ھكذا نعرف أننا لم نفقد حريتنا يوم أن بعدنا عن تراثنا ، وإنما بعدنا عن تراثنا يوم أن فقدنا حريتنا. ويكون التحرر ھو البداية . واول قيد نكسره ھو الخوف من ان نتأمل ونتعلم ونكتشف ونعمل ونغير . وما يعنينا
اكتشافه ، في ھذا الحديث ، ھي قوانين التطور الاجتماعي التي لا بد من معرفتھا حتى نعرف كيف نغير واقعنا العربي .
المنھج الاسلامي / د . عصمت سيف الدولة
لماذا فشل المسلمون في الدفاع عن مجتمعاتھم ؟
....
في حدود ھذا الحديث عن المنھج نقول لم يفشل المسلمون . إن الذين فشلوا لم يفشلوا لأنھم مسلمون بل لأنھم لم يوفوا بمسؤوليات ترك لھم الاسلام مسؤولية الوفاء بھا . ذلك لأن الاسلام وضع بين أيديھم أسس المنھج وترك لھم استكماله واستعماله .
علمھم أن ثمة قوانين أو نواميس تضبط حركة الاشياء والظواھر حتماً وترك لھم أمر اكتشافھا ومعرفة شروط فعاليتھا واستخدامھا .
وعلمھم أن كل ما في الأرض والسماء مسخر لھم وترك لھم أمر اكتشاف عناصر الأرض والسماء وقواھا ومعرفة كيفية تسخيرھا لإرادتھم .
وعلمھم أنھم قادرون ومسؤولون عن تطوير واقعھم على ما يريدون وترك لھم إكتشاف مشكلات واقعھم وإمكانيات تغييره وغاية ھذا التغيير .
كل ھذا لأن الاسلام – كما ھو – دين يخاطب الناس كافة ، في كل مكان وفي كل زمان . نقول الاسلام " كما ھو " لأننا لا نستطيع ، وما ينبغي لنا ، أن نفھم الاسلام أو أن نحاول فھمه إلا كما ھو مطروح في كتابه. وھو مطروح في كتابه على أنه خطاب إلى الناس كافة ، في كل زمان وفي كل مكان . وما كان الاسلام ليكون على ھذا الوجه الانساني الشامل ، بغير قيود من المكان أو الزمان ، لو لم يترك للناس في كل مكان وفي كل زمان أن يتأملوا ويتعلموا ويكتشفوا ويعملوا ويغيروا وفاء منھم بمسؤوليات عن التطور الاجتماعي طبقاً لواقعھم وظروفه التاريخية .
وھكذا ، إذا كنا قد قلنا أن ما يسبق المنھج من مقولات ميتافيزيقية لا يؤثر في صحته إن كان صحيحاً علمياً ، فإن ما يلي المنھج من أحكام في منطلقات وغايات وأساليب التطور الاجتماعي متروك للاجتھاد . نأمر
بالمعروف وننھى عن المنكر ، أما ما ھو المعروف وما ھو المنكر فعلينا أن نكتشفه في واقعنا فنعرفه أو ننكره . وقد بدأ الاجتھاد مع بداية الاسلام . وكان النبي يجتھد فيما لم يأت به نص وكان يخطيء أحياناً في اجتھاده
فيعتذر لأصحابه بأنھم أدرى بأمور دنياھم . ومن بعده اجتھد المسلمون في أمور دنياھم وصاغوا اجتھاداتھم في آراء وأفكار ومذاھب عديدة ومختلفة ومتصارعة في كثير من الأوقات . وكل اجتھاد ينسب الى صاحبه ولو
أسماه مذھباً اسلامياً . وصحته انه مذھب ( نظرية ) في الفكر الاسلامي . ويتحملون مسؤولية ما في المذاھب
من قصور ولھم فضل ما فيھا من توفيق . وھي مذاھب لا شاملة في المكان ولا عامة في الزمان ولم تفلت من قانون التطور الحتمي . فاختلفت من مكان الى مكان ومن زمان الى زمان في المكان الواحد . كذلك فعل الامام الشافعي فغير في مذھبه عندما انتقل من العراق الى مصر . ومن قبله أوقف عمر نفاذ نص في القرآن (المؤلفة قلوبھم ) في ظرف تاريخي لم يكن مسبوقاً في حياة المسلمين . ومن ھنا لا يمكن فھم تلك الاجتھادات والمذاھب بعيدة عن ظروفھا التاريخية الراھنة إلا ان تكون دعوة الى نظرية ( مذھب ) محددة اجتھد اصحابھا فجاءت موفية بمسؤوليتھم كمسلمين عن بيان منطلقات وغايات واساليب التطور الاجتماعي كما يتطلبھا واقع مجتمعاتھم . وھو اجتھاد يحتاج الى عناء فيھرب منه الكثيرون .
