samedi 27 août 2011
التحرك الشعبي العربي وطبيعة ودور التدخل الخارجي /أحمد الناصري
...نصل الى استنتاجنا بصدد العامل والتدخل الخارجي، ونقول بأنه قديم وموجود بأشكال ودرجات مختلفة ومتعددة، ويحاول أن يستغل الأوضاع والنتائج الحالية لصالحه، عبر نشاط متعدد الوجوه، لكنه لا يشكل عاملاً حاسماً أو مسبباً ومحركاً للانتفاضات الشعبية العربية التي قامت وانطلقت لأسباب داخلية معروفة وواضحة، ولا بد من إعادة طرح موضوع التحرر الوطني والاستقلال (المهام الوطنية) وربطه بالديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية بصورة جديدة (البرنامج الديمقراطي)، في ضوء الواقع المحدد وخصائص الثورات والتحركات العربية الحديثة ودروسها ونواقصها وأخطائها والمخاطر الجدية التي تحيط بها والتي من أبرزها محاولة القوى الدينية الرجعية السيطرة على المجتمع والسلطة.
رغم نجاح عدد من الثورات في إسقاط الأنظمة القديمة الفاشلة، وطبيعة الثورات السلمية والشبابية، فأن الأفق والمستقبل لم يتضحا بعد، والطريق لا يزال طويلاً وملتبساً للوصول الى نظام ديمقراطي وطني يقوم على أسس مدنية حديثة!! هذه المسألة بحاجة الى المزيد من المتابعة والدراسة الموضوعية وعدم التسرع في إطلاق الأمنيات والتوقعات السريعة والمتسرعة حول سير الأحداث ونتائجها.
التحرك الشعبي العربي وطبيعة ودور التدخل الخارجي /أحمد الناصري
تشهد البلدان العربية ثورات وانتفاضات وتحركات وتململات شعبية واسعة وعميقة، شملت جميع البلدان والعواصم والمدن العربية، وهي تهز أعماق المجتمعات العربية الراكدة، وتخرج بها من الجمود والركود ومن سبات تاريخي طويل الى ضوء الشمس والحرية، مر عليه أكثر من 1000 عام ملتوي وملتبس ومرتكس، وهي تطرح أسئلة أساسية عن الحاضر وآفاق المستقبل وكيفية العودة الى التاريخ والمساهمة في صناعته وتسييره!!
جاءت التحركات الشعبية الحالية نتيجة مباشرة وطبيعية للأزمة التاريخية العامة التي تمر بها المجتمعات العربية وتعيشها شعوبنا العربية وانسداد الأفق وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وخراب كل ما يتعلق بالحكم وإدارة الحياة اليومية والمعيشية والخدمات الأساسية، يغطيه غطاء سميك من الاستبداد والقمع الشاملين، وضعف أو انعدام الحريات الأساسية والبسيطة، وفشل الدولة في حالات عديدة معروفة، وانعكاس الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة. لذلك كان قيام التحرك الشعبي أمراً لابد من حصوله كنتيجة سياسية لكل هذه العوامل مجتمعة.
إن الأسباب الرئيسية والموضوعية لقيام التحرك الشعبي العربي كثيرة وعديدة، قديمة وجديدة، وهي كافية لتغيير الأنظمة العربية الفاشلة والمعادية والمتناقضة مع المجتمع والحقوق البسيطة للناس، والتي أصبحت خارج الزمن. لذلك كان تفجر الأوضاع عملية داخلية موضوعية لا بد منها لإحداث تغيير، أي تغيير، بسبب انتهاء أية إمكانية لاستمرار الأوضاع السابقة وانتهاء ونفاذ أية إمكانية للتعايش معها. كما إن الأنظمة فقدت قدراتها السابقة في السيطرة والمناورة وإدارة الأوضاع لصالحها بواسطة الأساليب التقليدية القديمة، بسبب تهالكها وتخلفها وتكرارها وفظاظتها وبدائيتها، وهذا ينسحب على الخطاب السياسي والإعلام والدعاية، المستند والمسنود بالقمع والاستبداد الشاملين، الذي هو تكرار مطور لأساليب الحكم والقمع في العصور الوسطى مع تعديلات حديثة شكلية تتعلق بالقصور والمراسيم والمظاهر.
لا نريد أن نعود الى التاريخ القديم والمتوسط رغم أهميتها البالغة لمتابعة التسلسل والمسار التاريخي لطبيعة أنظمة الحكم وطبيعة نمط الاستبداد الشرقي السائد الى اليوم، متمثلاً بالدولة (الحديثة) الهشة والمشوهة، وسلطة ما بعد الاستقلال، وقيام ما سمي أحياناً بالدولة القطرية التي أنتجتها انقلابات ثورات (عسكرية) في الغالب، انتهت في العموم بيد أحزاب وشخصيات قومية تقليدية متخلفة، جاءت من العسكر في أغلب الأحيان، لتتقلص التجربة وتنتقل بيد دكتاتور واحد تحيط به عائلته التي تقود الاقتصاد والسياسة وأجهزة الأمن المرعبة وتلعب بالثقافة والصحافة والرياضة والسياحة والجمعيات الخيرية والتنموية، بل وصولوا الى قيادة حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني.
عاش الدكتاتوريون، هم وحواشيهم، حياة الأباطرة والملوك الذين سادوا وطغوا في العصور الغابرة، وانعزلوا عن الناس من خلال تراتبية مقيتة، ناتجة عن أوهام ومفاهيم دينية ودنيوية وقبلية مصطنعة!! ووصلت تلك الأوهام السخيفة باعتبار الدكتاتور لنفسه أنه من جنس آخر(فوق بشري)، أو نوع مصنع وهجين من الأنبياء وإن كانوا ليسوا سماويين، وهم في جميع الأحوال والظروف أرقي من البشر الطبيعيين والناس العاديين كثيراً أو قليلاً، رغم صفاتهم التافهة والمتخلفة، ورغم مصائرهم المفجعة والبائسة والمهينة، مع نمط مشوه من الملابس والإكسسوارات والشارات والصور المحسنة والألقاب والخطب المكررة والسقيمة وبعض الكتب المنسوخة والتاريخ المزور والوهمي. أنه الوهم القاتل والعيش في كبسولة العزلة خارج الزمن، مع حاشية جاهلة ومتسلقة من المستشارين والكتاب، تقول للدكتاتور ما يريد أن يسمعه فقط!!
الدكتاتورية تتهاوى وتسقط بسبب تعارضها مع الحياة الراهنة ومع طبيعة الأشياء، والشعوب تتحرك في أكثر من مكان وتطالب بحقوقها الأساسية والطبيعية، لكن بين التحركات وتحقيق الأهداف الشعبية السياسية والاقتصادية مرحلة وربما مراحل عديدة، أو ما يمكن أن نسميه بالمرحلة الانتقالية، وهنا تكمن المصاعب والأخطار، وتتصارع الأطراف والقوى، ويحصل كل شيء وتتقرر النتائج. لذلك تبرز وتتأكد أهمية دراسة المرحلة الانتقالية وخطواتها وإجراءاتها وقواها المحركة وبرامجها وتوجهاتها. إن دراسة ذلك يساعد في فهم الوضع ومساره اللاحق ويسهل طرح الشعارات المناسبة.
لقد خربت وشوهت التجارب الدكتاتورية المجتمعات العربية ونخرت وحطمت الإنسان لتسهيل عملية السيطرة عليه، كما خربت الاقتصاد والثقافة والتعليم وفشلت في المجالات الخدمية الأساسية والبسيطة، وكان القمع الطويل والمكثف كافياً لتصفية وعزل الحركات السياسية وفرض نمط أحادي ووحيد من سياسة السلطة مهما كان شكلها وطبيعتها، مما يعرقل المساهمة الفعالة والنشيطة في تسير ودفع المرحلة الانتقالية نحو نهايتها السليمة والسعيدة، ومحاولة عودة عناصر الأنظمة السابقة للسيطرة على الوضع الجديد بواسطة العسكر أو مؤسسات الدولة القديمة والقوى صاحبه المال والمؤسسات الاقتصادية، وبواسطة الفساد العميق والشامل أفسدوا وفسد كل شيء. كما إن خطر القوى الدينية وجماعات الإسلام السياسي بكافة صنوفه التي تحاول القفز الى السلطة مباشرة ومنع التحولات الديمقراطية الحقيقية والجذرية، بتمويل هائل من السعودية ومن جهات تجارية مالية مرتبطة تقليدياً وتاريخياً بالحركات الإسلامية، وهذا الخطر يزداد بصورة واضحة في جميع التجارب التي تم إنجازها في البلدان العربية.
القسم الثاني من العنوان يرتبط بمحاولة فهم وتشخيص طبيعة ودور العامل الخارجي وعلاقته فيما يحصل. لقد قلت منذ البداية واشدد على أن ما يحصل في بلداننا العربية تطورات سياسية واجتماعية داخلية، وهي حتمية وضرورية وطبيعية، قامت نتيجة فشل النموذج السياسي الحالي وتصادمه مع الحياة الطبيعية للناس في العيش والخبر والكرامة والحرية. وقد كانت جميع الأنظمة السياسية العربية تابعة وسابحة ضمن المنظومة الرأسمالية العالمية وأسواقها، بأشكال ودرجات متعددة ومعقدة من التخادم والتبعية التامة في بعض الحالات، التي تصل الى درجة التعاقد على حماية وإبقاء الأنظمة مقابل تامين ما يسمى المصالح الحيوية والاستراتيجية للخارج، التي تتمثل بالنفط ومنع الحركات السياسية من الوصول الى السلطة، وعدم اشتراط تطبيق الديمقراطية في هذه البلدان في مفارقة ملفتة!!
كما هو معروف فأن التواجد والنفوذ الخارجي في أطراف العالم وفي منطقتنا بالتحديد بدء مع عصر الاستكشافات التي قادت الى الاستعمار بأشكاله القديمة والجديدة، منذ تحرك السفن البدائية البرتغالية والأسبانية والهولندية نحو أمريكا الشمالية ونحو الهند والخليج العربي، ثم ومع القفزات الكبيرة للرأسمالية وحاجتها للمواد الأولية والأسواق وتنافسها الشرس على مناطق النفوذ كمصدر كبير وحاسم في تراكم الدورة الرأسمالية العالمية الكبيرة، تحركت فرنسا على مصر وأوقفت تجربة محمد علي باشا عن طريق القوة والاحتلال، ثم جاء الاستعمار البريطاني وسيطر على مصر، وتمددت بريطانيا نحو الهند ودمرت صناعاتها النسيجية الكبيرة واستدارت نحو الخليج العربي، ثم جرى تقاسم المنطقة العربية بواسطة أتفاق سايكس بيكو، بين بريطانيا وفرنسا، وجاء الفصل الجديد مع صعود أمريكا الرئيسي والحاسم بعد الحرب العالمية الثانية الى جانب الترميم السريع للمركز الأوربي التقليدي وعودة اليابان من خلال أعادة اقتصادها العملاق، وهكذا أصبح المحور الثلاثي (حسب سمير أمين) يقود العالم ويتلاعب بمصيره، كل ذلك حصل وتعزز مع وصول الرأسمالية الى الإمبريالية، ثم سيادة العولمة الرأسمالية كتطوير هام للشكل الإمبريالي القديم
ما يتعلق بمنطقتنا فالخارج الرأسمالي كان مسؤولاً عن دعم وبقاء الأنظمة الدكتاتورية للقيام بوظائفها الداخلية والعربية والإقليمية المكلفة بها، كما شجع ونفذ وساهم في انقلابات فاشية دموية. ومع بداية التحرك الجماهيري العربي دعمت بعض البلدان الخارجية الأنظمة التابعة لها، على الأقل دبلوماسياً وإعلاميا، وكان موقفاً منتظراً ومتردداً وانتهازياً في أغلب الحالات، وعندما تيقنت من سقوط تلك الأنظمة المتهاوية تخلت عنها لتلاقي مصيرها الأكيد وتستدير وتتعامل مع الوضع الجديد لضمان مصالحها الكبيرة والمتشعبة في بلداننا.
لذلك فمشاكلنا التاريخية المزمنة ناتجة عن الترابط والتداخل بين الوضع الداخلي الفاشل والمتوقف والدور الخارجي المهيمن.
نصل الى استنتاجنا بصدد العامل والتدخل الخارجي، ونقول بأنه قديم وموجود بأشكال ودرجات مختلفة ومتعددة، ويحاول أن يستغل الأوضاع والنتائج الحالية لصالحه، عبر نشاط متعدد الوجوه، لكنه لا يشكل عاملاً حاسماً أو مسبباً ومحركاً للانتفاضات الشعبية العربية (عدا الحالة الليبية السافرة) التي قامت وانطلقت لأسباب داخلية معروفة وواضحة، ولا بد من إعادة طرح موضوع التحرر الوطني والاستقلال (المهام الوطنية) وربطه بالديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية بصورة جديدة (البرنامج الديمقراطي)، في ضوء الواقع المحدد وخصائص الثورات والتحركات العربية الحديثة ودروسها ونواقصها وأخطائها والمخاطر الجدية التي تحيط بها والتي من أبرزها محاولة القوى الدينية الرجعية السيطرة على المجتمع والسلطة.
رغم نجاح عدد من الثورات في إسقاط الأنظمة القديمة الفاشلة، وطبيعة الثورات السلمية والشبابية، فأن الأفق والمستقبل لم يتضحا بعد، والطريق لا يزال طويلاً وملتبساً للوصول الى نظام ديمقراطي وطني يقوم على أسس مدنية حديثة!! هذه المسألة بحاجة الى المزيد من المتابعة والدراسة الموضوعية وعدم التسرع في إطلاق الأمنيات والتوقعات السريعة والمتسرعة حول سير الأحداث ونتائجها.
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire