mardi 28 juin 2011
لماذا طالب السرياطي بإخراج رفات الشهداء من القبور وتحليل الرصاص؟
تواصل الأبحاث في عدد من القضايا المنسوبة لمدير عام الأمن الرئاسي السابق علي السرياطي بينما تم ختم البحث في البعض الآخر منها إلا أن بعض قضاة التحقيق المهتمين بهذه القضايا رفضوا تسليم المحامين الذين وكلهم السرياطي للدفاع عنه نسخا من ختم محاضر البحث وهو ما جعلهم يلجأون الى الهيئة الوطنية للمحامين التي تدخلت لهم وساعدتهم على الحصول على النسخ المطلوبة خاصة أن مثل هذه القضايا لا يمكن الاطلاع على الأبحاث المتعلقة بها دون الحصول على نسخة منها..
وعلمت «الأسبوعي» أن عددا من قضاة التحقيق ترددوا على السرياطي بمقر إيقافه سواء من تونس أو من المناطق الداخلية وذلك لبحثه حول التهم المنسوبة اليه والمتمثلة خاصة في التآمر على أمن الدولة الداخلي واثارة الهرج وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض.
تحقيق
----------
ومن بين الذين ترددوا عليه قاضي تحقيق من صفاقس لبحثه حول قضية رفعها أهل أحد الشهداء ضد السرياطي ووزير الداخلية الأسبق وعدد آخر من المتهمين إلا أن السرياطي نفى صلته بعملية قتل هذا الشهيد. وتردد على السرياطي في مقر إيقافه بالعوينة قاضي التحقيق العسكري خلال الفترة الاخيرة فضلا عن قاضي التحقيق من محكمة القصرين على خلفية ما صرح به رئيس لجنة تقصي الحقائق توفيق بودربالة حول عزم «المخلوع» القاء القنابل على حي الزهور بمنطقة القصرين لاخماد الثورة وقد نفى السرياطي علمه بهذه المسألة مبينا أن الحرس الرئاسي لا يملك طائرات من شأنها القيام بهذه المهمة..
طلب
--------
بغض النظر عن صحة اعترافات السرياطي من عدمها بخصوص الاسئلة التي وجهت اليه حول التهم المنسوبة اليه والأحداث التي عرفتها البلاد خاصة خلال أيام 14 و15 و16 جانفي الماضي فإن ما يلفت الانتباه هو الطلب الذي ردده على مسامع جل قضاة التحقيق حيث أفادنا أحد المقربين منه أن السرياطي كان يطلب في كل مرة إخراج رفات الشهداء من القبور واجتثاث الرصاص الذي قتلوا به وتحليله على اعتبار أن كل رصاصة تحمل رقم سلسلة مسجلة وبهذه الطريقة يمكن الفرز بين من قتلهم القناصة (إن وجدوا فعلا) أو أي طرف آخر لكن لا أحد يعلم أي جهة يقصد...
مصدر الخبر : الصباح التونسية
وعلمت «الأسبوعي» أن عددا من قضاة التحقيق ترددوا على السرياطي بمقر إيقافه سواء من تونس أو من المناطق الداخلية وذلك لبحثه حول التهم المنسوبة اليه والمتمثلة خاصة في التآمر على أمن الدولة الداخلي واثارة الهرج وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض.
تحقيق
----------
ومن بين الذين ترددوا عليه قاضي تحقيق من صفاقس لبحثه حول قضية رفعها أهل أحد الشهداء ضد السرياطي ووزير الداخلية الأسبق وعدد آخر من المتهمين إلا أن السرياطي نفى صلته بعملية قتل هذا الشهيد. وتردد على السرياطي في مقر إيقافه بالعوينة قاضي التحقيق العسكري خلال الفترة الاخيرة فضلا عن قاضي التحقيق من محكمة القصرين على خلفية ما صرح به رئيس لجنة تقصي الحقائق توفيق بودربالة حول عزم «المخلوع» القاء القنابل على حي الزهور بمنطقة القصرين لاخماد الثورة وقد نفى السرياطي علمه بهذه المسألة مبينا أن الحرس الرئاسي لا يملك طائرات من شأنها القيام بهذه المهمة..
طلب
--------
بغض النظر عن صحة اعترافات السرياطي من عدمها بخصوص الاسئلة التي وجهت اليه حول التهم المنسوبة اليه والأحداث التي عرفتها البلاد خاصة خلال أيام 14 و15 و16 جانفي الماضي فإن ما يلفت الانتباه هو الطلب الذي ردده على مسامع جل قضاة التحقيق حيث أفادنا أحد المقربين منه أن السرياطي كان يطلب في كل مرة إخراج رفات الشهداء من القبور واجتثاث الرصاص الذي قتلوا به وتحليله على اعتبار أن كل رصاصة تحمل رقم سلسلة مسجلة وبهذه الطريقة يمكن الفرز بين من قتلهم القناصة (إن وجدوا فعلا) أو أي طرف آخر لكن لا أحد يعلم أي جهة يقصد...
مصدر الخبر : الصباح التونسية
dimanche 26 juin 2011
في مسألة أهل الحل والعقد التي تطرحها بعض الحركات ج1
من أبرز المهام التي يباشرها أي نظام سياسي عملية صنع القرار، بل يمكن القول بأن عملية صنع القرار هي عملية مستمرة لا تنقضي إلا بانقضاء النظام السياسي ذاته.
وبما أن صنع القرار في الدولة يسير في ركب أهدافها؛ إذ ترمي من ورائه إلى تحقيق هذه الأهداف مرحليًّا أو نهائيًّا، فإنه من الطبيعي أن تختلف هذه العملية ونوعية القرارات في الدولة الإسلامية عنها في غيرها من الدول.
والإسلام في الواقع لم يغلق باب فاعلية ومبادرة الإنسان في مجال التشريع، وإنما حدد إطاره، فثَمَّة قسم من أمور الحياة الإنسانية أصدر القرآن والسنة فيه حكمًا قاطعًا، أو وضَعَا له قاعدة خاصة، وفي مثل هذا الأمور لا يستطيع أي فقيه أو قاصد أو مشرع أن يُغَيِّر ما صدر فيهما من أحكام أو ما تقرر لهما من قواعد، بل فقط ينظم إدارة التطبيق وتنظيم شئونه.. أي سياساته.
لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يستطيع التحرك في ميدان التشريع في كثير من الأمور، فدائرة العفو والتجديد والاجتهاد في مستجدات الحياة وفق مقاصد الشرع مفتوحة.
هناك إذاً مجال للتشريع والتقنين في الدولة الإسلامية، ونستطيع أن نقسم القرارات في الدولة الإسلامية إلى أنواع ثلاثة وفق معيار النص عليها في الشريعة ودرجاته.
1 - قرارات تنفيذية لأمور ورد فيها نص في الكتاب والسنة:
فما جاء فيه نص، قضى فيه النصُ وخرج عن اختصاص البشر، فلا يمكن أن يكون محلاًّ للشورى (صناعة القرار)، إلا أن تكون الشورى مقصودًا منها التنفيذ، أي تنفيذ ما جاء به النص، ففي هذه الحالة تجوز بشرط أن لا يخرج التنفيذ عن معنى النص وروح التشريع، وهذه النوعية من القرارات تشمل أمور العبادات والمعاملات.
2 - قرارات في أمور لم يَرِدْ فيها نص، وهذه الأمور تنقسم إلى:
- أمور فكرية وفنية يغلب عليها التخصص كالرأي في الزراعة والصناعة والتعليم والناحية العسكرية والطبية وجميع القوانين المتعلقة بتنظيم الشئون الإدارية، وهذه مسألة عقلية تعتمد على المعلومات السابقة والخبرة والتمرس والتجربة والفهم للواقع والقدرات الفردية كالذكاء وسرعة البديهة وقوة الربط بين أطراف الموضوع ووضوح الرؤية.
- أمور عامة: يتحملها العامة، وهذه يتجلى سلطان الأمة فيها، ويُقضى فيها غالبًا برأي الأغلبية.
والقرارات التي تدور في إطار ما لم يرد فيه نص تنقسم من حيث درجتها إلى:
- مسائل لم تُدلِ فيها الشريعة بحكم، لكنها أصدرت حكمًا في أمور تشابهها، وتكون ممارسة التشريع في هذا القسم بفهم أسباب الأحكام وعللها فهمًا عميقًا، وتنفيذها في الأمور التي تكمن فيها نفس العلل والدواعي، وتحديد ما هو مُسْتَثْنَى من هذه الأمور وما يخلو حقيقة من أسباب الحكم ودواعيه.
- مسائل لم تتبنَّ فيها الشريعة أحكامًا بعينها، وإنما أعطت في شأنها بعض المبادئ العامة الجامعة، أو بَيَّن فيها الشارع المُسْتَحب المطلوب فعله، والمكروه الذي ينبغي منعه وإزالته.
ومهمة التشريع في هذه الدائرة فهم مبادئ الشريعة وأصولها في هذه المسائل، ثم وضع القوانين في الأمور الواقعية الفعلية، بحيث تُبْنَى على ما أوضحته الشريعة من أصول ومبادئ وبحث يتحقق منها القصد الذي أراده الشارع وهدفه، أي الاستنباط للأحكام من روح التشريع.
- مسائل سكتت الشريعة عنها تمامًا، فليس فيها حكم صريح أو قياسي أو مستنبط، وهذا السكوت في حد ذاته دليل على أن الله تعالى أعطى الإنسان حق إبداء رأيه في أمور ومسائل هذا القسم، ومن ثَمَّ يمارس الإنسان التشريع فيها بحرية تامة شريطة أن يتطابق ما يشرعه ويتلاءم مع روح الإسلام ومبادئه العامة، ولا يَشُذُّ في اجتهاده عن مزاج الإسلام العام الذي يكسو نظام الحياة الإسلامية ويسوده.
وهذا يعني تفرد الدولة الإسلامية بالنظر إلى نوعية القرارات بنطاق لا مجال فيه لصناعة القرار إلا في إطار النص، حيث توجد نصوص ملزمة من القرآن والسنة، وهو ما لا يميز الحكومات الأخرى سواء الليبرالية أم الشيوعية. فالأغلبية لا تستطيع في ظل الحكومة الإسلامية أن تتعدى حكمًا شرعيًّا، على حين أنه لا توجد حدود شرعية في الحكومات غير الإسلامية، وهو ما لا يُطرح أساسًا للبحث في إطار الدولة الإسلامية ما دام هناك نص.
أهل الحل والعقد وعملية صنع القرار
لما كانت الشورى دعامة من دعائم الإيمان وصفة من الصفات المميزة للمسلمين، فقد سَوَّى الله بينها وبين الصلاة والإنفاق في قوله "وَالَّذِيْنَ اسْتَجَابُوْا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوْا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُوْن" [الشورى: 38]، وكما كان الله تعالى قد أوجبها على رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ينزل عليه الوحي بالتشريع والتوجيه، وحل المشكلات في قوله: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر…" [آل عمران: 159]، فإن الشورى تصبح إذاً فريضة إسلامية واجبة على الحاكمين والمحكومين، فعلى الحاكم أن يستشير في كل أمور الحكم والإدارة والسياسة والتشريع، وكل ما يتعلق بمصلحة الأفراد أو المصلحة العامة.
ولن نفيض في الحديث عن الشورى؛ إذ إن هذا له بحث مستقل، وسنقتصر في هذا المجال على التأكيد على أنها دعامة الحكم في الدولة الإسلامية وقوام عملية صنع القرار في الدولة الإسلامية، وقد عُنِيَ علماء الشريعة الإسلامية بأعضاء هذا السلطة التشريعية للدور الخطير الذي يستند إليهم في توجيه شئون الدولة، سواء في مجال الاجتهاد والتشريع أم في مجال اختيار رئيس الدولة، ويطلق علماء الشريعة على أعضاء السلطة التشريعية اسم "أهل الحل والعقد".
أما لماذا سُمِّيَ هؤلاء بأهل الحل والعقد ؟ فهذه تسمية ابتكرها علماء الشريعة المسلمون، وليس عليها نص صريح في القرآن أو السنة، ومن استدل عليها بنص أو حديث أو بما يشبه النص، فإنما كان ذلك على سبيل التوسع والتأويل.
ولم نهتدِ إلى أول من وضع هذا التعبير أو أول من أطلقه، وكل ما عثرنا عليه من إشارات ليس فيها الدلالة الكافية في كتب أصول الفقه.
ولما كان أهل الحل والعقد يستندون في سلطتهم إلى مبدأ الشورى فقد ذهب البعض إلى تسميتهم "بأهل الشورى"، وهي تسمية أفضل وأوضح، وإن كنا سنلتزم بالتسمية الشائعة؛ لأنها المُعِيْنَة على البحث في كتب الفقه والتراث، مع ذهابنا إلى أن تطوير المفهوم ليكون "أهل الشورى" وتحريره وتطويره أمر لازم لأولي التخصص.
ولكن: من "أهل الحل والعقد" ؟
تعريف أهل الحل والعقد
لقد أوجب الإسلام الشورى، ولكن من هم أولئك الذين يجب أن يستشاروا ؟
إننا لا نجد في الآيات القرآنية ولا في الأحاديث النبوية نصًّا صريحًا يحددهم بصورة مفصلة أو حتى يشير إليهم إشارة عامة مجملة؛ لذلك كان علينا أن نرجع إلى ما جرت عليه السنة العملية أي في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وما جرى عليه من بعده الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين، كما علينا الرجوع إلى ما ذكره كبار المفسرين وإلى ما يراه علماء الفقه الإسلامي.
ومِنَ استعراض الوقائع التاريخية يثبت أن أهل الشورى من الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين [أي أهل الحل والعقد] يضمون عناصر أو فئات مختلفة تكونت بطريقة طبيعية تدريجية، وتولدت غالبيتها من بطون أحداث تاريخية مختلفة.
فإذا نحن استعرضناها ألفيناها تشمل الفئات التالية:
أولاً: السابقون الأولون إلى اعتناق الإسلام بمكة.
ثانيًا: الممتازون بخدماتهم وتضحياتهم وبصيرتهم وفراستهم.
ثالثاً: أصحاب النفوذ من الأنصار الذين دعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إسلامهم إلى الهجرة إلى المدينة، وذلك بعد أن عملوا على نشر الإسلام بالمدينة.
ويضاف إلى هذه الفئات أو العناصر عنصران برزان في المجتمع المدني (يثرب):
· أولئك الذين قاموا بأعمال جليلة في الشئون العسكرية والسياسية ودعوة الناس إلى الدين.
· أولئك الذين نالوا شهرة عظيمة بين الناس من حيث علم القرآن وفهم الدين والتفقه فيه.
وقد نهج الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في اختياره لأهل الشورى.
أما في عصرنا الحالي فبما أن سلطة التشريع في الدولة الإسلامية هي السلطة التي تتولى استنباط الأحكام الشرعية فيما يتعلق بشئون البشر من عبادات ومعاملات ونظام حكم، أي السلطة التي تضع القواعد لضبط أمور الدين والسياسة لدينا، وتصدر قوانينها في حدود المقاييس التي أتت بها الشريعة الإسلامية، أي وفقًا لمبادئ الشرع، فإن هذه السلطة يتولاها كل قادر على استنباط الأحكام للوقائع وفقًا لما يتفق والأصول العامة للشريعة الإسلامية، ووفقًا لما يحقق أهدافها في التيسير على الناس ودفع الحرج عنهم وتحقيق غاياتها في إسعاد البشرية، وهذا يتطلب أن يكون مُتولِّي وضع القوانين في دولة الإسلام عالمًا بأحكام الشريعة الإسلامية فاهمًا لأغراضها ومراميها، وهو أمر ينطبق على العلماء والباحثين في شتى المجالات، وعليه فإن سلطة التشريع في الدولة الإسلامية مكونة من الصفوة المختارة من الأمة الذين أُتيح لهم العلم والفهم، ككبار فقهاء الشريعة الإسلامية، وكبار قادة الجند، وكبار القضاة، وكبار العلماء الباحثين في شتى المجالات، وبذلك تكون سلطة التشريع قد جمعت شتى التخصصات، ويكون للعلماء والمجتهدين استنباط الأحكام الشرعية للوقائع بعد استلهام روح الشريعة ومشاورة المتخصصين، كما لا نغفل رؤوس الناس والطوائف والحرف، أي قيادات ما يسمى الآن "بالمجتمع المدني" رغم تحفظنا على الاستخدام الدارج للمفهوم الذي يوحي بمناقضته ومقابلته للمجتمع الديني.
وقد اختلف العلماء في مَنْ هم أهل الحل والعقد فقد قال بعضهم: هم الأشراف والأعيان، وقال آخرون: هم العلماء ووجوه الناس، أي "عظماؤهم بإمارة أو علم أو غيرها".
وذهب فريق منهم إلى أنهم "العلماء وأهل الرأي والتدبير، وهذا الخلاف بين العلماء لا مبرر له؛ لأنه كان ينبغي أن تكون تسميتهم بأهل الحل والعقد مانعة من الخلاف فيهم؛ إذ المتبادر أنهم زعماء الأمة وأولو المكانة وموضع الثقة من سوادها الأعظم، بحيث تتبعهم في طاعة من يولونه عليها، فينتظم به أمرها وتكون بمأمن من الإضرابات، والرأي عندنا أن أهل الحل والعقد في الأمة هم ممثلوها الحقيقيون الذين تدين لهم بالزعامة والطاعة، سواء كانوا من أهل العلم أم السياسة أم الإدارة أم المال.
وقد رأى كل من الإمام ابن تيمية في السلف والإمام محمد عبده في المتأخرين أن أهل الحل والعقد هم الذين أشار إليهم القرآن بـ "أُولِي الأَمْر" في قول الله تعالى: "وَأَطِيْعُوْا اللهَ وَأَطِيْعُوْا الرَّسُوْلَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم…".
فرأى ابن تيمية - رحمه الله - أنهم "الأمراء نواب ذي السلطان، والقضاة، وأمراء الأجناد، وولاة الأموال، والكتاب، والسعاة على الخراج والصدقات"، وبذلك وسَّع من نطاقهم ليشملوا كل من يلي أمرًا من أمور المسلمين، وبالتالي نقلنا من مفهوم "الصفوة" وضع القرار على مستوى الدولة ككل، إلى التسلسل في الولاية، ووضع القرار بمفهومه الشامل في كل جانب من جوانب الدولة.
أما الإمام محمد عبده فقد رأى أن أولى الأمر - وهم أهل الحل والعقد - هم: الأمراء، والحكام، والعلماء، ورؤساء الجند، وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح، فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر وجب أن يطاعوا بشرط أن يكونوا مسلمين "أولي الأمر منكم"، وأن لا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسول الله التي عُرِفَت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين في مجتمعهم في الأمر واتفاقهم عليه، وأن يكون ما يتفقون عليه من المصالح العامة.
ونظرًا لأن مفهوم كلٍّ من ابن تيمية ومحمد عبده شديد الاتساع، فإننا سنقتصر في مفهومنا لأهل الحل والعقد على الرأي القائل بأنهم ممثلو الأمة الذين تدين لهم بالطاعة وتعهد إليهم بتصريف أمورها في شتى المجالات، سواء كانوا أهل الاجتهاد في أمور الدين، أو العلماء في كل فرع من فروع المعرفة العاملين على أمور الدولة في تخصصاتهم.
شروط أهل الحل والعقد
يجب أن يتوفر في أهل الحل والعقد عدة شروط، أجمع عليها تقريبًا علماء الشريعة، هي:
1 - العدالة: يشترط فيمن يصلح للشورى أن يكون عدلاً، والعدالة هي التحلي بالفرائض والفضائل والتخلي عن المعاصي والرذائل، وعمَّا يخل بالمروءة أيضًا. ويرى بعض الفقهاء أن تكون العدالة مَلَكَة لا تكلفًا، وهو رأي لا محل له؛ لأن التكلف إذا التُزِم صار خلقًا.
2 - العلم: يشترط أن يتوفر العلم في أهل الحل والعقد، والعلم المقصود هو العلم بمعناه الواسع؛ فيدخل فيه علم الدين وعلم السياسة وغيرهما من العلوم، ولا يشترط أن يكون العالم منهم ملمًّا بكل العلوم.
3 - الرأي والحكمة: ويشترط فيمن يصلح للشورى أن يكون ممن عُرِفَ بجودة الرأي والحكمة، ولا يشترط فيه أن يكون من ذوي العصبة؛ لأن أساس الشورى هو الرأي الصحيح الحكيم المتفق مع الشرع المجرد من الهوى والعصبية.
وإلى جانب هذه الشروط العامة اللازمة لأهل الحل والعقد يجب أن يتصفوا بعدة صفات هي في مجملها:
أولاً: الفطنة والذكاء؛ لئلا تشتبه عليهم الأمور فتلتبس، فلا يصح مع اشتباهها عزم ولا يتم في التباسها عزم.
ثانيًا: الأمانة؛ لئلا يخونوا فيما ائتمنوا عليه، ويفشوا فيما استنصحوا فيه.
ثالثًا: الصدق؛ ليثق الملك فيما ينهون عنه، ويعمل برأيهم فيما أشاروا به عليه.
رابعاً: أن يسلموا فيما بينهم من التحاسد والتنافس، فإن ذلك يمنعهم من الكشف عن صواب الرأي.
خامسًا: أن يسلموا فيما بينهم وبين الناس من العداوة والشحناء؛ فإن العداوة تستدعي عدم التناصف، وتحجب عن صواب الرأي.
سادسًا: ألا يكونوا من أهل الأهواء؛ فيخرجهم الهوى عن الحق إلى الباطل.
سابعًا: أن يكونوا من كبراء الدولة ومشايخ الأعوان؛ لأن المشايخ قد حنكتهم التجارب وعركتهم النوائب، وقد شاهدوا من اختلاف الدول ما أوضح لقولهم صواب الرأي.
وصفات أهل الحل والعقد في مجملها صفات كفاءة لا صفات ذات، فهم ليسوا أهل الغلبة أو أهل النسب أو أهل إقليم معين، وإنما هم أهل تفوق في صفات الكفاءة والقدرة مما يجعل قولهم مسموعًا، فمركزهم مفتوح لكل فرد يجمع شرائطه.
وقد تكون منهم المرأة، فقد استشار (عليه الصلاة والسلام) أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها) في صلح الحديبية، واستشار عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ابنته حَفْصَة في المدة التي تصبر فيها المرأة على زوجها الغائب، وعدم تولية النساء رئاسة أو ولاية عامة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس دليل منع من أن تكون النساء من أهل الحل والعقد؛ لأن الترك ليس بحجة، أي عدم الفعل لا يعني عدم جوازه، بل حَكَمَت المسألةَ حكمةُ التدرج في التشريع ومراعاة السياق الاجتماعي والعرف
تنظيم أهل الحل والعقد
لما كان أمر التشريع في الدولة الإسلامية من الأمور الاختصاصية، أي التي لا يمكن أن تقوم بها الأمة كلها، فقد وجب أن ينوب عنها في تصريف شئونها فئة منها، وأولئك هم أهل الحل والعقد. ولكن كيف يتم تنظيمهم؟
رأى أغلبية أهل السلف أن أهل الحل والعقد هم أولي الأمر على كافة مستوياتهم في الدولة كما أشرنا آنفًا لرأي ابن تيمية، وهذا يعني أن أمر اختيارهم موكول إلى الخليفة، ثم يتولى كل صاحب أمر أو منصب اختيار مَن هم دونه بطريقة تسلسلية.
ولما كنا قد أخذنا بالمفهوم الضيق لأهل الحل والعقد، أي أنهم هم كما يطلق عليهم في علم السياسة الحديث: "النخبة" أو "السلطة التشريعية" أو ممثلو الأمة، أو: أولو الأمر،
فما هو شكل هذه السلطة إذًا وكيفية توليها؟
يرى أغلب الكتاب المعاصرين في نظرية ونظام الحكم الإسلامي أن أهمية أهل الحل والعقد ودورهم في تعيين مصير البلاد والشعب، يقتضي أن ينتخب (يبايع) الناسُ نوابَهم ومندوبيهم في "مجلس الشورى" أو "مجلس النواب" وفق أسس دقيقة ذكرها الدين في نصوصه وحَتَّم على الأمة مراعاتها وعدم التفريط فيها، وأهمها أن يكون النائب صالحًا منزهًا عارفًا بأوضاع البلاد وحاجات الأمة، وغير ذلك من الشروط والصفات التي ذكرناها من قبل.
وإذا كان البعض يدفع بأن الانتخاب من مظاهر التنظيم السياسي الغربي، فإنه ليس من المحظور شرعًا أن يُنْتَخَب أعضاء هذا المجلس بأصوات المسلمين وآرائهم، وإن لم يكن له نظير في عهد الخلافة الراشدة.
وقد لَخَّص ابن القيم هذا الخلاف حول الاجتهاد في تنظيم الحكم بشكل لم يكن له مثيل في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو الخلفاء بقوله:
"هناك سياسة جزئية بحسب المصلحة تختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكلٍّ عذر وأجر، ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين".
إذا تَمَّ الاتفاق إذًا على أن أفضل الطرق لإيجاد فريق أهل الحل والعقد الذي يقع على عاتقه التشاور في التدابير المهمة والخطيرة ورسم سياسة الدولة هو الاختيار الحر بالانتخاب، تثور بعد ذلك مسألتان: الأولى هي صفة جمهور المنتخبين، والثانية هي شروط الترشيح والدخول في مجال اختيار الأمة.
أما عن صفة جمهور المنتخبين فلا بد أن يتصفوا بالبلوغ في السن، والرشد في الفكر، إلا أنه يجب كذلك أن يُربَّى الجمهور تربية فكرية تؤهلهم للانتخاب الصحيح حتى لا ينتخبوا للإمامة أو لعضوية مجلس أهل الحل والعقد أو مجلس الشورى، إلا أناساً يحوزون الأهلية حسب روح الدستور الذي يحكم الدولة الإسلامية.
وهنا ننتقل إلى النقطة الثانية وهي تقدم أهل الحل والعقد لترشيح أنفسهم، أو أهلية المرشحين ليكونوا من أهل الحل والعقد. وهناك نوعان من الأهلية:
- الأهلية القانونية: يمتحن بها منظم الانتخابات أو القاضي رجلاً، ثم يحكم عليه بكونه أهلاً أو غير أهل لمنصب من المناصب، ولهذه الأهلية مقاييس مستمدة من القرآن والسنة اتفق عليها السابقون من عقل وأمانة.
ولكن الحائزين لهذه الأهلية العامة عدد كبير من الأمة حتى لو أضيفت إليها الشروط الأخرى من عدالة وعلم ورأي.
وهنا تبرز النوعية الثانية من الأهلية وهي:
- الأهلية الأخلاقية: من التزام بالكتاب والسنة وصفات شخصية يجب أن يتحلى بها المسلم، عملاً بقول الله تعالى: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوْا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا"؛ حيث فسر ابن تيمية الأمانات بأن الولايات منها، فيجب اختيار أصلح من يقوم بالولاية، وقوله: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ…"، وقوله: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيْدُوْنَ وَجْهَه…"، وقوله: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِيْن".
ويرى أبو الأعلى المودودي أنه لا ينتخب لأي منصب من مناصب المسئولية أو عضوية مجلس الشورى (أهل الحل والعقد) من يرشح نفسه لذلك، أو يسعى فيه سعيًا ما، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إنا والله لا نُوَلِّي هذا الأمر أحدًا سأله أو حرص عليه"، وإن المجتمع الإسلامي لا مجال فيه للدعايات الانتخابية أصلاً، وإن مما يَمَجُّه الذوق الإسلامي وتأباه العقلية الإسلامية أن يقدح المرشحون في بعضهم البعض للفوز بالمنصب، وأن يمدحوا أنفسهم في نشرات خاصة لذلك.
بيد أننا نختلف، ونرى أنه لعل هذا الأمر يدخل في إطار ما طرحه ابن القيم من ضرورة الاجتهاد؛ إذ إن طبيعة الدولة واتساعها وكثرة الناس وتوسع العمران الآن، كلها قد تقتضي الأخذ بأسلوب ترشيح طالبي المنصب أنفسهم على أن يراعى في ذلك عدم الخروج على آداب الإسلام.
ويميز علماء الشريعة بين نوعين من أهل الحل والعقد: أهل الاجتهاد، وأهل الاختيار، وهذا بالنظر إلى أمر اختيار الخليفة.
ويمكن أن نستغل نفس التقسيم في أن نقسم أهل الحل والعقد إلى أهل الاجتهاد، فنقصد بهم أولئك الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد في الشرع واستوفوا شروطها، وأهل الرأي أو أهل الاختصاص وهم أهل الحل والعقد في شئون الدولة وتخصصاتها بشتى فروعها، وهؤلاء لا يشترط فيهم درجة الاجتهاد في علوم الدين، بل التفوق في تخصصاتهم، ولا غنى لطرف عن الآخر في هذا العصر؛ لتعقد أمور الحياة والحاجة للاجتهاد الجماعي، حيث صار من شبه المستحيل أن يستغني المجتهد بفقهه عن العلماء بشئون ومستحدثات العصر، أو يقضي أهل التخصص بمفردهم في قضايا فقهية وأخلاقية بمنأى عن المرجعية الفقهية الرشيدة المجددة المجتهدة.
ورأى الكثير من أساتذة القانون الدستوري الحديث أن التنظيم المعاصر لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية، بشرط أن ينص صراحة في الدساتير على بطلان كل تشريع يخالف القواعد الكلية التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، ويكفي إنشاء مجلس من كبار العلماء الذين يُوثَق في علمهم وفي دينهم وأخلاقهم؛ لتعرض عليه التشريعات قبل إصدارها من البرلمان؛ ليقرر ما إذا كانت تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وفي حالة التعارض عليه أن يجد الحل البديل الذي يحقق مصالح الناس؛ لأنه حيث توجد المصلحة (المنضبطة وليس المتوهمة) فثَمَّ شرع الله تعالى.
أما عن كيفية وآليات ممارسة أهل الحل والعقد لاختصاصهم، فقد سكتت الشريعة عنها كما سكتت عن أسلوب اختيارهم، ونرى أن تحديد فترة معقولة للعضوية في المجالس النيابية بدرجاتها يكفل فاعلية الرقابة الشعبية، ويمنع الاستبداد ويفسح المجال أمام الخبرات الجديدة خاصة من أهل الاختصاص.
هل قرارات أهل الحل والعقد ملزمة ؟
تقضي الأمور في مجالس أهل الحل والعقد بغالبية الآراء في عامة الأحوال، فإذا تَمَّ التوصل إلى رأي، فهل يصبح هذا الرأي ملزماً لرئيس الدولة ؟
بمعنى: هل الشورى وكل ما يدور في فلكها من أهل الحل والعقد وقراراتهم: ملزمة أم غير ملزمة؟
مدار الحديث والكتابات التي تناولت مدى إلزامية قرارات أهل الحل والعقد تحت هذا المسمى أو تحت مسمى إلزامية الشورى، الآية الكريمة في سورة آل عمران "وَشَاوِرْهُمْ فِيْ الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله…" [آل عمران: 159]. فيرى البعض أن هذا الخطاب للرسول ولأمته، وأن الشورى ملزمة للرئيس ولأمته، وأن الشورى ملزمة لرئيس الدولة، ورأى البعض الآخر أن قوله: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ…" ترُدُّ القرار النهائي للرسول صلى الله عليه وسلم وبالتبعية لولاة الأمر من بعده من للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم. وسنتناول حجج كِلا الرأيين.
يرى أصحاب الرأي الأول أن الشورى فرض على أهل الحكم والسلطة، دل على ذلك فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفعل الصحابة (رضي الله عنهم)، وأن رئيس الدولة الذي يُعْرَض عنه يتعين على الأمة خلعه حتى قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف عليه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: "وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ".
وهذا رأي لا خلاف عليه، فلم ينكر أحد أن الشورى واجبة، إنما ثار الجدل حول "ما بعد الشورى" أي ما يعرف في النظم السياسية المعاصرة بـ "اتخاذ القرار".
وأبو الأعلى المودودي يرى أن قاعدة "وأمرهم شورى بينهم" تتطلب خمسة أمور:
1 - أن ينال الناس الحرية الكاملة في التعبير عن آرائهم.
2 - أن مسئولية تصريف شئون المجتمع لا بد وأن تُلْقَى على كاهل من يتم تعيينه واختياره برضا الناس الحقيقي.
3 - أن يختار للتشاور مع القائد أولئك الذين يحصلون على ثقة الشعب.
4 - أن يشير هؤلاء الممثلون بما يمليه عليهم علمهم وإيمانهم وضميرهم وأن ينالوا حرية الرأي كاملة تامة.
5 - وينتهي المودودي إلى أنه ينبغي التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أو أكثريتهم، أما أن يستمع ولي الأمر إلى آراء جميع أهل الشورى، ثم يختار ما يراه هو نفسه بحرية تامة، فإن الشورى في هذه الحالة تفقد معناها وقيمتها
.
فالله لم يقل: تؤخذ آراؤهم ومشورتهم في أمورهم. وإنما قال: "وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ" يعني أن تسير أمورهم بتشاورهم فيما بينهم، وتطبيق هذا القول الإلهي لا يتم بأخذ الرأي فقط، وإنما من الضروري لتنفيذه وتطبيقه أن تجري الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع أو بالأكثرية، مع إعادة التنبيه على أن الشورى محددة بحدود الدين.
أي أنه لو أجمع الآن أهل الحل والعقد أو أكثرهم بالفعل على توضيح وتفسير نص شرعي، أو قياسي، أو اجتهاد أو استنباط أو إجراء أو مصلحة في مسألة ما ، فلا بد من أن يصير إجماعهم حجة ويُعترف به قانونًا.
أما الرأي الثاني فيرى أصحابه أن التشاور أمر، وإصدار القرار وإبرامه أمر آخر، وذلك راجع إلى فردية القيادة في الإسلام، وواقع الرأي الذي تجري فيه المشورة.
فإذا كان الرأي موضع القرار أمرًا من أمور التشريع يؤخذ بالرأي الأقوى دليلاً، إلا أن الذي يجعل من الرأي الأقوى دليلاً قانونًا ينفذ على المسلمين إنما هو رئيس الدولة وحده، والدليل على ذلك ما حدث في صلح الحديبية لما عارض المسلمون ما أبرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش، فاتبع الوحي وضرب برأيهم عُرض الحائط، وكذلك ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين عزم على قتال المرتدين، فقد حكم بالدليل الراجح عنده برغم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عنده دليل.
وعلى حين قال المودودي: إن الآية في سورة آل عمران تفيد أن العزم يأتي وفق المشاورة ورأي الأغلبية، يرى أنصار هذا الرأي قول الله: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله" بعد قوله: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر" جعل الأمر يرجع إليه بعد التشاور؛ لينفذ ما عزم عليه هو، لا أهل الشورى.
أما الرأي في الأمور الفنية والفكرية فالمرجح فيه هو ظهور جانب الصواب، إلا أن الصواب وحده غير كافٍ في إثبات الحجية إلا إذا اقترن بتبني الإدارة السياسية (السلطة التنفيذية) له.
أما الرأي في الأمور العامة، فلا بد أن تنزل فيه السلطة التنفيذية على إرادة الأغلبية، فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نزل عند رأي الأكثرية، وترك رأيه رغم أنه تبين خطأ رأي الأغلبية لاحقاً. ففي الأمور العامة ليس على الرئيس سوى بذل الجهد في عرض وجهة نظره، فإن عجز فالشرع قد ألزمه تنفيذ ما تراه الأغلبية من أهل الرأي.
والجدير بالذكر أن أبا الأعلى المودودي نفسه قد ذكر في كتاب "نظرية الإسلام وهديه" أن الأمير له الحق في أن يوافق الأقلية أو الأغلبية في رأيها، وكذلك له أن يخالف أعضاء المجلس كلهم ويقضي برأيه، ولكن على جمهور المسلمين أن يراقبوا الأمير وسيرته في الرعية مراقبة شديدة، وهل هو يتصرف في الأمور ويحكم فيها على تقوى من الله أم بهوى من نفسه. فإن رأوه يتبع الهوى في عمله، فلهم أن يعزلوه ويخلعوه عن منصبه هذا، برغم أنه كما ذكرنا، قد كتب في الحكومة الإسلامية يرى أن إجماع أو أغلبية أهل الحل والعقد يجب أن ينفذ رأيهم.
والواقع أن هذه المسألة اجتهادية صرفة، وللأمة أن تقرر إلزام رئيس الدولة بتنفيذ رأي الشورى في أمور معينة، وأن تعطي له في سائر الأمور حق الاعتراض على القرار الصادر عن أهل الحل والعقد، ويرى البعض أن يتم التخاصم في هذه الحالة إلى "اللجنة العليا للشورى" وما تقرره يكون نافذًا.
نرى في الختام أن مسألة التزام الحاكم برأي أهل الشورى (أهل الحل والعقد) أو عدم التزامه برأيهم كانت محل خلاف، وإذا كان ملزمًا فما هي المسائل التي يُعَدُّ رأيهم فيها ملزمًا ؟
نقول: الواقع أن هذه تعدٍّ، فما يتبين من دراسة تاريخ النظام النيابي من المسائل التفصيلية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، باختلاف مبلغ تطور الشعب ومدى ممارسته للديمقراطية والحرية؛ لذلك كان مما قضت به الحِكَم ألا تتعرض الشريعة لمثال تلك التفصيلات التي لا تَعرف بطبيعتها الثبات والاستقرار.
تحدي الواقع والمستقبل
أين مفهوم أهل الحل والعقد من دور وفاعلية الأمة؟
وهل الرؤية التي انبنى عليها تصور النظرية السياسية رؤية تتمركز حول السلطة والدولة بدلاً من الأمة؟
إن دولة الإسلام تعيش في وسط مجتمع دولي متغير، ومهمة العلوم السياسية – من منظور إسلامي – بحث مساحات التقاطع وتحديد مناطق التمايز والاختلاف، فالذي لا شك فيه أن الفقه القديم – حول سلطة ولي الأمر – يجب أن يوضع في سياقه التاريخي، وأن يتم تطوير نظرية وأبنية سياسية تدافع عن الأمة ولا تهمش دورها، وتُفَعِّل التمثيل السياسي؛ ليكون أداة إدارة أفضل لا وسيلة بناء نخبة سياسية مستبدة وموالية للوضع القائم، وفي هذا السياق ما زال المزيد من الجهد ينتظر النظرية السياسية لبعض الحركات الاسلامية التي تطالب باقامة الخلافة التي يجدر بها الآن أن تنشغل بمفاهيم العدل والشورى بعد أن انشغلت لفترات طويلة بمفاهيم الطاعة.
المصادر :
الحاوي للفتاوى-جلال الدين السيوطي
أصول النظام الإجتماعي في الإسلام-محمد الطاهر بن عاشور
نقد لكتاب الإسلام ونظام الحكم-محمد الطاهر بن عاشور
فلسفة التشريع الإسلامي.-عبد العزيز الثعالبي
تاريخ التشريع الإسلامي.-عبد العزيز الثعالبي
تفسير ابن عرفة المالكي، تحقيق د. حسن المناعي
جامع الأصول من أحاديث الرسول,ابن الأثير
الكامل في التاريخ-ابن الأثير
ترتيب المدارك، للقاضي عياض
إحكام الفصول في أحكام الأصول، أبو الوليد الباجي
الأسدية في فقه المالكية-أسد بن الفرات
الحضارة الإسلامية: أسسها ومبادئها-أبو الأعلى المودودي
رابطة أدباء الشام
وبما أن صنع القرار في الدولة يسير في ركب أهدافها؛ إذ ترمي من ورائه إلى تحقيق هذه الأهداف مرحليًّا أو نهائيًّا، فإنه من الطبيعي أن تختلف هذه العملية ونوعية القرارات في الدولة الإسلامية عنها في غيرها من الدول.
والإسلام في الواقع لم يغلق باب فاعلية ومبادرة الإنسان في مجال التشريع، وإنما حدد إطاره، فثَمَّة قسم من أمور الحياة الإنسانية أصدر القرآن والسنة فيه حكمًا قاطعًا، أو وضَعَا له قاعدة خاصة، وفي مثل هذا الأمور لا يستطيع أي فقيه أو قاصد أو مشرع أن يُغَيِّر ما صدر فيهما من أحكام أو ما تقرر لهما من قواعد، بل فقط ينظم إدارة التطبيق وتنظيم شئونه.. أي سياساته.
لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يستطيع التحرك في ميدان التشريع في كثير من الأمور، فدائرة العفو والتجديد والاجتهاد في مستجدات الحياة وفق مقاصد الشرع مفتوحة.
هناك إذاً مجال للتشريع والتقنين في الدولة الإسلامية، ونستطيع أن نقسم القرارات في الدولة الإسلامية إلى أنواع ثلاثة وفق معيار النص عليها في الشريعة ودرجاته.
1 - قرارات تنفيذية لأمور ورد فيها نص في الكتاب والسنة:
فما جاء فيه نص، قضى فيه النصُ وخرج عن اختصاص البشر، فلا يمكن أن يكون محلاًّ للشورى (صناعة القرار)، إلا أن تكون الشورى مقصودًا منها التنفيذ، أي تنفيذ ما جاء به النص، ففي هذه الحالة تجوز بشرط أن لا يخرج التنفيذ عن معنى النص وروح التشريع، وهذه النوعية من القرارات تشمل أمور العبادات والمعاملات.
2 - قرارات في أمور لم يَرِدْ فيها نص، وهذه الأمور تنقسم إلى:
- أمور فكرية وفنية يغلب عليها التخصص كالرأي في الزراعة والصناعة والتعليم والناحية العسكرية والطبية وجميع القوانين المتعلقة بتنظيم الشئون الإدارية، وهذه مسألة عقلية تعتمد على المعلومات السابقة والخبرة والتمرس والتجربة والفهم للواقع والقدرات الفردية كالذكاء وسرعة البديهة وقوة الربط بين أطراف الموضوع ووضوح الرؤية.
- أمور عامة: يتحملها العامة، وهذه يتجلى سلطان الأمة فيها، ويُقضى فيها غالبًا برأي الأغلبية.
والقرارات التي تدور في إطار ما لم يرد فيه نص تنقسم من حيث درجتها إلى:
- مسائل لم تُدلِ فيها الشريعة بحكم، لكنها أصدرت حكمًا في أمور تشابهها، وتكون ممارسة التشريع في هذا القسم بفهم أسباب الأحكام وعللها فهمًا عميقًا، وتنفيذها في الأمور التي تكمن فيها نفس العلل والدواعي، وتحديد ما هو مُسْتَثْنَى من هذه الأمور وما يخلو حقيقة من أسباب الحكم ودواعيه.
- مسائل لم تتبنَّ فيها الشريعة أحكامًا بعينها، وإنما أعطت في شأنها بعض المبادئ العامة الجامعة، أو بَيَّن فيها الشارع المُسْتَحب المطلوب فعله، والمكروه الذي ينبغي منعه وإزالته.
ومهمة التشريع في هذه الدائرة فهم مبادئ الشريعة وأصولها في هذه المسائل، ثم وضع القوانين في الأمور الواقعية الفعلية، بحيث تُبْنَى على ما أوضحته الشريعة من أصول ومبادئ وبحث يتحقق منها القصد الذي أراده الشارع وهدفه، أي الاستنباط للأحكام من روح التشريع.
- مسائل سكتت الشريعة عنها تمامًا، فليس فيها حكم صريح أو قياسي أو مستنبط، وهذا السكوت في حد ذاته دليل على أن الله تعالى أعطى الإنسان حق إبداء رأيه في أمور ومسائل هذا القسم، ومن ثَمَّ يمارس الإنسان التشريع فيها بحرية تامة شريطة أن يتطابق ما يشرعه ويتلاءم مع روح الإسلام ومبادئه العامة، ولا يَشُذُّ في اجتهاده عن مزاج الإسلام العام الذي يكسو نظام الحياة الإسلامية ويسوده.
وهذا يعني تفرد الدولة الإسلامية بالنظر إلى نوعية القرارات بنطاق لا مجال فيه لصناعة القرار إلا في إطار النص، حيث توجد نصوص ملزمة من القرآن والسنة، وهو ما لا يميز الحكومات الأخرى سواء الليبرالية أم الشيوعية. فالأغلبية لا تستطيع في ظل الحكومة الإسلامية أن تتعدى حكمًا شرعيًّا، على حين أنه لا توجد حدود شرعية في الحكومات غير الإسلامية، وهو ما لا يُطرح أساسًا للبحث في إطار الدولة الإسلامية ما دام هناك نص.
أهل الحل والعقد وعملية صنع القرار
لما كانت الشورى دعامة من دعائم الإيمان وصفة من الصفات المميزة للمسلمين، فقد سَوَّى الله بينها وبين الصلاة والإنفاق في قوله "وَالَّذِيْنَ اسْتَجَابُوْا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوْا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُوْن" [الشورى: 38]، وكما كان الله تعالى قد أوجبها على رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ينزل عليه الوحي بالتشريع والتوجيه، وحل المشكلات في قوله: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر…" [آل عمران: 159]، فإن الشورى تصبح إذاً فريضة إسلامية واجبة على الحاكمين والمحكومين، فعلى الحاكم أن يستشير في كل أمور الحكم والإدارة والسياسة والتشريع، وكل ما يتعلق بمصلحة الأفراد أو المصلحة العامة.
ولن نفيض في الحديث عن الشورى؛ إذ إن هذا له بحث مستقل، وسنقتصر في هذا المجال على التأكيد على أنها دعامة الحكم في الدولة الإسلامية وقوام عملية صنع القرار في الدولة الإسلامية، وقد عُنِيَ علماء الشريعة الإسلامية بأعضاء هذا السلطة التشريعية للدور الخطير الذي يستند إليهم في توجيه شئون الدولة، سواء في مجال الاجتهاد والتشريع أم في مجال اختيار رئيس الدولة، ويطلق علماء الشريعة على أعضاء السلطة التشريعية اسم "أهل الحل والعقد".
أما لماذا سُمِّيَ هؤلاء بأهل الحل والعقد ؟ فهذه تسمية ابتكرها علماء الشريعة المسلمون، وليس عليها نص صريح في القرآن أو السنة، ومن استدل عليها بنص أو حديث أو بما يشبه النص، فإنما كان ذلك على سبيل التوسع والتأويل.
ولم نهتدِ إلى أول من وضع هذا التعبير أو أول من أطلقه، وكل ما عثرنا عليه من إشارات ليس فيها الدلالة الكافية في كتب أصول الفقه.
ولما كان أهل الحل والعقد يستندون في سلطتهم إلى مبدأ الشورى فقد ذهب البعض إلى تسميتهم "بأهل الشورى"، وهي تسمية أفضل وأوضح، وإن كنا سنلتزم بالتسمية الشائعة؛ لأنها المُعِيْنَة على البحث في كتب الفقه والتراث، مع ذهابنا إلى أن تطوير المفهوم ليكون "أهل الشورى" وتحريره وتطويره أمر لازم لأولي التخصص.
ولكن: من "أهل الحل والعقد" ؟
تعريف أهل الحل والعقد
لقد أوجب الإسلام الشورى، ولكن من هم أولئك الذين يجب أن يستشاروا ؟
إننا لا نجد في الآيات القرآنية ولا في الأحاديث النبوية نصًّا صريحًا يحددهم بصورة مفصلة أو حتى يشير إليهم إشارة عامة مجملة؛ لذلك كان علينا أن نرجع إلى ما جرت عليه السنة العملية أي في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وما جرى عليه من بعده الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين، كما علينا الرجوع إلى ما ذكره كبار المفسرين وإلى ما يراه علماء الفقه الإسلامي.
ومِنَ استعراض الوقائع التاريخية يثبت أن أهل الشورى من الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين [أي أهل الحل والعقد] يضمون عناصر أو فئات مختلفة تكونت بطريقة طبيعية تدريجية، وتولدت غالبيتها من بطون أحداث تاريخية مختلفة.
فإذا نحن استعرضناها ألفيناها تشمل الفئات التالية:
أولاً: السابقون الأولون إلى اعتناق الإسلام بمكة.
ثانيًا: الممتازون بخدماتهم وتضحياتهم وبصيرتهم وفراستهم.
ثالثاً: أصحاب النفوذ من الأنصار الذين دعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إسلامهم إلى الهجرة إلى المدينة، وذلك بعد أن عملوا على نشر الإسلام بالمدينة.
ويضاف إلى هذه الفئات أو العناصر عنصران برزان في المجتمع المدني (يثرب):
· أولئك الذين قاموا بأعمال جليلة في الشئون العسكرية والسياسية ودعوة الناس إلى الدين.
· أولئك الذين نالوا شهرة عظيمة بين الناس من حيث علم القرآن وفهم الدين والتفقه فيه.
وقد نهج الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في اختياره لأهل الشورى.
أما في عصرنا الحالي فبما أن سلطة التشريع في الدولة الإسلامية هي السلطة التي تتولى استنباط الأحكام الشرعية فيما يتعلق بشئون البشر من عبادات ومعاملات ونظام حكم، أي السلطة التي تضع القواعد لضبط أمور الدين والسياسة لدينا، وتصدر قوانينها في حدود المقاييس التي أتت بها الشريعة الإسلامية، أي وفقًا لمبادئ الشرع، فإن هذه السلطة يتولاها كل قادر على استنباط الأحكام للوقائع وفقًا لما يتفق والأصول العامة للشريعة الإسلامية، ووفقًا لما يحقق أهدافها في التيسير على الناس ودفع الحرج عنهم وتحقيق غاياتها في إسعاد البشرية، وهذا يتطلب أن يكون مُتولِّي وضع القوانين في دولة الإسلام عالمًا بأحكام الشريعة الإسلامية فاهمًا لأغراضها ومراميها، وهو أمر ينطبق على العلماء والباحثين في شتى المجالات، وعليه فإن سلطة التشريع في الدولة الإسلامية مكونة من الصفوة المختارة من الأمة الذين أُتيح لهم العلم والفهم، ككبار فقهاء الشريعة الإسلامية، وكبار قادة الجند، وكبار القضاة، وكبار العلماء الباحثين في شتى المجالات، وبذلك تكون سلطة التشريع قد جمعت شتى التخصصات، ويكون للعلماء والمجتهدين استنباط الأحكام الشرعية للوقائع بعد استلهام روح الشريعة ومشاورة المتخصصين، كما لا نغفل رؤوس الناس والطوائف والحرف، أي قيادات ما يسمى الآن "بالمجتمع المدني" رغم تحفظنا على الاستخدام الدارج للمفهوم الذي يوحي بمناقضته ومقابلته للمجتمع الديني.
وقد اختلف العلماء في مَنْ هم أهل الحل والعقد فقد قال بعضهم: هم الأشراف والأعيان، وقال آخرون: هم العلماء ووجوه الناس، أي "عظماؤهم بإمارة أو علم أو غيرها".
وذهب فريق منهم إلى أنهم "العلماء وأهل الرأي والتدبير، وهذا الخلاف بين العلماء لا مبرر له؛ لأنه كان ينبغي أن تكون تسميتهم بأهل الحل والعقد مانعة من الخلاف فيهم؛ إذ المتبادر أنهم زعماء الأمة وأولو المكانة وموضع الثقة من سوادها الأعظم، بحيث تتبعهم في طاعة من يولونه عليها، فينتظم به أمرها وتكون بمأمن من الإضرابات، والرأي عندنا أن أهل الحل والعقد في الأمة هم ممثلوها الحقيقيون الذين تدين لهم بالزعامة والطاعة، سواء كانوا من أهل العلم أم السياسة أم الإدارة أم المال.
وقد رأى كل من الإمام ابن تيمية في السلف والإمام محمد عبده في المتأخرين أن أهل الحل والعقد هم الذين أشار إليهم القرآن بـ "أُولِي الأَمْر" في قول الله تعالى: "وَأَطِيْعُوْا اللهَ وَأَطِيْعُوْا الرَّسُوْلَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُم…".
فرأى ابن تيمية - رحمه الله - أنهم "الأمراء نواب ذي السلطان، والقضاة، وأمراء الأجناد، وولاة الأموال، والكتاب، والسعاة على الخراج والصدقات"، وبذلك وسَّع من نطاقهم ليشملوا كل من يلي أمرًا من أمور المسلمين، وبالتالي نقلنا من مفهوم "الصفوة" وضع القرار على مستوى الدولة ككل، إلى التسلسل في الولاية، ووضع القرار بمفهومه الشامل في كل جانب من جوانب الدولة.
أما الإمام محمد عبده فقد رأى أن أولى الأمر - وهم أهل الحل والعقد - هم: الأمراء، والحكام، والعلماء، ورؤساء الجند، وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح، فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر وجب أن يطاعوا بشرط أن يكونوا مسلمين "أولي الأمر منكم"، وأن لا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسول الله التي عُرِفَت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين في مجتمعهم في الأمر واتفاقهم عليه، وأن يكون ما يتفقون عليه من المصالح العامة.
ونظرًا لأن مفهوم كلٍّ من ابن تيمية ومحمد عبده شديد الاتساع، فإننا سنقتصر في مفهومنا لأهل الحل والعقد على الرأي القائل بأنهم ممثلو الأمة الذين تدين لهم بالطاعة وتعهد إليهم بتصريف أمورها في شتى المجالات، سواء كانوا أهل الاجتهاد في أمور الدين، أو العلماء في كل فرع من فروع المعرفة العاملين على أمور الدولة في تخصصاتهم.
شروط أهل الحل والعقد
يجب أن يتوفر في أهل الحل والعقد عدة شروط، أجمع عليها تقريبًا علماء الشريعة، هي:
1 - العدالة: يشترط فيمن يصلح للشورى أن يكون عدلاً، والعدالة هي التحلي بالفرائض والفضائل والتخلي عن المعاصي والرذائل، وعمَّا يخل بالمروءة أيضًا. ويرى بعض الفقهاء أن تكون العدالة مَلَكَة لا تكلفًا، وهو رأي لا محل له؛ لأن التكلف إذا التُزِم صار خلقًا.
2 - العلم: يشترط أن يتوفر العلم في أهل الحل والعقد، والعلم المقصود هو العلم بمعناه الواسع؛ فيدخل فيه علم الدين وعلم السياسة وغيرهما من العلوم، ولا يشترط أن يكون العالم منهم ملمًّا بكل العلوم.
3 - الرأي والحكمة: ويشترط فيمن يصلح للشورى أن يكون ممن عُرِفَ بجودة الرأي والحكمة، ولا يشترط فيه أن يكون من ذوي العصبة؛ لأن أساس الشورى هو الرأي الصحيح الحكيم المتفق مع الشرع المجرد من الهوى والعصبية.
وإلى جانب هذه الشروط العامة اللازمة لأهل الحل والعقد يجب أن يتصفوا بعدة صفات هي في مجملها:
أولاً: الفطنة والذكاء؛ لئلا تشتبه عليهم الأمور فتلتبس، فلا يصح مع اشتباهها عزم ولا يتم في التباسها عزم.
ثانيًا: الأمانة؛ لئلا يخونوا فيما ائتمنوا عليه، ويفشوا فيما استنصحوا فيه.
ثالثًا: الصدق؛ ليثق الملك فيما ينهون عنه، ويعمل برأيهم فيما أشاروا به عليه.
رابعاً: أن يسلموا فيما بينهم من التحاسد والتنافس، فإن ذلك يمنعهم من الكشف عن صواب الرأي.
خامسًا: أن يسلموا فيما بينهم وبين الناس من العداوة والشحناء؛ فإن العداوة تستدعي عدم التناصف، وتحجب عن صواب الرأي.
سادسًا: ألا يكونوا من أهل الأهواء؛ فيخرجهم الهوى عن الحق إلى الباطل.
سابعًا: أن يكونوا من كبراء الدولة ومشايخ الأعوان؛ لأن المشايخ قد حنكتهم التجارب وعركتهم النوائب، وقد شاهدوا من اختلاف الدول ما أوضح لقولهم صواب الرأي.
وصفات أهل الحل والعقد في مجملها صفات كفاءة لا صفات ذات، فهم ليسوا أهل الغلبة أو أهل النسب أو أهل إقليم معين، وإنما هم أهل تفوق في صفات الكفاءة والقدرة مما يجعل قولهم مسموعًا، فمركزهم مفتوح لكل فرد يجمع شرائطه.
وقد تكون منهم المرأة، فقد استشار (عليه الصلاة والسلام) أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها) في صلح الحديبية، واستشار عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ابنته حَفْصَة في المدة التي تصبر فيها المرأة على زوجها الغائب، وعدم تولية النساء رئاسة أو ولاية عامة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس دليل منع من أن تكون النساء من أهل الحل والعقد؛ لأن الترك ليس بحجة، أي عدم الفعل لا يعني عدم جوازه، بل حَكَمَت المسألةَ حكمةُ التدرج في التشريع ومراعاة السياق الاجتماعي والعرف
تنظيم أهل الحل والعقد
لما كان أمر التشريع في الدولة الإسلامية من الأمور الاختصاصية، أي التي لا يمكن أن تقوم بها الأمة كلها، فقد وجب أن ينوب عنها في تصريف شئونها فئة منها، وأولئك هم أهل الحل والعقد. ولكن كيف يتم تنظيمهم؟
رأى أغلبية أهل السلف أن أهل الحل والعقد هم أولي الأمر على كافة مستوياتهم في الدولة كما أشرنا آنفًا لرأي ابن تيمية، وهذا يعني أن أمر اختيارهم موكول إلى الخليفة، ثم يتولى كل صاحب أمر أو منصب اختيار مَن هم دونه بطريقة تسلسلية.
ولما كنا قد أخذنا بالمفهوم الضيق لأهل الحل والعقد، أي أنهم هم كما يطلق عليهم في علم السياسة الحديث: "النخبة" أو "السلطة التشريعية" أو ممثلو الأمة، أو: أولو الأمر،
فما هو شكل هذه السلطة إذًا وكيفية توليها؟
يرى أغلب الكتاب المعاصرين في نظرية ونظام الحكم الإسلامي أن أهمية أهل الحل والعقد ودورهم في تعيين مصير البلاد والشعب، يقتضي أن ينتخب (يبايع) الناسُ نوابَهم ومندوبيهم في "مجلس الشورى" أو "مجلس النواب" وفق أسس دقيقة ذكرها الدين في نصوصه وحَتَّم على الأمة مراعاتها وعدم التفريط فيها، وأهمها أن يكون النائب صالحًا منزهًا عارفًا بأوضاع البلاد وحاجات الأمة، وغير ذلك من الشروط والصفات التي ذكرناها من قبل.
وإذا كان البعض يدفع بأن الانتخاب من مظاهر التنظيم السياسي الغربي، فإنه ليس من المحظور شرعًا أن يُنْتَخَب أعضاء هذا المجلس بأصوات المسلمين وآرائهم، وإن لم يكن له نظير في عهد الخلافة الراشدة.
وقد لَخَّص ابن القيم هذا الخلاف حول الاجتهاد في تنظيم الحكم بشكل لم يكن له مثيل في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو الخلفاء بقوله:
"هناك سياسة جزئية بحسب المصلحة تختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكلٍّ عذر وأجر، ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين".
إذا تَمَّ الاتفاق إذًا على أن أفضل الطرق لإيجاد فريق أهل الحل والعقد الذي يقع على عاتقه التشاور في التدابير المهمة والخطيرة ورسم سياسة الدولة هو الاختيار الحر بالانتخاب، تثور بعد ذلك مسألتان: الأولى هي صفة جمهور المنتخبين، والثانية هي شروط الترشيح والدخول في مجال اختيار الأمة.
أما عن صفة جمهور المنتخبين فلا بد أن يتصفوا بالبلوغ في السن، والرشد في الفكر، إلا أنه يجب كذلك أن يُربَّى الجمهور تربية فكرية تؤهلهم للانتخاب الصحيح حتى لا ينتخبوا للإمامة أو لعضوية مجلس أهل الحل والعقد أو مجلس الشورى، إلا أناساً يحوزون الأهلية حسب روح الدستور الذي يحكم الدولة الإسلامية.
وهنا ننتقل إلى النقطة الثانية وهي تقدم أهل الحل والعقد لترشيح أنفسهم، أو أهلية المرشحين ليكونوا من أهل الحل والعقد. وهناك نوعان من الأهلية:
- الأهلية القانونية: يمتحن بها منظم الانتخابات أو القاضي رجلاً، ثم يحكم عليه بكونه أهلاً أو غير أهل لمنصب من المناصب، ولهذه الأهلية مقاييس مستمدة من القرآن والسنة اتفق عليها السابقون من عقل وأمانة.
ولكن الحائزين لهذه الأهلية العامة عدد كبير من الأمة حتى لو أضيفت إليها الشروط الأخرى من عدالة وعلم ورأي.
وهنا تبرز النوعية الثانية من الأهلية وهي:
- الأهلية الأخلاقية: من التزام بالكتاب والسنة وصفات شخصية يجب أن يتحلى بها المسلم، عملاً بقول الله تعالى: "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوْا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا"؛ حيث فسر ابن تيمية الأمانات بأن الولايات منها، فيجب اختيار أصلح من يقوم بالولاية، وقوله: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ…"، وقوله: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيْدُوْنَ وَجْهَه…"، وقوله: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِيْن".
ويرى أبو الأعلى المودودي أنه لا ينتخب لأي منصب من مناصب المسئولية أو عضوية مجلس الشورى (أهل الحل والعقد) من يرشح نفسه لذلك، أو يسعى فيه سعيًا ما، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إنا والله لا نُوَلِّي هذا الأمر أحدًا سأله أو حرص عليه"، وإن المجتمع الإسلامي لا مجال فيه للدعايات الانتخابية أصلاً، وإن مما يَمَجُّه الذوق الإسلامي وتأباه العقلية الإسلامية أن يقدح المرشحون في بعضهم البعض للفوز بالمنصب، وأن يمدحوا أنفسهم في نشرات خاصة لذلك.
بيد أننا نختلف، ونرى أنه لعل هذا الأمر يدخل في إطار ما طرحه ابن القيم من ضرورة الاجتهاد؛ إذ إن طبيعة الدولة واتساعها وكثرة الناس وتوسع العمران الآن، كلها قد تقتضي الأخذ بأسلوب ترشيح طالبي المنصب أنفسهم على أن يراعى في ذلك عدم الخروج على آداب الإسلام.
ويميز علماء الشريعة بين نوعين من أهل الحل والعقد: أهل الاجتهاد، وأهل الاختيار، وهذا بالنظر إلى أمر اختيار الخليفة.
ويمكن أن نستغل نفس التقسيم في أن نقسم أهل الحل والعقد إلى أهل الاجتهاد، فنقصد بهم أولئك الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد في الشرع واستوفوا شروطها، وأهل الرأي أو أهل الاختصاص وهم أهل الحل والعقد في شئون الدولة وتخصصاتها بشتى فروعها، وهؤلاء لا يشترط فيهم درجة الاجتهاد في علوم الدين، بل التفوق في تخصصاتهم، ولا غنى لطرف عن الآخر في هذا العصر؛ لتعقد أمور الحياة والحاجة للاجتهاد الجماعي، حيث صار من شبه المستحيل أن يستغني المجتهد بفقهه عن العلماء بشئون ومستحدثات العصر، أو يقضي أهل التخصص بمفردهم في قضايا فقهية وأخلاقية بمنأى عن المرجعية الفقهية الرشيدة المجددة المجتهدة.
ورأى الكثير من أساتذة القانون الدستوري الحديث أن التنظيم المعاصر لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية، بشرط أن ينص صراحة في الدساتير على بطلان كل تشريع يخالف القواعد الكلية التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، ويكفي إنشاء مجلس من كبار العلماء الذين يُوثَق في علمهم وفي دينهم وأخلاقهم؛ لتعرض عليه التشريعات قبل إصدارها من البرلمان؛ ليقرر ما إذا كانت تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وفي حالة التعارض عليه أن يجد الحل البديل الذي يحقق مصالح الناس؛ لأنه حيث توجد المصلحة (المنضبطة وليس المتوهمة) فثَمَّ شرع الله تعالى.
أما عن كيفية وآليات ممارسة أهل الحل والعقد لاختصاصهم، فقد سكتت الشريعة عنها كما سكتت عن أسلوب اختيارهم، ونرى أن تحديد فترة معقولة للعضوية في المجالس النيابية بدرجاتها يكفل فاعلية الرقابة الشعبية، ويمنع الاستبداد ويفسح المجال أمام الخبرات الجديدة خاصة من أهل الاختصاص.
هل قرارات أهل الحل والعقد ملزمة ؟
تقضي الأمور في مجالس أهل الحل والعقد بغالبية الآراء في عامة الأحوال، فإذا تَمَّ التوصل إلى رأي، فهل يصبح هذا الرأي ملزماً لرئيس الدولة ؟
بمعنى: هل الشورى وكل ما يدور في فلكها من أهل الحل والعقد وقراراتهم: ملزمة أم غير ملزمة؟
مدار الحديث والكتابات التي تناولت مدى إلزامية قرارات أهل الحل والعقد تحت هذا المسمى أو تحت مسمى إلزامية الشورى، الآية الكريمة في سورة آل عمران "وَشَاوِرْهُمْ فِيْ الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله…" [آل عمران: 159]. فيرى البعض أن هذا الخطاب للرسول ولأمته، وأن الشورى ملزمة للرئيس ولأمته، وأن الشورى ملزمة لرئيس الدولة، ورأى البعض الآخر أن قوله: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ…" ترُدُّ القرار النهائي للرسول صلى الله عليه وسلم وبالتبعية لولاة الأمر من بعده من للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم. وسنتناول حجج كِلا الرأيين.
يرى أصحاب الرأي الأول أن الشورى فرض على أهل الحكم والسلطة، دل على ذلك فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفعل الصحابة (رضي الله عنهم)، وأن رئيس الدولة الذي يُعْرَض عنه يتعين على الأمة خلعه حتى قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف عليه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: "وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ".
وهذا رأي لا خلاف عليه، فلم ينكر أحد أن الشورى واجبة، إنما ثار الجدل حول "ما بعد الشورى" أي ما يعرف في النظم السياسية المعاصرة بـ "اتخاذ القرار".
وأبو الأعلى المودودي يرى أن قاعدة "وأمرهم شورى بينهم" تتطلب خمسة أمور:
1 - أن ينال الناس الحرية الكاملة في التعبير عن آرائهم.
2 - أن مسئولية تصريف شئون المجتمع لا بد وأن تُلْقَى على كاهل من يتم تعيينه واختياره برضا الناس الحقيقي.
3 - أن يختار للتشاور مع القائد أولئك الذين يحصلون على ثقة الشعب.
4 - أن يشير هؤلاء الممثلون بما يمليه عليهم علمهم وإيمانهم وضميرهم وأن ينالوا حرية الرأي كاملة تامة.
5 - وينتهي المودودي إلى أنه ينبغي التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أو أكثريتهم، أما أن يستمع ولي الأمر إلى آراء جميع أهل الشورى، ثم يختار ما يراه هو نفسه بحرية تامة، فإن الشورى في هذه الحالة تفقد معناها وقيمتها
.
فالله لم يقل: تؤخذ آراؤهم ومشورتهم في أمورهم. وإنما قال: "وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُمْ" يعني أن تسير أمورهم بتشاورهم فيما بينهم، وتطبيق هذا القول الإلهي لا يتم بأخذ الرأي فقط، وإنما من الضروري لتنفيذه وتطبيقه أن تجري الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع أو بالأكثرية، مع إعادة التنبيه على أن الشورى محددة بحدود الدين.
أي أنه لو أجمع الآن أهل الحل والعقد أو أكثرهم بالفعل على توضيح وتفسير نص شرعي، أو قياسي، أو اجتهاد أو استنباط أو إجراء أو مصلحة في مسألة ما ، فلا بد من أن يصير إجماعهم حجة ويُعترف به قانونًا.
أما الرأي الثاني فيرى أصحابه أن التشاور أمر، وإصدار القرار وإبرامه أمر آخر، وذلك راجع إلى فردية القيادة في الإسلام، وواقع الرأي الذي تجري فيه المشورة.
فإذا كان الرأي موضع القرار أمرًا من أمور التشريع يؤخذ بالرأي الأقوى دليلاً، إلا أن الذي يجعل من الرأي الأقوى دليلاً قانونًا ينفذ على المسلمين إنما هو رئيس الدولة وحده، والدليل على ذلك ما حدث في صلح الحديبية لما عارض المسلمون ما أبرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش، فاتبع الوحي وضرب برأيهم عُرض الحائط، وكذلك ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين عزم على قتال المرتدين، فقد حكم بالدليل الراجح عنده برغم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عنده دليل.
وعلى حين قال المودودي: إن الآية في سورة آل عمران تفيد أن العزم يأتي وفق المشاورة ورأي الأغلبية، يرى أنصار هذا الرأي قول الله: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله" بعد قوله: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر" جعل الأمر يرجع إليه بعد التشاور؛ لينفذ ما عزم عليه هو، لا أهل الشورى.
أما الرأي في الأمور الفنية والفكرية فالمرجح فيه هو ظهور جانب الصواب، إلا أن الصواب وحده غير كافٍ في إثبات الحجية إلا إذا اقترن بتبني الإدارة السياسية (السلطة التنفيذية) له.
أما الرأي في الأمور العامة، فلا بد أن تنزل فيه السلطة التنفيذية على إرادة الأغلبية، فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نزل عند رأي الأكثرية، وترك رأيه رغم أنه تبين خطأ رأي الأغلبية لاحقاً. ففي الأمور العامة ليس على الرئيس سوى بذل الجهد في عرض وجهة نظره، فإن عجز فالشرع قد ألزمه تنفيذ ما تراه الأغلبية من أهل الرأي.
والجدير بالذكر أن أبا الأعلى المودودي نفسه قد ذكر في كتاب "نظرية الإسلام وهديه" أن الأمير له الحق في أن يوافق الأقلية أو الأغلبية في رأيها، وكذلك له أن يخالف أعضاء المجلس كلهم ويقضي برأيه، ولكن على جمهور المسلمين أن يراقبوا الأمير وسيرته في الرعية مراقبة شديدة، وهل هو يتصرف في الأمور ويحكم فيها على تقوى من الله أم بهوى من نفسه. فإن رأوه يتبع الهوى في عمله، فلهم أن يعزلوه ويخلعوه عن منصبه هذا، برغم أنه كما ذكرنا، قد كتب في الحكومة الإسلامية يرى أن إجماع أو أغلبية أهل الحل والعقد يجب أن ينفذ رأيهم.
والواقع أن هذه المسألة اجتهادية صرفة، وللأمة أن تقرر إلزام رئيس الدولة بتنفيذ رأي الشورى في أمور معينة، وأن تعطي له في سائر الأمور حق الاعتراض على القرار الصادر عن أهل الحل والعقد، ويرى البعض أن يتم التخاصم في هذه الحالة إلى "اللجنة العليا للشورى" وما تقرره يكون نافذًا.
نرى في الختام أن مسألة التزام الحاكم برأي أهل الشورى (أهل الحل والعقد) أو عدم التزامه برأيهم كانت محل خلاف، وإذا كان ملزمًا فما هي المسائل التي يُعَدُّ رأيهم فيها ملزمًا ؟
نقول: الواقع أن هذه تعدٍّ، فما يتبين من دراسة تاريخ النظام النيابي من المسائل التفصيلية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، باختلاف مبلغ تطور الشعب ومدى ممارسته للديمقراطية والحرية؛ لذلك كان مما قضت به الحِكَم ألا تتعرض الشريعة لمثال تلك التفصيلات التي لا تَعرف بطبيعتها الثبات والاستقرار.
تحدي الواقع والمستقبل
أين مفهوم أهل الحل والعقد من دور وفاعلية الأمة؟
وهل الرؤية التي انبنى عليها تصور النظرية السياسية رؤية تتمركز حول السلطة والدولة بدلاً من الأمة؟
إن دولة الإسلام تعيش في وسط مجتمع دولي متغير، ومهمة العلوم السياسية – من منظور إسلامي – بحث مساحات التقاطع وتحديد مناطق التمايز والاختلاف، فالذي لا شك فيه أن الفقه القديم – حول سلطة ولي الأمر – يجب أن يوضع في سياقه التاريخي، وأن يتم تطوير نظرية وأبنية سياسية تدافع عن الأمة ولا تهمش دورها، وتُفَعِّل التمثيل السياسي؛ ليكون أداة إدارة أفضل لا وسيلة بناء نخبة سياسية مستبدة وموالية للوضع القائم، وفي هذا السياق ما زال المزيد من الجهد ينتظر النظرية السياسية لبعض الحركات الاسلامية التي تطالب باقامة الخلافة التي يجدر بها الآن أن تنشغل بمفاهيم العدل والشورى بعد أن انشغلت لفترات طويلة بمفاهيم الطاعة.
المصادر :
الحاوي للفتاوى-جلال الدين السيوطي
أصول النظام الإجتماعي في الإسلام-محمد الطاهر بن عاشور
نقد لكتاب الإسلام ونظام الحكم-محمد الطاهر بن عاشور
فلسفة التشريع الإسلامي.-عبد العزيز الثعالبي
تاريخ التشريع الإسلامي.-عبد العزيز الثعالبي
تفسير ابن عرفة المالكي، تحقيق د. حسن المناعي
جامع الأصول من أحاديث الرسول,ابن الأثير
الكامل في التاريخ-ابن الأثير
ترتيب المدارك، للقاضي عياض
إحكام الفصول في أحكام الأصول، أبو الوليد الباجي
الأسدية في فقه المالكية-أسد بن الفرات
الحضارة الإسلامية: أسسها ومبادئها-أبو الأعلى المودودي
رابطة أدباء الشام
فرصتكم لتمحو عارا يرتكبه صمتكم وسكونكم
لما ندعي النضالية والثورة!! ألم يكن قيامنا مجرد رد فعل حيني مرتبط بوضع طارئ تمثل في الإحساس بالخطر وبالتالي كل ما قمنا به في بضع أيام لم يكن سوى سطوة الغريزة على الطبع!!! لما ندعي الوطنية ؟ هل كل من خرجو للإطاحة بالدكتاتور وطنيون؟ يعني السؤل يطرح نفسه : كيف أكون وطنيا وأنا لا أعرف ما تعنيه المواطنة ولم أمارس من قبل أيا من القيم النابعة منها وكيف أكون ثوريا وأنا لا أعرف كيف ولا ارغب في اكمال ثورتي!!!؟
أعتقد اننا نتكلم كثيرا فالكلام سهل والإنتحاب على جراح الإستبداد أسهل، أما التضحية بالجهد و الوقت فهذا أمر يستلزم وطنية وإحساس وإلتزام بالمواطنة لا يملكه معظم هذا الشعب الذي وصف بالعظيم و طبعا أنا لا ادعي الثورة والنضال ولكن هذه أشياء أتعلمها كل يوم ولكي لا أضع نفسي موضع الناقد المتعالي فأنا اعترف باني لست مناضلا ولا ثوريا وانما واحد من الذين يرون اعوجاجا في هذا الزمان ويحاولون إصلاحه بما أوتي لهم من معرفة وما استطاعو من بذل فأنا وهم لا تسمح لنا غيرتنا على هذه الأرض أن نقف من بعيد ونشاهد من يحرك عقارب الساعة إلى الوراء ونسكت. نحن لا نستطيع أن نستقيل أو نضع ما أثقل به كاهلنا جانبا فالتاريخ لن يسامحنا إن لم ندافع ونذد عن حرمة أرض كلفت أجدادنا دماءهم.
إن مشكلة التونسيين أنهم عاطفيون و اغلبهم يغيب العقل على حساب انفعالاته مع ومن الذي يأمل به ويتمناه و إلا فكيف يصدقون وعودا بالديمقراطية من أعدائها و يعيشون أحلاما يصنعها من زين مملكة الدكتاتورية وإحترف العمالة و إمتهن الخيانة. إما أن التونسي يصدق إذا فهو غبي وإما أن الكذب أصبح عنده خبزا يوميا فلا يحرك له ساكنا مهما رأى من تناقضات بين الحقيقة و ما يجب أن يكون وما يسير إليه ويفرض عليه فالعيش بسلام بعيدا عن المواجهة هو كل ما يتوق له ،ويعزي نفسه دائما بالأمل الذي يزرعه في مستقبل يراه مشرقا أو على الأقل كما صوره له البعض وتبناه يأسه.
ليس من مصلحة أحد أن يظل الحال على ما هو عليه تاركين من تسلط يعبث بمصيرنا ومصير البلد وليس من الحكمة أن نظل سلبيين تجاه الحراك الذي يقام اليوم، ففي اللحظة التي اكتب فيها وتقرء فيها يوجد من يقايض راحته و سلامه بما رحل من أجله عن الحياة مئات من الشهداء. أتمنى من كل من يدرك ما آلت إليه ثورتنا من ركود الرجوع إلى ساحات الإعتصام و دعم كل أشكال الحراك المادي والنوعي. يجب أن نلملم صفوفنا من جديد فليست مهمة اعدادنا القليلة ولكن نستطيع أن نؤثر فتتسع رقعة احتجاجاتنا يوما بعد يوم لنؤجج نار الثورة من جديد و نكمل مسيرة التحرر، وأما عن المتخاذلين فهيا انها فرصتكم لتمحو عارا يرتكبه صمتكم وسكونكم.
د فيصل القاسم يكتب : خواطر من وحي الثورات العربية
يا الله ما أروعك أيها الموبايل ذو الكاميرا! يا الله ما أروع وسائل الإعلام الجديدة كالفيس بوك، وتويتر، ويوتيوب! لقد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه أيتها السيوف اللامعة الرائعة المسلطة على رقاب الطغاة والمستبدين. لولاك لما سطع نجم الثورات. سيري والله يرعاك!
• السلاح الوحيد الذي يرفعه السواد الأعظم من الثوار العرب في وجه الطغاة في الدول العربية الثائرة هو جهاز الموبايل وكاميرته فقط.
• لا يخاف من الضوء إلا الحرامي. وبعض الأنظمة كالحرامي تخاف من الضوء الإعلامي، لأنه يكشف حقيقتها الوحشية والفاشية الرهيبة.
• كم أشعر برغبة شديدة للضحك عندما أسمع فضائيات حكومية عربية لم تعرف يوما سوى الكذب الثقيل والدجل والفبركة والتلفيق وهي تكيل الشتائم للإعلام العربي والعالمي الحر، وتتهمه بعدم النزاهة. رمتني بدائها وانسلت. طبيب يداوي الناس وهو عليل.
• كل شعوب العالم المتقدم تدفع ضرائب لكي تحصل على وسائل إعلام تنوّرها، وتخدمها، وتعبر عنها. أما في عالمنا العربي التعيس فوسائل الإعلام تستنزف الكثير من أموال الشعوب لكي تكذب عليها، وترهبها، وتهددها، وتركّعها، وتخوّن كل من لا يسير على خطى الطغاة. والمضحك أنهم يسمونه إعلام الشعب، بينما هو لا يسمح لأحد غير السلطات القذرة للتعبير عن نفسها فيه.
• اعتادت وسائل الإعلام العربية الحكومية أن تكذب على الشعوب حتى في سرد درجات الحرارة، فكيف للشعوب أن تصدقها الآن في وقت تخوض الأنظمة الحاكمة حروباً شعواء ضد شعوبها قتلاً وقمعاً وبطشاً وسحقاً وسحلاً واعتقالاً وسجناً وتعذيباً وقنصاً؟
• يقولون عادة لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى. وفيما يخص الفضائيات الحكومية العربية، من الأفضل أن لا تصدق شيئاً من كل ما تسمع ومن كل ما ترى. وإذا صدقت شيئاً فإنك مغفل.
• قبل أن تصدّق أي شيء يذيعه الإعلام الحكومي العربي، عليك أن تضع كلامه في غربال فتحاته واسعة جداً، وسترى أن كل الكلام سقط من فتحات الغربال.
• من الخطأ الفادح تسمية الإعلام الحكومي العربي والإعلام الخاص الدائر في فلكه، من الخطأ تسميته “إعلام”، هو في الواقع “إعتام” وليس إعلاماً.
• أكثر ما يُضحك أن بعض الحكام وأبواقهم الإعلامية وأنظمتهم يصورون أنفسهم على أنهم فقط الوطنيون، وكل من يخرج على طاعتهم فهو خائن وغير وطني، مع العلم أن الوطنية منهم براء، وأن الشعوب الثائرة أكثر منهم وطنية بألف مرة على أقل تقدير. يا الله كم تاجروا بالوطنية، وحلبوها حتى آخر قطرة، وما زالوا بصفاقة عز نظيرها!
• إذا كنت مع النظام فأنت، في نظر الحاكم وأجهزته، وطني حتى النخاع، وإذا كنت مع الشعوب الثائرة فأنت خائن ابن خائن.
• لو أحصيت عدد الذين يجعرون على شاشات التلفزيون دفاعا عن الأنظمة العربية المتداعية تحت تأثير الثورات المباركة لوجدت أن عددهم قليل جداً. وهم بالتأكيد مرتزقة ومدفوعو الأجر، أي أنهم لا يدافعون عن الأنظمة بقدر ما يدافعون عن مصالحهم. وليس عندي شك بأنهم سيكسرون الجرّة وراء الحكام لو توقفوا عن دفع أجورهم. بعبارة أخرى، لا يدافع عن الطغاة العرب غير بلطجيتهم ومرتزقتهم أو أقربائهم في المصلحة أو الدم أو النسب والحسب أو العشيرة أو الطائفة أو القبيلة.
• لا أدري، نضحك أم نبكي عندما نسمع أبواق الأنظمة العربية وهي تتبجح بأن الأنظمة انتصرت على المخربين. فعلاً شيء يُضحك، ويبكي في آن معاً، يُضحك لأن أبواق الأنظمة كذابون ومغفلون، ويلعبون حرباً نفسية سخيفة ومكشوفة مع الشعوب، ويُبكي لأنهم يعتبرون قتلهم لشعوبهم والتنكيل بها نصراً للحكام، وأن القمع والبطش بالشعوب سيعود إلى سابق عهده.
• سمعت من مسؤول عربي كبير ومطلّع شخصياً أن أكثر ما أخاف الحكام العرب أن الشعوب انتفضت ضدهم سلمياً، مما وضعهم في مأزق كبير. لكن بعضهم بالتعاون مع طغمته الحاكمة طبعاً وجدوا الحل فوراً. فقرروا تصوير تلك الثورات في وسائل إعلامهم على أنها مسلحة، وراحوا يفبركون القصص والأحداث السخيفة كي يجدوا مبرراً لقمع الثورات والقضاء عليها. وشهد شاهد من أهلهم.
• حتى الله عز وجل يخيّر الإنسان بين الإيمان والكفر: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”. أما بعض الزعماء العرب وكلاب صيدهم فإما أن تحبهم غصباً عن الذين خلفوك، أو تصبح من المغضوب عليهم إلى يوم الدين.
• كيف تأمن الشعوب جانب الأنظمة التي تعدك بالتغيير، ثم تقتل كل من يصرخ في وجهها بالرصاص الحي؟ كيف تصدّق الشعوب وعود الإصلاح إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يعبر عن رأي بسيط فيما يحدث؟ شاهدنا ما حصل لبعض الشخصيات لمجرد أنها تضامنت عاطفياً مع ضحايا الثورات، فشيطنوها ولعنوا “سنسفيل أبوها” في أبواقهم الإعلامية الساقطة. لم يتغير شيء في عقلية الحكام تحت ضغط الثورات، فما بالك إذا توقفت الثورات، فإنهم سيسحلون الجميع انتقاما وثأراً.
• من المعروف أن أي شخص يشارك في مظاهرة ضد أي نظام عربي في الخارج يعلم أنه لن يُسمح له بالعودة إلى وطنه. وإذا عاد، فإنه سيقضي ثلاثة أرباع حياته متنقلاً بين فروع الأمن والشرطة. والسؤال الآن: ماذا ستفعل الحكومات العربية بعشرات الألوف الذين خرجوا في مظاهرات ضد هذا النظام أو ذاك في هذه العاصمة أو تلك؟ معلوم أن مجرد إطلاق تصريح مؤيد للثورات يجعل صاحبه من المغضوب عليهم إلى يوم الدين. ويتحدثون عن الإصلاح. عيش يا كديش ليطلع الحشيش.
• حتى لو كان الشيطان الرجيم يشارك في الثورات العربية من أجل مصالحه الشيطانية الخاصة، فهذا لا يقلل من قيمة الثورات كثيراً، المهم أن السواد الأعظم من الشعوب مع التغيير. ولا يضير الثورات اختراقها من بعض السفلة، هذا إذا تأكد الاختراق فعلاً، ولم يكن مجرد ذريعة حكومية مفضوحة للقضاء على الثورات بحجة أن فيها مخربين ومتطرفين.
• الشعوب في الدول التي تحترم نفسها تدفع ضرائب كبيرة من أجل تمويل قطاعي الأمن والجيش كي تحصل على الأمن والأمان الداخلي، وكي تحمي بلادها من المخاطر الخارجية. أما عندنا نحن العرب، فتدفع الشعوب من دمها لتمويل الشرطة والجيش كي يقوما في النهاية بقتل الناس وترويعهم وإرهابهم وسحلهم في الشوارع. لقد غدت جيوشنا رمزا للبطش في الداخل، ورمزا للتخاذل مع الخارج.
• في الدول التي تحترم نفسها عندما يشعر المسؤول شعوراً بسيطا للغاية بأنه أصبح غير مرغوب فيه، يقدم استقالته فوراً من منصبه، ويخرج باحترام، أما في الدول العربية فتخرج الملايين إلى الشوارع مطالبة بتنحي هذا الزعيم أو ذاك، ناهيك عن أنها تصفه بأقذع الأوصاف، وتمسح به الأرض، ثم يقرر الزعيم المنتهكة كرامته أن يبقى في الحكم حتى لو أباد الألوف من المتظاهرين. فعلا عجب عُجاب. كأن الزعيم العربي يقول: إما أحكمكم وإما أقتلكم!
• ألف رحمة من الله على كل عربي ثائر قضى في الثورات الحالية. والى جنان الخلد أيها الثوار الشرفاء. وألف لعنة على قتلتكم الذين لم يكتفوا بقتلكم بل راحوا يشوّهون سمعتكم بفبركات ما أنزل الله بها من سلطان لا يمكن أن يصدقها من في رأسه ذرة عقل.
• كل من يعتقد انه يستطيع أن يحارب الأعداء بشعب من العبيد فهو مخطئ تماماً، أو متآمر مع الأعداء أنفسهم. فلا يقاتل ببسالة إلا الأحرار. ولنتذكر قصة العبد عنترة الذي ظل خانعاً حتى تحرر من عبوديته، فأصبح مضرباً للأمثال في البطولة والشجاعة. حرروا شعوبكم أولا كي يحرروا الأراضي العربية المحتلة!
• وأخيراً: الشعوب العربية أدرى بشعابها وحكامها، فلا أهلاً ولا سهلاً بأي تدخل خارجي تحت أي ظرف كان. يا الله ما أروعك أيها الموبايل ذو الكاميرا! يا الله ما أروع وسائل الإعلام الجديدة كالفيس بوك، وتويتر، ويوتيوب! لقد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه أيتها السيوف اللامعة الرائعة المسلطة على رقاب الطغاة والمستبدين. لولاك لما سطع نجم الثورات. سيري والله يرعاك!• السلاح الوحيد الذي يرفعه السواد الأعظم من الثوار العرب في وجه الطغاة في الدول العربية الثائرة هو جهاز الموبايل وكاميرته فقط.• لا يخاف من الضوء إلا الحرامي. وبعض الأنظمة كالحرامي تخاف من الضوء الإعلامي، لأنه يكشف حقيقتها الوحشية والفاشية الرهيبة.• كم أشعر برغبة شديدة للضحك عندما أسمع فضائيات حكومية عربية لم تعرف يوما سوى الكذب الثقيل والدجل والفبركة والتلفيق وهي تكيل الشتائم للإعلام العربي والعالمي الحر، وتتهمه بعدم النزاهة. رمتني بدائها وانسلت. طبيب يداوي الناس وهو عليل.• كل شعوب العالم المتقدم تدفع ضرائب لكي تحصل على وسائل إعلام تنوّرها، وتخدمها، وتعبر عنها. أما في عالمنا العربي التعيس فوسائل الإعلام تستنزف الكثير من أموال الشعوب لكي تكذب عليها، وترهبها، وتهددها، وتركّعها، وتخوّن كل من لا يسير على خطى الطغاة. والمضحك أنهم يسمونه إعلام الشعب، بينما هو لا يسمح لأحد غير السلطات القذرة للتعبير عن نفسها فيه.• اعتادت وسائل الإعلام العربية الحكومية أن تكذب على الشعوب حتى في سرد درجات الحرارة، فكيف للشعوب أن تصدقها الآن في وقت تخوض الأنظمة الحاكمة حروباً شعواء ضد شعوبها قتلاً وقمعاً وبطشاً وسحقاً وسحلاً واعتقالاً وسجناً وتعذيباً وقنصاً؟• يقولون عادة لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى. وفيما يخص الفضائيات الحكومية العربية، من الأفضل أن لا تصدق شيئاً من كل ما تسمع ومن كل ما ترى. وإذا صدقت شيئاً فإنك مغفل.• قبل أن تصدّق أي شيء يذيعه الإعلام الحكومي العربي، عليك أن تضع كلامه في غربال فتحاته واسعة جداً، وسترى أن كل الكلام سقط من فتحات الغربال.• من الخطأ الفادح تسمية الإعلام الحكومي العربي والإعلام الخاص الدائر في فلكه، من الخطأ تسميته “إعلام”، هو في الواقع “إعتام” وليس إعلاماً.• أكثر ما يُضحك أن بعض الحكام وأبواقهم الإعلامية وأنظمتهم يصورون أنفسهم على أنهم فقط الوطنيون، وكل من يخرج على طاعتهم فهو خائن وغير وطني، مع العلم أن الوطنية منهم براء، وأن الشعوب الثائرة أكثر منهم وطنية بألف مرة على أقل تقدير. يا الله كم تاجروا بالوطنية، وحلبوها حتى آخر قطرة، وما زالوا بصفاقة عز نظيرها!• إذا كنت مع النظام فأنت، في نظر الحاكم وأجهزته، وطني حتى النخاع، وإذا كنت مع الشعوب الثائرة فأنت خائن ابن خائن.• لو أحصيت عدد الذين يجعرون على شاشات التلفزيون دفاعا عن الأنظمة العربية المتداعية تحت تأثير الثورات المباركة لوجدت أن عددهم قليل جداً. وهم بالتأكيد مرتزقة ومدفوعو الأجر، أي أنهم لا يدافعون عن الأنظمة بقدر ما يدافعون عن مصالحهم. وليس عندي شك بأنهم سيكسرون الجرّة وراء الحكام لو توقفوا عن دفع أجورهم. بعبارة أخرى، لا يدافع عن الطغاة العرب غير بلطجيتهم ومرتزقتهم أو أقربائهم في المصلحة أو الدم أو النسب والحسب أو العشيرة أو الطائفة أو القبيلة.• لا أدري، نضحك أم نبكي عندما نسمع أبواق الأنظمة العربية وهي تتبجح بأن الأنظمة انتصرت على المخربين. فعلاً شيء يُضحك، ويبكي في آن معاً، يُضحك لأن أبواق الأنظمة كذابون ومغفلون، ويلعبون حرباً نفسية سخيفة ومكشوفة مع الشعوب، ويُبكي لأنهم يعتبرون قتلهم لشعوبهم والتنكيل بها نصراً للحكام، وأن القمع والبطش بالشعوب سيعود إلى سابق عهده.• سمعت من مسؤول عربي كبير ومطلّع شخصياً أن أكثر ما أخاف الحكام العرب أن الشعوب انتفضت ضدهم سلمياً، مما وضعهم في مأزق كبير. لكن بعضهم بالتعاون مع طغمته الحاكمة طبعاً وجدوا الحل فوراً. فقرروا تصوير تلك الثورات في وسائل إعلامهم على أنها مسلحة، وراحوا يفبركون القصص والأحداث السخيفة كي يجدوا مبرراً لقمع الثورات والقضاء عليها. وشهد شاهد من أهلهم.• حتى الله عز وجل يخيّر الإنسان بين الإيمان والكفر: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”. أما بعض الزعماء العرب وكلاب صيدهم فإما أن تحبهم غصباً عن الذين خلفوك، أو تصبح من المغضوب عليهم إلى يوم الدين.• كيف تأمن الشعوب جانب الأنظمة التي تعدك بالتغيير، ثم تقتل كل من يصرخ في وجهها بالرصاص الحي؟ كيف تصدّق الشعوب وعود الإصلاح إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يعبر عن رأي بسيط فيما يحدث؟ شاهدنا ما حصل لبعض الشخصيات لمجرد أنها تضامنت عاطفياً مع ضحايا الثورات، فشيطنوها ولعنوا “سنسفيل أبوها” في أبواقهم الإعلامية الساقطة. لم يتغير شيء في عقلية الحكام تحت ضغط الثورات، فما بالك إذا توقفت الثورات، فإنهم سيسحلون الجميع انتقاما وثأراً.• من المعروف أن أي شخص يشارك في مظاهرة ضد أي نظام عربي في الخارج يعلم أنه لن يُسمح له بالعودة إلى وطنه. وإذا عاد، فإنه سيقضي ثلاثة أرباع حياته متنقلاً بين فروع الأمن والشرطة. والسؤال الآن: ماذا ستفعل الحكومات العربية بعشرات الألوف الذين خرجوا في مظاهرات ضد هذا النظام أو ذاك في هذه العاصمة أو تلك؟ معلوم أن مجرد إطلاق تصريح مؤيد للثورات يجعل صاحبه من المغضوب عليهم إلى يوم الدين. ويتحدثون عن الإصلاح. عيش يا كديش ليطلع الحشيش.• حتى لو كان الشيطان الرجيم يشارك في الثورات العربية من أجل مصالحه الشيطانية الخاصة، فهذا لا يقلل من قيمة الثورات كثيراً، المهم أن السواد الأعظم من الشعوب مع التغيير. ولا يضير الثورات اختراقها من بعض السفلة، هذا إذا تأكد الاختراق فعلاً، ولم يكن مجرد ذريعة حكومية مفضوحة للقضاء على الثورات بحجة أن فيها مخربين ومتطرفين.• الشعوب في الدول التي تحترم نفسها تدفع ضرائب كبيرة من أجل تمويل قطاعي الأمن والجيش كي تحصل على الأمن والأمان الداخلي، وكي تحمي بلادها من المخاطر الخارجية. أما عندنا نحن العرب، فتدفع الشعوب من دمها لتمويل الشرطة والجيش كي يقوما في النهاية بقتل الناس وترويعهم وإرهابهم وسحلهم في الشوارع. لقد غدت جيوشنا رمزا للبطش في الداخل، ورمزا للتخاذل مع الخارج.• في الدول التي تحترم نفسها عندما يشعر المسؤول شعوراً بسيطا للغاية بأنه أصبح غير مرغوب فيه، يقدم استقالته فوراً من منصبه، ويخرج باحترام، أما في الدول العربية فتخرج الملايين إلى الشوارع مطالبة بتنحي هذا الزعيم أو ذاك، ناهيك عن أنها تصفه بأقذع الأوصاف، وتمسح به الأرض، ثم يقرر الزعيم المنتهكة كرامته أن يبقى في الحكم حتى لو أباد الألوف من المتظاهرين. فعلا عجب عُجاب. كأن الزعيم العربي يقول: إما أحكمكم وإما أقتلكم!• ألف رحمة من الله على كل عربي ثائر قضى في الثورات الحالية. والى جنان الخلد أيها الثوار الشرفاء. وألف لعنة على قتلتكم الذين لم يكتفوا بقتلكم بل راحوا يشوّهون سمعتكم بفبركات ما أنزل الله بها من سلطان لا يمكن أن يصدقها من في رأسه ذرة عقل.• كل من يعتقد انه يستطيع أن يحارب الأعداء بشعب من العبيد فهو مخطئ تماماً، أو متآمر مع الأعداء أنفسهم. فلا يقاتل ببسالة إلا الأحرار. ولنتذكر قصة العبد عنترة الذي ظل خانعاً حتى تحرر من عبوديته، فأصبح مضرباً للأمثال في البطولة والشجاعة. حرروا شعوبكم أولا كي يحرروا الأراضي العربية المحتلة!• وأخيراً: الشعوب العربية أدرى بشعابها وحكامها، فلا أهلاً ولا سهلاً بأي تدخل خارجي تحت أي ظرف كان.
• السلاح الوحيد الذي يرفعه السواد الأعظم من الثوار العرب في وجه الطغاة في الدول العربية الثائرة هو جهاز الموبايل وكاميرته فقط.
• لا يخاف من الضوء إلا الحرامي. وبعض الأنظمة كالحرامي تخاف من الضوء الإعلامي، لأنه يكشف حقيقتها الوحشية والفاشية الرهيبة.
• كم أشعر برغبة شديدة للضحك عندما أسمع فضائيات حكومية عربية لم تعرف يوما سوى الكذب الثقيل والدجل والفبركة والتلفيق وهي تكيل الشتائم للإعلام العربي والعالمي الحر، وتتهمه بعدم النزاهة. رمتني بدائها وانسلت. طبيب يداوي الناس وهو عليل.
• كل شعوب العالم المتقدم تدفع ضرائب لكي تحصل على وسائل إعلام تنوّرها، وتخدمها، وتعبر عنها. أما في عالمنا العربي التعيس فوسائل الإعلام تستنزف الكثير من أموال الشعوب لكي تكذب عليها، وترهبها، وتهددها، وتركّعها، وتخوّن كل من لا يسير على خطى الطغاة. والمضحك أنهم يسمونه إعلام الشعب، بينما هو لا يسمح لأحد غير السلطات القذرة للتعبير عن نفسها فيه.
• اعتادت وسائل الإعلام العربية الحكومية أن تكذب على الشعوب حتى في سرد درجات الحرارة، فكيف للشعوب أن تصدقها الآن في وقت تخوض الأنظمة الحاكمة حروباً شعواء ضد شعوبها قتلاً وقمعاً وبطشاً وسحقاً وسحلاً واعتقالاً وسجناً وتعذيباً وقنصاً؟
• يقولون عادة لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى. وفيما يخص الفضائيات الحكومية العربية، من الأفضل أن لا تصدق شيئاً من كل ما تسمع ومن كل ما ترى. وإذا صدقت شيئاً فإنك مغفل.
• قبل أن تصدّق أي شيء يذيعه الإعلام الحكومي العربي، عليك أن تضع كلامه في غربال فتحاته واسعة جداً، وسترى أن كل الكلام سقط من فتحات الغربال.
• من الخطأ الفادح تسمية الإعلام الحكومي العربي والإعلام الخاص الدائر في فلكه، من الخطأ تسميته “إعلام”، هو في الواقع “إعتام” وليس إعلاماً.
• أكثر ما يُضحك أن بعض الحكام وأبواقهم الإعلامية وأنظمتهم يصورون أنفسهم على أنهم فقط الوطنيون، وكل من يخرج على طاعتهم فهو خائن وغير وطني، مع العلم أن الوطنية منهم براء، وأن الشعوب الثائرة أكثر منهم وطنية بألف مرة على أقل تقدير. يا الله كم تاجروا بالوطنية، وحلبوها حتى آخر قطرة، وما زالوا بصفاقة عز نظيرها!
• إذا كنت مع النظام فأنت، في نظر الحاكم وأجهزته، وطني حتى النخاع، وإذا كنت مع الشعوب الثائرة فأنت خائن ابن خائن.
• لو أحصيت عدد الذين يجعرون على شاشات التلفزيون دفاعا عن الأنظمة العربية المتداعية تحت تأثير الثورات المباركة لوجدت أن عددهم قليل جداً. وهم بالتأكيد مرتزقة ومدفوعو الأجر، أي أنهم لا يدافعون عن الأنظمة بقدر ما يدافعون عن مصالحهم. وليس عندي شك بأنهم سيكسرون الجرّة وراء الحكام لو توقفوا عن دفع أجورهم. بعبارة أخرى، لا يدافع عن الطغاة العرب غير بلطجيتهم ومرتزقتهم أو أقربائهم في المصلحة أو الدم أو النسب والحسب أو العشيرة أو الطائفة أو القبيلة.
• لا أدري، نضحك أم نبكي عندما نسمع أبواق الأنظمة العربية وهي تتبجح بأن الأنظمة انتصرت على المخربين. فعلاً شيء يُضحك، ويبكي في آن معاً، يُضحك لأن أبواق الأنظمة كذابون ومغفلون، ويلعبون حرباً نفسية سخيفة ومكشوفة مع الشعوب، ويُبكي لأنهم يعتبرون قتلهم لشعوبهم والتنكيل بها نصراً للحكام، وأن القمع والبطش بالشعوب سيعود إلى سابق عهده.
• سمعت من مسؤول عربي كبير ومطلّع شخصياً أن أكثر ما أخاف الحكام العرب أن الشعوب انتفضت ضدهم سلمياً، مما وضعهم في مأزق كبير. لكن بعضهم بالتعاون مع طغمته الحاكمة طبعاً وجدوا الحل فوراً. فقرروا تصوير تلك الثورات في وسائل إعلامهم على أنها مسلحة، وراحوا يفبركون القصص والأحداث السخيفة كي يجدوا مبرراً لقمع الثورات والقضاء عليها. وشهد شاهد من أهلهم.
• حتى الله عز وجل يخيّر الإنسان بين الإيمان والكفر: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”. أما بعض الزعماء العرب وكلاب صيدهم فإما أن تحبهم غصباً عن الذين خلفوك، أو تصبح من المغضوب عليهم إلى يوم الدين.
• كيف تأمن الشعوب جانب الأنظمة التي تعدك بالتغيير، ثم تقتل كل من يصرخ في وجهها بالرصاص الحي؟ كيف تصدّق الشعوب وعود الإصلاح إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يعبر عن رأي بسيط فيما يحدث؟ شاهدنا ما حصل لبعض الشخصيات لمجرد أنها تضامنت عاطفياً مع ضحايا الثورات، فشيطنوها ولعنوا “سنسفيل أبوها” في أبواقهم الإعلامية الساقطة. لم يتغير شيء في عقلية الحكام تحت ضغط الثورات، فما بالك إذا توقفت الثورات، فإنهم سيسحلون الجميع انتقاما وثأراً.
• من المعروف أن أي شخص يشارك في مظاهرة ضد أي نظام عربي في الخارج يعلم أنه لن يُسمح له بالعودة إلى وطنه. وإذا عاد، فإنه سيقضي ثلاثة أرباع حياته متنقلاً بين فروع الأمن والشرطة. والسؤال الآن: ماذا ستفعل الحكومات العربية بعشرات الألوف الذين خرجوا في مظاهرات ضد هذا النظام أو ذاك في هذه العاصمة أو تلك؟ معلوم أن مجرد إطلاق تصريح مؤيد للثورات يجعل صاحبه من المغضوب عليهم إلى يوم الدين. ويتحدثون عن الإصلاح. عيش يا كديش ليطلع الحشيش.
• حتى لو كان الشيطان الرجيم يشارك في الثورات العربية من أجل مصالحه الشيطانية الخاصة، فهذا لا يقلل من قيمة الثورات كثيراً، المهم أن السواد الأعظم من الشعوب مع التغيير. ولا يضير الثورات اختراقها من بعض السفلة، هذا إذا تأكد الاختراق فعلاً، ولم يكن مجرد ذريعة حكومية مفضوحة للقضاء على الثورات بحجة أن فيها مخربين ومتطرفين.
• الشعوب في الدول التي تحترم نفسها تدفع ضرائب كبيرة من أجل تمويل قطاعي الأمن والجيش كي تحصل على الأمن والأمان الداخلي، وكي تحمي بلادها من المخاطر الخارجية. أما عندنا نحن العرب، فتدفع الشعوب من دمها لتمويل الشرطة والجيش كي يقوما في النهاية بقتل الناس وترويعهم وإرهابهم وسحلهم في الشوارع. لقد غدت جيوشنا رمزا للبطش في الداخل، ورمزا للتخاذل مع الخارج.
• في الدول التي تحترم نفسها عندما يشعر المسؤول شعوراً بسيطا للغاية بأنه أصبح غير مرغوب فيه، يقدم استقالته فوراً من منصبه، ويخرج باحترام، أما في الدول العربية فتخرج الملايين إلى الشوارع مطالبة بتنحي هذا الزعيم أو ذاك، ناهيك عن أنها تصفه بأقذع الأوصاف، وتمسح به الأرض، ثم يقرر الزعيم المنتهكة كرامته أن يبقى في الحكم حتى لو أباد الألوف من المتظاهرين. فعلا عجب عُجاب. كأن الزعيم العربي يقول: إما أحكمكم وإما أقتلكم!
• ألف رحمة من الله على كل عربي ثائر قضى في الثورات الحالية. والى جنان الخلد أيها الثوار الشرفاء. وألف لعنة على قتلتكم الذين لم يكتفوا بقتلكم بل راحوا يشوّهون سمعتكم بفبركات ما أنزل الله بها من سلطان لا يمكن أن يصدقها من في رأسه ذرة عقل.
• كل من يعتقد انه يستطيع أن يحارب الأعداء بشعب من العبيد فهو مخطئ تماماً، أو متآمر مع الأعداء أنفسهم. فلا يقاتل ببسالة إلا الأحرار. ولنتذكر قصة العبد عنترة الذي ظل خانعاً حتى تحرر من عبوديته، فأصبح مضرباً للأمثال في البطولة والشجاعة. حرروا شعوبكم أولا كي يحرروا الأراضي العربية المحتلة!
• وأخيراً: الشعوب العربية أدرى بشعابها وحكامها، فلا أهلاً ولا سهلاً بأي تدخل خارجي تحت أي ظرف كان. يا الله ما أروعك أيها الموبايل ذو الكاميرا! يا الله ما أروع وسائل الإعلام الجديدة كالفيس بوك، وتويتر، ويوتيوب! لقد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه أيتها السيوف اللامعة الرائعة المسلطة على رقاب الطغاة والمستبدين. لولاك لما سطع نجم الثورات. سيري والله يرعاك!• السلاح الوحيد الذي يرفعه السواد الأعظم من الثوار العرب في وجه الطغاة في الدول العربية الثائرة هو جهاز الموبايل وكاميرته فقط.• لا يخاف من الضوء إلا الحرامي. وبعض الأنظمة كالحرامي تخاف من الضوء الإعلامي، لأنه يكشف حقيقتها الوحشية والفاشية الرهيبة.• كم أشعر برغبة شديدة للضحك عندما أسمع فضائيات حكومية عربية لم تعرف يوما سوى الكذب الثقيل والدجل والفبركة والتلفيق وهي تكيل الشتائم للإعلام العربي والعالمي الحر، وتتهمه بعدم النزاهة. رمتني بدائها وانسلت. طبيب يداوي الناس وهو عليل.• كل شعوب العالم المتقدم تدفع ضرائب لكي تحصل على وسائل إعلام تنوّرها، وتخدمها، وتعبر عنها. أما في عالمنا العربي التعيس فوسائل الإعلام تستنزف الكثير من أموال الشعوب لكي تكذب عليها، وترهبها، وتهددها، وتركّعها، وتخوّن كل من لا يسير على خطى الطغاة. والمضحك أنهم يسمونه إعلام الشعب، بينما هو لا يسمح لأحد غير السلطات القذرة للتعبير عن نفسها فيه.• اعتادت وسائل الإعلام العربية الحكومية أن تكذب على الشعوب حتى في سرد درجات الحرارة، فكيف للشعوب أن تصدقها الآن في وقت تخوض الأنظمة الحاكمة حروباً شعواء ضد شعوبها قتلاً وقمعاً وبطشاً وسحقاً وسحلاً واعتقالاً وسجناً وتعذيباً وقنصاً؟• يقولون عادة لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى. وفيما يخص الفضائيات الحكومية العربية، من الأفضل أن لا تصدق شيئاً من كل ما تسمع ومن كل ما ترى. وإذا صدقت شيئاً فإنك مغفل.• قبل أن تصدّق أي شيء يذيعه الإعلام الحكومي العربي، عليك أن تضع كلامه في غربال فتحاته واسعة جداً، وسترى أن كل الكلام سقط من فتحات الغربال.• من الخطأ الفادح تسمية الإعلام الحكومي العربي والإعلام الخاص الدائر في فلكه، من الخطأ تسميته “إعلام”، هو في الواقع “إعتام” وليس إعلاماً.• أكثر ما يُضحك أن بعض الحكام وأبواقهم الإعلامية وأنظمتهم يصورون أنفسهم على أنهم فقط الوطنيون، وكل من يخرج على طاعتهم فهو خائن وغير وطني، مع العلم أن الوطنية منهم براء، وأن الشعوب الثائرة أكثر منهم وطنية بألف مرة على أقل تقدير. يا الله كم تاجروا بالوطنية، وحلبوها حتى آخر قطرة، وما زالوا بصفاقة عز نظيرها!• إذا كنت مع النظام فأنت، في نظر الحاكم وأجهزته، وطني حتى النخاع، وإذا كنت مع الشعوب الثائرة فأنت خائن ابن خائن.• لو أحصيت عدد الذين يجعرون على شاشات التلفزيون دفاعا عن الأنظمة العربية المتداعية تحت تأثير الثورات المباركة لوجدت أن عددهم قليل جداً. وهم بالتأكيد مرتزقة ومدفوعو الأجر، أي أنهم لا يدافعون عن الأنظمة بقدر ما يدافعون عن مصالحهم. وليس عندي شك بأنهم سيكسرون الجرّة وراء الحكام لو توقفوا عن دفع أجورهم. بعبارة أخرى، لا يدافع عن الطغاة العرب غير بلطجيتهم ومرتزقتهم أو أقربائهم في المصلحة أو الدم أو النسب والحسب أو العشيرة أو الطائفة أو القبيلة.• لا أدري، نضحك أم نبكي عندما نسمع أبواق الأنظمة العربية وهي تتبجح بأن الأنظمة انتصرت على المخربين. فعلاً شيء يُضحك، ويبكي في آن معاً، يُضحك لأن أبواق الأنظمة كذابون ومغفلون، ويلعبون حرباً نفسية سخيفة ومكشوفة مع الشعوب، ويُبكي لأنهم يعتبرون قتلهم لشعوبهم والتنكيل بها نصراً للحكام، وأن القمع والبطش بالشعوب سيعود إلى سابق عهده.• سمعت من مسؤول عربي كبير ومطلّع شخصياً أن أكثر ما أخاف الحكام العرب أن الشعوب انتفضت ضدهم سلمياً، مما وضعهم في مأزق كبير. لكن بعضهم بالتعاون مع طغمته الحاكمة طبعاً وجدوا الحل فوراً. فقرروا تصوير تلك الثورات في وسائل إعلامهم على أنها مسلحة، وراحوا يفبركون القصص والأحداث السخيفة كي يجدوا مبرراً لقمع الثورات والقضاء عليها. وشهد شاهد من أهلهم.• حتى الله عز وجل يخيّر الإنسان بين الإيمان والكفر: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”. أما بعض الزعماء العرب وكلاب صيدهم فإما أن تحبهم غصباً عن الذين خلفوك، أو تصبح من المغضوب عليهم إلى يوم الدين.• كيف تأمن الشعوب جانب الأنظمة التي تعدك بالتغيير، ثم تقتل كل من يصرخ في وجهها بالرصاص الحي؟ كيف تصدّق الشعوب وعود الإصلاح إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يعبر عن رأي بسيط فيما يحدث؟ شاهدنا ما حصل لبعض الشخصيات لمجرد أنها تضامنت عاطفياً مع ضحايا الثورات، فشيطنوها ولعنوا “سنسفيل أبوها” في أبواقهم الإعلامية الساقطة. لم يتغير شيء في عقلية الحكام تحت ضغط الثورات، فما بالك إذا توقفت الثورات، فإنهم سيسحلون الجميع انتقاما وثأراً.• من المعروف أن أي شخص يشارك في مظاهرة ضد أي نظام عربي في الخارج يعلم أنه لن يُسمح له بالعودة إلى وطنه. وإذا عاد، فإنه سيقضي ثلاثة أرباع حياته متنقلاً بين فروع الأمن والشرطة. والسؤال الآن: ماذا ستفعل الحكومات العربية بعشرات الألوف الذين خرجوا في مظاهرات ضد هذا النظام أو ذاك في هذه العاصمة أو تلك؟ معلوم أن مجرد إطلاق تصريح مؤيد للثورات يجعل صاحبه من المغضوب عليهم إلى يوم الدين. ويتحدثون عن الإصلاح. عيش يا كديش ليطلع الحشيش.• حتى لو كان الشيطان الرجيم يشارك في الثورات العربية من أجل مصالحه الشيطانية الخاصة، فهذا لا يقلل من قيمة الثورات كثيراً، المهم أن السواد الأعظم من الشعوب مع التغيير. ولا يضير الثورات اختراقها من بعض السفلة، هذا إذا تأكد الاختراق فعلاً، ولم يكن مجرد ذريعة حكومية مفضوحة للقضاء على الثورات بحجة أن فيها مخربين ومتطرفين.• الشعوب في الدول التي تحترم نفسها تدفع ضرائب كبيرة من أجل تمويل قطاعي الأمن والجيش كي تحصل على الأمن والأمان الداخلي، وكي تحمي بلادها من المخاطر الخارجية. أما عندنا نحن العرب، فتدفع الشعوب من دمها لتمويل الشرطة والجيش كي يقوما في النهاية بقتل الناس وترويعهم وإرهابهم وسحلهم في الشوارع. لقد غدت جيوشنا رمزا للبطش في الداخل، ورمزا للتخاذل مع الخارج.• في الدول التي تحترم نفسها عندما يشعر المسؤول شعوراً بسيطا للغاية بأنه أصبح غير مرغوب فيه، يقدم استقالته فوراً من منصبه، ويخرج باحترام، أما في الدول العربية فتخرج الملايين إلى الشوارع مطالبة بتنحي هذا الزعيم أو ذاك، ناهيك عن أنها تصفه بأقذع الأوصاف، وتمسح به الأرض، ثم يقرر الزعيم المنتهكة كرامته أن يبقى في الحكم حتى لو أباد الألوف من المتظاهرين. فعلا عجب عُجاب. كأن الزعيم العربي يقول: إما أحكمكم وإما أقتلكم!• ألف رحمة من الله على كل عربي ثائر قضى في الثورات الحالية. والى جنان الخلد أيها الثوار الشرفاء. وألف لعنة على قتلتكم الذين لم يكتفوا بقتلكم بل راحوا يشوّهون سمعتكم بفبركات ما أنزل الله بها من سلطان لا يمكن أن يصدقها من في رأسه ذرة عقل.• كل من يعتقد انه يستطيع أن يحارب الأعداء بشعب من العبيد فهو مخطئ تماماً، أو متآمر مع الأعداء أنفسهم. فلا يقاتل ببسالة إلا الأحرار. ولنتذكر قصة العبد عنترة الذي ظل خانعاً حتى تحرر من عبوديته، فأصبح مضرباً للأمثال في البطولة والشجاعة. حرروا شعوبكم أولا كي يحرروا الأراضي العربية المحتلة!• وأخيراً: الشعوب العربية أدرى بشعابها وحكامها، فلا أهلاً ولا سهلاً بأي تدخل خارجي تحت أي ظرف كان.
vendredi 24 juin 2011
العربي نصرة .يقوم بحملة اعلامية للانتخابات الرئاسية ؟؟؟؟؟
عد فضائح الرؤساء العرب وتجاوزاتهم تجاه شعوبهم لم نعد نستغرب ممّا يتوافد على مسامعنا كل لحظة من عجائب أفرزت عنها الثورات العربية الصادقة، لكن أن يتجاوز مدير مؤسسة إعلامية حدوده ويجنّد منشطيه و عملته بغاية الدعاية لحملة رئاسية فهو ما لا يمكن أن تستسغه العقول .ولمن يستغرب رأينا هذا فعليه أن يعيد متابعة برنامج بعنوان " من تونس" على قناة حنبعل بتاريخ الاحد19/06/2011 ،ذلك أن المتفرج العادي يحسب أنه سيتابع برنامجا يعرّف بربوع البلاد التونسية ،لا سيما في هذه الفترة التي تراجعت فيها السياحة وهو مقتنع بالهدف الوطني السامي للبرنامج .إلا آنني فوجئت كمتفرج موضوعي ومحاييد بالمواطنين المستجوبين من قبل منشطي قناة حنبعل يهتفون باسم مدير القناة العربي نصرة داعين من الله أن يطيل عمره .بل الأغرب من ذلك ما شد انتباهي ومجالسي هو شكوى أغلب المواطنين لحالاتهم الاجتماعية موجهين كلامهم لصاحب القلب الرحيم العربي نصرة طالبين منه أن يحسن ظروف عيشهم وأن يمكنهم من مساكن سكنية ومن مواطن شغل...عندها تأكدنا أننا أمام برنامج دعائي لحملة انتخابية تهلل لا للمخلوع وإنما للعربي نصرة صاحب قناة حنبعل ؟؟؟؟؟؟ ولم نجد من القول سوى لك الله يا تونس يحميك كما حماك من المخلوع وساحرته...
مراجعة شاملة لمنظومة الصفقات العمومية في تونس بعد تجاوزات دولة الفساد
كان قطاع الصفقات العمومية في العهد السابق محل العديد من التجاوزات والمعاملات المشبوهة أثّرت بشكل ملموس على مناخ الأعمال لدى المؤسسات العالمية ووكالات التصنيف التي تعتبر الصفقات العمومية مرآة لمدى الشفافية والنزاهة وأحد الطرق البالغة في مجال الحكم الرشيد.
وفي هذا الإطار فإن ترتيب تونس في مجال الحكم الرشيد والحوكمة الاقتصادية في عهد الرئيس المخلوع كانت فوق المائة من جملة أكثر من 130 دولة تم تصنيفها من طرف منتدى دافوس.
وحرصا على تجاوز هذه الوضعية ومزيد إكساب مجال الصفقات العمومية النجاعة والمردودية الضرورتين حتى تكون رافدا حقيقيا لدفع الاستثمار وإقبال المستثمرين التونسيين والأجانب على التوجه نحو السوق المحلية والمشاركة في الصفقات وطلبات العروض من دون هاجس الخوف السائد من عائلة الرئيس المخلوع وأصهاره، وحسب السيد عبد الحميد التريكي وزير التخطيط والتعاون الدولي خلال الندوة الصحفية ليوم الثلاثاء، فقد تضمن برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي أعلنت عنه الحكومة المؤقتة مخططا لإصلاح هذا القطاع ووضعه على الطريق السويّ.
وقد حمل الأمر عدد 623-2011 المؤرخ في 26 ماي 2011 إجراءات خصوصية لتنظيم الأسواق العمومية بهدف تحسين نجاعة وشفافية إجراءات وتدابير الأسواق العمومية وكذلك التقليص من الآجال من دون المساس بجودة طلبات العروض.
وتضمّن الأمر العديد من التحويرات لعل أبرزها مزيد إضفاء النجاعة طيلة مدة إعداد طلبات العروض من خلال التقليص من الآجال العادية إلى 3 أشهر انطلاقا من تاريخ إطلاق طلب العروض وإلى غاية التوقيع على الصفقة وهو إجراء من شأنه أن يسرّع من نسق إنجاز الاستثمارات العمومية و لاسيما في إطار برنامج الحكومة المؤقتة لإعادة إطلاق النشاط الاقتصادي.
ويستوجب بلوغ هذه الهدف تقليص الآجال التي تضعها اللجان المختصة عند القيام بإجراءات المراقبة ومراجعة التدابير الخصوصية عند إسناد الضمانات .
ومن بين التدابير التي حملها الأمر تدعيم شفافية نظام الأسواق العمومية عبر مراجعة شاملة لمنظومة الصفقات العمومية، وهو ما يستوجب حسب رأي الوزير مراجعة معمقة على المدى المتوسط لهذه المنظومة بهدف تعصير الإطار التشريعي المنظم الأسواق العمومية حسب أفضل المعايير والتطبيقات الدواية.
وستتم هذه المراجعة على أساس تقييم شامل ومُعمّق للمنظومة الوطنية للصفقات العمومية، وفي هذا الإطار أعلن الوزير أنه من المنتظر تكوين لجنة وطنية تُعنى بتنسيق ومتابعة أشغال إصلاح منظومة الصفقات العمومية صلب الوزارة الأولى.
mercredi 22 juin 2011
وطن .. من كلمات
وطن .. من كلمات
**
يحدث للكلمات في الغربة أن تحل محل الوطن ... يحدث لها أن تحتويك بشيء من الدفئ و العشق ..
أن تسمد حلمك بأمل و إرادة .. هامسة في أذنك ترانيم النسيم ... نسيم وطنك و موسيقى مقدسة لطقوس بدائية النقاء تراقص في أجوائها ذاكرتك بصمت دون أدنى رعشة أو همسة . إن جمالية الكلمات تكمن في توحدك بها .. مستفزا بذلك تلك الوحدة الشرسة التي أطلقت عنان بردها الغربة ..
تتوحد بكلماتك .. فتجد أنك مازلت على قيد الحلم .. مازلت تعيش في رائحة ونكهة زيت وطنك و خبزه..
وبالذاكرة في بردك الطويل هذا رغبة في أخذك صوب البعيد .. نحو دفئ يستحم به وطنك حيث الفضاءات إسراءً ومعراجا تتناوب على أرضك بحثا عن العشق وخبز الخلود ..
وطنك يا رجل .. حيث طائرتك الورقية لم تزل تحلق في سمائه غير مكترثة بجاذبية أهل الأرض المختلة .. فبعد أن حمّلتها أنت حلمك .. لم تعد هي قادرة على الهبوط .. على أرض جف دمع زيتونها من هول ما أصاب أبنائها !!غير مدركين بالاخطارالتي تحدق بهم من كل جانب تاركين لعدوهم القيام بأفظع الجرائم ضد أبناء شعبهم بقتل الأطفال والنساء والشيوخ اطفالُ أبرياء اختطفهم الموت من أحضان أمهاتهم كانوا يحلمون بالحرية والسلام ؟؟؟؟
الذاكرة .. الأن .. أمك وبعض الحنّاء .. أحمر خفيف على القلب بزغرودة على شهيد أو حلم .. أمك ومركز الكون .. أهازيج السماء الليبية والكروم .. وثوب طفلة مطرز بأمنيات وأحلام وابتهالات بأن يعم على الأرض الحب والسلام .
والبرد يقسو عليك أكثر هذه الليلة .. فبمقدار ما تزداد أنت حلما تزداد خيبة .. وبمقدار ما تعشق كلمة .. تعشق جنونا .. وفي أوج الارتعاش ينهض رجل من بين الصفحات اسمه ( أدو رنو ) ليقول لك :
(الإنسان الذي لم يعد له وطن .. يتخذ من الكتابة وطنا يقيم فيه . )
كم أنت متعب مابين الدفئ والخيبة .. مابين الغربة والتبعثر .. فأي وطن يدفئ عشقك يا رجل وأنت الذي يبحث عن وطن في الكلمات .. أما أن تسكن وطنا من رواية ؟
ترفض الإجابة .. وتلوذ بنفسك المرتجفة إلى كتاب يشبه خيبتك لدرجة أنك قرأته أكثر من عشر مرات لتنال قسطا من الدفئ والراحة .. ولكن هيهات .. متعب أنت و تائه حتى الرمق الأخير من ذاكرة لا تشبع منك أبدا .. ذاكرة تقودك إلى طفولة خلفتها ورائك على غصن شجرة لوز خوفا عليها من شراهة الغربة ..
يالطفولتك ؟؟ التي كانت مجرد خربشات بريئة على جسد طرابلس التي لم تكن مدينتك يوما بل عشقا .. ومختبئ الذاكرة على وقع خبر عاجل :
طفلة من مصراتة المقاتلة سئمت الحياة .. فبترت جسمها الغض رغما عنها في صباح عمرها المبكر بزيادة في الوزن لا تتجاوز القذيفة الواحدة .. اسمها ملَك ..
غربة وبرد وذاكرة وكلمات تغريك بوطن .. ثم غصة مؤلمة على الطفلة المصراتية ملَك..
هكذا أنت في غربتك لا تملك من حركتك المملة هذه سوى تنهيدات حزن حارة على ما ورائك من وطن مشتعل ..
تنهيدات تدفع الموت إلى التحرش بك ببرد مؤلم كصدأ الحديد عندما يحتك بجسدك عن عمد وحقد .. عارضاً عليك صداقة قائمة على أساس دفعك إلى تمنّيه .. إلى عشقه رغما عنك .. إذ أنه يأتي إليك دائما وبأشكال مختلفة .. يغريك الموت .. تقترب منه .. يصدك بسادية فادحة رافضا توليّ أمرك في الوقت الذي تعيش فيه مرتجفا مشردا في دهاليز الغربة . و باحتضان حلمك ترفض الموت وصداقته .. ماضيا على رؤوس إرادتك نحو المستحيل الذي ينتقص من شدة أملك .
في غربتك .. تبني شرفة من كلمات عشق تطل على الوطن .. متجاهلا النظر إلى مشهد الغربة الوطنية الذي رسمته أيادي الطغاة الملطخة بالدماء المحرمة .. مفتوناً بمشهد آخر تعجن فيه العجائز على الساحل الطاهر ماء الحلم مع قمح المجد ..
وفي السماء .. تنطلق طائرتك الورقية بحلم لم يزل يحلق في سماء الوطن ..
المعجزة التركية هل تتحقق يوما ما في تونس
الدرس المستخلص من تجربة أشقائنا في تركيا وهم يدخلون الحقبة الثالثة من حكم حزب العدالة والتنمية، هو أنه إذا التقت أخلاق النزاهة ونظافة اليد مع الكفاءة والاقتدار يمكن أن تحقق الكثير ، إن كان ذلك على صعيد السياسية أو الاقتصاد أو على الصعيد الخارجي. فقد تمكن حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية خلال أقل من عقد من الزمن من أن ينهض بتركيا ويجعل منها دولة محورية نشيطة في مختلف القضايا الاقليمية والعالمية، في وقت كان ينظر إليها على أنها مجرد جسر هامشي بين أوروبا وآسيا.
وفعلا نحن تونس هي في أمس الحاجة إلى استلهام هذه التجربة والاستفادة منها أكثر ما يمكن، ولعل اولى المهام المطروحة هي صنع جيل جديد من القيادات السياسية والفكرية تجمع بين خصلتي النزاهة والكفاءة يمكنها أت نخرج ببلادنا من وهدة التخلف والإعاقة التي فرضتها حقب الاستبداد الطويلة، وتضعها على سكة التنمية والنهوض الحقيقين. لقد قيل الكثير على أن الإسلاميين لا يفهمون لغة الاقتصاد والأرقام، ولا يدركون تعقيدات السياسية وتشعباتها الداخلية والخارجية، ولكن تجربة تركيا بينت أن الإسلاميين هم أكثر اقتدارا وكفاءة، بقدر ما هم اكثر إخلاصا وأخلاقا ممن حكم من قبلهم...
لا شك أن هنالك قوى كثيرة تعمل بالليل والنهار للحيلولة دون وصول بلادنا إلى هذا الاستحقاق، وهي تريد أن تقطع الطريق أمام هذا المشروع ولكن بإرادة شعبنا وتصميمه وتلاحمه سنصل حتما إلى هذه المرحلة بحول الله.
الهيئة العليا لحاية أو بالأحرى لعماية الثورة، تمثل نموذجا مكثفا لمعضلة الثورة التونسية بسبب توقفها عند منتصف الطريق، فعوض أن تتولى القوى الرئيسية للثورة من الشباب وأبناء المناطق المحرومة وضحايا العهد البائد، والقوى السياسة الحقيقة التي لعبت دورا حقيقيا في مقارعة نظام بن علي، مقاليد الأمور وإدارة المرحلة الانتقاتلية لتأمين مسار الثورة ووضع مرتكزات النظام الجديد، عوض كل ذلك قفزت جوقة النهازين، من بقايا اليسار الوصولي ، وفلول العهد البائد، وكل المتربصين بالثورة لتصدر المشهد مجددا.
والحال أننا وصلنا إلى هذا المأزق فإن السؤال الكبير المطروح هنا: ما العمل؟
الجواب بكل بساطة هو رفع الغطاء السياسي عن هذه الهيئة ، وإعلان نهاية عمرها الافتراضي أصلا. فهي هيئة مؤقتة وجدت بمرسوم مؤقت لرئيس مؤقت وليس ثمة ما يبرر لها هذا التعملق وفرض نفسها وصيا على التونسيين . الكثير من اعضاء هذه الهيئة لا يمكن ائتمانهم حتى على شطيرة (كسكروت) فكيف يمكن ائتمانهم على مصير التونسيين وتحديد حاضرهم ومستقبلهم.
وفعلا نحن تونس هي في أمس الحاجة إلى استلهام هذه التجربة والاستفادة منها أكثر ما يمكن، ولعل اولى المهام المطروحة هي صنع جيل جديد من القيادات السياسية والفكرية تجمع بين خصلتي النزاهة والكفاءة يمكنها أت نخرج ببلادنا من وهدة التخلف والإعاقة التي فرضتها حقب الاستبداد الطويلة، وتضعها على سكة التنمية والنهوض الحقيقين. لقد قيل الكثير على أن الإسلاميين لا يفهمون لغة الاقتصاد والأرقام، ولا يدركون تعقيدات السياسية وتشعباتها الداخلية والخارجية، ولكن تجربة تركيا بينت أن الإسلاميين هم أكثر اقتدارا وكفاءة، بقدر ما هم اكثر إخلاصا وأخلاقا ممن حكم من قبلهم...
لا شك أن هنالك قوى كثيرة تعمل بالليل والنهار للحيلولة دون وصول بلادنا إلى هذا الاستحقاق، وهي تريد أن تقطع الطريق أمام هذا المشروع ولكن بإرادة شعبنا وتصميمه وتلاحمه سنصل حتما إلى هذه المرحلة بحول الله.
الهيئة العليا لحاية أو بالأحرى لعماية الثورة، تمثل نموذجا مكثفا لمعضلة الثورة التونسية بسبب توقفها عند منتصف الطريق، فعوض أن تتولى القوى الرئيسية للثورة من الشباب وأبناء المناطق المحرومة وضحايا العهد البائد، والقوى السياسة الحقيقة التي لعبت دورا حقيقيا في مقارعة نظام بن علي، مقاليد الأمور وإدارة المرحلة الانتقاتلية لتأمين مسار الثورة ووضع مرتكزات النظام الجديد، عوض كل ذلك قفزت جوقة النهازين، من بقايا اليسار الوصولي ، وفلول العهد البائد، وكل المتربصين بالثورة لتصدر المشهد مجددا.
والحال أننا وصلنا إلى هذا المأزق فإن السؤال الكبير المطروح هنا: ما العمل؟
الجواب بكل بساطة هو رفع الغطاء السياسي عن هذه الهيئة ، وإعلان نهاية عمرها الافتراضي أصلا. فهي هيئة مؤقتة وجدت بمرسوم مؤقت لرئيس مؤقت وليس ثمة ما يبرر لها هذا التعملق وفرض نفسها وصيا على التونسيين . الكثير من اعضاء هذه الهيئة لا يمكن ائتمانهم حتى على شطيرة (كسكروت) فكيف يمكن ائتمانهم على مصير التونسيين وتحديد حاضرهم ومستقبلهم.
بيان اعتصام الرحيل 21 جوان 2011
"لن نسمح باجهاض ثورة الشعب "
منذ (14) جانفي 2011 تاريخ الاطاحة بالديكتاتور بن علي وبدعم كامل من قوى الاستعمار والامبريالية والصهيونية تواصل الحكومات المنصبة واللاشرعية واخرها حكومة المبزع/السبسي سياساتها الهادفة الى اجهاض ثورة شعبنا وطموحاته المشروعة معتمدة في ذلك على بقايا النظام الديكتاتورى وبقية القوى المعادية للثورة (قوات قمع وبوليس سياسي/فلول التحمع/الاعلام الموجه/الاطراف والقوى والهيئات السائرة في ركاب هذه الحكومة...)،فالضالعون في الفساد السياسي و المالي والاداري وقتلة الشهداء لم تتم محاكمتهم ، والقضاء لازال فاقدا الاستقلالية وحزب التجمع "المنحل" عاد وتشكل في احزاب جديدة ، والبوليس السياسي كثف نشاطه ، وضرب حرية الاعلام والتعبير والحق في التظاهر يشتد يوما بعد اخر .
ويمثل اغراق البلاد في الديون ورهن مستقبلها لدى الدوائر المالية النهابة من اخطر ما اتخذته هذه الحكومة من قرارات تستهدف حرية وكرامة الوطن والشعب الذي ثار من اجل الكرامة والحرية .
اننا المشاركون في اعتصام المصير "بساحة حقوق الانسان" بالعاصمة ،وفاء منا لدماء الشهداء،ووعيا بحجم الاخطار والمناورات التي باتت تهدد ثورتنا ، وانخراطا منا في مواصلة المسار الثوري، اذ نعود للاعتصام ، فاننا نؤكد عزمنا على مواصلته حتى التحقيق الفعلي للاهداف التالية
* محاسبة الضالعين في الفساد السياسي والمالي وعلى راسهم المتحملون للمسؤوليات في الحكومة.
*الجلب الفوري للديكتاتور ومحاكمته العلنية الجدية مع عصابته .
* محاكمة المسؤولين والمتورطين في قتل الشهداء وفي نهب الممتلكات .
* ضمان استقلالية القضاء والحق في التعبير وحرية الاعلام بما تقتضيه الشرعية الثورية .
*توفير الضمانات الضرورية الكفيلة بانتخاب مجلس تاسيسي يعبر فعلا عن ارادة الشعب ولا يكون مجلسا للمحاصصة السياسية ولعودة عناصر التجمع "المنحل
*حل كل الاحزاب التى وقع استنساخها عن التحمع .
* حل هيئة عياض بن عاشور للالتفاف على الثورة ولجنتي عبد الفتاح عمر وبودربالة لطمس الحقائق .
* الغاء المديونية واسترجاع اموال الشعب التي وقع نهبها .
* ضمان حق التشغيل للفئات المحرومة وضمان التنمية العادلة بين الجهات .
الالتزام بمقاومة وتجريم كل اشكال التامر والعمالة مع القوى الامبريالية والتطبيع مع الكيان الصهيوني .
ختاما نحمل السلطة مسؤولية كل اعتداء على هذا التحرك السلمي وندعو كل القوى الوطنية الفاعلة الى الانخراط فيه ودعمه والعمل على انجاحه .
لجنة اعتصام المصير
منذ (14) جانفي 2011 تاريخ الاطاحة بالديكتاتور بن علي وبدعم كامل من قوى الاستعمار والامبريالية والصهيونية تواصل الحكومات المنصبة واللاشرعية واخرها حكومة المبزع/السبسي سياساتها الهادفة الى اجهاض ثورة شعبنا وطموحاته المشروعة معتمدة في ذلك على بقايا النظام الديكتاتورى وبقية القوى المعادية للثورة (قوات قمع وبوليس سياسي/فلول التحمع/الاعلام الموجه/الاطراف والقوى والهيئات السائرة في ركاب هذه الحكومة...)،فالضالعون في الفساد السياسي و المالي والاداري وقتلة الشهداء لم تتم محاكمتهم ، والقضاء لازال فاقدا الاستقلالية وحزب التجمع "المنحل" عاد وتشكل في احزاب جديدة ، والبوليس السياسي كثف نشاطه ، وضرب حرية الاعلام والتعبير والحق في التظاهر يشتد يوما بعد اخر .
ويمثل اغراق البلاد في الديون ورهن مستقبلها لدى الدوائر المالية النهابة من اخطر ما اتخذته هذه الحكومة من قرارات تستهدف حرية وكرامة الوطن والشعب الذي ثار من اجل الكرامة والحرية .
اننا المشاركون في اعتصام المصير "بساحة حقوق الانسان" بالعاصمة ،وفاء منا لدماء الشهداء،ووعيا بحجم الاخطار والمناورات التي باتت تهدد ثورتنا ، وانخراطا منا في مواصلة المسار الثوري، اذ نعود للاعتصام ، فاننا نؤكد عزمنا على مواصلته حتى التحقيق الفعلي للاهداف التالية
* محاسبة الضالعين في الفساد السياسي والمالي وعلى راسهم المتحملون للمسؤوليات في الحكومة.
*الجلب الفوري للديكتاتور ومحاكمته العلنية الجدية مع عصابته .
* محاكمة المسؤولين والمتورطين في قتل الشهداء وفي نهب الممتلكات .
* ضمان استقلالية القضاء والحق في التعبير وحرية الاعلام بما تقتضيه الشرعية الثورية .
*توفير الضمانات الضرورية الكفيلة بانتخاب مجلس تاسيسي يعبر فعلا عن ارادة الشعب ولا يكون مجلسا للمحاصصة السياسية ولعودة عناصر التجمع "المنحل
*حل كل الاحزاب التى وقع استنساخها عن التحمع .
* حل هيئة عياض بن عاشور للالتفاف على الثورة ولجنتي عبد الفتاح عمر وبودربالة لطمس الحقائق .
* الغاء المديونية واسترجاع اموال الشعب التي وقع نهبها .
* ضمان حق التشغيل للفئات المحرومة وضمان التنمية العادلة بين الجهات .
الالتزام بمقاومة وتجريم كل اشكال التامر والعمالة مع القوى الامبريالية والتطبيع مع الكيان الصهيوني .
ختاما نحمل السلطة مسؤولية كل اعتداء على هذا التحرك السلمي وندعو كل القوى الوطنية الفاعلة الى الانخراط فيه ودعمه والعمل على انجاحه .
لجنة اعتصام المصير
mardi 21 juin 2011
تركيبة مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة
في ما يلي القائمة شبه النهائية لأعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي مبوبة حسب الأحزاب (13 حزبا ممثلة بثلاثة أعضاء عن كل حزب) ووممثلين عن الهيئات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني، (18 منظمة وجمعية) وممثلين عن الجهات والمستقلين (67 عضوا).
علما أن قائمة الجهات شهدت أخذا وردا نتيجة صعوبة التوافق على ممثل عن كل جهة بعد أن تبين أن عدة ولايات شكلت فيها أكثر من لجنة واحدة جهوية لحماية الثورة. اضافة إلى 24 عضوا بقائمة لجنة الخبراء.
في ما يلي تركيبة مجلس الهيئة:
1 ـ السيد عياض بن عاشور
2 ـ السيد محمد صالح بن عيسى
3 ـ السيد محمد رضا جنيح
4 ـ السيد فرحات الحرشاني
5 ـ السيد سليم اللغماني
6 ـ السيد مصطفى باللطيف
7 ـ السيدة حفيظة شقير
8 ـ السيد محمد شفيق صرصار
9 ـ السيد منير السنوسي
10 ـ السيد أمين نويرة
11 ـ السيدة أسماء نويرة
12 ـ السيد عمر البوبكري
13 ـ السيدة نجاة اليعقوبي
14 ـ السيدة وسيلة الكعبي
15 ـ السيد غازي الغرايري
16 ـ السيد حمادي الزريبي
17 ـ السيد معتز القرقوري
18 ـ السيدة لمياء ناجي
19 ـ السيدة يسرى فراوس
20 ـ السيدة سلمى السميري
21 ـ السيد سليم كمون
22 ـ عمار العلوي
23 ـ عواطف بلحسن
24 ـ مفيدة بن يغلان
I ـ ممثلون عن الاحزاب السياسية:
1 ـ حركة الديمقراطيين الاشتراكيين: ـ أحمد الخصخوصي
* رشيد قرمازي
* عفاف بوغرارة
2ـ حركة التجديد:
ـ سمير الطيب
* نضال السليماني
* عائدة الخميري
3 ـ الحزب الديمقراطي التقدمي: ـ منجي اللوز
* عصام الشابي
* ماهر حنين
4ـ التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات: ـ المولدي الرياحي
* بلال الفالحي
* ربيعة بنت تعاريت عبيد
5 ـ حركة النهضة: ـ نور الدين البحيري
* صحبي عتيق
* فريدة العبيدي
6 ـ الحزب الاشتراكي اليساري: ـ البشير العبيدي
* نسيم الكافي
* غزالة القاسمي
7 ـ حزب العمل الوطني الديمقراطي: ـ محمد جمور
* ايمان خميس
* نعيمة الهمامي
8 ـ حزب تونس الخضراء: ـ عبد القادر الزيتوني
* فوزي الهضباوي
* نعيمة قيزة
9 ـ حزب الاصلاح والتنمية: ـ محمد القوماني
* محمد الحبيب المستيري
ـ عواطف زروق
10 ـ حركة الوطنيين الديمقراطيين: ـ شكري بالعيد
* بيرم بالعيفة
* آسيا حاج سالم
11ـ حركة الوحدويين الاحرار: البشير البجاوي
12 ـ حزب الطليعة العربي الديموقراطي: خير الدين الصوابني
* كريم قطيب
* حياة حمدي
13ـ المؤتمر من اجل الجمهورية:
- طارق العبيدي
- سمير بن عمر
- زهور كوردة
II ـ ممثلو الهيئات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني:
-1الاتحاد العام التونسي للشغل:
ـ المنصف اليعقوبي
* رضا بوزريبة
* عبيد البريكي
* حسين العباسي
* مروان الشريف
* حبيب قيزة
-2 الهيئة الوطنية للمحامين: ـ سعيدة العكرمي
* أحمد الصديق
* فتحي العيوني
* رشاد برقاش
-3جمعية القضاة التونسيين: أحمد الرحموني
-4الاتحاد العام لطلبة تونس: ـ طارق السعيدي
* سالم المومني
-5الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان: ـ مختار الطريفي ـ أنور القوصري
-6اتحاد المعطلين عن العمل: سالم العياري
-7الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات: سعيدة قراش
-8 جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية: راضية بالحاج زكري
-9العمادة الوطنية للاطباء: محمد نجيب الشعبوني
-10المجلس الوطني للحريات بتونس: عمر المستيري
-11جمعية قدماء المقاومين: علي بن سالم
-12الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: سمير ديلو
-13جمعية حرية وانصاف: محمد النوري
-14نقابة الصحافيين التونسيين: نجيبة الحمروني
-15نقابة الاطباء الاخصائيين للممارسة الحرة: فوزي الشرفي
-16حركة تحديث الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية: قيس السلامي ـ خليل الغرياني
-17منظمات المهاجرين: كمال الجندوبي ـ محمد لخضر لالة ـ طارق بن هيبة
-18الجمعية الوطنية لغرف عدول الاشهاد: عماد عميرة
III ـ ممثلو الجهات
-1عبد اللطيف الحداد
-2الحبيب غلاب
-3نعمان مزيد
-4الفاضل بالطاهر
-5توفيق الجريدي
-6الهادي بن رمضان
-7يوسف الصالحي
-8منجي بوعزيزي
9علي بوعزيزي
10فوزي الصدقاوي
11عبد العزيز العايب
IV ـ الشخصيات
-1مصطفى الفيلالي
2-العياشي الهمامي
-3جليلة بكار
-4أنور بن قدور
-5محمد البوصيري بوعبدلي
6فرحات القمرطي
7منير قراجة
8منجي بن عثمان
9محمد الصغير أولاد أحمد
10ابراهيم بوردبالة
11عبد العزيز المزوغي
12عبد الستار بن موسى
13عبد الجليل بوراوي
14منصف وناس
15عبد الحميد الأرقش
16سفيان بالحاج محمد
17هادية جراد
18 علي المحجوبي
19مختار اليحياوي
20عبد المجيد الشرفي
21محمود الذوادي
22محمد بوزغيبة
23سامي الجربي
24نورة البورصالي
25درة محفوظ
26خديجة الشريف
27زينب فرحات
28لزهر العكرمي
29هالة عبد الجواد
30محسن مرزوق
31لطيفة لخضر
32حسين الديماسي
33منجي ميلاد
34عدنان الحاجي
35سمير الرابحي
36سامية البكري
37علياء الشريف
38احلام بالحاج
39كلثوم كنو
40جلبار نقاش
41مصطفى التليلي
42سوفي بيسيس
43مصطفى بن احمد التليلي
44سفيان الشورابي
45ابو يعرب المرزوقي
46احميدة النيفر
47مسعود الرمضاني
48مهدي المبروك
49عبد الجبار بسيس
50سمير عنابي
51زهير مخلوف
52احمد الكحلاوي
53محمد الطالبي
54سيدة الحراثي
55كريمة درويش
-56هشام جعيط
57مبروك الحرابي
-58لمياء فرحاني
-59عبد الباسط بن حسن
-60أمين سامي بن ساسي
-61اديب سودانة قطار
-62عبد الرؤوف العبيدي
-63محمد علي الهاني
-64عماد حيدوري
علما أن قائمة الجهات شهدت أخذا وردا نتيجة صعوبة التوافق على ممثل عن كل جهة بعد أن تبين أن عدة ولايات شكلت فيها أكثر من لجنة واحدة جهوية لحماية الثورة. اضافة إلى 24 عضوا بقائمة لجنة الخبراء.
في ما يلي تركيبة مجلس الهيئة:
1 ـ السيد عياض بن عاشور
2 ـ السيد محمد صالح بن عيسى
3 ـ السيد محمد رضا جنيح
4 ـ السيد فرحات الحرشاني
5 ـ السيد سليم اللغماني
6 ـ السيد مصطفى باللطيف
7 ـ السيدة حفيظة شقير
8 ـ السيد محمد شفيق صرصار
9 ـ السيد منير السنوسي
10 ـ السيد أمين نويرة
11 ـ السيدة أسماء نويرة
12 ـ السيد عمر البوبكري
13 ـ السيدة نجاة اليعقوبي
14 ـ السيدة وسيلة الكعبي
15 ـ السيد غازي الغرايري
16 ـ السيد حمادي الزريبي
17 ـ السيد معتز القرقوري
18 ـ السيدة لمياء ناجي
19 ـ السيدة يسرى فراوس
20 ـ السيدة سلمى السميري
21 ـ السيد سليم كمون
22 ـ عمار العلوي
23 ـ عواطف بلحسن
24 ـ مفيدة بن يغلان
I ـ ممثلون عن الاحزاب السياسية:
1 ـ حركة الديمقراطيين الاشتراكيين: ـ أحمد الخصخوصي
* رشيد قرمازي
* عفاف بوغرارة
2ـ حركة التجديد:
ـ سمير الطيب
* نضال السليماني
* عائدة الخميري
3 ـ الحزب الديمقراطي التقدمي: ـ منجي اللوز
* عصام الشابي
* ماهر حنين
4ـ التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات: ـ المولدي الرياحي
* بلال الفالحي
* ربيعة بنت تعاريت عبيد
5 ـ حركة النهضة: ـ نور الدين البحيري
* صحبي عتيق
* فريدة العبيدي
6 ـ الحزب الاشتراكي اليساري: ـ البشير العبيدي
* نسيم الكافي
* غزالة القاسمي
7 ـ حزب العمل الوطني الديمقراطي: ـ محمد جمور
* ايمان خميس
* نعيمة الهمامي
8 ـ حزب تونس الخضراء: ـ عبد القادر الزيتوني
* فوزي الهضباوي
* نعيمة قيزة
9 ـ حزب الاصلاح والتنمية: ـ محمد القوماني
* محمد الحبيب المستيري
ـ عواطف زروق
10 ـ حركة الوطنيين الديمقراطيين: ـ شكري بالعيد
* بيرم بالعيفة
* آسيا حاج سالم
11ـ حركة الوحدويين الاحرار: البشير البجاوي
12 ـ حزب الطليعة العربي الديموقراطي: خير الدين الصوابني
* كريم قطيب
* حياة حمدي
13ـ المؤتمر من اجل الجمهورية:
- طارق العبيدي
- سمير بن عمر
- زهور كوردة
II ـ ممثلو الهيئات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني:
-1الاتحاد العام التونسي للشغل:
ـ المنصف اليعقوبي
* رضا بوزريبة
* عبيد البريكي
* حسين العباسي
* مروان الشريف
* حبيب قيزة
-2 الهيئة الوطنية للمحامين: ـ سعيدة العكرمي
* أحمد الصديق
* فتحي العيوني
* رشاد برقاش
-3جمعية القضاة التونسيين: أحمد الرحموني
-4الاتحاد العام لطلبة تونس: ـ طارق السعيدي
* سالم المومني
-5الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان: ـ مختار الطريفي ـ أنور القوصري
-6اتحاد المعطلين عن العمل: سالم العياري
-7الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات: سعيدة قراش
-8 جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية: راضية بالحاج زكري
-9العمادة الوطنية للاطباء: محمد نجيب الشعبوني
-10المجلس الوطني للحريات بتونس: عمر المستيري
-11جمعية قدماء المقاومين: علي بن سالم
-12الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: سمير ديلو
-13جمعية حرية وانصاف: محمد النوري
-14نقابة الصحافيين التونسيين: نجيبة الحمروني
-15نقابة الاطباء الاخصائيين للممارسة الحرة: فوزي الشرفي
-16حركة تحديث الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية: قيس السلامي ـ خليل الغرياني
-17منظمات المهاجرين: كمال الجندوبي ـ محمد لخضر لالة ـ طارق بن هيبة
-18الجمعية الوطنية لغرف عدول الاشهاد: عماد عميرة
III ـ ممثلو الجهات
-1عبد اللطيف الحداد
-2الحبيب غلاب
-3نعمان مزيد
-4الفاضل بالطاهر
-5توفيق الجريدي
-6الهادي بن رمضان
-7يوسف الصالحي
-8منجي بوعزيزي
9علي بوعزيزي
10فوزي الصدقاوي
11عبد العزيز العايب
IV ـ الشخصيات
-1مصطفى الفيلالي
2-العياشي الهمامي
-3جليلة بكار
-4أنور بن قدور
-5محمد البوصيري بوعبدلي
6فرحات القمرطي
7منير قراجة
8منجي بن عثمان
9محمد الصغير أولاد أحمد
10ابراهيم بوردبالة
11عبد العزيز المزوغي
12عبد الستار بن موسى
13عبد الجليل بوراوي
14منصف وناس
15عبد الحميد الأرقش
16سفيان بالحاج محمد
17هادية جراد
18 علي المحجوبي
19مختار اليحياوي
20عبد المجيد الشرفي
21محمود الذوادي
22محمد بوزغيبة
23سامي الجربي
24نورة البورصالي
25درة محفوظ
26خديجة الشريف
27زينب فرحات
28لزهر العكرمي
29هالة عبد الجواد
30محسن مرزوق
31لطيفة لخضر
32حسين الديماسي
33منجي ميلاد
34عدنان الحاجي
35سمير الرابحي
36سامية البكري
37علياء الشريف
38احلام بالحاج
39كلثوم كنو
40جلبار نقاش
41مصطفى التليلي
42سوفي بيسيس
43مصطفى بن احمد التليلي
44سفيان الشورابي
45ابو يعرب المرزوقي
46احميدة النيفر
47مسعود الرمضاني
48مهدي المبروك
49عبد الجبار بسيس
50سمير عنابي
51زهير مخلوف
52احمد الكحلاوي
53محمد الطالبي
54سيدة الحراثي
55كريمة درويش
-56هشام جعيط
57مبروك الحرابي
-58لمياء فرحاني
-59عبد الباسط بن حسن
-60أمين سامي بن ساسي
-61اديب سودانة قطار
-62عبد الرؤوف العبيدي
-63محمد علي الهاني
-64عماد حيدوري
lundi 20 juin 2011
جدل الهوية في تونس هل يعيد التاريخ نفسه
بورقيبة واشكالية الهوية في تونس مقال منشور في كتاب السلطة وآليات الحكم في عصر الحبيب بورقيبة في تونس والبلاد العربية مؤسسة التميمي للبحث العلمي 2003
بورقيبة واشكالية الهوية في تونس
د. سالم لبيض
المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس
I ـ هوية بورقيبة :
1ـ هوية بورقيبة الإثنية و أصوله التاريخية :
ينتمي "الحبيب بورقيبة " إلى عائلة بورقيبة ذات الأصول الطرابلسية .و ينحدر من قبيلة الدرافلة الليبية التي تنقسم إلى مجموعة من الفروع ( اللحمات )، هي النواصف ،الرضاونة ، المعاتقة ، أولاد رجب و السقاسف وهو الفصيل الذي تنتمي إليه عائلة "بورقيبة" [1].إستقرت هذه العائلة تاريخيا بمدينة مصراته الليبية ،تأثرت كما هو الحال بالنسبة للكثير من العائلات الطرابلسية بالصراع الحاد و الدامي الذي دار بين أفراد الأسرة القرمانلية (1711 – 1835)للظفر بالسلطة و الحكم ، وهو ما انعكس سلبيا على الحياة العامة وساعد على بروز حركات التمرد و الإنتفاضات المحلية التي كانت تهدف إلى التخلص من حكم أفراد هذه الأسرة خاصة بعد إثقال كاهل الأهالي بالضرائب و ما تزامن مع ذلك من إهمال لمختلف الأنشطة الإقتصادية [2].
لقد ساعدت هذه الظروف على هجرة العديد من العائلات الليبية إلى تونس ، فقد هاجر الجد الأعلى ل"بورقيبة " المدعو "الحاج محمد بورقيبة " إلى تونس سنة 1795 عن طريق البحر، حيث إستقر بمنطقة الساحل التونسي مصطحبا معه 40 من عبيده وخدمه .وقع إختياره على مدينة المنستير لتكون موطن إستقراره ضمن ما يعرف ب"حومة الطرابلسية" ، التي قد يكون من المساهمين الأوائل في تأسيسها [3].تشير بعض الدراسات إلى أن عائلة بورقيبة "المنستيرية" عرفت بتأييدها لإنتفاضة "علي بن غذاهم" سنة 1864 التي جاءت كرد فعل على خيارات الضرائب المجحفة التي فرضتها سياسة البايات والتي كانت من نتائجها حملة الجنرال زروق على الساحل وقمعه لسكانه ، كما نهبت وبأمر الجنرال زروق نفسه قطعان الماشية التي كانت على ملك الطرابلسية بمنطقة الأعراض .
وأمر الجنرال زروق في نفس الوقت بإدخال "علي بن الحاج محمد بورقيبة "ليشتغل بالجيش التونسي بين سنة 1864 و1881 وذلك قبل أن يقع تعيينه شيخا على حي الطرابلسية ومستشارا بلديا أثناء الفترة الإستعمارية[4] . في هذا المناخ المتميز ببحث عائلة بورقيبة (الوافدة من منطقة طرابلس) على مكانة إجتماعية متميزة وعلى نفوذ سياسي ولد "الحبيب بن علي بن الحاج محمد بورقيبة " بحي الطرابلسية بمدينة المنستير سنة 1903 !!!
2 – هوية بورقيبة الفكرية والأيديولوجية :
الحبيب بورقيبة هو أحد تلاميذ المعهد الصادقي قبل أن ينتقل للدراسة بالجامعات الفرنسية حيث تلقى تكوينا قانونيا أهله للإلتحاق بمهنة المحاماة بتونس . لقد أعجب بورقيبة بعالم مدينة باريس لفترة ما قبل الحرب العالمية الأولى فقد عاش مضاعفاتها و أحداثها السياسية والفكرية والأيديولوجية ،وشارك في التظاهرات السياسية والمحاضرات النفسية التي كانت تلقى في مستشفى سانت – آن ، كما عرف عنه حضوره مناقشات مجلسي النواب والشيوخ الفرنسيين . تأثر بورقيبة أثناء فترة دراسته بفرنسا بالمدرسة الوضعية ومؤسسها "أقوست كونت" صاحب المقولة الشهيرة "عش للآخرين" التي كان بورقيبة يرددها كثيرا [5]. يعرف بورقيبة بسعة إطلاعه على تاريخ فرنسا وآدابها وحضارتها هذا علاوة على إطلاعه الواسع على تاريخ تونس منذ العصور القديمة . من الشخصيات التي حظيت بآهتمام بورقيبة ، وكان لها تأثير كبير على شخصيته كل من "حنبعل" و"يوغرطة" و"القديس أغسطينو" وبدرجة أقل مؤسس علم العمران البشري و الإجتماع الإنساني "عبد الرحمان بن خلدون" .ولم يكن بورقيبة يرى حرجا في إجراء المقارنة بينه وبين الرسول محمد (ص)معلنا تفوقه الشخصي عليه[6]. وهو ما دفعه إلى إعلان معاداته للشرق عموما وللعالم العربي الإسلامي خصوصا بسبب تخلفه!!! معتبرا أن تونس هي نقطة إلتقاء بين الشرق و الغرب .
3 – هوية بورقيبة السياسية :
إن ما يشد إنتباه الباحث أثناء قراءته لتجربة بورقيبة السياسية هو قدرته على إدارة الأزمات التي كان يتعرض لها وتحويل مواطن ضعفه إلى إنتصارات وقوة منافسيه ومناوئيه إلى هزائم وتراجعات . أولى التجارب التي خاضها بورقيبة في هذا المجال هي إنضمامه للحزب الحر الدستوري التونسي مع بقية "جماعة العمل التونسي " وذلك أثناء مؤتمر الحزب المنعقد في 12 – 13 ماي 1933بنهج الجبل بتونس إلا أن ذلك لن يستمر طويلا فقد قرر بورقيبة الإستقالة بسبب خلافاته الداخلية مع اللجنة التنفيذية للحزب قبل أن تمر سنة على إنضمامه إلى هذا الحزب وذلك بتاريخ 9 سبتمبر 1933 ، ليبدأ تجربة جديدة هي تجربة إنشاء الحزب الحر الدستوري الجديد الذي عقد مؤتمره التأسيسي بقصر هلال في 2 مارس 1934 الذي ضم ممثلي مجموعة من الشعب الدستورية في الساحل والعاصمة لم يتجاوزعددهم 50 نائبا في حين أن عدد الشعب المنتمية للحزب قد فاق المائتين آنذاك . تمكن الحزب الجديد الذي كان بورقيبة كاتبه العام حتى أحداث أفريل 1938 ثم رئيسه بعد هذا التاريخ أن يحقق لنفسه الإستمرارية والتواصل في حين أن محاولات إنشقاقية وإنقلابية أخرى شهدها الحزب الحر الدستوري لم يكتب لها النجاح من ذلك إنشقاق "حسن القلاتي "و"محمد النعمان "وتأسيسهما "الحزب الإصلاحي" سنة 1921، وإنشقاق "فرحات بن عياد" و"والطيب بن عيسى "و" الشاذلي المورالي" وتأسيسهم "الحزب الحر الدستوري المستقل "بعد ذلك بسنة ، هذا علاوة على المؤتمر الإستثنائي الذي عقده جماعة الحزب القديم في نهاية شهر أفريل من سنة 1934 محاولة منهم لإحتواء الأزمة التي يعيشها حزبهم [7].
المثال الثاني الأكثر وضوحا في نجاح بورقيبة في إدارة الأزمات السياسية هو الطريقة التي أدار بها ما يعرف بالأزمة اليوسفية ، نتيجة توقيعه إتفاقيات الإستقلال الداخلي سنة 1955 وبروتوكول إستقلال تونس سنة 1956 . إنقسم الشعب التونسي ومن ورائه جماعة الحزب الحر الدستوري الجديد نتيجة لذلك إلى قسمين ،قسم موال لرئيس الحزب الحبيب بورقيبة ولجماعة الديوان السياسي وقسم ثان موال للأمين العام صالح بن يوسف ولجماعة الأمانة العامة . تمكنت المجموعة الثانية من تعبئة الغالبية الكبرى من أفراد الشعب ومن منخرطي الحزب الحر الدستوري الجديد بإعلان 374 شعبة دستورية مقاطعتها للديوان السياسي ، منها 350 قررت الإنتماء لليوسفية من خلال إعلانات إنضمام نشرتها على أعمدة الصحف التونسية آنذاك [8]. إن ما يدعم هذا الموقف هو إنضمام الجامعة الدستورية للعاصمة التي تعد لوحدها 60000 منخرط من ضمن 321 ألف منخرط يتوزعون على 31 جامعة دستورية ، إلى الحركة اليوسفية [9]. لقد كانت اليوسفية إضافة إلى ذلك مدعومة بجناحها العسكري المتمثل في "جيش التحرير الوطني " وبتأييد جماعة باندونغ التي إنبثقت عنها حركة عدم الإنحياز وحركات التحرير الوطني والثورة الجزائرية والنظام الناصري . بالرغم من كل ذلك إنتهت اليوسفية إلى الفشل وإنتهى بورقيبة إلى النجاح، فإلى ماذا يعزى ذلك ؟
لقد رأى الكثير من الدارسين أن إنشقاق بورقيبة ورفاقه عن الحزب الحر الدستوري بعد أقل من سنة من إنضمامهم له وتأسيسهم للحزب الجديد الذي حقق نجاحات كبيرة في فترة وجيزة هو نتيجة مباشرة لما تتمتع به هذه المجموعة عامة وبورقيبة على وجه الخصوص من أفكار تحديثية وأساليب جديدة في الممارسة السياسية[10] بالرغم مما يتطلبه ذلك من وقت وتجربة لا شك أنها لم تتوفر لبورقيبة ورفاقه مما يدعو إلى السؤال الذي يتعمق مع خوض بورقيبة تجربة الصراع مع اليوسفية . فقد بينت هذه التجربة طبيعة بورقيبة الإنقلابية مرة أخرى وإعتقاده في صحة رأيه مهما كان فرديا ةخطإ الآخرين رغم تشكيلهم للأغلبية ، يتجسد ذلك في الموقف من توقيع إتفاقيات الإسقلال الداخلي الذي رفضته النسبة الغالبة من أفراد الشعب التونسي ومن الشعب الدستورية ولم يتوان في التحالف مع عدو الأمس أي الإستعمار الفرنسي من أجل تحقيق أهدافه في الوصول إلى هرم الحكم من ناحية والقضاء على جماعة الأمانة العامة وزعيمها "صالح بن يوسف" من ناحية أخرى . لقد تعلم بورقيبة كيف يكون براغماتيا – ميكافيليا فالسياسة لا تعرف غير المصالح أما الأخلاق و المبادئ فلا مكان لها في العمل السياسي ، تلك هي القاعدة التي يتعلمها المبتدئ في علم السياسة الليبرالي والغربي ، وهكذا كان بورقيبة صاحب التنشأة الغربية حتى أن أحد الدبلوماسيين الغربيين علق قائلا عند تنحيته من هرم الحكم في تونس " لم أر رجلا خارج فرنسا أقرب إليها من الرئيس بورقيبة ولم أر في العالم العربي رجلا أقل تشابها مع العرب منه " [11].
II - بورقيبة ومقومات الهوية :
1 – بورقيبة و الإسلام :
تشير بعض الدراسات إلى أن بورقيبة يمثل إمتدادا لمشروع تنويري تعود جذوره إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهو مشروع يقوم على حجة القوة و الإقتداء بالغرب دون التفريط في مقومات الشخصية الإسلامية !!! إستنادا إلى الفكر الإصلاحي التونسي ممثلا في خير الدين وإبن أبي الضياف على وجه الخصوص[12].
يتسم الموقف البورقيبي من الإسلام بالتذبذب وعدم الإستقرار وقد إنقسم هذا الموقف إلى مرحلتين ، مرحلة قيادة الحزب الحر الدستوري الجديد والحركة الوطنية بين سنتي 1934 و 1956 ثم موقفه أثناء قيادته للدولة الحديثة بداية من سنة 1957 . خلال المرحلة الأولى لا نكاد نجد تصريحا لبورقيبة أو قولا أو تحركا ظاهرا منه يعارض مظهرا دينيا أو قاعدة إسلامية أو قانونا شرعيا . بل لقد جعل من الآية القرآنية "وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين " شارة لحزبه [13]. والملاحظ أن كل خطابات بورقيبة الشفوية والمكتوبة أثناء هذه المرحلة تبدأ بالبسملة وتتسم بدغدغة الشعور الديني عند تحريضه لقادة الحزب المحليين والقبائل على الكفاح ، هذا علاوة على موقفه الرافض للمؤتمر الأفخارستي ومسألة التجنيس .
مع إنطلاقة المرحلة الثانية وهي مرحلة قيادة بورقيبة للدولة الحديثة بدأت مواقف هذا الأخير تتسم بالإزدواجية ، فهناك إسلام بورقيبة البروتوكولي الذي كثيرا ما عبر عنه أثناء المناسبات الرسمية وغير الرسمية . جاء في إحدى خطبه في نهاية الخمسينات بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف " أخاطبكم من تحت قبة النور وأمام قبلة الهدى، فهذه أول بيت من بيوت الله في المغرب العربي ومنها إنبعث صوت الآذان الخالد " وجاء في إحدى أقواله " لا نعرض عن مبادئ الإسلام كما وقع الإعراض عنها في الماضي ولا ندعي أنها لا تفي بحاجة العصر ولكن نتفهمها حق التفهم " [14]. ولم يكتف بورقيبة بهذه الأقوال بل ذهب أكثر من ذلك عندما أشار أثناء إستقباله للملك فيصل بتونس سنة 1966 إلى أن الأساس الذي قامت عليه الدولة التونسية بعد إستقلالها وهو الأساس الذي قامت عليه الحركة التحريرية هو الإسلام . يمكن وصف "إسلام بورقيبة" بأنه إسلاما بروتوكوليا يتصف بشيء من النفعية والبراغماتية التي يتطلبها كسب الرأي العام على المستوى الوطني وكسب تأييد النخب السياسية والدوائر الإقتصادية و المالية في الدول الإسلامية.
لقد كانت لبورقيبة بالتوازي مع هذه المواقف مجموعة من الممارسات والرؤى العفوية أوما يمكن أن نطلق عليه تسمية "إسلام بورقيبة العفوي " ، تتلخص أبرز معالمه فيما يلي :
- وصف الصلاة بأنها " زقزقة مياه "وإنزال الرأس للأرض ويكون المصلي "يكب ويقعد"
- الدعوة إلى التخلي عن الحج لما ينجر عن ذلك من نزيف للعملة وتعويضه بالحج إلى مقام الصحابي أبي زمعة البلوي بالقيروان
- وصف الصيام بأنه مانع للعمل والإنتاج مع الدعوة للإفطار في شهر رمضان بل الدعوة إلى فتح المطاعم و الحانات أثناء هذا الشهر
- فتح باب الإجتهاد لكل إنسان له "فكر حر ومادة شخمة " فيقبل من الإسلام ما يراه صالحا ويترك ما لا يراه كذلك دون حاجة للمعرفة الدينية أو إلمام بالنصوص ومصادر التشريع التي تحتل مرتبة أكثر أهمية من الإجتهاد مثل القرآن والسنة النبوية
- التطاول على الأنبياء والرسل مثل النبيء إبراهيم بقوله "طلعت البخارية في رأسه" فنام نوما رأى فيه أحلامه والنبيء محمد (ص) الذي يعتبر نفسه متفوقا عليه ، هذا علاوة على السماح بآقتران إسمه معه في أناشيد إسلامية
- القضاء على كل المؤسسات ذات العلاقة بالدين الإسلامي وإصدار التشريعات المنافية له مثل حل جمعية الأحباس والتفويت في أملاكها لفائدة الخواص والدولة وتهميش دور المؤسسة الزيتونية بل القضاء عليها كمؤسسسة تعليمية ذات دور حضاري هام ، هذا إضافة إلى منع تعدد الزوجات بعد إصدار مجلة الأحوال الشخصية وإصدار المناشير التي تمنع الزي الإسلامي[15].
إن المتأمل في حقيقة موقف بورقيبة من الإسلام يصطدم بحقائق مثيرة وغريبة في نفس الوقت ، فالرجل لا يؤمن أصلا بالديانات بمعناها التقليدي ويعتبرها مجرد إختلاقات بشرية ومن ثمة فالرسل عنده ليسوا بمبعوثين من الله كما يدعون ، بل هم قوم ساعدتهم قدراتهم الشخصية وظروفهم الإجتماعية على حمل الرسالة كما يذهب إلى ذلك "محمود الذوادي".[16]
لا شك أن موقف بورقيبة من الإسلام كما تجسد لديه بصفة عفوية ينبع من ظاهرة الشخصنة وعبادة الذات التي ميزت سلوكه وهو ما يتافى مع مبادئ الديانة الإسلامية التي لا ترى في الرسل في نهاية الأمر سوى بشر يمشون في الأسواق ويأكلون . لقد وجهت هذه الديانة نقدا شديدا لكل من إدعى الألوهية مثل فرعون وغيره ، صحيح أن بورقيبة لم يدع الألوهية ولكن حجم تظخم الذات والشخصنة لديه يضعه على طرفي نقيض مع الإسلام الذي يرى في سلوك الأفراد الذبن ينشغلون بشؤون بناء صرح عظمتهم الشخصية ويعملون على تأليه أنفسهم بين الخليقة ، ضربا من ضروب الكفر [17].
لقد أثارت مواقف بورقيبة من الإسلام ردود فعل مختلفة فمنهم من إعتبر ذلك ضربا من ضروب الكفر مثل الشيخ "عبد الرحمان خليفي " الإمام الخطيب بجامع عقبة بالقيروان الذي أصدر كتابا يكفر فيه المفطر المتعمد في رمضان ويدعو إلى عدم الصلاة عليه بعد وفاته ، هذا علاوة على المظاهرة التي إندلعت يوم 16 جانفي 1961 بمدينة القيروان والتي أدت إلى سقوط ضحايا كرد فعل على إقالة الإمام من مهام الإمامة[18]، ومنهم من إعتبر موقف بورقيبة من الإسلام موقفا لائكيا ، يتعلق الأمر بموقف النخبة التونسية المعاصرة أمثال "عبد القادر الزغل " الذي يعتبر أن الدولة التونسية أثناء الفترة البورقيبية هي دولة لائيكية مستدلا على ذلك بأن التعليم والأمور المدنية ترجع إلى الدولة وليس إلى المؤسسة الدينية ،ونفس الموقف عبر عنه "هشام جعيط "وتبناه "عياض بن عاشور" معتبران أن بورقيبة يؤيد لائكية غير معادية لللإسلام [19]. هناك بعض المواقف التي يذهب أصحابها مذهبا آخر معتبرين أن بورقيبة هو إمتداد للحركة الإصلاحية التي جسدها مصلحين أمثال "خير الدين"و"محمد عبده" و"الأفغاني" و"رشيد رضا" وغيرهم بعد أن إستطاع أن يبلور "رؤية إسلامية " هي نتاج لتكوينه المزدوج العربي والغربي[20] !!! وهي رؤية مبالغ فيها ليس لأن بورقيبة لا يعد مفكرا فقط حتى يرتقي إلى مرتبة رواد الحركة الإصلاحية العربية بل هوأحد أكبر دعاة إعتماد النموذج الأروبي الغربي "المتقدم " كبديل للنموذج العربي الإسلامي الشرقي "المتخلف" سياسيا وثقافيا وكذلك تنمويا ولم تكن مواقفه وأقواله وممارساته "الإسلامبة " سوى خدمة لهذا التوجه كما أثبتنا ذلك سلفا .
2 – بورقيبة والعروبة :
إن ما ينطبق على الاسلام يكاد ينطبق على العروبة لدى بورقيبة ، فبعض المناسبات البروتوكولية والرسمية التي إستدعت كسب ود بعض القادة والمسؤولين العرب كانت تفرض عليه الإعتراف بآنتماء تونس للأمة العربية كقوله "نحن جزء من الأمة العربية"[21] أو الإعتراف بحق هذه الأمة في الوحدة السياسية " إن الوحدة هدف نصبو إليه جميعا وهي أمر حيوي بل ضرورة في عصر التكتلات "وهي " وسيلة إستراتيجية للدفاع عن السيادة تجاه الآخر ورد الأطماع والصمود تجاه الضغوط الخارجية "[22].
إن مواقف بورقيبة التي تبدو في ظاهرها مؤيدة للعروبة والوحدة العربية ليست سوى مواقف موجهة للإستهلاك السياسي ، فكثيرا ما أبدى بورقيبة رفضه المعلن للعروبة ولكل ما يمت لها بصلة وربما يرجع ذلك إلى صراعه مع "صالح بن يوسف " رمز التيار العروبي في تونس بداية من سنة 1955 والمعروف برفضه للنهج الذي تبناه بورقيبة القائم على توقيع إتفاقيات الإستقلال الداخلي وبروتوكول الإستقلال في 20 مارس 1956 الذي إعتبره "بن يوسف" كارثة جديدة و لذلك يدعو" الشعب العربي الأبي إلى الحذر واليقظة ومضاعفة الجهود ومواصلة الكفاح الشريف لتقويض صرح الإحتلال الأجنبي "[23]. ويعتبر الخلاف البورقيبي – الناصري وآنحياز جمال عبد الناصر إلى صالح بن يوسف عاملا آخر يضاف إلى عوامل رفض بورقيبة للعروبة بل للقومية العربية كخيار أيديولوجي وسياسي كان عبد الناصر أحد أبرز رواده مما ساعد على تأخر إندماج تونس في محيطها العربي وإنضمامها إلى جامعة الدول العربية [24]. لقد تدعم عداء بورقيبة للعروبة بسبب الأعمال المسلحة التي إستهدفت نظامه وكادت أن تطيح به والتي كانت تنتمي بشكل أوبآخر إلى تيار القومية العربية الذي شهد تناميا لأنصاره في تونس ، مثل محاولة الإنقلاب العسكري التي قادها "لزهر الشرايطي" سنة 1962أوالحركة المسلحة التي قامت بها مجموعة من الفصائل القومية بمدينة قفصة سنة 1980 بقيادة "أحمد المرغني "وبدعم من النظامين الليبي والجزائري .
وكرد فعل على كل ذلك كان بورقيبة يجد مبررا لعدائه للعروبة والقومية العربية فهو صاحب المقولة "إن ما يربطنا بالعرب ليس إلا من قبيل الذكريات التاريخية وأن مصلحة تونس أن ترتبط بالغرب وبفرنسا بصورة أخص وأن مرسيليا أقرب لنا من بغداد ودمشق و القاهرة وأن إجتياز البحر الأبيض المتوسط لأسهل من إجتياز الصحراء الليبية[25] ". وكبديل للعروبة و الإنتماء العربي وجد بورقيبة في "الأمة التونسية والشخصية التونسية " ما ينسجم مع توجهاته الفكرية وإختياراته الأيديولوجية ذات الخلفية الغربية ، فقد جاء في أحد أقواله " الوطن التونسي لا الوطن العربي لأن تونس لها شخصيتها منذ آلاف السنين منذ عهد قرطاج ، أما العرب فيشكلون عدة أمم لا أمة واحدة وهو ما يؤكد إنقسامهم إلى عدة دول [26]".
المستوى الثاني الذي يبرز من خلاله عداء بورقيبة للعروبة هو موقفه من اللغة العربية وإنحيازه للعامية بدل الفصحى ، فقد خطب في ملتقى هواة الأدب في المنستير يوم 29 جويلية 1968 قائلا :" إن اللغة التي يتكلمها الشعب ويفهمها كل تونسي مهما كان نصيبه من الثقافة ومهما كانت الجهة التي ينتمي إليها ومهما تباينت الجهات ليست الفصحى بل العامية لذلك من حق الأدب الشعبي والشعر الشعبي أن يحتلا مكانهما عند الشعب وأن يكون هما أدبه وشعره "[27]. لاشك أن هذا الموقف ليس موقفا عفويا بأي حال من الأحوال ذلك أن الموروث الإستعماري في مستوى الإدارة والتعليم يستوجب تبني سياسة تعريبية شاملة وسريعة للحد من ظاهرة الإزدولجية اللغوية التي أسست لها الإدارة الإستعمارية الفرنسية عموما والمدرسة الفرنكو- العربية على وجه الخصوص خاصة أن اللغة والثقافة العربية كما كانت تدرس بجامع الزيتونة كانت تتعرض للتحقير من طرف المدرسين الفرنسيين بالمدرسة الصادقية كما يروي ذلك الأستاذ" محمود المسعدي"[28] ، مما ساعد على تشويه "الشخصية التونسية " التي باتت ميالة إلى تمجيد لغة المستعمر. لقد حافظ بورقيبة أثناء فترة حكمه علىسياسة الإزدواجية اللغوية مع وضع لغة القرآن في المرتبة الثانية بل في المرتبة الثالثة بعد كل من الفرنسية و العامية التونسية !!! لقد إتسمت سياسات التعريب "البورقيبية" بالتذبذب والإضطراب والتراجع ،ولم يتردد بورقيبة في التصريح سنة 1987 بأن تعريب التعليم في تونس أدى إلى تردي مستوى التلاميذ والطلبة محاولا بذلك تبرير إختياراته في إلغاء التعليم الزيتوني كمربض للغة العربية وثقافتها ،والحد من البعثات الطلابية للمشرق العربي، وعدم القيام بأي حملات تحسيسية بأهمية اللغة العربية كلغة وطنية يجب الإعتزاز بها وإعطائها الأولوية في الإستعمال ،وعلى خلاف ذلك كانت هذه الحملات تشمل ميادين أخرى مثل تنظيم النسل والنصائح الصحية. وقد كان هذا الموقف يشمل الطاقم الحكومي البورقيبي حتى أن وزير أول سابق عرف عنه أنه قال كرد فعل على حركة التعريب بأن ما يهم تونس في المقام الأول هو التقدم ولوكان ذلك عن طريق إستعمال اللغة الصينية[29]، أما التعريب الشامل فذلك لا يعتبر من أولويات السياسة البورقيبية التي حافظت على اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الإدارة التونسية بالرغم من أن الدستور التونسي ينص صراحة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد التونسية وما يتطلبه ذلك من إعتماد لهذه اللغة في كافة المجلات التعليمية والإدارية بين التونسيين هذا علاوة على إعتمادها في تخاطبهم وتراسلهم الرسمي .
3 – بورقيبة والقضية الفلسطينة :
تقدم لنا الدراسة الهامة التي نشرها الدكتور "عبد الجليل التميمي " تحت عنوان "المسألة الفلسطينية وعلاقات الحبيب بورقيبة بالمؤتمر اليهودي العالمي " متابعة دقيقة لتطورعلاقة بورقيبة بالمنظمة الصهيونية العالمية عبر أحد أبرز تنظيماتها وهو المؤتمر اليهودي العالمي وموقفه من نشأة دولة إسرائيل التي هي ثمار نشاط هذا المؤتمر وغيره من التنظيمات الصهيونية ، وهي دراسة لاغنىعنها في فهم هذه المسألة . ملخص ذلك هو أن موقف بورقيبة الذي عبر عنه ضمن ما يعرف بخطاب أريحا سنة 1965 والذي تضمن النقاط التالية :
- ضرورة قبول التسوية التي نادت بها الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية ويهودية
- ضرورة قبول الفلسطنيين مبدأ الحوار مع إسرائيل بدل الحل العسكري
- لا بد على العرب من الإعتراف بالأمر الواقع ووضع حد للسياسة اللاعقلانية لزعمائهم الذين يصفهم بورقيبة بالغباء[30] !!!
وما أثارته هذه التصريحات من إعتداء على عواطف العرب وحقهم في أرضهم المغتصبة وما أنتجه ذلك من ردود أفعال تراوحت بين التصدي المباشر وإتهام الرجل بالخيانة والمطالبة بمحاكمته وإعدامه كما طالب بذلك " أحمد الشقيري " رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ، ليس موقفا عفويا وليد اللحظة يريد أن يجنب العرب والفلسطنيين شر القتال ، بل هو نتاج لتكوين بورقيبة الذي تلقاه في فرنسا منذ أن كان طالب حقوق هناك ثم تربصه على أيدي أحد المحامين اليهود بتونس وهو "أندريه شمامه " بعد عودته إلى تونس سنة 1927 ، لقد كان بورقيبة من أنصار فكرة التعايش السلمي الإسلامي - اليهودي ، وأحد أكبر المنددين بمن أفشلوا محاضرة حول "الإبحار اليهودي" سنة 1938 والإحتجاج عليهم ونعتهم بذوي العقلية المتأخرة ، وهوما دفع أنصار الحزب الحر الدستوري التونسي القديم وهي الجهة التي وقفت وراء ذلك إلى إعتبار بورقيبة " عميل المعمرين الفرنسيين والصهيونيين وحليف اليهود ضد المسلمين "[31].وبالرغم من ذلك إستمر بورقيبة في محاولة تبرير دفاعه على الطائفة اليهودية بل ذهب أكثر من ذلك سنة 1952أي بعد أربع سنوات من قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين عندما صرح لجريدة القناص "...أعتقد أنه من الضروري الإرتباط بعلاقات حسنة مع إسرائيل ولو كنا أحرارا لناضلنا في العالم العربي من أجل هذا الهدف "[32]. إن العلاقة بين بورقيبة والمؤتمر اليهودي العالمي بدأت سنة 1954 كما يشير إلى ذلك قولدمان في تصريح له بتل أبيب سنة 1965 وإستمرت بعد ذلك في شكل لقاءات منتظمة بتونس وأروبا طيلة فترة حكمه وقد كان المؤتمر اليهودي العالمي يراهن على الدور الذي يمكن يلعبه بورقيبة في الترويج" للمشروع الصهيوني" في كل من المغرب العربي والوطن العربي فقد وصفه "إيسترمان "السكريتير السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي بأنه " أهم رجل دولة ديمقراطي في إفريقيا الشمالية وحتى في العالم العربي ،لممارسة تأثيره لتحقيق السلام في الشرق الأوسط "[33] . وكان بورقيبة يعي جيدا الدور المنوط بعهدته فبالإضافة لما قام به من ترويج حول إمكانية التعايش مع دولة الصهاينة إسرائيل ضمن أحداث أريحا لسنة 1965 المشار إليها ساعد بورقيبة هذه الدولة بالطاقات البشرية من اليهود التونسيين مقرا "بحق اليهود التونسيين المطلق في الهجرة إلى إسرائيل مؤكدا على أن هذا الأمر سيستمر " وهو ما أقره وزير داخليته مصرحا بأن "هجرة اليهود التونسيين سوف تستمر دون عوائق أو قيود من طرف السلطات الرسمية .. ولن أتدخل في شؤون يهود البلد، ومن هذا الجانب لا تقلقوا أبدا حول مسألة مغادرتهم البلاد ...وأنه لا يمانع في وصول يهود آخرين شريطة أن يكون العدد ضروريا وأساسيا لنشاط الوكالة اليهودية " ، وقد وصل عدد المهاجرين من اليهود التونسيين إلى ما يفوق الخمسين ألفا [34].
يقودنا كل ما سلف إلى مناقشة دور بورقيبة فيما يسمى بعملية السلام ، إذ يذهب بعض الدارسين وكذلك بعض مؤيدي بورقيبة ومريديه إلى أن الرجل كان مستشرفا للمستقبل وصاحب رؤية ثاقبة لما ستؤول إليه الأحداث من إتفاقات وتوقيع معاهدات سلام مع دولة إسرائيل عدو الأمس ، ويمكن أن يكون ذلك صحيحا بناءا على فرضيتين إثنتين:
- الفرضية الأولى : أن يكون بورقيبة خاليا من رصيده السياسي المؤيد والمرتبط بنشاط بعض التنظيمات التي لها علاقة بالنشاط الصهيوني أو هي إحدى أدواته مثل المؤتمر اليهودي العالمي الذي تمكن من أن يكسب تأييد بورقيبة لهجرة اليهود التونسيين هذا علاوة أن الرجل هو أول عربي يؤيد قيام دولة إسرائيل وما يعنيه من ذلك تحويل لوجهة الصراع بين العرب وعدوهم وإلغاء للحواجز السياسية والنفسية في مرحلة كانت حاجة العرب إلى حشد القوة ودعم المقاومة وليس التلويح بسلام يفرضه قانون الغالب على المغلوب حسب لغة إبن خلدون ، الغالب هو محتل الأرض والمغلوب هو صاحب الأرض الحقيقي .
- الفرضية الثانية : أن يكون السلام و التعايش قد حصل بين العرب وإسرائيل بعد تلك الحروب الطويلة التي عرفتها المنطقة ، لقد بينت الأحداث أن مقولة التعايش هي مقولة وهمية وأن إتفاقات السلام التي بدأت بكامب دافيد المصرية الإسرائيلية ووادي عربة الأردنية الإسرائيلية وقبلها إتفاقيات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية هي في واقع الأمر إتفاقات ورقية أما على الأرض فهناك مغلوب وهناك غالب ،أما الغالب فهو ذلك الذي يفرض شروطه على أرض إحتلها ويقتل أهلها وليس له إستعداد للتفريط في شبر واحد منها بل وليست له إستراتيجية سلام بل له إستراتجية حرب وجوسسة وتخريب لم ينج منها مجالا من مجالات الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية ، وأما المغلوب فهو ذلك المسلوب الأرض والعرض والقوة وهو المقتول والفاقد لجميع الحقوق ، وما بين هذا وذاك نمت تلك الأعشاب الطفيلية التي أطلق عليها جماعات السلام مثل جماعة كوبن هاقن وجمعيات السلام التي ظهرت في كثير من الأقطار العربية بالتوازي مع مؤتمر مدريد وإتفاقيات أوسلو وآختفت بآختفائها مع إنطلاقة الإنتفاضة الفلسطينية الثانية . فهل كان بورقيبة مستشرفا لمستقبل الصراع بين العرب وإسرائيل أم كان ممهدا لتسرب الصهيونية للعقل العربي؟
III - الهوية البورقيبية :
1 – تحديث سياسي مرضي :
يقصد بالتحديث السياسي إقامة نظام ديمقراطي بإعتبار ذلك ضرورة من ضرورات هذا العصر وهو مقوم ضروري للإنسان المعاصر الذي لم يعد مجرد فرد في رعية بل أصبح مواطنا يتحدد كيانه بجملة من الحقوق هي الحقوق الديمقراطية التي في مقدمتها الحق في إختيار الحاكمين ومراقبتهم وعزلهم فضلا عن حق الحرية ، حرية التعبير والتفكير والإجتماع وإنشاء الأحزاب [35]. فهل إستجابت البورقيبية لذلك ؟ إن هذا السؤال يستمد شرعيته من أن بورقيبة داعية التحديث و العقلانية وهي الأرضية التي قامت عليها الليبرالية السياسية الغربية ترك تراثا سياسيا غنيا بمعادات الديمقراطية وإطلاق العنان لهيمنة الحزب الواحد ورفض أي شكل من أشكال التعددية الحزبية وذلك حسب رأيه راجع إلى أن "الواقع والظروف الحالية جعلت قيام حزب آخر أمرا غير معقول ، إذ لم يوجد تكتل له طريقة أخرى وأهداف أخرى ووسائل أخرى توفي بالصالح العام وتجمع حولها جانبا عظيما أو حتى متوسطا من الشعب التونسي "معتبرا أن التعددية السياسية هي مولدة للصراعات والمزايدات والديماغوجية والتخريب ، خاصة و أن الظروف التي عرفتها تونس منذ 1933 لا تسمح بظهور قائمات أخرى ، من يمكن لها أن ترشح أفضل مما قدمنا ؟وماذا عساها أن تقدم كنتائج أثرى مما فعلنا ؟ومن أين لها أن تدافع عن برنامج أصلح من برنامجنا .[36] لقد كان بورقيبة يعتبر الشعب التونسي شعبا متخلفا عن مقتضيات الممارسة الديمقراطية بل يعتبر ذلك طامة كبرى بالنسبة لشعب متخلف ذهنيا ونفسيا مثل الشعب التونسي[37].ويذهب بورقيبة نفس المذهب بالنسبة للحرية التي يؤدي "فتح بابها على مصراعيه إلى أن يلجه من لايستحق الحرية ويستعملها للهدم وزرع بذور الحقد والكراهية وتشتيت شمل الأمة وتقويض أسس الدولة وما من سبيل لمنح الحرية الكاملة على نحو ما هو موجود في بريطانيا إلا حين يصل مستوانا إلى مستوى الشعب البريطاني [38]". لقد كانت تلك الخطب والمواقف هي الخلفية التي حكمت المجتمع التونسي عامة والمجتمع السياسي على وجه الخصوص فالتجربة السياسية لتونس أثناء الفترة البورقيبية تبين أن التحديث السياسي المتمثل في وضع دستور ومجموعة من النصوص القانونية الأخرى المكملة مثل مجلة الصحافة أوالمجلة الإنتخابية أوغيرها لتنظيم الحياة الحياة السياسية لم تكن سوى إجراءات بروتوكولية لأن الرجل لا يؤمن أصلا بحق الشعب في الحرية و الديمقراطية طالما أن هذا الشعب متخلفا ، مما أدى إلى إرساء تجربة سياسية تتميزبسيطرة الحزب الواحد الذي هوالحزب الإشتراكي الدستوري وبالتداخل الكامل بين الحزب والدولة وهو ما سيؤدي إلى دولنة المجتمع بصفة مطلقة كل ذلك من أجل هيمنة بورقيبة على الجميع وآختزال كل من الدولة والمجتمع في شخصه ، ألم يقل "النظام أنا "[39] . لقد حولت شخصنة بورقيبة للدولة مؤسسات هذه الأخيرة إلى مجرد أجهزة كاريكاتورية فارغة من أي محتوى فرئيس الحكومة هو مجرد رئيس لديوان بورقيبة ومنفذا لسياساته ، والبرلمان ذو اللون الواحد هو مجرد حجرة لتسجيل القوانين التي تتقدم بها الحكومة ومقولة فصل السلط هي مقولة شكلية لأن السلطة القضائية تحولت إلى مجرد جهاز من أجهزة السلطة التنفيذية وظف في حالات كثيرة لإجتثاث المعارضات السياسية هذا علاوة على تحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعات خاصة يتصرف فيها ذوي النفوذ في الحزب – الدولة دون رقابة أي كان [40].وفيما يتعلق بنظرة بورقيبة للمجتمع فإن تخلف هذا الأخير قد جعل منه مجرد ورشة يجري فيها بورقيبة تجاربه السياساته المختلفة فهو أب الإستقلال التونسي وهوصاحب فضل تأسيس الدولة الحديثة !!! الذي يفعل ما يحلو له ، حتى تحول المجتمع التونسي تحت تأثير ذلك إلى مجرد جوقة دائمة تزين مناسبات بورقيبة العامة مثل الحملات الإنتخابية (الرئاسية و التشريعية والبلدية) وزياراته وخطبه في الجهات أثناء المناسبات والذكريات الوطنية وأعياده الخاصة مثل عيد ميلاده الذي تستمر الإحتفالات به كامل شهر أوت (إلقاء المحاضرات ، إلقاء الأشعار لاسيما الشعبية منها وإقامة حفلات الطرب ) ، كما جعل من شوارع المدن التونسية فضاءات لنصب تماثيله وما يعكسه ذلك من تظخيم للذات بل وعباداتها [41].مستفيدا في ذلك من طبقة سياسية ونخبة فكرية إنتهازية [42]لم تكتف بمحاولة إضفاء الشرعية على ممارسات سياسية تتنافى مع قيم الديمقراطية الساسية و مع أخلاق المجتمع وقيمه ومقومات هويته بل عملت على تنظير مقولات طوباوية مثل مقولة "الأمة التونسية"[43].لا شك أن بورقيبة لم يكن يؤسس فقط لدولة كليانية ذات لون واحد ترفض أي تنوع أوتعدد أوإختلاف سياسي أو تداول على السلطة وإنما إضافة إلى ذلك كان يعيد إنتاج مفهوم سياسي "قروسطي "وهو مفهوم "الشعب القطيع " الذي يرتبط مصيره بمصير حاكمه مما يدفعه إلى منح حاكمه ورئيسه حق الرآسة مدى الحياة . إن إرساء بورقيبة قواعد الحكم المطلق والإستبداد السياسي يمثل الأرضية الخصبة لتهميش أية مطالبة من طرف المجتمع والمجتمع السياسي للإندماج والتواصل مع المحيط المغاربي والعربي تجسيما للروابط العربية الإسلامية .
2 – البورقيبية وحركات الهوية في تونس :
لاشك أن مواقف بورقيبة من الحركات السياسية لن تكون محكومة برؤيته السياسية القائمة على الإستبداد ورفض إسناد الشرعية لأي كيان سياسي يمكن أن ينافسه أو ينافس حزبه في تسيير شؤون البلاد فقط وإنما إضافة إلى ذلك رفض شرعية الحركات التي تستند إلى شرعية الهوية . فعندما إضطر النظام البورقيبي إلى الإعتراف ببعض الأحزاب السياسية ومنحها الشرعية القانونية بعد الأزمة مع الحركة العمالية والنقابية سنة 1978 والحركة المسلحة التي شهدتها مدينة قفصة سنة 1980 ، إكتفى هذا النظام بالإعتراف بالأحزاب التي نشأت وترعرعت في أحشاء الحزب الإشتراكي الدستوري مثل " حركة الإشتراكيين الديمقراطيين "و" حركة الوحدة الشعبية " ، إذا ما آستثنينا الحزب الشيوعي التونسي الذي يستمد شرعيته وجوده التاريخي بالرغم من حضر نشاطه ما بين 1963 و1981. أما أحزاب الهوية ونقصد بذلك الأحزاب التي تتخذ من القومية العربية أوالفكر الديني الإسلامي مرجعية لها ، فقد أغلق الباب أمامها منذ البداية أي منذ أن صدر قانون الأحزاب الذي يرفض قيام أحزاب تستند إلى شرعية اللغة أو الدين بإعتبار أن تلك قواسم مشتركة بين جميع التونسيين ،وقد نسي بورقيبة وأجهزة حكمه أو تناسى أن التراث السياسي الليبرالي الغربي يحتوي شواهد كثيرة على وجود أحزاب غربية كثيرة تستند في خلفيتها الفكرية والسياسية إلى الديانة المسيحية أو إحدى القوميات الأروبية .وبالرغم من الشروط المجحفة التي وضعت أمام الحركات ذات الهوية القومية أوالإسلامية فقد تقدمت هذه الحركات بمطالب إلى سلطة الإشراف لنيل تأشيرة العمل القانوني بداية من سنة 1981 أي بعد إعلان بورقيبة في المؤتمر الإستثنائي للحزب الإشتراكي الدستوري من أنه " لا يرى مانعا من ظهور تنظيمات وطنية سياسية كانت أو إجتماعية بشرط أن تلتزم بالمصلحة العليا للبلاد والشرعية الدستورية وحماية المكاسي القومية ونبذ العنف والعصبية وعدم الولاء أيديولوجيا وماديا للخارج "[44] وما أضافه محمد مزالي من ضرورة الإعتراف بالشرعية البورقيبية ورآسته مدى الحياة ، بالرغم من ذلك فقد رفضت السلطة مطلب التأشيرة الذي تقدم به الأستاذ "البشير الصيد " لحركته "حركة التجمع القومي العربي " حتى تمارس نشاطها بصورة معلنة و قانونية وتصدر الحركة الجريدة الناطقة بإسمها وهي جريدة "النداء العربي " ، كما تعرض الأستاذ الصيد مؤسس هذه الحركة إلى المحاكمة و السجن [45]. الطرف الثاني من حركات الهوية الذي تقدم بطلب تأشيرة حزب قانوني هو "حركة الإتجاه الإسلامي " الذي إضافة إلى رفض حقه في العمل القانوني وإصدار جريدة ناطقة بإسمه تعرض كوادره للمحاكمة والسجن في السنوات 1981 و1982 و1983 وإغلاق منابره الفكرية مثل مجلة المعرفة بل ودفع هذه الحركة إلى خيار العنف من جديد [46].
إن المتأمل في تجربة بورقيبة الفكرية والسياسية يلاحظ أن الرجل كان محكوما بالإرث الزيتوني فهو يدرك أن الجامع الأعظم كان المنبر الذي دعم جماعة الحزب القديم كما دعم مشائخه حركة الأمانة العامة اليوسفية وكانت منظمة " صوت الطالب الزيتوني " المنظمة الطلابية التي نشأت في أروقة هذا الجامع الطرف المعادي لبورقيبة وتوجهات حزبه التفاوضية ، وهو ما دفعه إلى وضع حد لنشاطه العلمي والسياسي ، ومن ثمة فهو يعلم أن حركات الهوية في تونس لن تكون إلا سليلة الحركات التي نشأت بالجامع الأعظم والحركة اليوسفية التي وجدت تأييد الناصرية في مصر ذلك العدو القديم الذي وجد بورقيبة شعاراته ومبادئه تتكرر ضمن برامج الحركات القومية الناشئة .
3 – أزمة البورقيبية :
إن مأزق البورقيبية يتجد بصورة رئيسية في عجزها على إعادة إنتاج ذاتها في شكل تيار فكري وسياسي بعد أن إنتهت كتجربة في مقاومة الإستعمار!!! وفي السلطة والحكم . لقد كان بورقيبة يعمل على أن يكون ندا لـ "جمال عبد الناصر " هذا علاوة على أنه خصمه التقليدي ، إلا أن الملاحظ أن تجربة عبد الناصر في الحكم وما تركه من آثار فكرية وسياسية من خطب ومؤلفات (فلسفة الثورة ،الميثاق وبيان 30 مارس) قد كان لها تأثيرا واسعا في النخب السياسية والفكرية العربية بإعتبارها تمثل حلقة من حلقات حركة النهضة العربية فنشأت التنظيمات والحركات الناصرية وبرز المنظرون الناصريون على أيام عبد الناصر وما بعدها حتى أن بعض شباب هذه الحركات قد ولد بعد وفاة عبد الناصر لقد باتت الناصرية تيارا واسعا في الوطن العربي بأكمله وهي نموذج للتجربة الوطنية في الحكم في معادات الإستعمار والعدالة توزيع الثروة ...إلخ فماذا عن البورقيبية ؟ إذا ما إستثنينا بعض المذكرات التي كتبها بعض وزراء بورقيبة السابقين التي هي أقرب إلى رد الإعتبار لذواتهم التي تعرضت إلى الإهانة وسوء المعاملة وبعض البحوث العلمية التي وضعاها أكاديميون ضمن قراءاتهم للتحولات التي يعيشها المجتمع التونسي لاسيما ما يقوم به الأستاذ "عبد الجليل التميمي " من مؤتمرات علمية حول التجربة البورقيبية فإننا لا نكاد نعثرعلى تيار فكري بورقيبي ولا على تنظيرات ولا أقول نظرية بورقيبية في تونس أو خارجها ولعل ذلك يعود إلى البورقيبية لم تشكل في أي وقت من الأوقات نموذجا يحتذى ولعل ذلك يعود إلى أن صاحبها أراد لها أن تكون نقيضا للهوية ومقوماتها الرئيسية أي العروبة والإسلام .
خاتمـــــــــة:
خلاصة هذه الدراسة هو أن الحبيب بورقيبة لم يكن معصوما من الخطإ ويرتقي بتجربته فوق النقد ، لقد بدأ حياته مناضلا سياسيا بعد أن نشأ في أسرة ذات أصول طربلسية إستقرت بالمنستير في نهاية القرن الثامن عشر ودرس في المعهد الصادقي ثم بالجامعة الفرنسية ،وإنتهى به الأمر رجل دولة طيلة ثلاثين سنة كاملة وما بينهما لم يتوان عن إعلان عدائه للهوية العربية الإسلامية ومقوماتها الرئيسية المتجسدة في العروبة والإسلام بسبب خلافه العميق مع الحركة اليوسفية وبسبب ما تلقاه من تكوين غربي أراد أن يقوم بتحديث المجتمع على ضوءه فجاء تحديثا مرضيا نتيجة عقلية الإقصاء التي مارسها ضد مكونات المجتمع السياسي وخاصة أحزاب وحركات الهوية .
[1] أغسطيني (هنريكو)سكان ليبيا القسم الخاص بطرابلس ،تعريب التليسي (محمد خليفة) دار الثقافة بيروت 1975 ص 267
[2] بن إسماعيل (عمر) إنهيار حكم الأسرة القرمانلية في ليبيا مكتبة الفرجاني طرابلس 1966 ص 15
[3] إبراهيم ( أبو القاسم أحمد) المهاجرون الليبيون بالبلاد التونسية مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله للنشر تونس 1992 ص 61
- ورد في هذا المؤلف أن عائلة بورقيبة المستقرة بمدينة مصراته الليبية من العائلات الثرية ، و إنعكس ذلك على سلوك الجد الأعلى لبورقيبة بعد هجرته للمنستير حيث عرفت هذه العائلة بتقديمها مائدة أكل للفقراء كل يوم جمعة بحومة الطرابلسية ، هذا علاوة على عتق الحاج "محجد بورقيبة " لعبيده الأربعين سنة 1846.
[4] نفس المرجع و الصفحة
[5] كريم (مصطفى) تأملات في شخصية بورقيبة تعريب (التميمي ) عبد الجليل ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة الوطنية قراءات علمية للبورقيبية منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات أفريل 2000 ص 13
[6] نفس المرجع و الصفحة
[7] جلاب (الهادي)مؤتمر 2مارس 1934 قطيعة أم تواصل ضمن مؤتمر قصر هلال إعداد عبد المجيد كريم ، حسين رؤوف حمزة والهادي جلاب منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية ص ص 5 - 6
[8] الشابي (منصف )صالح بن يوسف دار الأقواس للنشر 1990 ص 185
[9] واردة (منجي) جذور اليوسفية المجلة التاريخية المغاربية عدد 71 – 72 ماي 1993 ص 502
[10] Khaddar (Moncef) Parti unique et violence politique en Tunisie memoire de D E S Universite de Paris I 1971 p10
[11] الذوادي (محمود) العلاقة بين شخصية بورقيبة وأزمة الهوية في المجتمع التونسي الحديث مجلة دراسات عربية عدد 11-12 \ 32 سبتمبر - أكتوبر 1996 ص 116
[12] الكيلاني (مصطفى ) المضامين الثقافية ورموزها في عهد بورقيبة ضمن الحبيب بورقيبة و إنشاء الدولة ...مرجع سابق ص ص 169 – 170
[13] الهيلة (محمد الحبيب ) بورقيبة و الإسلام ضمن الحبيب بورقيبة ... مرجع سابق ص 179
[14] نقلا عن الهيلة ...المرجع السابق ص ص 180 - 181
[15] الهيلة ...مرجع سابق ص 183 ، كريم ، تأملات ... مرجع سابق ص 16
[16] الذوادي، العلاقة بين شخصية ... مرجع سابق ص 116
[17] الذوادي ... نفس المرجع ص 117
[18] العلاني (علية) الخلفيات الدينية والسياسية لمظاهرة 1961 بالقيروان ضمن أعمال المؤتمر الثاني حول بورقيبة والبورقيبيون وبناء الدولة الوطنية مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات سبتمبر 2001 ص 119
[19] نقلا عن سعد (منيرة) بورقيبة و الإسلام ضمن بورقيبة والبورقيبيون ...المرجع السابق ص 187
Zghal ,A bdelkader , “l islam ,les janissaires et le destour “ in Tunisie au present une modernite au dessus de tout soupcon CNRS Paris 1987 p p 371 – 384
Ben Achour ,Yadh , ‘Islam perdu ,islam retrouve ‘ in le maghreb musulman CNRS Paris 1981 pp 65 - 75
[20]Hajji(Lotfi) Pour une relecture critique de la relation de bourguiba a l islam in Realites n 850 \11-17 \4\2002 p23
[21] خطاب بورقيبة يوم 13 ديسمبر 1963
[22] خطاب بورقيبة بمناسبة زيارة العقيد القذافي إلى تونس
[23] التركي (عروسية ) الطاهر لسود بين بورقيبة بن يوسف وعبد الناصر مجلة الوطن عدد4 1997 ص 12
[24] الكتاب الأبيض في الصراع بين الجمهورية التونسية والجمهورية العربية المتحدة ، كتابة الدولة للشؤون الخارجية التونسية ديسمبر 1958 ص ص 34 - 36
[25] عبد الله (الطاهر)الحركة الوطنية التونسية رؤية شعبية قومية جديدة مكتبة الجماهير بيروت 1976 ص ص 155
[26] الحناشي (عبد اللطيف ) موقف الحبيب بورقيبة من قضايا الوحدة العربية والمغاربية ضمن أعمال مؤتمر بورقيبة والبورقيبيون ...مرجع سابق ص ص 88 - 89
[27] نقلا عن البالغ (الهادي) الخصوصية اللغوية والثقافية ضمن الذاتية العربية بين الوحدة والتنوع ،مركز البحوث و الدراسات الإقتصادية والإجتماعية بتونس 1979 ص 76
[28] الذوادي (محمود) التخلف الآخر الأطلسية النشر جانفي 2002 ص 183
[29] نفس المرجع ص ص 184 - 185
[30] التميمي (عبد الجليل )المسألة الفلسطينية وعلاقات الحبيب بورقيبة بالمؤتمر اليهودي العالمي ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة ... مرجع سابق ص38
[31] نفس المرجع ص صر43 - 44
[32] نقلا عن المرجع السابق ص ص 47 – 48 جريدة Le franc – tireur بتاريخ 7 فيفري 1952
[33] أنظر نص التقرير الذي نشره الأستاذ التميمي ضمن دراسته السالفة الذكر ص 58
[34] التميمي ... نفس المرجع ص 50
[35] الجابري (محمد عابد) إشكالية الديمقراطية والمجتمع الكدني في الوطن العربي مجلة المستقبل العربي عدد 167 –1 – 1993 ص 13
[36] أنظر خطابات بورقيبة على التوالي في 11ماي و29 جويلية 1963 و7 ديسمبر 1965
[37] خطاب بورقيبة في 26 أفريل 1966
[38] خطاب بورقيبة في 18 جانفي 1963
[39] وناس (منصف ) الدولة والمسألة الثقافية في المغرب العربي سراس للنشر ص 8
[40] الصغير (عميرة علية )هل نجح بورقيبة في مشروعه التحديثي ضمن أعمال المؤتمر الثاني حول بورقيبة والبورقيبيون ...مرجع سابق ص 111
[41] الذوادي ... مرجع سابق ص 116 ، أنظر كذلك الذوادي (محمود) تأملات في العهد البورقيبي في ضوء كتاب رسالة مفتوحة إلى الحبيب بورقيبة ، دراسات عربية عدد 1 ج 24 سيتمبر 1988 ص 130
[42] بوقرة (عبد الجليل) هل بورقيبة مستبد ؟ ضمن بورقيبة والبورقيبيون ... مرجع سابق ص 67
[43] المبروك (مهدي ) هل نحن أمة ، أزمة الإنتماء لدى النخب التونسية دار البراق للنشر 1989 ص ص 26 – 31
[44] خطاب بورقيبة في المؤتمر الإستثنائي للحزب الإشتراكي الدستوري جريدة الصياح 11 أفريل 1981
[45] مقابلة مع الأستاذ البشير الصيد أجرتها معه مجلة الشراع اللبنانية بتاريخ 24 – 12 1984
[46] أنظر مقالنا التحولات في أنماط الخطاب الديني في المغرب العربي المجلة التاريخية المغاربية عدد 95 – 96 ص ص 595 – 597
بورقيبة واشكالية الهوية في تونس
د. سالم لبيض
المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس
I ـ هوية بورقيبة :
1ـ هوية بورقيبة الإثنية و أصوله التاريخية :
ينتمي "الحبيب بورقيبة " إلى عائلة بورقيبة ذات الأصول الطرابلسية .و ينحدر من قبيلة الدرافلة الليبية التي تنقسم إلى مجموعة من الفروع ( اللحمات )، هي النواصف ،الرضاونة ، المعاتقة ، أولاد رجب و السقاسف وهو الفصيل الذي تنتمي إليه عائلة "بورقيبة" [1].إستقرت هذه العائلة تاريخيا بمدينة مصراته الليبية ،تأثرت كما هو الحال بالنسبة للكثير من العائلات الطرابلسية بالصراع الحاد و الدامي الذي دار بين أفراد الأسرة القرمانلية (1711 – 1835)للظفر بالسلطة و الحكم ، وهو ما انعكس سلبيا على الحياة العامة وساعد على بروز حركات التمرد و الإنتفاضات المحلية التي كانت تهدف إلى التخلص من حكم أفراد هذه الأسرة خاصة بعد إثقال كاهل الأهالي بالضرائب و ما تزامن مع ذلك من إهمال لمختلف الأنشطة الإقتصادية [2].
لقد ساعدت هذه الظروف على هجرة العديد من العائلات الليبية إلى تونس ، فقد هاجر الجد الأعلى ل"بورقيبة " المدعو "الحاج محمد بورقيبة " إلى تونس سنة 1795 عن طريق البحر، حيث إستقر بمنطقة الساحل التونسي مصطحبا معه 40 من عبيده وخدمه .وقع إختياره على مدينة المنستير لتكون موطن إستقراره ضمن ما يعرف ب"حومة الطرابلسية" ، التي قد يكون من المساهمين الأوائل في تأسيسها [3].تشير بعض الدراسات إلى أن عائلة بورقيبة "المنستيرية" عرفت بتأييدها لإنتفاضة "علي بن غذاهم" سنة 1864 التي جاءت كرد فعل على خيارات الضرائب المجحفة التي فرضتها سياسة البايات والتي كانت من نتائجها حملة الجنرال زروق على الساحل وقمعه لسكانه ، كما نهبت وبأمر الجنرال زروق نفسه قطعان الماشية التي كانت على ملك الطرابلسية بمنطقة الأعراض .
وأمر الجنرال زروق في نفس الوقت بإدخال "علي بن الحاج محمد بورقيبة "ليشتغل بالجيش التونسي بين سنة 1864 و1881 وذلك قبل أن يقع تعيينه شيخا على حي الطرابلسية ومستشارا بلديا أثناء الفترة الإستعمارية[4] . في هذا المناخ المتميز ببحث عائلة بورقيبة (الوافدة من منطقة طرابلس) على مكانة إجتماعية متميزة وعلى نفوذ سياسي ولد "الحبيب بن علي بن الحاج محمد بورقيبة " بحي الطرابلسية بمدينة المنستير سنة 1903 !!!
2 – هوية بورقيبة الفكرية والأيديولوجية :
الحبيب بورقيبة هو أحد تلاميذ المعهد الصادقي قبل أن ينتقل للدراسة بالجامعات الفرنسية حيث تلقى تكوينا قانونيا أهله للإلتحاق بمهنة المحاماة بتونس . لقد أعجب بورقيبة بعالم مدينة باريس لفترة ما قبل الحرب العالمية الأولى فقد عاش مضاعفاتها و أحداثها السياسية والفكرية والأيديولوجية ،وشارك في التظاهرات السياسية والمحاضرات النفسية التي كانت تلقى في مستشفى سانت – آن ، كما عرف عنه حضوره مناقشات مجلسي النواب والشيوخ الفرنسيين . تأثر بورقيبة أثناء فترة دراسته بفرنسا بالمدرسة الوضعية ومؤسسها "أقوست كونت" صاحب المقولة الشهيرة "عش للآخرين" التي كان بورقيبة يرددها كثيرا [5]. يعرف بورقيبة بسعة إطلاعه على تاريخ فرنسا وآدابها وحضارتها هذا علاوة على إطلاعه الواسع على تاريخ تونس منذ العصور القديمة . من الشخصيات التي حظيت بآهتمام بورقيبة ، وكان لها تأثير كبير على شخصيته كل من "حنبعل" و"يوغرطة" و"القديس أغسطينو" وبدرجة أقل مؤسس علم العمران البشري و الإجتماع الإنساني "عبد الرحمان بن خلدون" .ولم يكن بورقيبة يرى حرجا في إجراء المقارنة بينه وبين الرسول محمد (ص)معلنا تفوقه الشخصي عليه[6]. وهو ما دفعه إلى إعلان معاداته للشرق عموما وللعالم العربي الإسلامي خصوصا بسبب تخلفه!!! معتبرا أن تونس هي نقطة إلتقاء بين الشرق و الغرب .
3 – هوية بورقيبة السياسية :
إن ما يشد إنتباه الباحث أثناء قراءته لتجربة بورقيبة السياسية هو قدرته على إدارة الأزمات التي كان يتعرض لها وتحويل مواطن ضعفه إلى إنتصارات وقوة منافسيه ومناوئيه إلى هزائم وتراجعات . أولى التجارب التي خاضها بورقيبة في هذا المجال هي إنضمامه للحزب الحر الدستوري التونسي مع بقية "جماعة العمل التونسي " وذلك أثناء مؤتمر الحزب المنعقد في 12 – 13 ماي 1933بنهج الجبل بتونس إلا أن ذلك لن يستمر طويلا فقد قرر بورقيبة الإستقالة بسبب خلافاته الداخلية مع اللجنة التنفيذية للحزب قبل أن تمر سنة على إنضمامه إلى هذا الحزب وذلك بتاريخ 9 سبتمبر 1933 ، ليبدأ تجربة جديدة هي تجربة إنشاء الحزب الحر الدستوري الجديد الذي عقد مؤتمره التأسيسي بقصر هلال في 2 مارس 1934 الذي ضم ممثلي مجموعة من الشعب الدستورية في الساحل والعاصمة لم يتجاوزعددهم 50 نائبا في حين أن عدد الشعب المنتمية للحزب قد فاق المائتين آنذاك . تمكن الحزب الجديد الذي كان بورقيبة كاتبه العام حتى أحداث أفريل 1938 ثم رئيسه بعد هذا التاريخ أن يحقق لنفسه الإستمرارية والتواصل في حين أن محاولات إنشقاقية وإنقلابية أخرى شهدها الحزب الحر الدستوري لم يكتب لها النجاح من ذلك إنشقاق "حسن القلاتي "و"محمد النعمان "وتأسيسهما "الحزب الإصلاحي" سنة 1921، وإنشقاق "فرحات بن عياد" و"والطيب بن عيسى "و" الشاذلي المورالي" وتأسيسهم "الحزب الحر الدستوري المستقل "بعد ذلك بسنة ، هذا علاوة على المؤتمر الإستثنائي الذي عقده جماعة الحزب القديم في نهاية شهر أفريل من سنة 1934 محاولة منهم لإحتواء الأزمة التي يعيشها حزبهم [7].
المثال الثاني الأكثر وضوحا في نجاح بورقيبة في إدارة الأزمات السياسية هو الطريقة التي أدار بها ما يعرف بالأزمة اليوسفية ، نتيجة توقيعه إتفاقيات الإستقلال الداخلي سنة 1955 وبروتوكول إستقلال تونس سنة 1956 . إنقسم الشعب التونسي ومن ورائه جماعة الحزب الحر الدستوري الجديد نتيجة لذلك إلى قسمين ،قسم موال لرئيس الحزب الحبيب بورقيبة ولجماعة الديوان السياسي وقسم ثان موال للأمين العام صالح بن يوسف ولجماعة الأمانة العامة . تمكنت المجموعة الثانية من تعبئة الغالبية الكبرى من أفراد الشعب ومن منخرطي الحزب الحر الدستوري الجديد بإعلان 374 شعبة دستورية مقاطعتها للديوان السياسي ، منها 350 قررت الإنتماء لليوسفية من خلال إعلانات إنضمام نشرتها على أعمدة الصحف التونسية آنذاك [8]. إن ما يدعم هذا الموقف هو إنضمام الجامعة الدستورية للعاصمة التي تعد لوحدها 60000 منخرط من ضمن 321 ألف منخرط يتوزعون على 31 جامعة دستورية ، إلى الحركة اليوسفية [9]. لقد كانت اليوسفية إضافة إلى ذلك مدعومة بجناحها العسكري المتمثل في "جيش التحرير الوطني " وبتأييد جماعة باندونغ التي إنبثقت عنها حركة عدم الإنحياز وحركات التحرير الوطني والثورة الجزائرية والنظام الناصري . بالرغم من كل ذلك إنتهت اليوسفية إلى الفشل وإنتهى بورقيبة إلى النجاح، فإلى ماذا يعزى ذلك ؟
لقد رأى الكثير من الدارسين أن إنشقاق بورقيبة ورفاقه عن الحزب الحر الدستوري بعد أقل من سنة من إنضمامهم له وتأسيسهم للحزب الجديد الذي حقق نجاحات كبيرة في فترة وجيزة هو نتيجة مباشرة لما تتمتع به هذه المجموعة عامة وبورقيبة على وجه الخصوص من أفكار تحديثية وأساليب جديدة في الممارسة السياسية[10] بالرغم مما يتطلبه ذلك من وقت وتجربة لا شك أنها لم تتوفر لبورقيبة ورفاقه مما يدعو إلى السؤال الذي يتعمق مع خوض بورقيبة تجربة الصراع مع اليوسفية . فقد بينت هذه التجربة طبيعة بورقيبة الإنقلابية مرة أخرى وإعتقاده في صحة رأيه مهما كان فرديا ةخطإ الآخرين رغم تشكيلهم للأغلبية ، يتجسد ذلك في الموقف من توقيع إتفاقيات الإسقلال الداخلي الذي رفضته النسبة الغالبة من أفراد الشعب التونسي ومن الشعب الدستورية ولم يتوان في التحالف مع عدو الأمس أي الإستعمار الفرنسي من أجل تحقيق أهدافه في الوصول إلى هرم الحكم من ناحية والقضاء على جماعة الأمانة العامة وزعيمها "صالح بن يوسف" من ناحية أخرى . لقد تعلم بورقيبة كيف يكون براغماتيا – ميكافيليا فالسياسة لا تعرف غير المصالح أما الأخلاق و المبادئ فلا مكان لها في العمل السياسي ، تلك هي القاعدة التي يتعلمها المبتدئ في علم السياسة الليبرالي والغربي ، وهكذا كان بورقيبة صاحب التنشأة الغربية حتى أن أحد الدبلوماسيين الغربيين علق قائلا عند تنحيته من هرم الحكم في تونس " لم أر رجلا خارج فرنسا أقرب إليها من الرئيس بورقيبة ولم أر في العالم العربي رجلا أقل تشابها مع العرب منه " [11].
II - بورقيبة ومقومات الهوية :
1 – بورقيبة و الإسلام :
تشير بعض الدراسات إلى أن بورقيبة يمثل إمتدادا لمشروع تنويري تعود جذوره إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهو مشروع يقوم على حجة القوة و الإقتداء بالغرب دون التفريط في مقومات الشخصية الإسلامية !!! إستنادا إلى الفكر الإصلاحي التونسي ممثلا في خير الدين وإبن أبي الضياف على وجه الخصوص[12].
يتسم الموقف البورقيبي من الإسلام بالتذبذب وعدم الإستقرار وقد إنقسم هذا الموقف إلى مرحلتين ، مرحلة قيادة الحزب الحر الدستوري الجديد والحركة الوطنية بين سنتي 1934 و 1956 ثم موقفه أثناء قيادته للدولة الحديثة بداية من سنة 1957 . خلال المرحلة الأولى لا نكاد نجد تصريحا لبورقيبة أو قولا أو تحركا ظاهرا منه يعارض مظهرا دينيا أو قاعدة إسلامية أو قانونا شرعيا . بل لقد جعل من الآية القرآنية "وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين " شارة لحزبه [13]. والملاحظ أن كل خطابات بورقيبة الشفوية والمكتوبة أثناء هذه المرحلة تبدأ بالبسملة وتتسم بدغدغة الشعور الديني عند تحريضه لقادة الحزب المحليين والقبائل على الكفاح ، هذا علاوة على موقفه الرافض للمؤتمر الأفخارستي ومسألة التجنيس .
مع إنطلاقة المرحلة الثانية وهي مرحلة قيادة بورقيبة للدولة الحديثة بدأت مواقف هذا الأخير تتسم بالإزدواجية ، فهناك إسلام بورقيبة البروتوكولي الذي كثيرا ما عبر عنه أثناء المناسبات الرسمية وغير الرسمية . جاء في إحدى خطبه في نهاية الخمسينات بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف " أخاطبكم من تحت قبة النور وأمام قبلة الهدى، فهذه أول بيت من بيوت الله في المغرب العربي ومنها إنبعث صوت الآذان الخالد " وجاء في إحدى أقواله " لا نعرض عن مبادئ الإسلام كما وقع الإعراض عنها في الماضي ولا ندعي أنها لا تفي بحاجة العصر ولكن نتفهمها حق التفهم " [14]. ولم يكتف بورقيبة بهذه الأقوال بل ذهب أكثر من ذلك عندما أشار أثناء إستقباله للملك فيصل بتونس سنة 1966 إلى أن الأساس الذي قامت عليه الدولة التونسية بعد إستقلالها وهو الأساس الذي قامت عليه الحركة التحريرية هو الإسلام . يمكن وصف "إسلام بورقيبة" بأنه إسلاما بروتوكوليا يتصف بشيء من النفعية والبراغماتية التي يتطلبها كسب الرأي العام على المستوى الوطني وكسب تأييد النخب السياسية والدوائر الإقتصادية و المالية في الدول الإسلامية.
لقد كانت لبورقيبة بالتوازي مع هذه المواقف مجموعة من الممارسات والرؤى العفوية أوما يمكن أن نطلق عليه تسمية "إسلام بورقيبة العفوي " ، تتلخص أبرز معالمه فيما يلي :
- وصف الصلاة بأنها " زقزقة مياه "وإنزال الرأس للأرض ويكون المصلي "يكب ويقعد"
- الدعوة إلى التخلي عن الحج لما ينجر عن ذلك من نزيف للعملة وتعويضه بالحج إلى مقام الصحابي أبي زمعة البلوي بالقيروان
- وصف الصيام بأنه مانع للعمل والإنتاج مع الدعوة للإفطار في شهر رمضان بل الدعوة إلى فتح المطاعم و الحانات أثناء هذا الشهر
- فتح باب الإجتهاد لكل إنسان له "فكر حر ومادة شخمة " فيقبل من الإسلام ما يراه صالحا ويترك ما لا يراه كذلك دون حاجة للمعرفة الدينية أو إلمام بالنصوص ومصادر التشريع التي تحتل مرتبة أكثر أهمية من الإجتهاد مثل القرآن والسنة النبوية
- التطاول على الأنبياء والرسل مثل النبيء إبراهيم بقوله "طلعت البخارية في رأسه" فنام نوما رأى فيه أحلامه والنبيء محمد (ص) الذي يعتبر نفسه متفوقا عليه ، هذا علاوة على السماح بآقتران إسمه معه في أناشيد إسلامية
- القضاء على كل المؤسسات ذات العلاقة بالدين الإسلامي وإصدار التشريعات المنافية له مثل حل جمعية الأحباس والتفويت في أملاكها لفائدة الخواص والدولة وتهميش دور المؤسسة الزيتونية بل القضاء عليها كمؤسسسة تعليمية ذات دور حضاري هام ، هذا إضافة إلى منع تعدد الزوجات بعد إصدار مجلة الأحوال الشخصية وإصدار المناشير التي تمنع الزي الإسلامي[15].
إن المتأمل في حقيقة موقف بورقيبة من الإسلام يصطدم بحقائق مثيرة وغريبة في نفس الوقت ، فالرجل لا يؤمن أصلا بالديانات بمعناها التقليدي ويعتبرها مجرد إختلاقات بشرية ومن ثمة فالرسل عنده ليسوا بمبعوثين من الله كما يدعون ، بل هم قوم ساعدتهم قدراتهم الشخصية وظروفهم الإجتماعية على حمل الرسالة كما يذهب إلى ذلك "محمود الذوادي".[16]
لا شك أن موقف بورقيبة من الإسلام كما تجسد لديه بصفة عفوية ينبع من ظاهرة الشخصنة وعبادة الذات التي ميزت سلوكه وهو ما يتافى مع مبادئ الديانة الإسلامية التي لا ترى في الرسل في نهاية الأمر سوى بشر يمشون في الأسواق ويأكلون . لقد وجهت هذه الديانة نقدا شديدا لكل من إدعى الألوهية مثل فرعون وغيره ، صحيح أن بورقيبة لم يدع الألوهية ولكن حجم تظخم الذات والشخصنة لديه يضعه على طرفي نقيض مع الإسلام الذي يرى في سلوك الأفراد الذبن ينشغلون بشؤون بناء صرح عظمتهم الشخصية ويعملون على تأليه أنفسهم بين الخليقة ، ضربا من ضروب الكفر [17].
لقد أثارت مواقف بورقيبة من الإسلام ردود فعل مختلفة فمنهم من إعتبر ذلك ضربا من ضروب الكفر مثل الشيخ "عبد الرحمان خليفي " الإمام الخطيب بجامع عقبة بالقيروان الذي أصدر كتابا يكفر فيه المفطر المتعمد في رمضان ويدعو إلى عدم الصلاة عليه بعد وفاته ، هذا علاوة على المظاهرة التي إندلعت يوم 16 جانفي 1961 بمدينة القيروان والتي أدت إلى سقوط ضحايا كرد فعل على إقالة الإمام من مهام الإمامة[18]، ومنهم من إعتبر موقف بورقيبة من الإسلام موقفا لائكيا ، يتعلق الأمر بموقف النخبة التونسية المعاصرة أمثال "عبد القادر الزغل " الذي يعتبر أن الدولة التونسية أثناء الفترة البورقيبية هي دولة لائيكية مستدلا على ذلك بأن التعليم والأمور المدنية ترجع إلى الدولة وليس إلى المؤسسة الدينية ،ونفس الموقف عبر عنه "هشام جعيط "وتبناه "عياض بن عاشور" معتبران أن بورقيبة يؤيد لائكية غير معادية لللإسلام [19]. هناك بعض المواقف التي يذهب أصحابها مذهبا آخر معتبرين أن بورقيبة هو إمتداد للحركة الإصلاحية التي جسدها مصلحين أمثال "خير الدين"و"محمد عبده" و"الأفغاني" و"رشيد رضا" وغيرهم بعد أن إستطاع أن يبلور "رؤية إسلامية " هي نتاج لتكوينه المزدوج العربي والغربي[20] !!! وهي رؤية مبالغ فيها ليس لأن بورقيبة لا يعد مفكرا فقط حتى يرتقي إلى مرتبة رواد الحركة الإصلاحية العربية بل هوأحد أكبر دعاة إعتماد النموذج الأروبي الغربي "المتقدم " كبديل للنموذج العربي الإسلامي الشرقي "المتخلف" سياسيا وثقافيا وكذلك تنمويا ولم تكن مواقفه وأقواله وممارساته "الإسلامبة " سوى خدمة لهذا التوجه كما أثبتنا ذلك سلفا .
2 – بورقيبة والعروبة :
إن ما ينطبق على الاسلام يكاد ينطبق على العروبة لدى بورقيبة ، فبعض المناسبات البروتوكولية والرسمية التي إستدعت كسب ود بعض القادة والمسؤولين العرب كانت تفرض عليه الإعتراف بآنتماء تونس للأمة العربية كقوله "نحن جزء من الأمة العربية"[21] أو الإعتراف بحق هذه الأمة في الوحدة السياسية " إن الوحدة هدف نصبو إليه جميعا وهي أمر حيوي بل ضرورة في عصر التكتلات "وهي " وسيلة إستراتيجية للدفاع عن السيادة تجاه الآخر ورد الأطماع والصمود تجاه الضغوط الخارجية "[22].
إن مواقف بورقيبة التي تبدو في ظاهرها مؤيدة للعروبة والوحدة العربية ليست سوى مواقف موجهة للإستهلاك السياسي ، فكثيرا ما أبدى بورقيبة رفضه المعلن للعروبة ولكل ما يمت لها بصلة وربما يرجع ذلك إلى صراعه مع "صالح بن يوسف " رمز التيار العروبي في تونس بداية من سنة 1955 والمعروف برفضه للنهج الذي تبناه بورقيبة القائم على توقيع إتفاقيات الإستقلال الداخلي وبروتوكول الإستقلال في 20 مارس 1956 الذي إعتبره "بن يوسف" كارثة جديدة و لذلك يدعو" الشعب العربي الأبي إلى الحذر واليقظة ومضاعفة الجهود ومواصلة الكفاح الشريف لتقويض صرح الإحتلال الأجنبي "[23]. ويعتبر الخلاف البورقيبي – الناصري وآنحياز جمال عبد الناصر إلى صالح بن يوسف عاملا آخر يضاف إلى عوامل رفض بورقيبة للعروبة بل للقومية العربية كخيار أيديولوجي وسياسي كان عبد الناصر أحد أبرز رواده مما ساعد على تأخر إندماج تونس في محيطها العربي وإنضمامها إلى جامعة الدول العربية [24]. لقد تدعم عداء بورقيبة للعروبة بسبب الأعمال المسلحة التي إستهدفت نظامه وكادت أن تطيح به والتي كانت تنتمي بشكل أوبآخر إلى تيار القومية العربية الذي شهد تناميا لأنصاره في تونس ، مثل محاولة الإنقلاب العسكري التي قادها "لزهر الشرايطي" سنة 1962أوالحركة المسلحة التي قامت بها مجموعة من الفصائل القومية بمدينة قفصة سنة 1980 بقيادة "أحمد المرغني "وبدعم من النظامين الليبي والجزائري .
وكرد فعل على كل ذلك كان بورقيبة يجد مبررا لعدائه للعروبة والقومية العربية فهو صاحب المقولة "إن ما يربطنا بالعرب ليس إلا من قبيل الذكريات التاريخية وأن مصلحة تونس أن ترتبط بالغرب وبفرنسا بصورة أخص وأن مرسيليا أقرب لنا من بغداد ودمشق و القاهرة وأن إجتياز البحر الأبيض المتوسط لأسهل من إجتياز الصحراء الليبية[25] ". وكبديل للعروبة و الإنتماء العربي وجد بورقيبة في "الأمة التونسية والشخصية التونسية " ما ينسجم مع توجهاته الفكرية وإختياراته الأيديولوجية ذات الخلفية الغربية ، فقد جاء في أحد أقواله " الوطن التونسي لا الوطن العربي لأن تونس لها شخصيتها منذ آلاف السنين منذ عهد قرطاج ، أما العرب فيشكلون عدة أمم لا أمة واحدة وهو ما يؤكد إنقسامهم إلى عدة دول [26]".
المستوى الثاني الذي يبرز من خلاله عداء بورقيبة للعروبة هو موقفه من اللغة العربية وإنحيازه للعامية بدل الفصحى ، فقد خطب في ملتقى هواة الأدب في المنستير يوم 29 جويلية 1968 قائلا :" إن اللغة التي يتكلمها الشعب ويفهمها كل تونسي مهما كان نصيبه من الثقافة ومهما كانت الجهة التي ينتمي إليها ومهما تباينت الجهات ليست الفصحى بل العامية لذلك من حق الأدب الشعبي والشعر الشعبي أن يحتلا مكانهما عند الشعب وأن يكون هما أدبه وشعره "[27]. لاشك أن هذا الموقف ليس موقفا عفويا بأي حال من الأحوال ذلك أن الموروث الإستعماري في مستوى الإدارة والتعليم يستوجب تبني سياسة تعريبية شاملة وسريعة للحد من ظاهرة الإزدولجية اللغوية التي أسست لها الإدارة الإستعمارية الفرنسية عموما والمدرسة الفرنكو- العربية على وجه الخصوص خاصة أن اللغة والثقافة العربية كما كانت تدرس بجامع الزيتونة كانت تتعرض للتحقير من طرف المدرسين الفرنسيين بالمدرسة الصادقية كما يروي ذلك الأستاذ" محمود المسعدي"[28] ، مما ساعد على تشويه "الشخصية التونسية " التي باتت ميالة إلى تمجيد لغة المستعمر. لقد حافظ بورقيبة أثناء فترة حكمه علىسياسة الإزدواجية اللغوية مع وضع لغة القرآن في المرتبة الثانية بل في المرتبة الثالثة بعد كل من الفرنسية و العامية التونسية !!! لقد إتسمت سياسات التعريب "البورقيبية" بالتذبذب والإضطراب والتراجع ،ولم يتردد بورقيبة في التصريح سنة 1987 بأن تعريب التعليم في تونس أدى إلى تردي مستوى التلاميذ والطلبة محاولا بذلك تبرير إختياراته في إلغاء التعليم الزيتوني كمربض للغة العربية وثقافتها ،والحد من البعثات الطلابية للمشرق العربي، وعدم القيام بأي حملات تحسيسية بأهمية اللغة العربية كلغة وطنية يجب الإعتزاز بها وإعطائها الأولوية في الإستعمال ،وعلى خلاف ذلك كانت هذه الحملات تشمل ميادين أخرى مثل تنظيم النسل والنصائح الصحية. وقد كان هذا الموقف يشمل الطاقم الحكومي البورقيبي حتى أن وزير أول سابق عرف عنه أنه قال كرد فعل على حركة التعريب بأن ما يهم تونس في المقام الأول هو التقدم ولوكان ذلك عن طريق إستعمال اللغة الصينية[29]، أما التعريب الشامل فذلك لا يعتبر من أولويات السياسة البورقيبية التي حافظت على اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الإدارة التونسية بالرغم من أن الدستور التونسي ينص صراحة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد التونسية وما يتطلبه ذلك من إعتماد لهذه اللغة في كافة المجلات التعليمية والإدارية بين التونسيين هذا علاوة على إعتمادها في تخاطبهم وتراسلهم الرسمي .
3 – بورقيبة والقضية الفلسطينة :
تقدم لنا الدراسة الهامة التي نشرها الدكتور "عبد الجليل التميمي " تحت عنوان "المسألة الفلسطينية وعلاقات الحبيب بورقيبة بالمؤتمر اليهودي العالمي " متابعة دقيقة لتطورعلاقة بورقيبة بالمنظمة الصهيونية العالمية عبر أحد أبرز تنظيماتها وهو المؤتمر اليهودي العالمي وموقفه من نشأة دولة إسرائيل التي هي ثمار نشاط هذا المؤتمر وغيره من التنظيمات الصهيونية ، وهي دراسة لاغنىعنها في فهم هذه المسألة . ملخص ذلك هو أن موقف بورقيبة الذي عبر عنه ضمن ما يعرف بخطاب أريحا سنة 1965 والذي تضمن النقاط التالية :
- ضرورة قبول التسوية التي نادت بها الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين فلسطينية ويهودية
- ضرورة قبول الفلسطنيين مبدأ الحوار مع إسرائيل بدل الحل العسكري
- لا بد على العرب من الإعتراف بالأمر الواقع ووضع حد للسياسة اللاعقلانية لزعمائهم الذين يصفهم بورقيبة بالغباء[30] !!!
وما أثارته هذه التصريحات من إعتداء على عواطف العرب وحقهم في أرضهم المغتصبة وما أنتجه ذلك من ردود أفعال تراوحت بين التصدي المباشر وإتهام الرجل بالخيانة والمطالبة بمحاكمته وإعدامه كما طالب بذلك " أحمد الشقيري " رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ، ليس موقفا عفويا وليد اللحظة يريد أن يجنب العرب والفلسطنيين شر القتال ، بل هو نتاج لتكوين بورقيبة الذي تلقاه في فرنسا منذ أن كان طالب حقوق هناك ثم تربصه على أيدي أحد المحامين اليهود بتونس وهو "أندريه شمامه " بعد عودته إلى تونس سنة 1927 ، لقد كان بورقيبة من أنصار فكرة التعايش السلمي الإسلامي - اليهودي ، وأحد أكبر المنددين بمن أفشلوا محاضرة حول "الإبحار اليهودي" سنة 1938 والإحتجاج عليهم ونعتهم بذوي العقلية المتأخرة ، وهوما دفع أنصار الحزب الحر الدستوري التونسي القديم وهي الجهة التي وقفت وراء ذلك إلى إعتبار بورقيبة " عميل المعمرين الفرنسيين والصهيونيين وحليف اليهود ضد المسلمين "[31].وبالرغم من ذلك إستمر بورقيبة في محاولة تبرير دفاعه على الطائفة اليهودية بل ذهب أكثر من ذلك سنة 1952أي بعد أربع سنوات من قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين عندما صرح لجريدة القناص "...أعتقد أنه من الضروري الإرتباط بعلاقات حسنة مع إسرائيل ولو كنا أحرارا لناضلنا في العالم العربي من أجل هذا الهدف "[32]. إن العلاقة بين بورقيبة والمؤتمر اليهودي العالمي بدأت سنة 1954 كما يشير إلى ذلك قولدمان في تصريح له بتل أبيب سنة 1965 وإستمرت بعد ذلك في شكل لقاءات منتظمة بتونس وأروبا طيلة فترة حكمه وقد كان المؤتمر اليهودي العالمي يراهن على الدور الذي يمكن يلعبه بورقيبة في الترويج" للمشروع الصهيوني" في كل من المغرب العربي والوطن العربي فقد وصفه "إيسترمان "السكريتير السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي بأنه " أهم رجل دولة ديمقراطي في إفريقيا الشمالية وحتى في العالم العربي ،لممارسة تأثيره لتحقيق السلام في الشرق الأوسط "[33] . وكان بورقيبة يعي جيدا الدور المنوط بعهدته فبالإضافة لما قام به من ترويج حول إمكانية التعايش مع دولة الصهاينة إسرائيل ضمن أحداث أريحا لسنة 1965 المشار إليها ساعد بورقيبة هذه الدولة بالطاقات البشرية من اليهود التونسيين مقرا "بحق اليهود التونسيين المطلق في الهجرة إلى إسرائيل مؤكدا على أن هذا الأمر سيستمر " وهو ما أقره وزير داخليته مصرحا بأن "هجرة اليهود التونسيين سوف تستمر دون عوائق أو قيود من طرف السلطات الرسمية .. ولن أتدخل في شؤون يهود البلد، ومن هذا الجانب لا تقلقوا أبدا حول مسألة مغادرتهم البلاد ...وأنه لا يمانع في وصول يهود آخرين شريطة أن يكون العدد ضروريا وأساسيا لنشاط الوكالة اليهودية " ، وقد وصل عدد المهاجرين من اليهود التونسيين إلى ما يفوق الخمسين ألفا [34].
يقودنا كل ما سلف إلى مناقشة دور بورقيبة فيما يسمى بعملية السلام ، إذ يذهب بعض الدارسين وكذلك بعض مؤيدي بورقيبة ومريديه إلى أن الرجل كان مستشرفا للمستقبل وصاحب رؤية ثاقبة لما ستؤول إليه الأحداث من إتفاقات وتوقيع معاهدات سلام مع دولة إسرائيل عدو الأمس ، ويمكن أن يكون ذلك صحيحا بناءا على فرضيتين إثنتين:
- الفرضية الأولى : أن يكون بورقيبة خاليا من رصيده السياسي المؤيد والمرتبط بنشاط بعض التنظيمات التي لها علاقة بالنشاط الصهيوني أو هي إحدى أدواته مثل المؤتمر اليهودي العالمي الذي تمكن من أن يكسب تأييد بورقيبة لهجرة اليهود التونسيين هذا علاوة أن الرجل هو أول عربي يؤيد قيام دولة إسرائيل وما يعنيه من ذلك تحويل لوجهة الصراع بين العرب وعدوهم وإلغاء للحواجز السياسية والنفسية في مرحلة كانت حاجة العرب إلى حشد القوة ودعم المقاومة وليس التلويح بسلام يفرضه قانون الغالب على المغلوب حسب لغة إبن خلدون ، الغالب هو محتل الأرض والمغلوب هو صاحب الأرض الحقيقي .
- الفرضية الثانية : أن يكون السلام و التعايش قد حصل بين العرب وإسرائيل بعد تلك الحروب الطويلة التي عرفتها المنطقة ، لقد بينت الأحداث أن مقولة التعايش هي مقولة وهمية وأن إتفاقات السلام التي بدأت بكامب دافيد المصرية الإسرائيلية ووادي عربة الأردنية الإسرائيلية وقبلها إتفاقيات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية هي في واقع الأمر إتفاقات ورقية أما على الأرض فهناك مغلوب وهناك غالب ،أما الغالب فهو ذلك الذي يفرض شروطه على أرض إحتلها ويقتل أهلها وليس له إستعداد للتفريط في شبر واحد منها بل وليست له إستراتيجية سلام بل له إستراتجية حرب وجوسسة وتخريب لم ينج منها مجالا من مجالات الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية ، وأما المغلوب فهو ذلك المسلوب الأرض والعرض والقوة وهو المقتول والفاقد لجميع الحقوق ، وما بين هذا وذاك نمت تلك الأعشاب الطفيلية التي أطلق عليها جماعات السلام مثل جماعة كوبن هاقن وجمعيات السلام التي ظهرت في كثير من الأقطار العربية بالتوازي مع مؤتمر مدريد وإتفاقيات أوسلو وآختفت بآختفائها مع إنطلاقة الإنتفاضة الفلسطينية الثانية . فهل كان بورقيبة مستشرفا لمستقبل الصراع بين العرب وإسرائيل أم كان ممهدا لتسرب الصهيونية للعقل العربي؟
III - الهوية البورقيبية :
1 – تحديث سياسي مرضي :
يقصد بالتحديث السياسي إقامة نظام ديمقراطي بإعتبار ذلك ضرورة من ضرورات هذا العصر وهو مقوم ضروري للإنسان المعاصر الذي لم يعد مجرد فرد في رعية بل أصبح مواطنا يتحدد كيانه بجملة من الحقوق هي الحقوق الديمقراطية التي في مقدمتها الحق في إختيار الحاكمين ومراقبتهم وعزلهم فضلا عن حق الحرية ، حرية التعبير والتفكير والإجتماع وإنشاء الأحزاب [35]. فهل إستجابت البورقيبية لذلك ؟ إن هذا السؤال يستمد شرعيته من أن بورقيبة داعية التحديث و العقلانية وهي الأرضية التي قامت عليها الليبرالية السياسية الغربية ترك تراثا سياسيا غنيا بمعادات الديمقراطية وإطلاق العنان لهيمنة الحزب الواحد ورفض أي شكل من أشكال التعددية الحزبية وذلك حسب رأيه راجع إلى أن "الواقع والظروف الحالية جعلت قيام حزب آخر أمرا غير معقول ، إذ لم يوجد تكتل له طريقة أخرى وأهداف أخرى ووسائل أخرى توفي بالصالح العام وتجمع حولها جانبا عظيما أو حتى متوسطا من الشعب التونسي "معتبرا أن التعددية السياسية هي مولدة للصراعات والمزايدات والديماغوجية والتخريب ، خاصة و أن الظروف التي عرفتها تونس منذ 1933 لا تسمح بظهور قائمات أخرى ، من يمكن لها أن ترشح أفضل مما قدمنا ؟وماذا عساها أن تقدم كنتائج أثرى مما فعلنا ؟ومن أين لها أن تدافع عن برنامج أصلح من برنامجنا .[36] لقد كان بورقيبة يعتبر الشعب التونسي شعبا متخلفا عن مقتضيات الممارسة الديمقراطية بل يعتبر ذلك طامة كبرى بالنسبة لشعب متخلف ذهنيا ونفسيا مثل الشعب التونسي[37].ويذهب بورقيبة نفس المذهب بالنسبة للحرية التي يؤدي "فتح بابها على مصراعيه إلى أن يلجه من لايستحق الحرية ويستعملها للهدم وزرع بذور الحقد والكراهية وتشتيت شمل الأمة وتقويض أسس الدولة وما من سبيل لمنح الحرية الكاملة على نحو ما هو موجود في بريطانيا إلا حين يصل مستوانا إلى مستوى الشعب البريطاني [38]". لقد كانت تلك الخطب والمواقف هي الخلفية التي حكمت المجتمع التونسي عامة والمجتمع السياسي على وجه الخصوص فالتجربة السياسية لتونس أثناء الفترة البورقيبية تبين أن التحديث السياسي المتمثل في وضع دستور ومجموعة من النصوص القانونية الأخرى المكملة مثل مجلة الصحافة أوالمجلة الإنتخابية أوغيرها لتنظيم الحياة الحياة السياسية لم تكن سوى إجراءات بروتوكولية لأن الرجل لا يؤمن أصلا بحق الشعب في الحرية و الديمقراطية طالما أن هذا الشعب متخلفا ، مما أدى إلى إرساء تجربة سياسية تتميزبسيطرة الحزب الواحد الذي هوالحزب الإشتراكي الدستوري وبالتداخل الكامل بين الحزب والدولة وهو ما سيؤدي إلى دولنة المجتمع بصفة مطلقة كل ذلك من أجل هيمنة بورقيبة على الجميع وآختزال كل من الدولة والمجتمع في شخصه ، ألم يقل "النظام أنا "[39] . لقد حولت شخصنة بورقيبة للدولة مؤسسات هذه الأخيرة إلى مجرد أجهزة كاريكاتورية فارغة من أي محتوى فرئيس الحكومة هو مجرد رئيس لديوان بورقيبة ومنفذا لسياساته ، والبرلمان ذو اللون الواحد هو مجرد حجرة لتسجيل القوانين التي تتقدم بها الحكومة ومقولة فصل السلط هي مقولة شكلية لأن السلطة القضائية تحولت إلى مجرد جهاز من أجهزة السلطة التنفيذية وظف في حالات كثيرة لإجتثاث المعارضات السياسية هذا علاوة على تحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعات خاصة يتصرف فيها ذوي النفوذ في الحزب – الدولة دون رقابة أي كان [40].وفيما يتعلق بنظرة بورقيبة للمجتمع فإن تخلف هذا الأخير قد جعل منه مجرد ورشة يجري فيها بورقيبة تجاربه السياساته المختلفة فهو أب الإستقلال التونسي وهوصاحب فضل تأسيس الدولة الحديثة !!! الذي يفعل ما يحلو له ، حتى تحول المجتمع التونسي تحت تأثير ذلك إلى مجرد جوقة دائمة تزين مناسبات بورقيبة العامة مثل الحملات الإنتخابية (الرئاسية و التشريعية والبلدية) وزياراته وخطبه في الجهات أثناء المناسبات والذكريات الوطنية وأعياده الخاصة مثل عيد ميلاده الذي تستمر الإحتفالات به كامل شهر أوت (إلقاء المحاضرات ، إلقاء الأشعار لاسيما الشعبية منها وإقامة حفلات الطرب ) ، كما جعل من شوارع المدن التونسية فضاءات لنصب تماثيله وما يعكسه ذلك من تظخيم للذات بل وعباداتها [41].مستفيدا في ذلك من طبقة سياسية ونخبة فكرية إنتهازية [42]لم تكتف بمحاولة إضفاء الشرعية على ممارسات سياسية تتنافى مع قيم الديمقراطية الساسية و مع أخلاق المجتمع وقيمه ومقومات هويته بل عملت على تنظير مقولات طوباوية مثل مقولة "الأمة التونسية"[43].لا شك أن بورقيبة لم يكن يؤسس فقط لدولة كليانية ذات لون واحد ترفض أي تنوع أوتعدد أوإختلاف سياسي أو تداول على السلطة وإنما إضافة إلى ذلك كان يعيد إنتاج مفهوم سياسي "قروسطي "وهو مفهوم "الشعب القطيع " الذي يرتبط مصيره بمصير حاكمه مما يدفعه إلى منح حاكمه ورئيسه حق الرآسة مدى الحياة . إن إرساء بورقيبة قواعد الحكم المطلق والإستبداد السياسي يمثل الأرضية الخصبة لتهميش أية مطالبة من طرف المجتمع والمجتمع السياسي للإندماج والتواصل مع المحيط المغاربي والعربي تجسيما للروابط العربية الإسلامية .
2 – البورقيبية وحركات الهوية في تونس :
لاشك أن مواقف بورقيبة من الحركات السياسية لن تكون محكومة برؤيته السياسية القائمة على الإستبداد ورفض إسناد الشرعية لأي كيان سياسي يمكن أن ينافسه أو ينافس حزبه في تسيير شؤون البلاد فقط وإنما إضافة إلى ذلك رفض شرعية الحركات التي تستند إلى شرعية الهوية . فعندما إضطر النظام البورقيبي إلى الإعتراف ببعض الأحزاب السياسية ومنحها الشرعية القانونية بعد الأزمة مع الحركة العمالية والنقابية سنة 1978 والحركة المسلحة التي شهدتها مدينة قفصة سنة 1980 ، إكتفى هذا النظام بالإعتراف بالأحزاب التي نشأت وترعرعت في أحشاء الحزب الإشتراكي الدستوري مثل " حركة الإشتراكيين الديمقراطيين "و" حركة الوحدة الشعبية " ، إذا ما آستثنينا الحزب الشيوعي التونسي الذي يستمد شرعيته وجوده التاريخي بالرغم من حضر نشاطه ما بين 1963 و1981. أما أحزاب الهوية ونقصد بذلك الأحزاب التي تتخذ من القومية العربية أوالفكر الديني الإسلامي مرجعية لها ، فقد أغلق الباب أمامها منذ البداية أي منذ أن صدر قانون الأحزاب الذي يرفض قيام أحزاب تستند إلى شرعية اللغة أو الدين بإعتبار أن تلك قواسم مشتركة بين جميع التونسيين ،وقد نسي بورقيبة وأجهزة حكمه أو تناسى أن التراث السياسي الليبرالي الغربي يحتوي شواهد كثيرة على وجود أحزاب غربية كثيرة تستند في خلفيتها الفكرية والسياسية إلى الديانة المسيحية أو إحدى القوميات الأروبية .وبالرغم من الشروط المجحفة التي وضعت أمام الحركات ذات الهوية القومية أوالإسلامية فقد تقدمت هذه الحركات بمطالب إلى سلطة الإشراف لنيل تأشيرة العمل القانوني بداية من سنة 1981 أي بعد إعلان بورقيبة في المؤتمر الإستثنائي للحزب الإشتراكي الدستوري من أنه " لا يرى مانعا من ظهور تنظيمات وطنية سياسية كانت أو إجتماعية بشرط أن تلتزم بالمصلحة العليا للبلاد والشرعية الدستورية وحماية المكاسي القومية ونبذ العنف والعصبية وعدم الولاء أيديولوجيا وماديا للخارج "[44] وما أضافه محمد مزالي من ضرورة الإعتراف بالشرعية البورقيبية ورآسته مدى الحياة ، بالرغم من ذلك فقد رفضت السلطة مطلب التأشيرة الذي تقدم به الأستاذ "البشير الصيد " لحركته "حركة التجمع القومي العربي " حتى تمارس نشاطها بصورة معلنة و قانونية وتصدر الحركة الجريدة الناطقة بإسمها وهي جريدة "النداء العربي " ، كما تعرض الأستاذ الصيد مؤسس هذه الحركة إلى المحاكمة و السجن [45]. الطرف الثاني من حركات الهوية الذي تقدم بطلب تأشيرة حزب قانوني هو "حركة الإتجاه الإسلامي " الذي إضافة إلى رفض حقه في العمل القانوني وإصدار جريدة ناطقة بإسمه تعرض كوادره للمحاكمة والسجن في السنوات 1981 و1982 و1983 وإغلاق منابره الفكرية مثل مجلة المعرفة بل ودفع هذه الحركة إلى خيار العنف من جديد [46].
إن المتأمل في تجربة بورقيبة الفكرية والسياسية يلاحظ أن الرجل كان محكوما بالإرث الزيتوني فهو يدرك أن الجامع الأعظم كان المنبر الذي دعم جماعة الحزب القديم كما دعم مشائخه حركة الأمانة العامة اليوسفية وكانت منظمة " صوت الطالب الزيتوني " المنظمة الطلابية التي نشأت في أروقة هذا الجامع الطرف المعادي لبورقيبة وتوجهات حزبه التفاوضية ، وهو ما دفعه إلى وضع حد لنشاطه العلمي والسياسي ، ومن ثمة فهو يعلم أن حركات الهوية في تونس لن تكون إلا سليلة الحركات التي نشأت بالجامع الأعظم والحركة اليوسفية التي وجدت تأييد الناصرية في مصر ذلك العدو القديم الذي وجد بورقيبة شعاراته ومبادئه تتكرر ضمن برامج الحركات القومية الناشئة .
3 – أزمة البورقيبية :
إن مأزق البورقيبية يتجد بصورة رئيسية في عجزها على إعادة إنتاج ذاتها في شكل تيار فكري وسياسي بعد أن إنتهت كتجربة في مقاومة الإستعمار!!! وفي السلطة والحكم . لقد كان بورقيبة يعمل على أن يكون ندا لـ "جمال عبد الناصر " هذا علاوة على أنه خصمه التقليدي ، إلا أن الملاحظ أن تجربة عبد الناصر في الحكم وما تركه من آثار فكرية وسياسية من خطب ومؤلفات (فلسفة الثورة ،الميثاق وبيان 30 مارس) قد كان لها تأثيرا واسعا في النخب السياسية والفكرية العربية بإعتبارها تمثل حلقة من حلقات حركة النهضة العربية فنشأت التنظيمات والحركات الناصرية وبرز المنظرون الناصريون على أيام عبد الناصر وما بعدها حتى أن بعض شباب هذه الحركات قد ولد بعد وفاة عبد الناصر لقد باتت الناصرية تيارا واسعا في الوطن العربي بأكمله وهي نموذج للتجربة الوطنية في الحكم في معادات الإستعمار والعدالة توزيع الثروة ...إلخ فماذا عن البورقيبية ؟ إذا ما إستثنينا بعض المذكرات التي كتبها بعض وزراء بورقيبة السابقين التي هي أقرب إلى رد الإعتبار لذواتهم التي تعرضت إلى الإهانة وسوء المعاملة وبعض البحوث العلمية التي وضعاها أكاديميون ضمن قراءاتهم للتحولات التي يعيشها المجتمع التونسي لاسيما ما يقوم به الأستاذ "عبد الجليل التميمي " من مؤتمرات علمية حول التجربة البورقيبية فإننا لا نكاد نعثرعلى تيار فكري بورقيبي ولا على تنظيرات ولا أقول نظرية بورقيبية في تونس أو خارجها ولعل ذلك يعود إلى البورقيبية لم تشكل في أي وقت من الأوقات نموذجا يحتذى ولعل ذلك يعود إلى أن صاحبها أراد لها أن تكون نقيضا للهوية ومقوماتها الرئيسية أي العروبة والإسلام .
خاتمـــــــــة:
خلاصة هذه الدراسة هو أن الحبيب بورقيبة لم يكن معصوما من الخطإ ويرتقي بتجربته فوق النقد ، لقد بدأ حياته مناضلا سياسيا بعد أن نشأ في أسرة ذات أصول طربلسية إستقرت بالمنستير في نهاية القرن الثامن عشر ودرس في المعهد الصادقي ثم بالجامعة الفرنسية ،وإنتهى به الأمر رجل دولة طيلة ثلاثين سنة كاملة وما بينهما لم يتوان عن إعلان عدائه للهوية العربية الإسلامية ومقوماتها الرئيسية المتجسدة في العروبة والإسلام بسبب خلافه العميق مع الحركة اليوسفية وبسبب ما تلقاه من تكوين غربي أراد أن يقوم بتحديث المجتمع على ضوءه فجاء تحديثا مرضيا نتيجة عقلية الإقصاء التي مارسها ضد مكونات المجتمع السياسي وخاصة أحزاب وحركات الهوية .
[1] أغسطيني (هنريكو)سكان ليبيا القسم الخاص بطرابلس ،تعريب التليسي (محمد خليفة) دار الثقافة بيروت 1975 ص 267
[2] بن إسماعيل (عمر) إنهيار حكم الأسرة القرمانلية في ليبيا مكتبة الفرجاني طرابلس 1966 ص 15
[3] إبراهيم ( أبو القاسم أحمد) المهاجرون الليبيون بالبلاد التونسية مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله للنشر تونس 1992 ص 61
- ورد في هذا المؤلف أن عائلة بورقيبة المستقرة بمدينة مصراته الليبية من العائلات الثرية ، و إنعكس ذلك على سلوك الجد الأعلى لبورقيبة بعد هجرته للمنستير حيث عرفت هذه العائلة بتقديمها مائدة أكل للفقراء كل يوم جمعة بحومة الطرابلسية ، هذا علاوة على عتق الحاج "محجد بورقيبة " لعبيده الأربعين سنة 1846.
[4] نفس المرجع و الصفحة
[5] كريم (مصطفى) تأملات في شخصية بورقيبة تعريب (التميمي ) عبد الجليل ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة الوطنية قراءات علمية للبورقيبية منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات أفريل 2000 ص 13
[6] نفس المرجع و الصفحة
[7] جلاب (الهادي)مؤتمر 2مارس 1934 قطيعة أم تواصل ضمن مؤتمر قصر هلال إعداد عبد المجيد كريم ، حسين رؤوف حمزة والهادي جلاب منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية ص ص 5 - 6
[8] الشابي (منصف )صالح بن يوسف دار الأقواس للنشر 1990 ص 185
[9] واردة (منجي) جذور اليوسفية المجلة التاريخية المغاربية عدد 71 – 72 ماي 1993 ص 502
[10] Khaddar (Moncef) Parti unique et violence politique en Tunisie memoire de D E S Universite de Paris I 1971 p10
[11] الذوادي (محمود) العلاقة بين شخصية بورقيبة وأزمة الهوية في المجتمع التونسي الحديث مجلة دراسات عربية عدد 11-12 \ 32 سبتمبر - أكتوبر 1996 ص 116
[12] الكيلاني (مصطفى ) المضامين الثقافية ورموزها في عهد بورقيبة ضمن الحبيب بورقيبة و إنشاء الدولة ...مرجع سابق ص ص 169 – 170
[13] الهيلة (محمد الحبيب ) بورقيبة و الإسلام ضمن الحبيب بورقيبة ... مرجع سابق ص 179
[14] نقلا عن الهيلة ...المرجع السابق ص ص 180 - 181
[15] الهيلة ...مرجع سابق ص 183 ، كريم ، تأملات ... مرجع سابق ص 16
[16] الذوادي، العلاقة بين شخصية ... مرجع سابق ص 116
[17] الذوادي ... نفس المرجع ص 117
[18] العلاني (علية) الخلفيات الدينية والسياسية لمظاهرة 1961 بالقيروان ضمن أعمال المؤتمر الثاني حول بورقيبة والبورقيبيون وبناء الدولة الوطنية مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات سبتمبر 2001 ص 119
[19] نقلا عن سعد (منيرة) بورقيبة و الإسلام ضمن بورقيبة والبورقيبيون ...المرجع السابق ص 187
Zghal ,A bdelkader , “l islam ,les janissaires et le destour “ in Tunisie au present une modernite au dessus de tout soupcon CNRS Paris 1987 p p 371 – 384
Ben Achour ,Yadh , ‘Islam perdu ,islam retrouve ‘ in le maghreb musulman CNRS Paris 1981 pp 65 - 75
[20]Hajji(Lotfi) Pour une relecture critique de la relation de bourguiba a l islam in Realites n 850 \11-17 \4\2002 p23
[21] خطاب بورقيبة يوم 13 ديسمبر 1963
[22] خطاب بورقيبة بمناسبة زيارة العقيد القذافي إلى تونس
[23] التركي (عروسية ) الطاهر لسود بين بورقيبة بن يوسف وعبد الناصر مجلة الوطن عدد4 1997 ص 12
[24] الكتاب الأبيض في الصراع بين الجمهورية التونسية والجمهورية العربية المتحدة ، كتابة الدولة للشؤون الخارجية التونسية ديسمبر 1958 ص ص 34 - 36
[25] عبد الله (الطاهر)الحركة الوطنية التونسية رؤية شعبية قومية جديدة مكتبة الجماهير بيروت 1976 ص ص 155
[26] الحناشي (عبد اللطيف ) موقف الحبيب بورقيبة من قضايا الوحدة العربية والمغاربية ضمن أعمال مؤتمر بورقيبة والبورقيبيون ...مرجع سابق ص ص 88 - 89
[27] نقلا عن البالغ (الهادي) الخصوصية اللغوية والثقافية ضمن الذاتية العربية بين الوحدة والتنوع ،مركز البحوث و الدراسات الإقتصادية والإجتماعية بتونس 1979 ص 76
[28] الذوادي (محمود) التخلف الآخر الأطلسية النشر جانفي 2002 ص 183
[29] نفس المرجع ص ص 184 - 185
[30] التميمي (عبد الجليل )المسألة الفلسطينية وعلاقات الحبيب بورقيبة بالمؤتمر اليهودي العالمي ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة ... مرجع سابق ص38
[31] نفس المرجع ص صر43 - 44
[32] نقلا عن المرجع السابق ص ص 47 – 48 جريدة Le franc – tireur بتاريخ 7 فيفري 1952
[33] أنظر نص التقرير الذي نشره الأستاذ التميمي ضمن دراسته السالفة الذكر ص 58
[34] التميمي ... نفس المرجع ص 50
[35] الجابري (محمد عابد) إشكالية الديمقراطية والمجتمع الكدني في الوطن العربي مجلة المستقبل العربي عدد 167 –1 – 1993 ص 13
[36] أنظر خطابات بورقيبة على التوالي في 11ماي و29 جويلية 1963 و7 ديسمبر 1965
[37] خطاب بورقيبة في 26 أفريل 1966
[38] خطاب بورقيبة في 18 جانفي 1963
[39] وناس (منصف ) الدولة والمسألة الثقافية في المغرب العربي سراس للنشر ص 8
[40] الصغير (عميرة علية )هل نجح بورقيبة في مشروعه التحديثي ضمن أعمال المؤتمر الثاني حول بورقيبة والبورقيبيون ...مرجع سابق ص 111
[41] الذوادي ... مرجع سابق ص 116 ، أنظر كذلك الذوادي (محمود) تأملات في العهد البورقيبي في ضوء كتاب رسالة مفتوحة إلى الحبيب بورقيبة ، دراسات عربية عدد 1 ج 24 سيتمبر 1988 ص 130
[42] بوقرة (عبد الجليل) هل بورقيبة مستبد ؟ ضمن بورقيبة والبورقيبيون ... مرجع سابق ص 67
[43] المبروك (مهدي ) هل نحن أمة ، أزمة الإنتماء لدى النخب التونسية دار البراق للنشر 1989 ص ص 26 – 31
[44] خطاب بورقيبة في المؤتمر الإستثنائي للحزب الإشتراكي الدستوري جريدة الصياح 11 أفريل 1981
[45] مقابلة مع الأستاذ البشير الصيد أجرتها معه مجلة الشراع اللبنانية بتاريخ 24 – 12 1984
[46] أنظر مقالنا التحولات في أنماط الخطاب الديني في المغرب العربي المجلة التاريخية المغاربية عدد 95 – 96 ص ص 595 – 597
Inscription à :
Articles (Atom)