر من الخسائر. هو إحدى الأوراق الرابحة الأخيرة بعد أن احترقت كثير من الأوراق قبله. ونتمنى من الله أن لا يصطدم مجددا مع الشعب وأن يصدق القول والنية وأن لا يستعمل الأجهزة الأمنية مرة أخرى كما فعل الغنوشي. وكما قيل في القصبة إن عدتم عدنا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire