في أساسيات انتخاب المجلس التأسيسي بقلم الأستاذ , عبد الوهاب معطر محامي و أستاذ جامعي في القانون الدستوري و العلوم السياسية ( الجزء الأول) أولا , القواعد المتعين مراعاتها إن إرادة الشعب هي إرساء لنفوذ السلطات العامة، وعلى هذه الإرادة أن تعبر عن نفسها من خلال انتخابات نزيهة تقوم عبر اقتراع عام ومتساو وبتصويت سري و وفقا لعملية معادلة تضمن حرية التصويت ( المادة 21، 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) وأشار الإعلان العالمي لمعايير انتخابات حرة ونزيهة الصادر عن اتحاد البرلمان الدولي في باريس 26/3/1994 إلى أن سلطة الحكم في أي دولة تستمد شرعيتها فقط من الشعب، كما يعبر عن ذلك في انتخابات حرة ونزيهة تعقد في فترات منتظمة على أساس التصويت السري العادل. ويحق لكل ناخب أن يمارس حقه في التصويت مع الآخرين وان يكون لصوته نفس الثقل لأصوات الآخرين، وان تضمن سرية الاقتراع. وأكدت وثائق الأمم المتحدة على عمومية الاقتراع والتساوي في الاقتراع العام، أي أن يكون لكل مواطن الحق في التصويت في أي انتخاب وطني أو استفتاء عام يجري في بلده. - ويكون لكل صوت من الأصوات نفس الوزن، - وعندما يجري التصويت على أساس الدوائر الانتخابية تحدد الدوائر على أساس منصف بما يجعل النتائج تعكس بشكل أدق واشمل إرادة جميع الناخبين، - ولضمان سرية الانتخاب يجب أن يكون بإمكان كل ناخب أن يصوت بطريقة لا سبيل فيها للكشف عن الطريقة التي صوت أو ينوي التصويت فيها، - ولتعزيز نزاهة الانتخابات لا بد من أن يكون كل ناخب حرا في التصويت للمرشح الذي يفضله أو لقائمة المرشحين التي يفضلها ، ولا يرغم بالترهيب أو بالترغيب غير المشروع على التصويت لمرشح معين أو لقائمة معينة، - وان تشرف على الانتخابات سلطات تكفل استقلالها وتكفل نزاهتها وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام السلطات القضائية، - ويجب أن تشكل آليات حيادية، غير منحازة أو آلية متوازنة لإدارة الانتخابات - ومن اجل تعزيز نزاهة الانتخابات، يجب أن تتخذ الإجراءات الضرورية حتى تضمن أن الأحزاب والمرشحين يحصلون على فرص متساوية لعرض برامجهم الانتخابية. ثانيا , التوافق على نظام اقتراع عادل من المتعارف عليه اليوم في بلادنا أن اللجنة الخاصة بالإصلاح السياسي بمكوناتها هي التي ستضع قانون انتخاب المجلس التأسيسي و لعل من أهم المسائل التي ستحظى بجدل واسع هي الإتفاق حول ضبط نظام الإقتراع المتعين إعتماده لتحويل الأصوات المدلى بها إلى مقاعد ، ذلك أن اختيار هذا النظام أو ذاك ليس أمرا حياديا بل أن له أثرا حاسما في الشخص الذي سينتخب وفي الجهة أو التيار أو الحزب الذي سيقع انتخابه. ذلك أنه حين يحصل حزبان مثلا على عدد مماثل من الأصوات، فان نظاما انتخابيا معينا قد يعطي السيطرة في هذه الحالة لهذا الطرف أو ذاك، في حين قد يمنح نظام آخر تمثيلية أوسع لجميع الأطراف و بالإضافة إلى ذلك فإن لأنظمة الإقتراع انعكاسات أخرى تتجاوز هذا الأثر الأولي، فلها على سبيل المثال تأثير كبير في نظام الأحزاب السياسية القائمة، وبخاصة في عددها وأهميتها النسبية داخل المجلس، كما أنها تؤثر على تماسك الأحزاب وانضباطها الداخليين. فبعض الأنظمة يشجع التجزئة ، اذ تكون أجنحة عدة لحزب واحد على خلاف متواصل، في حين أن أنظمة أخرى تشجع الأحزاب على التحدث بصوت واحد واستبعاد أسباب الخلاف. كذلك يمكن أن تؤدي الأنظمة الانتخابية دورا حاسما في مجرى الحملات الانتخابية وتصرف النخب السياسية، إذ تساهم في تجديد المناخ السياسي العام، فهي يمكن أن تشجع أو تؤخر تكوين تحالفات بين أحزاب، كما يمكن أن تحفز الأحزاب و الجماعات على امتلاك قاعدة واسعة وإبداء نزعة توفيقية، أو على العكس يمكن أن تستثير شعور الانتماء الجهوي أو العائلي. مع ذلك تجدر الإشارة إلى انه ليس من الضروري أن يفضي نظام انتخابي معين إلى النتائج نفسها بحسب البلد الذي يطبق فيه. فعلى الرغم من التجارب المشتركة، تتوقف آثار نظام انتخابي ما، إلى حد كبير، على الوضع الاجتماعي-السياسي القائم في البلد المعني ، إذ تدخل في الحسبان هنا عوامل عدة : بنية المجتمع على الصعد الأيديولوجية والدينية أو الاجتماعية، ثم نمط الديمقراطية ( راسخة، انتقالية أو جديدة ) ، ووجود منظومة أحزاب في حالة تكوينية وقيد التكون، وعدد الأحزاب " الجدية " ، والتركز الجغرافي لناخبي حزب معين أو تشتتهم. كذلك يؤثر نموذج النظام الانتخابي في جوانب أخرى إدارية وقانونية، مثل توزيع مراكز الاقتراع، وتحديد المرشحين، وتسجيل الناخبين، وإسناد المسؤولية للإدارة الانتخابية، وتقسيم الدوائر، وشكل بطاقات الاقتراع و طريقة فرز البطاقات، وإعلان النتائج. ولهذا فان النظام الانتخابي، بالمعنى الواسع، يحول الأصوات المدلى بها في انتخاب عام إلى مقاعد مخصصة للأحزاب والمرشحين. أما المتغيرات الأساسية، فهي التالية : - الصيغة الانتخابية المطبقة ( مثلا، هل نحن في صدد نظام اكثري أو تمثيل نسبي أو مختلط؟ وما هي القاعدة الرياضية المستخدمة لحساب توزيع المقاعد ؟ ). - وزن الدائرة ( حصة الدائرة من المقاعد وما هو المعيار لتقسيم الدوائر ؟ )، هل يعتمد معيار عدد السكان ** المبادئ الرئيسية لوضع نظام انتخابي لوضع نظام انتخابي، من المستحسن البدء بالاتفاق على المعايير التي تلخص ما يراد تحقيقه أو اجتنابه، وبصورة عامة، نوع المجلس والحكومة المنشودين. وأن المعايير التي نذكرها أدناه تغطي ميادين عدة، ولكنها غير كاملة،و بالإمكان إضافة معايير أخرى لا تقل أهمية و الواقع أن بعض المعايير تتشابك وتبدو أحيانا متناقضة، وغالبا ما تكون كذلك فعلا. و الحال أن التوفيق بين أهداف متضاربة هو أحد الجوانب الأساسية لمفهوم المؤسسات، مثلا ، يمكن السعي في وقت واحد لمنح المرشحين المستقلين الفرصة لانتخابهم، وتشجيع انطلاق الأحزاب السياسية القوية. أو انه يمكن التصور بأنه من الحكمة إقرار نظام يتيح للناخبين خيارا واسعا من المرشحين والأحزاب، إلا أن ذلك قد يجعل بطاقة الاقتراع اكثر تعقيدا ويسبب مشاكل للناخبين الأقل تعلما. فحين نختار نظاما انتخابيا معينا، لا بد من وضع لائحة بالأهداف الأساسية، بحسب أولويتها. ثم نقدر أي نظام انتخابي أو أي تركيبة من الأنظمة هو الذي يخدم هذه الأهداف على الوجه الأفضل. أن صوغ النظام الانتخابي يجب أن يأخذ في الحسبان الأهداف التالية : - ضمان قيام مجلس تأسيسي ذي صفة تمثيلية واسعة . - التأكد من أن الانتخابات هي في متناول الناخب العادي وأنها صحيحة. - تشجيع التوافق بين أحزاب متناقضة من قبل. - تعزيز شرعية السلطة التأسيسية. - تشجيع قيام حكومة مستقرة وفعالة. - تنمية حس المسؤولية إلى أعلى درجة لدى النواب المنتخبين. - تشجيع التقارب داخل الأحزاب السياسية. - - مراعاة طاقات وامكانيات البلد الإدارية والمالية. - تشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات ولذلك لا بد من تسهيل الإجراءات على المواطنين وتحفيزهم على المشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية اقتراعا وترشيحا . - تشجيع التنمية السياسية والتعددية الحزبية . - تشجيع الشباب والنساء على المشاركة الفاعلة في الانتخابات ولهذا مهما كانت أية عملية انتخابية نزيهة و منتظمة فان نتائجها السياسية تعتمد بشكل أساسي على النظام الانتخابي المعمول به، وبما أن اختيار النظام يتأثر غالبا باعتبارات سياسية فلا بد لأفراد الشعب و نخبه من امتلاك المعرفة الضرورية بالأنظمة الانتخابية المعمول بها في العالم والتجارب المختلفة في هذا المجال ولهذا سنحاول استعراض ابرز النظم الانتخابية في الجزء الثاني من هذه المساهمة لتمكين سائر المواطنين من التأثير في مجريات هذا الموضوع الحاسم (الجزء الثاني أنظمة الإقتراع ) و( الجزء الثالث , المقترحات أو ما هو منشود )
الجزء الثاني من أساسيات انتخاب المجلس التأسيسي
معطر محامي و أستاذ جامعي في القانون الدستوري و العلوم السياسية تطرقنا في الجزء الأول من هذه المساهمة إلى القواعد المتعين مراعاتها من طرف المشاركين في الهيئة المكلفة بوضع قانون انتخاب المجلس التأسيسي كتعرضنا إلى ضرورة التوافق على نظام اقتراع عادل يتلاءم مع الثورة مشددين على خطورة و أهمية نظام الإقتراع لانعكاسه الأكيد على تركيبة المجلس و على الخيارات الكبرى للدستور المراد وضعه وكذلك على الحياة السياسية للبلاد في الأمد المنظور نتولى فيما يلي التبسط في مختلف أنظمة الاقتراع لغاية تمكين المواطنين من القدر اللازم من الثقافة الانتخابية الكفيلة بتشريكه في هذا المضمار للدفع في اتجاه اعتماد مؤسسات قادرة على التقدم نحو إرساء نظام ديمقراطي يتمتع بالاستقرار المانع من الانتكاس وعلى الرغم من عدم تركيزنا على الجوانب الإدارية للعملية الانتخابية (كتوزيع مقرات الاقتراع، أو تسمية المرشحين، أو تسجيل الناخبين، أو الجهاز الإداري للعملية الانتخابية، إلخ) فإن هذه المسائل على درجة بالغة من الأهمية حيث يؤدي تجاهلها إلى تقويض الفوائد المرجوة من أي نظام انتخابي يتم اختياره. كما أن تصميم النظام الانتخابي يؤثر في مجالات أخرى من قوانين الانتخابات: فاختيار النظام الانتخابي له تأثيره على طريقة تحديد الدوائر الانتخابية، وكيفية تسجيل الناخبين، وكيفية تصميم أوراق الاقتراع، وكيفية فرز الأصوات، بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى للعملية الانتخابية.التي قد نتعرض إليها لاحقا , ما هي النظم الانتخابية؟ في مفهومها الأساسي هي مجموعة من الإجراءات والأنظمة التي تعمل على ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في الانتخابات إلى عدد المقاعد التي تفوز بها الأحزاب أوالمرشحين الأفراد ، وهي تتكون من عدد من المتغيرات الأساسية تتمثل في الآلية الانتخابية المستخدمة (الفردية، النسبية، المختلطة) وتركيبة ورقة الاقتراع (هل يصوت الناخب لمرشح واحد أو لقائمة حزبية، وهل بإمكانه التعبير عن خيار واحد أو مجموعة من الخيارات)، بالإضافة إلى حجم الدائرة الانتخابية و كما أشرنا تعتبر مسألة انتقاء النظام الانتخابي من أهم القرارات بالنسبة لأي نظام ديمقراطي. ففي غالبية الأحيان يترتب على انتقاء نظام انتخابي معين تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسية في البلد المعني ومن ثمة فإن الخلفية وراء انتقاء النظام الانتخابي قد تكون بنفس أهمية الخيار المعتمد ذاته. فعملية انتقاء النظام الانتخابي هي مسألة سياسية بالدرجة الأولى، وليست مسألة فنية يمكن لمجموعة من الخبراء المستقلين معالجتها فغالباً ما تكون المصالح السياسية في صلب الاعتبارات التي يتم الأخذ بها في عملية انتقاء النظام الانتخابي من بين الخيارات المتوفرة. و التي تتلخص عموما في ثلاثة اتجاهات رئيسية تتفرع منها العديد من الآليات المختلفة لتنفيذ العملية الإنتخابية وهي كالتالي الإنتخاب الفردي و الإنتخاب بالقائمات ( 1 ) و الإنتخاب بالأغلبية ( 2 ) و الإنتخاب بالتمثيل النسبي ( 3 ) أولا , الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة يكون الانتخاب فرديا إذا ما جري تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية متساوية في عدد الناخبين ومتعددة بقدر الأعضاء المراد انتخابهم, بحيث يكون للناخبين في كل دائرة أن ينتخبوا عضوا واحدا من بين المرشحين ممن يختارونه عادة لشخصه وبقطع النظر عن انتمائه الحزبي وليس للناخبين في الدائرة الواحدة التصويت لأكثر من مرشح واحد، ونظام الانتخاب الفردي هو الذي تأخذ به العديد من البلدان ، حيث تقسم البلاد الى دوائر انتخابية متساوية من حيث التعدد السكاني ويمثل كل دوائره نائب واحد في المجلس ويختار الناخبون المرشح عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر فلو افترضنا أن المجلس التأسيسي سيتكون من 250 نائب مثلا فإنه من المتعين تقسيم البلاد إلى 250 دائرة انتخابية متساوية في عدد سكانها ويختار الناخبون في كل دائرة نائبا واحدا أي الذي يفوز بأكثرية الأصوات من بين المترشحين العديدين . و لقد أثار موضوع الانتخاب الفردي الكثير من النقاش ، بالرغم من مضي مدة طويلة على ظهوره ، نظراً لما ينطوي عليه من إيجابيات وسلبيات. فقد أشار أنصاره إلى أن هذا النظام يحقق توازناً كبيراً بين المصالح المختلفة، على خلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي غالباً ما يفسح المجال أمام أحد الأحزاب للاستحواذ على كافة المقاعد النيابية. كما يتسم هذا النظام بالبساطة، إذ يختار الناخب نائباً واحداً في دائرته الانتخابية الصغيرة مما يمكنه من اختيار أكفأ المرشحين، بخلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي يشتت الناخب بين عدة مرشحين لا يكون في الغالب على معرفة كافية بهم. كما يمنح هذا النظام الناخب المزيد من الحرية والاستقلالية في اختيار النائب، إذ يقلل من هيمنة الأحزاب السياسية على إرادة الناخبين، في حين يخضع غالباً نظام الانتخاب بالقائمة الناخب لسيطرة الأحزاب السياسية ويحد من حريته في الاختيار بين المرشحين. ويسمح نظام الانتخاب الفردي للنائب بالإطلاع على احتياجات دائرته الانتخابية ويمكنه من معرفة المشاكل التي تعاني منها بحكم كونه من سكانها غالباً. ويحقق هذا النظام المساواة بين الدوائر الانتخابية كونه يقسم الدولة إلى دوائر صغيرة لكل دائرة ناخب واحد. لكن هذا النظام لا يخلو من العيوب منها أنه يجعل الاختيار قائما على أساس المفاضلة بين الأشخاص لا بين المبادئ والأفكار. كما يجعل المرشح أسير الدائرة الانتخابية ويركز عنايته لخدمة مصالحها ويغفل مصالح البلاد. أما الانتخاب بالقائمة فهو يفترض تقسيم الدولة إلى عدد قليل من الدوائر الانتخابية الكبيرة الحجم، ويمثل الدائرة الواحدة عدد من النواب يجري انتخابهم في قائمة تثبت فيها أسماءهم وبالعدد الذي يحدده القانون فإذا افترضنا مثلا الأخذ بجعل المعتمديات دوائر انتخابية و أسندنا لكل معتمدية عددا من النواب يتناسب مع عدد متساكنيها فإنه يتعين أن تتقدم قائمات متعددة تحتوي كل واحدة منها على عدد من المترشحين لا يتجاوز عدد النواب المخصصين للمعتمدية المعنية و تفوز القائمة التي تحرز على أكبر عدد من الأصوات التي يقع احتسابها حسب الطرق المبينة أدناه و المهم هنا هو أن أسلوب تقسيم الدوائر الانتخابية يختلف في ظل الانتخاب الفردي عنه في الانتخاب بالقائمة، ففي الانتخاب الفردي تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية صغيرة الحجم ( مثل المعتمديات أو العمادات) وتنتخب كل دائرة من هذه الدوائر نائبا واحدا. أي يصوت الناخب لمرشح واحد. أما الانتخاب بالقائمة فيقلل عدد الدوائر، ويكبر حجم كل منها، ( مثل الولايات ) ليقع فيها انتخاب عدة نواب، ومن هنا تصبح مسألة ضبط الدوائر الإنتخابية على قدر كبير من الأهمية , و لقد ، أشار أنصار نظام الانتخاب بالقائمة إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها أنه يحرر النائب من سيطرة الناخب ولا يدع مجالاً لتحكم العلاقات الشخصية. ويزيل هذا النظام عن الانتخابات كل ما من شأنه المساس بنزاهتها واستقلاليتها كالضغط على الناخبين أو إغوائهم أو التغرير بهم، على خلاف الحال في نظام الانتخاب الفردي الذي قد يفسح المجال واسعاً أمام الرشوة الانتخابية ا. وإن نظام الانتخاب بالقائمة يوسع من الخيارات المتاحة أمام الناخب في اختيار النواب بحكم تعددهم، خلافاً لنظام الانتخاب الفردي الذي يضيق من هذه الخيارات إذ لا يجد الناخب في الكثير من الأحيان بداً من التصويت لنائب معين بحكم العلاقات الشخصية أو الانتماء الأسري. كما أن نظام الانتخاب بالقائمة يجعل المفاضلة بين نائب وآخر تقوم على أسس موضوعية مردها الموازنة بين المبادئ والأفكار المختلفة لا بين الأفراد كما في الانتخاب الفردي و من الواضح أن كل نظام (الفردي و بالقائمة ) تسجل له إيجابيات وعليه سلبيات ولا يمكن من حيث الواقع تفضيل أحد الأنظمة على الآخر ، فقد ينجح النظام في دولة معينة ويفشل في أخرى، إذ يتوقف الأمر على وعي الناخبين ونضجهم السياسي وعراقة تجربة الدولة الانتخابية وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. و بالإضافة لذلك فإنه ولئن كان الإنتخاب الفردي لا يطرح إشكالا من جهة وضوح و سهولة الإختيار فإن الانتخاب بالقائمة يتضمن قدرا متفاوتا من الحرية للناخبين. إذ يثير الانتخاب بالقائمة التساؤل بشأن حرية الناخب في تكوين قائمته الانتخابية، فهل هو ملزم بالتصويت على القائمـة كما طرحها الحزب السياسي، أم للناخب المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة وإنشاء قائمته الانتخابية الخاصة؟ للإجابة على هذا التساؤل نشير إلى أن الدول انقسمت في ذلك بين ثلاثة أنظمة مختلفة كالتالي ,, - النظام الأول: نظام القائمة المغلقة وفي هذا النظام يلزم الناخب بالتصويت على إحدى القوائم الحزبية، دون أن يكون له الحق في إجراء أي تعديل عليها، سواءً بالإضافة أو الحذف أو بإعادة ترتيب الأسماء. النظام الثاني: نظام المزج بين القوائم وفي هذا النظام يكون للناخب الحرية في تكوين قائمته الانتخابية، عن طريق المزج بين الأسماء الواردة في قوائم الانتخابات المختلفة. شريطة أن لا يتجاوز عدد هذه الأسماء عدد النواب المخصصين للدائرة النظام الثالث: نظام إعادة ترتيب القوائم ووفقاً لهذا النظام للناخب إعادة ترتيب أسماء المرشحين الذين تضمهم القائمة التي اختارها، دون أن يكون له المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة لكن ومع مراعاة الفوارق بين الإنتخاب الفردي أو الإنتخاب بالقوائم فإن هذين النظامين يشتركان فيما بينهما من جهة وجوب توفر أغلبية للفوز . ثانيا . نظام الأغلبية بموجب هذا النظام يعد فائزاً في الانتخابات المرشح أو المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في الدائرة الانتخابية، ويمكن تطبيق هذا النظام في حالة التصويت الفردي أوالتصويت على القائمة. فإذا كان الانتخاب فردياً فاز المرشح الذي حصل على أكثر الأصوات، أما إذا كان التصويت على قائمة، كانت القائمة فائزة بجميع مقاعد الدائرة الانتخابية متى حصلت على أكثرية الأصوات. و يذهب غالبية الفقه الدستوري إلى أن هناك تلازماً حتمياً بين نظام الأغلبية بالقائمات ونظام الثنائية الحزبية، لأن هذا النظام يؤدي في المدى الطويل على الأقل إلى التقليل من عدد الأحزاب، فيندمج بعضها في بعض حتى ينتهي الأمر إلى وجود حزبين كبيرين يتبادلان الأغلبية البرلمانية على امتداد السنين، وخير مثال على ذلك النموذج الأمريكي والبريطاني، حيث يأخذ كل منهما بنظام الحزبين الكبيرين، ونظام الأغلبية في الانتخابات و في الواقع فإن أهم ما يتميز به هذا النظام هو البساطة والوضوح والقدرة على تكوين أغلبية برلمانية متماسكة، مما يؤدي في النهاية إلى استقرار الحكومات.إلا أن ما يسجل عليه أنه قد يتنافى مع الديمقراطية الحقة، كما أن نتائجه قد لا تتسم بالعدالة كونه يضع القوة السياسية في يد الحزب الذي يظفر بها، ويترتب على ذلك إهمال ما عداه من الأحزاب التي قد يكون بعضها ذات أهمية كبيرة مما يجعل المجلس النيابي المنتخب بعيداً عن أن يكون ممثلاً لجميع شرائح المجتمع، وما لم تمثل الأقلية في المجلس فإن الحكومة لا تكون حكومة ديمقراطية قائمة على مبدأ المساواة، بل تكون حكومة فئة ممتازة تفرض سلطاتها على كل من يخالفها في الرأي. و مهما كان الأمر فإن ما تتجه الإشارة إليه هو أن نظام الأغلبية سواءا كان فرديا أو بالقائمات فهو يأخذ إحدى صورتين رئيسيتين: -نظام الأغلبية البسيطة: و فيها يقع إنتخاب المرشح أو المرشحين الذين حصلوا على اكبر عدد من الأصوات, بصرف النظر عن مجموع الأصوات التي حصل عليها باقي المرشحين. أي حتى لو كانت الأصوات التي حصل عليها الآخرون تزيد على نصف مجموع الأصوات المعطاة في الدائرة. فلو فرضنا أن دائرة معينة اجري فيها الانتخاب على أساس الأغلبية البسيطة مع الأخذ بنظام الانتخاب الفردي, وان المرشحين فيها ثلاثة, حصل أولهم على (800 )صوتا, والثاني على( 700 ) صوتا، والثالث على (500 ) صوتا, فان المرشح الأول هو الذي ينتخب, على الرغم من أن المرشحين الآخرين قد حصلا على أكثر من نصف الأصوات المعطاة. وإذا فرضنا أن الانتخاب على أساس القائمة, وان الدائرة مخصص لها( 3 ) مقاعد, وان القائمة المقدمة من الحزب (أ) قد حصلت على (800 )صوتا، والقائمة المقدمة من الحزب (ب) قد حصلت على (700) صوتا، والقائمة (ج) قد حصلت على (500) صوتا، فإن الحزب (أ) هو الذي يفوز بالمقاعد الثلاثة. 2- نظام الأغلبية المطلقة: في نظام الأغلبية المطلقة يتوجب إعادة الانتخاب في المثالين السابقين, لان نظام الأغلبية المطلقة يعني أن المرشح الذي ينتخب هو الذي يفوز بأكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة (أي 50٪+ 1) مهما كان عدد المرشحين. فنظام الأغلبية المطلقة لا يكتفي بمجرد حصول أحد المرشحين على أكثرية الأصوات بالنسبة لبقية المرشحين منفردين. بل يلزم لانتخاب أحد المرشحين أن يحصل على أصوات تفوق مجموع الأصوات التي حصل عليها باقي المرشحين مجتمعين. ففي المثالين السابقين يلزم إعادة الانتخاب بين المرشح الأول والمرشح الثاني, أو بين القائمة (أ) والقائمة (ب) ويكون الفوز لمن يحصل منهما على أكثرية الأصوات. وقد تؤدي إعادة الانتخاب في دورة ثانية إلى فوز المرشح الثاني أو القائمة الثانية. وقد يتضامن أنصار المرشح الثالث مع أنصار المرشح الثاني, فيفوز هذا الأخير على الرغم من أن ترتيبه كان الثاني في الدورة الأولى ثالثا : التمثيل النسبي أن نظام الأغلبية هو دون شك الأقدم في العالم، غير أن التمثيل النسبي قد تم تطبيقه للمرة الأولى، في بلجيكيا 1889 وفي هذه الأيام يطبق في اكثر من 60 بلدا في العالم سيما أنه. يجري في دورة واحدة و يتيح تلافي التكاليف المعروفة في الأنظمة التي تطبق الدورة الثانية. ويقصد بنظام التمثيل النسبي منح كل حزب أو اتجاه عدد من المقاعد النيابية يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها. باعتبار أن العدالة هي الميزة الأولى لهذا النظام، فهو الذي يجعل عدد المقاعد التي تحصل عليها القوى السياسية يتناسب مع نسبة حضورها الانتخابي و من ثمة فإنه أيا من القوى السياسية أو أي جزء من الرأي العام لا يستأثر من ناحية المبدأ بالتمثيل الكامل كما أنه لا يظل أيضا دون تمثيل . ولم يتم تبني هذا النظام إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على إثر تعالي الأصوات المنادية بالعدول عن نظام الأغلبية، كونه لا يمثل اتجاهات الرأي العام تمثيلاً حقيقياً في البرلمان، كما أنه يحابي الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة، وقيل بحق إن نظام التمثيل النسبي وحده هو الذي يسمح بتوزيع المقاعد البرلمانية بين الأغلبية والأقلية. وانقسم رأي الفقه بشأن إمكانية تطبيق هذا النظام في ظل نظام الانتخاب الفردي إلى اتجاهين : الاتجاه الأول : يرى أن هذا النظام لا يمكن تطبيقه إلا في صورة الانتخاب بالقائمة لأنه بحكم طبيعته يتطلب عدة مقاعد توزع بنسبة معينة، كما أن نظام القائمة يفترض تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة . الاتجاه الثاني : يذهب إلى أن نظام التمثيل النسبي يمكن تطبيقه في ظل نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة، وهو ما يجري عليه العمل في جمهورية أيرلندا منذ نشأتها وفي أستراليا في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ منذ سنة 1949 . و بقطع النظر عما ذكر فإن أهم ما يتميز به هذا النظام أنه يسمح بتمثيل كافة اتجاهات الرأي العام والأحزاب السياسية في البرلمان، كما أنه أكثر عدالة من نظام الأغلبية،لكونه يضمن لكل حزب عدداً من المقاعد في المجلس النيابي يتناسب وعدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات. ويؤمن هذا النظام المحافظة على الأحزاب السياسية وينميها، وفي ذلك ترسيخ لمفهوم التنافس السياسي المشروع ويجنب البلاد الأزمات الناشئة عن التنظيمات السياسية غير المشروعة كالمنظمات والأحزاب السرية. بل يشجع الناخـب علـى الإدلاء بصوته لمن يشاء من الأحزاب السياسية، فالناخب قد يعرض عن المشاركة في الانتخابات حينما يرى أن الأحزاب المشاركة في الانتخابات لا تمثل رأيه، أو حينما يخشى إهدار صوته لكونه يدلي به لحزب ليست له إلا شعبية محدودة و من جهة أخرى فثمة من يعيب على نظام التمثيل النسبي أنه قد يجعل الناخب غير قادر على الاختيار بين عدد كبير من المرشحين. ويشجع الأحزاب السياسية على التعدد إلى أقصى حد، فكل جماعة مهما قل عددها تستطيع أن تكون حزباً، فهي لن تهدر صوتاً هنا أو هناك ليكون لها في النهاية مقعداً تحصل عليه في المرحلة الثانية إن لم تستطع الحصول عليه في المرحلة الأولى . وهذا النظام يشتت مقاعد البرلمان بين عدة أحزاب وهو أمر غير مرغوب فيه كونه لا يهيىء السبيل لأي حزب للحصول على الأغلبية المطلقة في المجلس النيابي الأمر الذي يعقد مهمة تشكيل الوزارة، والمعلوم أن تشكيل الوزارة من أكثر من حزب واحد يعني عدم الانسجام السياسي، بل إن ريح الخلافات قد تعصف بها بعد فترة قصيرة من تشكيلها ويقوم التمثيل النسبي على أن تكون الانتخابات حسب قائمة الأسماء ومبدأ الأكثرية النسبية معاً، ويجب تبعا لذلك أن يقسم مسبقا عدد المصوتين على عدد النواب المقرر انتخابهم في الدائرة الانتخابية وعندما ينال المرشح ناتج القسمة يعتبر نائباً. والمقصود بالقاسم الانتخابي أنه الرقم الذي يتم الحصول عليه من قسمة عدد الأصوات الصحيحة المعطاة في الدائرة على عدد المقاعد المخصصة لها كما أن الدائرة الانتخابية يمكن أن تكون كامل تراب البلاد كما يمكن أن تقسم البلاد إلى دوائر عديدة هذا وتجدر الإشارة إلى أن الفرق بين التمثيل النسبي على مستوى الدولة والتمثيل النسبي على مستوى الدوائر يكمن في أن القاسم الانتخابي في التمثيل النسبي على مستوى الدولة كلها هو قاسم انتخابي قومي واحد في كل أراضي الدولة بينما يكون القاسم الانتخابي في التمثيل النسبي على مستوى الدوائر قاسماً انتخابياً خاصاً بكل دائرة على حدة، زد على ذلك هناك فرق جوهري في كيفية توزيع المقاعد الباقية في نظام التمثيل النسبي بين صورة الدائرة الوحيدة و صورة تعدد الدوائر داخل الدولة . من ذلك أنه عندما يكون التمثيل النسبي على مستوى الدولة و في دائرة واحدة فإن القوائم الانتخابية المتنافسة تكون قوائم قومية إذ يقدم كل حزب قائمة قومية وحيدة بمرشحيه على مستوى الدولة، ويتم استخراج القاسم الانتخابي من قسمة عدد الأصوات الصحيحة في الدولة كلها على عدد المقاعد البرلمانية وتوزيع المقاعد الباقية على أساس أكبر البواقي. و من اجل الاستفادة من مميزات نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي وتقليل عيوب كلا النظامين، لجأت العديد من الدول إلى اعتماد " النظام المختلط " وهو معمول به حاليا في العديد من البلدان والذي يعني انتخاب عدد من المقاعد ( نصفها مثلا ) على أساس الدوائر الفردية ( الأغلبية ) والنصف الآخر على أساس التمثيل النسبي كما هو الحال في ألمانيا. هذا و قد اعتمدت بلغاريا " النظام المختلط" في 1990، وذلك لانتخابات البرلمان التأسيسي الذي اقر دستور بلغاريا في 1991، والبالغ 400 عضو نصفهم 200 على أساس الدوائر الاقليمية للتمثيل النسبي و، 200 مقعد على أساس الدوائر الفردية بنظام الأغلبية المطلقة أي ( 50% + 1 ) حيث جرى تقسيم البلاد الى 200 دائرة لكل منها مقعد واحد ، وجرت انتخابات لجولة ثانية في العديد من الدوائر و السؤال المطروح هو أي نظام اقتراع يستجيب لمتطلبات انتخاب المجلس التأسيسي لبلادنا و ماهي الخيارات الكبرى المتعين مراعاتها في العملية الإنتخابية برمتها حتى يكون لدينا مجلسا يستجيب لطموحات الثورة و قادرا على النهوض بالمهام التاريخية المنتظرة منه ? هذا ما سيكون موضوع الجزء الثالث من هذه المساهمة المتواضعة الأستاذ عبد الوهاب معطر
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire