mardi 31 mai 2011
المتآمرون على الثورة
يسود قلق كبير في أوساط جميع فئات الشعب التونسي حول مسار الثورة وهم يرون ملامح الخيانة بادية على تعاطي السلطة مع مطالبهم ونهجها السياسي الذي يثير الريب بشدة. لكن أغلب الناس لا يعرفون الدواعي المحيطة بالعملية ولا أسباب هذا التعاطي السيئ مع ما يرونه ضروريا لنجاح الثورة. البعض الآخر يستغرب بشدة ميول السلطة للاستجابة لمطالب اليسار التونسي. خصوصا في مسألة تأجيل الانتخابات. فمن الذي يحرك خيوط اللعبة في الخفاء ؟ ومن يدفع بقوة نحن هذا المسار بالتحديد.
في الحياة السياسية عموما لا يستطيع طرف واحد أن يتحكم في مسار الأحداث تحكما مطلقا وإنما توجد عدة قوى كل طرف فيها يدفع نحو مساره وفي الأحوال الطبيعية يكون هناك توازن بين تلك القوى مما يعدل المسار السياسي العام. مع ترجيح نسبي لطرف على آخر وتعتبر تلك حالة ايجابية. وحين يتغلب مسار على آخر وطرف على آخر بشكل كبير وطاغ فإن الوضع حتما لن يكون صحيا. هذا طبقا لقواعد السياسة الغربية. وفي تونس ما نراه اليوم هو تغلب لمسار على حساب مسارات أخرى لكن هذا التغلب ليس طبيعيا ذلك انه مدفوع من طرف قوة خفية سنكشف عنها النقاب في هذا المقال.
في تونس تكونت خلال الخمسة والخمسين سنة الماضية منظومة سياسية واقتصادية متشابكة وعميقة. ومن خصائص هته المنظومة استفحال المحسوبية فيها واستشراء مصطلح (هذا متاعنا) مما أدى لاحتكار المجالين من طرف جهة واحدة وأطراف بعينهم. وبات من الصعوبة بمكان أن يدخل معهم في معتركهم طرف غريب عنهم. وخاصة المجال الاقتصادي حيث تزيغ العيون لمرأى الملايين. فتكونت على مر السنين منظومة اقتصادية تحكم روابطها المحسوبية والرشوة والانتهازية والاحتكار المشط. وساد مبدأ تقاسم الثروة الوطنية بين ثلة قليلة من رجال الأعمال الكبار وأنتج الفساد الذي نخر المنظومة طبقة من الأثرياء المتسلطين والمتنفذين المتحكمين في الثروات الوطنية وفي الرقاب أيضا. ويحتد بينهم التنافس أحيانا ليتحول لمعارك اقتصادية تداخلها السياسة ويستعملون نفوذهم وسيطرتهم على المجال السياسي كأسلحة فعالة. هته الطبقة أو المجموعة من الأثرياء تسعى جاهدة اليوم لحماية نفسها ومكتسباتها وتمتلك لذلك كل الإمكانيات والوسائل بحكم سيطرتهم على أجهزة الدولة التي كانت تخدم مصالحهم طيلة عقود. واليوم بات واضحا لهم أنه ينبغي تجاوز كل خلافاتهم القديمة ووضع اليد في اليد لحماية منظومتهم ومنافعهم. هؤلاء المرعوبون من فكرة تغيير النظام. والمستنفرون جميعا لحماية الفساد الذي يخدم مصالحهم. يعلمون يقينا أو ربما تلقينا أن عدوهم الأكبر والوحيد هو المد الإسلامي المتصاعد في تونس والذي أثبت الواقع أنه سيكتسح الساحة التونسية كنتاج طبيعي للثورة. فمبدئيا الطرف السياسي الوحيد الذي يستطيع تغيير النظام وإصلاحه ويمتلك بديلا قادرا على ذلك هو حركة النهضة التي استطاعت خلال العشريتين الماضيتين أن تبقى على قيد الحياة بل وأن تتغلغل في المجتمع التونسي في صمت وفي المجتمعات الغربية أيضا حيث أصبح لديهم صوت مسموع هناك. وأصبحت الأنظمة الغربية تستمع إليهم أيضا بعد أن كانت تسمع عنهم فقط.
يقف اليوم ثلة من رجال الأعمال المرعوبين على مصالحهم والمدعومين من النظام الجزائري الذي يخشى من تصدير الثورة التونسية للجزائر إذا نجحت في تحقيق مكاسب فعلية في تونس ومن بعض الأنظمة العربية الأخرى. كل غايتهم حشد القوى السياسية في تونس ضد حركة النهضة ومستعدين لأن ينفقوا في سبيل ذلك المليارات وقد دفعوا فعلا لنجيب الشابي أكثر من ثلاث مليارات من المليمات والحساب لازال مفتوحا. والله أعلم بمقدار ما دفعوا لمختلف تيارات اليسار.
الخطأ الذي وقع فيه كثيرون هو أنهم يظنون أن تيارات اليسار تستغل رجال الأعمال لتمرير أجندتهم السياسية والصحيح أن اليسار لا يمتلك أصلا أجندة سياسية وان سياسته الوحيدة هي النفعية والانتهازية. هم مؤمنون بإفلاسهم وأن أغلبهم يعلمون يقينا أن وجودهم في تونس غير طبيعي وأنهم لن يستطيعوا العيش إلا في ظل نظام مثل نظام بن علي. فرجال السياسة هم الذين يستغلون هته التيارات لمصالحهم ولتحقيق مآربهم ويدعمونهم في العلن وفي الخفاء. ويدفعونهم لتجميع الأحزاب التي هي في أغلبها وهمية يقف وراء كل مجموعة منها أشخاصا بعينهم أملا منهم في أصوات أكثر في حالة حصول محاصصة ويذكر هذا الموقف بوضع أفغانستان بعد خروج السوفيات حيث تكونت ستة أحزاب شيعية دفعة واحدة تقف وراءها المخابرات الإيرانية. وكانوا يطرحون فكرة المحاصصة في السلطة بقوة رغم أنهم لا يمثلون سوى 5 بالمائة من السكان. اليوم يوجد لليسار التونسي عشرات الأحزاب رغم أنهم لا يمثلون إلا نسبة هامشية جدا من التونسيين. ولا نجد للإسلاميين إلا بضعة أحزاب فقط. وتخدم هذه العملية رجال الأعمال أيما خدمة خصوصا وأنهم وجدوا في كثير من الأحزاب استجابة وتعاونا كبيرا.
فالمشهد السياسي اليوم تتجلى ملامحه بوضوح في مشهد تآمري يقف فيه أثرياء تونس ونظامها السابق خلف مجموعة ضخمة من الأحزاب في مواجهة المد الإسلامي بقيادة حركة النهضة ورغم عدم سقوط حمة الهمامي من حزب العمال الشيوعي في هذا المستنقع حتى الآن رغم كثرة الاغراءات والضغوطات. فمع من سيقف الشعب التونسي وأي طرف سينتصر في النهاية.
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire