بعد تنصيب حكومة المهدي جمعة، وبعد السنوات العجاف التي عرفتها البلاد بعد
انتخابات أكتوبر 2011، أصبح جليا ان المعركة في تونس ليست بين ثورة وثورة ولا بين
شعب وشعب انما هي معركة بين أناس يريدون وطنا بحجم الحلم سمعنا عنه كثيرا في القصص
الجميلة وبين اخرين يريدون وطنا يملكونه ليكون على مقاسهم وحدهم.
الشعب التونسي استسلم لإرادة الحوار الوطني، ووافق على خلع أصحاب الذقون من
الحكم، ليس لتأتو ب'غنانيش" جدد بدون ذقون ,و لا رفض اخونة الدولة لتعود
الينا عصابات الرئيس الفار لسدة الحكم .
أننا نريد وطناً خالياً من المدعين والأغبياء والفاسدين والأفاقين
والمزايدين والمخبرين ومحتكري الحقيقة المطلقة، والمتاجرين بأحلامنا، وتجار أسواق
النخاسة، ولحّاسين الاحذية والمرتزقة والإعلاميين «النص نص» وضيوفهم «النص نعل».
فتونس اليوم تعيش مرحلة التبول اللاإرادي وكل كلام عن الامل
يصبح نوعا من الوقاحة نظرا لتفاقم العنصرية السياسية والاجتماعية التي تعيشها
البلاد فلا نزال نتلقى الوعود، اذ لم تحل واحدة من المشاكل الجوهرية التي عصفت بالبلاد،
أرضا وانسانا، ولا داعي هنا ان نذكر بالأزمات التي اطبقت على عنق المواطن وافقدته
رشده فأكثر المشاعر المسيطرة على الناس هي الإحباط والضياع وانعدام الامل.
قد يكون جميلا الحديث عن اشعال شمعة عوض لعن الظلام وأن نلعب
دور طمأنة الناس ونظهر لهم الجانب الجميل بوطننا الأخضر ونرى مكامن الجمال فيه ونتحدث
إليهم عن عظمة بلادنا وتاريخها الممتد في القدم.
لكن في الحقيقة لو انطلقنا من محيطنا الصغير: الاسرة، الحي،
الشارع سيتضح ان الظلام حالك وشديد السواد لدرجة أنك لا تستطيع رؤية الشمعة
لتشعلها.
ليكون دورنا الحقيقي لو
كنا نحمل من الشرف ذرة ان نواجه الناس بالحقيقة.
فتونس قادمة على كارثة
تاريخية لو بقيت الأمور تدار على هذه الشاكلة ويظهر ذلك جليا بخارطة الأوضاع الاجتماعية
بالجمهورية التونسية.
ففي ظل المأساة التي تعيشها البلاد لا يوجد من يستطيع العيش مطمئنا
على كرامته وحياته وحياة اسرته الا الافراد في هذه المنظومات الثلاث:
1- منظومة الجهات السيادية المتكونة من أعضاء الحومة
وأصحاب المناصب الكبرى بالبلاد.
2- منظومة العدالة المتكونة من النيابة والقضاة والمستشارين.
3- منظومة
الثروة التي تتعامل مع المنظومتين السابقتين وتكاد تشتريها.
هؤولاء هم فقط من يستطعون العيش وهم
مطمئنون حيث لا يوجد أحد بإمكانه ايذائهم ويقلق راحة حياتهم ولذلك نسميهم
"الفئات الامنة الى يوم الدين".
بناءا على ذلك ليس لنا الا حل من حلين
اثنين لا ثالث لهما فأما ان نهاجر من هذه البلاد بأقصى سرعة او نحاول في محاولة
غير مضمونة ان ننتمي الى هذه الفئات الامنة
فقد نستطيع ان ندخل معهم مظلة الأمان الخاصة بهم.
اما نحن و امثالنا فمرشحين في كل لحظة
ان نضرب بالأحدية على رؤوسنا، لا قيمة لنا في هذا الوطن الذي اصبح وطنهم هم و نحن
صرنا لاجئين عندهم فهم لا يعترفون بحقوق المواطنة الرئيسية المتعلقة بالمساواة بين
جميع المواطنين و الفرص المتساوية لجميع المواطنين للمشاركة في الحياة السياسية و العامة،
أي ان ركني المواطنة هما المساواة و المشاركة في نفس الوقت فانه يترتب على المواطنة
حقوق وواجبات ..و الحقوق تسبق الواجبات أي انه في حال وجود واجبات بدون حقوق تتحول
المواطنة الى سخرية و عبودية و ليست مواطنة.
فهيا بنا نخرج الوطن القديم من قلوبنا
بكل ملامحه وتفاصيله وطعمه فمثلما طردنا الوطن من داخله لبد ان نطرده من داخلنا وندفن
قلوبنا الملتاعة به ونرتاح. ونعمل على تأسيس وطننا الذي نريد.
ويكفينا ان نبدأ اول خطوتنا العملية بتبني نصيحة
الأستاذ قيس سعيد حين قال: «لا تفوضوا اموركم الى محترفي السياسة بل حاولوا ان
تجدوا اليات أخرى فأنتم قادرون على ابتداع هذه الاليات لأنكم كنتم قادرون على
الابداع في الماضي ولا تتركوا أحدا يسطو على ارادتكم"
لنكتب بذلك معا دستورا يشبهنا فيه
ملامحنا ننتمي اليه وينتمي الينا عنوانه الكبير:
-السيادة الوحيدة في الدولة هي للعلم والقانون
-المواطن الفرد هو اهم عنصر في الدولة
واقوى من جميع المؤسسات.
مرحبا بكم في وطنكم الجديد الذي
تتمتعون فيه فعلا بجنسيتكم التونسية.
الجيلاني قراوي