أياً ما كان الأمر فالاختلاف في الاجتھاد وتعدد المذاھب ( النظريات ) في الفكر الاسلامي لم يكن خروجاً على المنھج أو مساساً بوحدته . لأن ما يتحقق في كل واقع على حدة ھو حصيلة معالجة ذلك الواقع على ضوء
المنھج . فإن اختلف الواقع اختلفت الحصيلة – الفكرية او العلمية – بالرغم من وحدة المنھج . ولما كان الاسلام لم يلبث أن امتد الى مجتمعات مختلفة في واقعھا ومدى تطورھا فإن حصيلة التطور الاجتماعي كانت
مذاھب مختلفة وممارسة مختلفة ايضاً . فلم يكن ھناك مجتمع اسلامي واحد حتى نستطيع أن نقول أن المسلمين عامة فشلوا بما يتضمنه ھذا من ايحاء بانھم فشلوا لأنھم مسلمون .
وقد نجح المسلمون في تطوير حياتھم الاجتماعية ، أينما كانوا ، طوال الفترة التي كانوا فيھا محتفظين بحريتھم في اكتشاف قوانين الطبيعة وقوانين التطور الاجتماعي . يوم أن كان العلم عبادة والاجتھاد مثوباً ولو
كان خاطئاً . وعندما فقدوا حريتھم توقفوا عن التقدم بمعدل السرعة التي كانوا قد بدأوا بھا مسيرتھم الحضارية فسبقھم غيرھم . وقد فقدوھا في – مجتمعنا – يوم أن تستر الاستبداد بالخلافة وأصبح للأحاديث
الموضوعة وللإجماع المصطنع وللقياس الخاطىء وللمذاھب الخاصة قدسية النص القرآني . وأطلقت الأحكام من حدودھا في الزمان والمكان ، وتحولت دولة المسلمين إلى دولة كھانة يحكمھا الخلفاء ورجال الدين بدلاً
من العلماء والفلاسفة والمفكرين والباحثين . فتجمدت المذاھب في الشريعة على مضامين كسبتھا في مراحل تاريخية سابقة ، فأصبحت قاصرة عن أن توفي بالحلول الصحيحة لمشكلات الحياة في مراحل تالية . فقام جمودھا عائقاً في سبيل التطور . وھكذا كان قد قفل باب الاجتھاد ، استبداداً ، عائقاً دون تقدم المجتمعات الاسلامية ، وليس قفل باب الاجتھاد من الاسلام في شيء بل ھو يناقض منھجه .
فلما جاءت المرحلة التاريخية الحاسمة ، واصطدمت دولة الخلافة الاسلامية بدول حررتھا الليبرالية من قيود الكھانة الكنسية واستبداد امراء الاقطاع انھزمت وتفككت . وبذلك فقدت الشعوب حريتھا جملة وستبقى فاقدتھا طويلاً لأنھا كانت قد فقدت حرية البحث العلمي والفكري وتخلت عن المنھج الاسلامي في مواجھة مشكلات التطور الاجتماعي . المنھج المتميز أساساً بكشفه وتأكيده دور الانسان في تطوير الواقع وانفراده وحده بھذا الدور ومسئوليته عنه . ومرة اخرى تثبت الممارسة أن الانسان ھو قائد حركة التطور الاجتماعي وإنه يوم أن يفقد حريته فتشل مقدرته لا يتطور واقعه تطوراً صاعداً حتى لو تغير .
ھكذا نعرف أننا لم نفقد حريتنا يوم أن بعدنا عن تراثنا ، وإنما بعدنا عن تراثنا يوم أن فقدنا حريتنا. ويكون التحرر ھو البداية . واول قيد نكسره ھو الخوف من ان نتأمل ونتعلم ونكتشف ونعمل ونغير . وما يعنينا
اكتشافه ، في ھذا الحديث ، ھي قوانين التطور الاجتماعي التي لا بد من معرفتھا حتى نعرف كيف نغير واقعنا العربي .
من نظرية الثورة العربية ( المنھج )
المنھج الاسلامي / د . عصمت سيف الدولة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire