mardi 31 mai 2011

المتآمرون على الثورة



يسود قلق كبير في أوساط جميع فئات الشعب التونسي حول مسار الثورة وهم يرون ملامح الخيانة بادية على تعاطي السلطة مع مطالبهم ونهجها السياسي الذي يثير الريب بشدة. لكن أغلب الناس لا يعرفون الدواعي المحيطة بالعملية ولا أسباب هذا التعاطي السيئ مع ما يرونه ضروريا لنجاح الثورة. البعض الآخر يستغرب بشدة ميول السلطة للاستجابة لمطالب اليسار التونسي. خصوصا في مسألة تأجيل الانتخابات. فمن الذي يحرك خيوط اللعبة في الخفاء ؟ ومن يدفع بقوة نحن هذا المسار بالتحديد.
في الحياة السياسية عموما لا يستطيع طرف واحد أن يتحكم في مسار الأحداث تحكما مطلقا وإنما توجد عدة قوى كل طرف فيها يدفع نحو مساره وفي الأحوال الطبيعية يكون هناك توازن بين تلك القوى مما يعدل المسار السياسي العام. مع ترجيح نسبي لطرف على آخر وتعتبر تلك حالة ايجابية. وحين يتغلب مسار على آخر وطرف على آخر بشكل كبير وطاغ فإن الوضع حتما لن يكون صحيا. هذا طبقا لقواعد السياسة الغربية. وفي تونس ما نراه اليوم هو تغلب لمسار على حساب مسارات أخرى لكن هذا التغلب ليس طبيعيا ذلك انه مدفوع من طرف قوة خفية سنكشف عنها النقاب في هذا المقال.
في تونس تكونت خلال الخمسة والخمسين سنة الماضية منظومة سياسية واقتصادية متشابكة وعميقة. ومن خصائص هته المنظومة استفحال المحسوبية فيها واستشراء مصطلح (هذا متاعنا) مما أدى لاحتكار المجالين من طرف جهة واحدة وأطراف بعينهم. وبات من الصعوبة بمكان أن يدخل معهم في معتركهم طرف غريب عنهم. وخاصة المجال الاقتصادي حيث تزيغ العيون لمرأى الملايين. فتكونت على مر السنين منظومة اقتصادية تحكم روابطها المحسوبية والرشوة والانتهازية والاحتكار المشط. وساد مبدأ تقاسم الثروة الوطنية بين ثلة قليلة من رجال الأعمال الكبار وأنتج الفساد الذي نخر المنظومة طبقة من الأثرياء المتسلطين والمتنفذين المتحكمين في الثروات الوطنية وفي الرقاب أيضا. ويحتد بينهم التنافس أحيانا ليتحول لمعارك اقتصادية تداخلها السياسة ويستعملون نفوذهم وسيطرتهم على المجال السياسي كأسلحة فعالة. هته الطبقة أو المجموعة من الأثرياء تسعى جاهدة اليوم لحماية نفسها ومكتسباتها وتمتلك لذلك كل الإمكانيات والوسائل بحكم سيطرتهم على أجهزة الدولة التي كانت تخدم مصالحهم طيلة عقود. واليوم بات واضحا لهم أنه ينبغي تجاوز كل خلافاتهم القديمة ووضع اليد في اليد لحماية منظومتهم ومنافعهم. هؤلاء المرعوبون من فكرة تغيير النظام. والمستنفرون جميعا لحماية الفساد الذي يخدم مصالحهم. يعلمون يقينا أو ربما تلقينا أن عدوهم الأكبر والوحيد هو المد الإسلامي المتصاعد في تونس والذي أثبت الواقع أنه سيكتسح الساحة التونسية كنتاج طبيعي للثورة. فمبدئيا الطرف السياسي الوحيد الذي يستطيع تغيير النظام وإصلاحه ويمتلك بديلا قادرا على ذلك هو حركة النهضة التي استطاعت خلال العشريتين الماضيتين أن تبقى على قيد الحياة بل وأن تتغلغل في المجتمع التونسي في صمت وفي المجتمعات الغربية أيضا حيث أصبح لديهم صوت مسموع هناك. وأصبحت الأنظمة الغربية تستمع إليهم أيضا بعد أن كانت تسمع عنهم فقط.
يقف اليوم ثلة من رجال الأعمال المرعوبين على مصالحهم والمدعومين من النظام الجزائري الذي يخشى من تصدير الثورة التونسية للجزائر إذا نجحت في تحقيق مكاسب فعلية في تونس ومن بعض الأنظمة العربية الأخرى. كل غايتهم حشد القوى السياسية في تونس ضد حركة النهضة ومستعدين لأن ينفقوا في سبيل ذلك المليارات وقد دفعوا فعلا لنجيب الشابي أكثر من ثلاث مليارات من المليمات والحساب لازال مفتوحا. والله أعلم بمقدار ما دفعوا لمختلف تيارات اليسار.
الخطأ الذي وقع فيه كثيرون هو أنهم يظنون أن تيارات اليسار تستغل رجال الأعمال لتمرير أجندتهم السياسية والصحيح أن اليسار لا يمتلك أصلا أجندة سياسية وان سياسته الوحيدة هي النفعية والانتهازية. هم مؤمنون بإفلاسهم وأن أغلبهم يعلمون يقينا أن وجودهم في تونس غير طبيعي وأنهم لن يستطيعوا العيش إلا في ظل نظام مثل نظام بن علي. فرجال السياسة هم الذين يستغلون هته التيارات لمصالحهم ولتحقيق مآربهم ويدعمونهم في العلن وفي الخفاء. ويدفعونهم لتجميع الأحزاب التي هي في أغلبها وهمية يقف وراء كل مجموعة منها أشخاصا بعينهم أملا منهم في أصوات أكثر في حالة حصول محاصصة ويذكر هذا الموقف بوضع أفغانستان بعد خروج السوفيات حيث تكونت ستة أحزاب شيعية دفعة واحدة تقف وراءها المخابرات الإيرانية. وكانوا يطرحون فكرة المحاصصة في السلطة بقوة رغم أنهم لا يمثلون سوى 5 بالمائة من السكان. اليوم يوجد لليسار التونسي عشرات الأحزاب رغم أنهم لا يمثلون إلا نسبة هامشية جدا من التونسيين. ولا نجد للإسلاميين إلا بضعة أحزاب فقط. وتخدم هذه العملية رجال الأعمال أيما خدمة خصوصا وأنهم وجدوا في كثير من الأحزاب استجابة وتعاونا كبيرا.
فالمشهد السياسي اليوم تتجلى ملامحه بوضوح في مشهد تآمري يقف فيه أثرياء تونس ونظامها السابق خلف مجموعة ضخمة من الأحزاب في مواجهة المد الإسلامي بقيادة حركة النهضة ورغم عدم سقوط حمة الهمامي من حزب العمال الشيوعي في هذا المستنقع حتى الآن رغم كثرة الاغراءات والضغوطات. فمع من سيقف الشعب التونسي وأي طرف سينتصر في النهاية.

و البلاد قد أنهكها الإنتظار و الوضع المؤقت



تأجيل الإنتخابات و خطر 7 نوفمبر جديدة لقد ظهر مكشوفا و بموضوعية لكل متتبع للشأن التونسي أن السبب التقني الذي تذرّع به مَن وراء تأجيل الإنتخابات هو سبب واه قد لا يفوقه متانة في الوجاهة والإقناع سوى بيت العنكبوت. و ليس المجال هنا لإعادة تعداد الخروقات في تعليلات كمال الجندوبي و من وراءه حول المعوقات اللوجستية القاهرة التي يستحيل التغلّب عليها قبل الرابع و العشرين من شهر جويلة المقبل بينما ستمّحي هذه الصعوبات القاهرة في أقل من ثلاثة أشهر من ذلك الموعد أو هكذا يستبلهون عقولنا. نحن حسب رأيي أمام مشروع خطير و مدروس للغاية الهدف منه هو تدجين الشارع و تكريس "هيبة الدولة" بمفهومها السبسي ليقع بعد ذلك الإلتفاف على الثورة ليُفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات لا يعلم مداها إلا الله. و سيناريو على شاكلة ١٩٨٩ غير مستبعد بالمرّة مع فروقات في التمثيل و الإخراج . فبعد أن يصبح الإستثناء قاعدةً و المؤَقّت مؤبّدا و يستعيد التجمع توازنه و يسترجع زمام المبادرة فمن يضمن أن لا تكون الإنتخابات على شاكلة عهد "لا ظلم بعد اليوم" حيث تحصل القائمات النهضوية على نسبة ثلاثين بالمائة (كالعادة!) و عوض أن تذهب السبعون الباقية كلها للتجمع وحده كما حصل في في المرة الأولى سنة ١٩٨٩ فقد لا يكون نصيب التجمع ممثلا في مواليده الجدد سوى عشرون بالمائة أو نحوها هذه المرة بينما توزع بقية المقاعد بتوزيع محكم حيث يحصل المتحالفون مع التجمعيين من جماعات تجفيف الينابيع و المستفيدين في العهديْن المنتشرين كالفقاقيع على أغلبية المقاعد و عندها (في فصل الشتاء) فمالعمل؟ هل سنرفض نتائج الإنتخابات أم ننادي باعتصام ثالث و البلاد قد أنهكها الإنتظار و الوضع المؤقت؟ و هذا السيناريو ليس من قبيل التحاليل التآمرية التي تعشش في مخيلة من جرّب سياسة اللسع بالمراحل من أمثالنا و إنما هناك مؤشرات تبعث على الحيرة كإصرار الهيئة علي عدم جلب مراقبين دوليين للإنتخابات و العض بالنواجذ على تأجيلها . فالظاهر أننا في الطريق لأن نلدغ من نفس الجحر مثنى و ثلاث و رباع أو كما طاب للسيد كمال الجندوبي و من لف لفه اللهمّ إلا إذا ألقى الشرفاء بكلّ ثقلهم وراء إنهاء هذه المهزلة التي تدار أمام أعيننا بإخراج سمج. فلم تمر مجرد شويهرات علي الإطاحة بأبي جهل القرن حتى أحيا التجمع المنحل قانونيا و المتغلغل في مفاصل الدولة و الإدارة واقعيا ما يلزم من فزاعات و معارك جانبية حول الهوية و أمير المؤمنين و غير ذلك عبر إعلامه المسرطن ليتسلل من جديد من الباب الخلفي للثورة. فالتمثيل النسبي مع احتساب أفضل البقايا معدّ على المقاس لقصّ أجنحة الأحزاب الشعبية و إعطاء فرص الحصول على مقاعد للأحزاب الورقية غير الجماهيرية كتلك الأحزاب التي خرجت بالعشرات من رحم التجمع المنحل. زد على ذلك كيد أشباه المناضلين من منتسبي البروليتاريا الذين تآكلت شحوم مؤخراتهم من فرط الجلوس على كراسي المقاهي أو من منتسبي البرجوازية من أولائك الذين حفروا متاريس على أرائك الفنادق الفارهة بجلساتهم المطولة و المشبوهة في الظل بعيدا عن ضو ء الشمس. فعوض النزول للشارع و الإلتحام بالشعب و العمل على النهوض بالبلاد و الإيفاء باستحقاقات الثورة تراهم لا هم لهم سوى دس الدسائس و التشويه المبرمج. فهؤلاء و أولئك يدركون أن لو قُدِّر للإنتخابات أن تجرى في موعدها الأصلي المقرر لها فإنهم خاسروها لا محالة و لذلك فهم يحتاجون مزيد الوقت للتقليل من توهج مشعل الثورة الملتهب و لمزيد حبك المؤامرات. فإصرارهم على تأجيل الإنتخابات بدون أي مبرر شرعي هي علامة لا تخطئها عينٌ حصيفة و لا فكر نزيه على أنّ القوم لم يُكملوا عدّتهم أو أن ذلك مجرّد عملية مبيّة لربح مزيد من الوقت. و لكل ذلك لا يجب أن يُعطوا هذه الفرصة مهما كانت التضحيات. و الإحتمال الأول قد يكون الأقرب للصحة لأن موعد ٢٤ جويلية الموافق لعيد الجمهورية وقع الإعلان عنه تحت ضغط القصبة و عقب الإطاحة بحكومة الغنوشي و قد يكون الإعلان عن ذلك الموعد متسرعا بعض الشئ في حينها. و هؤلاء الرهوط سوف لن يذعنوا لرغبة الشعب إلا و هم كارهون. و لكل ذلك أرى أنه على الأحزاب الراغبة في اجراء الإنتخابات في موعدها و خاصة حزب حركة النهضة أن ينسقوا في ما بينهم و أن يدافعوا و بقوة على موعد الإنتخابات و أن لايقبلوا بغير موعد الرابع و العشرين من شهر جويلية و لا يقبلوا كذلك حتى حل توافقي كموعد بين التاريخين. صحيح أن البلاد لايمكن أن تتحمل فترة أخرى من انخرام الوضع الأمني و لكن يجب أن لا يكون ذاك السبب و حده كافيا لعدم تنظيم وقفات احتجاجية مدروسة و في كل أرجاء البلاد. فالضغط بالشارع هي الطريقة الوحيدة المتبقية للذود عن الثورة و مكتسباتها من بقايا فلول التجمع المخلوع و بعض نخبنا الذين سبق و أن تلطخت أطروحاتهم التقدمية الرنانة بوحل التحالف مع الجنرال صاحب الكرباج لتزيين جهله الفج بشعاراتهم المضللة التي طالما شنفوا أسماعنا بها. فاللجنة "العليا" "المستقلة" قد فقدت شرعيتها و لم يعد مبرر لوجوداها خاصة بعد أن فشلت في المهمة الوحيدة التي بعثت من أجلها و هي إجراء الإنتخابات في موعدها المحدد فعلي ذلك الأساس ترشح أعضاؤها و على ذلك الأساس وقع انتخابهم. فإذا فشلوا في ذلك فما عليهم سوى أن يستقيلوا و يتركوا مكانهم لمن هو أجدر و أحق. و مهما يكن من أمر فقد قطعوا شعرة الثقة التي تربطهم بالجماهير مما سيلقي بظلال وارفة من الشكعن مدى "علويتهم" في التحضير أو "استقلاليتهم" في اتخاذ القرارات في المستقبل إن ما يصيب العاقل بالعته هو هذا الإصرار الجلمودي من قبل بعض أفراد "نخبة" البلاد على تكرار نفس الأخطاء حتى بعد أن وجدوا أنفسهم خارج دائرة الفعل الثوري فيعمدون إلى نفس أسلوب الوصاية على الشعب و التحالف حتى مع الكهنوت أو الإقطاع لإقصاء خصم سياسي. هؤلاء لن يسمعوا لأي لغة توافق باسم مصلحة البلاد أو الثورة أو غيرها ببساطة لأنهم لا يسمعون. و "لقد أسمعت إن ناديت حيا و لكن لا حياة لمن تنادي

lundi 30 mai 2011

النهضة .......مناهضيها و انصارها ..... و الحرب الاعلامية

تشهد صفحات الموقع الاجتماعي "حربا اعلامية" معلنة بين انصار التيار الديني في تونس و مناهضيه و هي حرب حقيقية تعرف استعمال كل الاسلحة و منها قبركة الاخبار الزائفة عن المنافسين و اطلاق الاشعات او اطلاق "المندسين" بين اصار كلا الطرفين هذا دون اعتبار الشتائم و العبارات التاي لا يمكن نشرها
و لعل الاحدث تحمل امضاء صفحة من الواضح ان ورائها اشخاص يعادون حركة "النهضة" و على هذه الصفحة يمكن ان نرى اسماء صفحات اخرى عديدة ذات اسماء ساخرة مثل "شباب حركة النهضة الماسونية العالمية و من الواضح انها صفحات مزيفة باسم انصار النهضة لتشويه سمعتهم و السخرية منهم رغم ان هذه الصفحات المزيفة تجتهد لكي تتخذ شكل صفحات جادة مليئة بالاخبار الحقيقية التي يمكن نقلها من مواقع اخرى و تستحق الاطلاع و التقاسم على الموقع الى ذلك يحفل الموقع الاجتماعية الصفحات الرسمية التي يقف ورائها اشخاص حقيقيون بهويات معروفة لا تتوقف عن نقد حركة النهضة و التيار الديني عموما في تونس و خارجها و تطلق التحذيرات من "الدولة الدينية " و يعمل الناشطون في هذه الصفحات على نشر و تداول العشرات من مواقع الفيديو و المقالات المكتوبة لزعماء التيار الديني في تونس و خصوصا المؤسسون مثل راشد الغنوشي و عبد الفتاح مورو يتحدثون فبها عن اسلمة المجتمع
وفي المقابل لا يتورع الكثير من انصار التيار الديني على نشر و تداول مقاطع فيديو ووثائق ضد العلمانية و اليسار و بعض هذه المواقع يربط العلمانية بالماسونية العالمية و الصهيونية التي تريد التحكم في العالم العربي الاسلامي و يمكن العثور على وثائق تعتبر تقليدية و قديمة عن علاقات مزعومة لانصار العلمانية مع زعماء العالم الغربي مع تعاليق عن تواطئ مفترض معهم ضد القضية الفلسطينية غير ان المجال الافضل للهجوم على العلمانية في الموقع الاجتماعي هي الاخلاق حيث يربط اصحاب هذه الصفحات بين العلمانية و التفسخ الاخلاقي و نشر الاباحية و الالحاد و من اشهر المواقع المناهضة للعلمانية في الموقع نجد صفحة "فضائح العلمانية" الذي يضم قرابة 32 الف منخرط او صفحة "مسخرة العلمانية" التي ترفع شعار "العهلمانية لا دين لها .انا مسلم انا ضدها" كما نذكر صفحة تطلق على نفسها "اكبر صفحة اسلامية لمقاومة العلمانية "و هي تضم 21 الف منخرط و في باب الطرافة انشا بعض اصحاب التوجه الاسلامي صفحة باسم "انا نخور باليسار .و اليسار لا يمثلني"ربما رداى على صفحة "انا مسلم و النهضة لا تمثلني"
اما الشيئ المشترك بين صفحات الطرفين فهي نشر الاخبار الملفقة و التي تنقصها الدقة و انتشار الشتائم و التهم المخلة بالاداب و هذا ليس عائدا الى طبيعة اي حرب او منافسة بين الطرفين بل بحالة التسيب و الاحساس بانعدام العقاب في الموقع الاجتماعي المفتوح على الاحتمالات و على اقتراف اي خطيئة و هذا احد اسباب جاذبيته و قوة هذا الموقع الذي ملا الدنيا و شغل الناس

mardi 24 mai 2011

الحكومة المؤقتة تمهد الطريق لإستعمار "ديموقراطي" ..؟

الحكومة المؤقتة تمهد الطريق لإستعمار "ديموقراطي" ..؟ من كان حليفا و صديقا لبن علي و نظامه منذ أشهر قليلة، أصبح اليوم في الصفّ الأوّل لمساندي ثورة تونس. هذا ما ينطبق على دول مجموعة الثمانية (الولايات المتحدة، فرنسا، إيطاليا.. ) الذين تقدموا إلى تونس بدعوة خاصة لحضور إجتماعهم الأسبوع المقبل (يومي 26 و 27 ماي) بدوفيل الفرنسية. القوى الإقتصادية الأضخم في العالم ستكون مستعدة لتقدم إلى تونس منحا و قروضا قد تصل إلى 25 مليار دولار (أيْ حواليْ ضعف ميزانية تونس و حوالي مرتين و نصف من ديوننا الخارجية الحالية !) يتم إستخلاصها خلال 5 سنوات. من جهة أخرى، رحبت الحكومة المؤقتة بالدعوة، بل أن الوزير الأول المؤقت صرّح إثر زيارته نهاية الأسبوع المنصرم إلى باريس أن "الأمور تجري على ما يرام" و أكد أن " الحكومة قامت بصياغة خارطة طريق توضع حاجيات تونس و الأهداف المنشود تحقيقها خلال الفترة القادمة ". السيّد الباجي القايد السبسي، ربما نسي أنه وزير أول مؤقت، و أن حكومته مؤقتة ... ربما نسي أيضا أنه في أوّل يوم له على رأس الوزارة الأولى صرّح بأن مهمّة هذه الحكومة هي تصريف الأعمال فقط ... فهل التخطيط لبرامج مستقبلية و المصادقة على ديون بقيمة 25 مليار دولار يدخل في مشمولات هذه الحكومة؟ الإجابة ستكون قطعا النفي، و السبسي يعلم ذلك جيدا، فليس لهذه الحكومة أيّ شرعية للمصادقة على إلتزامات من هذا النوع و لا بهذا الحجم ... ديون ستثقل كاهل البلد، و سيتحمل أعبائها الشعب التونسي بمفرده، الذي لم يقل كلمته بعد عبر صناديق الإقتراع ... و السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل تعي هذه الحكومة بأن الشعب التونسي قام بثورة؟ و أنه لن يرضى مجددا من يتعامل معه و كأنه قاصر فلا تستشيره في مثل هذه القرارات المصيرية و لا تستطلع رأيه؟ سؤال آخر علينا أن نطرحه، أ لم يكن جديرا بهذه الحكومة أن تعمل على الكشف عن الحجم الحقيقيّ للثروات الطبيعية التي نمتلكها، خاصة و أن عديد الدراسات العلمية و مقالات أهل الإختصاص أكد أن لتونس مخزون لا يستهان به من الذهب الأسود، هذا إلى جانب الطاقة الشمسية التي لا يتم استغلالها في الصحراء جنوباً؟ أ لم يكن، من باب المنطق، أكثر أهميّة أن تعمل هذه الحكومة المؤقتة على إصلاح منظومة الإحصاء و مؤسساته لكي ندرك حقيقة الوضع الإقتصاديّ في البلاد، عوض الهرولة وراء القروض و المنح؟ أما المعضلة الكبرى في هذه المسألة، هو التعتيم الإعلاميّ على الموضوع ... فوسائل الإعلام تغط في سبات يبدو أن لا نهاية له، و لا تستفيق إلا حين يتعلق الأمر بتمرير أفكار مضادة للثورة أو تبنّي فزّاعات جديدة و هذا ليس بغريب أو بجديد عن إعلام كان بوق دعاية لنظام المخلوع المتهاوي. الأحزاب و الجمعيات هي الأخرى لا نسمع و لا نقرأ تعليقاتها عن الموضوع، و كأنه يخص بلدا آخر غير تونس، و مستقبل وطن آخر غير هذا الوطن ، بينما تعلوا الأصوات كلما تعلق الأمر بمسائل هامشية لا تهم الثورة و لا تخدم مصلحتها و لا تحقق أهدافها. و من باب الصدف، و ما أكثر الصدف بعد الثورة، هو أن هذا الإجتماع يأتي بعد أيام قليلة من حادثة الروحية الإرهابية، التي تمثل دون شك ضربة قاسية للموسم السياحي و للإستثمار الخارجيّ، و حملة إعلامية تعمل على تهويل الحادث (و إن كان الخطر موجودا) و تقديمه للرأي العام بوقائع متناقضة و متضاربة، و كلّ ما نتمناه، أن لا تعتمد الحكومة المؤقتة ما حصل بالروحية فزّاعة لتمرير مشروعها و المصادقة على خارطة "الإستعمار الديموقراطي" ...

اغضب

اغضب
فإن العار يسكـُنـُنا
ويسرق من عيون الناس .. لون الفرح
يقتـُل في جوانحنا الحنين
ارفض زمان العهر
والمجد المدنس تحت أقدام الطغاة المعتدين
اغضب
فإنك إن ركعت اليوم
سوف تظل تركع بعد آلاف السنين
اغضب
فإن الناس حولك نائمون
وكاذبون
وعاهرون
ومنتشون بسكرة العجز المهين
اغضب
إذا صليت .. أو عانقت كعبتك الشريفة .. مثل كُل المؤمنين
اغضب
فإن الله لا يرضى الهوان لأمةٍ
كانت - وربُ الناسِ- خير العالمين
فالله لم يخلق شعوباً تستكين

lundi 23 mai 2011

ثورة رد الشرف

ثورة رد الشرف

wordpress hosting

dimanche 22 mai 2011

علم السياسيه ومقدماته

علم السياسة ومقدّماته اليونانية

يظنّ كثيرون خطأً أنّ السياسة هي فن المراوغة والحيلة والدهاء, أو القدرة على المناورة والتلاعب, وعدم كشف الحقائق والأوراق .. وغير ذلك من فنون وتكتيكات معروفة.
والحقيقة أن ما أشرنا إليه من أشكال وأساليب ليست هي السياسة بدلالاتها الجوهرية, بل أنها بعض الوسائل المتّبعة في الوصول إلى الأهداف والغايات والاستراتيجيات السياسيّة.
ومن الأمور المؤسفة أن السياسة كعلم إنساني شديد الأهمية والتأثير تعرضت إلى أضخم وأخطر وأسوأ ألوان التشويه والانحراف على مدى آلاف السنين من تاريخ الحضارة البشرية وتكوينات المجتمع المدني, إلى درجة أن العُرف الشائع عن السياسة أنها فنٌّ وليست نسقاً معرفياً وعلماً قائماً بحدّ ذاته, له مكوّناته وبنيته وطرائقه البحثية والاختبارية, ونظرياته, وتطبيقاته العملية في هذه البيئة المجتمعية أو تلك.
وقد يكون من الضروري, بل من الواجب الحتمي أن تعنى دورية متخصصة بشؤون الفكر السياسي مثل مجلّتنا هذه بالتعريفات والمصطلحات وتحديد المعاني والدلالات السياسية, حيث يمكنها من خلال ذلك كلّه تكوين رأي عام مستنير, يدرك أبعاد المفاهيم والألفاظ المتداولة في الفكر السياسي, ويتمكن من استخدامها الصحيح والعلمي بأماكنها المناسبة, دون شطط أو مبالغة أو فجاجة وجهالة.
أولاً: معاني كلمة «سياسة»
جاء في «لسان العرب» لابن منظور أن «السَّوْس» تعني الرياسة, حيث يقال ساسوهم سَوْساً, وإذا رأّسوه قيل: سَّوسوه وأساسوه. وساسَ الأمرَ سياسةً: قام به. ويقال: سُوِّسَ فلانٌ أمَر بني فلان, أي كُلِّف سياسَتهم. وقال الجوهريُّ: سُسْت الرعيةَ سياسةً.
ويقال: فلان مُجَّربٌ قد ساسَ وسييسَ عليه, أي أَمَر وأُمِّرَ عليه.
والسياسة: القيام على الشيء بما يُصلحه(1). والمقصود بالأمر في التراث السياسي العربي هو أمر الناس وشؤونهم. وقد شاعت لفظة «أمر» لتدلّ بصفة عامة على الحكم والسلطان والدولة.
وقد تطوّر المعنى الاصطلاحي لكلمة «سياسة» في الاستعمال إلى السياسة الإلهية, والسياسة الخاصة, والسياسة العامة.(2)
وعرفت السياسة المدنية بأنها «علم بمصالح جماعة متشاركة في المدنيّة.. سميت بها لحصول السياسة المدنية, أي مالكية الأمور المنسوبة إلى البلدة بسببها, وفي بعض الكتب يسمّى علم السياسة, والحكمة السياسية, والحكمة المدنية, وسياسة الملك, وفائدتها أن تعلِّم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس, ليتعاونوا على مصالح الأبدان, ومصالح بقاء النوع».(3)
وذكر الدكتور جميل صليبا في معجمه الفلسفي أن السياسة مصدر ساس, وهي تنظيم أمور الدولة, وتدبير شؤونها. وقد تكون شرعية أو تكون مدنية. فإذا كانت شرعية جاءت أحكامها مستمّدة من الدين, وإذا كانت مدنيّة كانت قسماً من الحكمة العملية, وهي الحكمة السياسية, أو علم السياسة.
وأضاف: موضوع علم السياسة عند قدماء الفلاسفة هو البحث في أنواع الدول والحكومات, وعلاقتها بعضها ببعض, والكلام على المراتب المدنية وأحكامها, والاجتماعات الإنسانية الفاضلة والرديئة, ووجوه استبقاء كل منها, وعلّة زواله, وكيفية رعاية مصالح الخلق وعمارة المدن وغيرها.
أما الفرق بين السياسة النظرية السياسة العملية, فإن الأولى تعنى بدراسة الظواهر السياسية المتعلقة بأحوال الدول والحكومات, وهي مختلفة عن الظواهر الاقتصادية, والإدارية, والقضائية, والثقافية, على حين أن الثانية تعنى بأساليب ممارسة الحكم في الدولة لرعاية مصالح الناس اليومية وتدبير شؤونهم وأحوالهم.
ويطلق على كل عمل مبني على تخطيط سابق كسياسة التنمية الاجتماعية, أو سياسة التنمية الاقتصادية, أو سياسة التعليم, أو سياسة الصحة, وغيرها.
والسياسي, هو المنسوب إلى السياسة, نقول: هذا أمرٌ سياسي, وهو الأمر المدني المشترك بين المواطني الخاضعين لقوانين واحدة. ومنه الاقتصاد السياسي, والحقوق السياسية, السلطات السياسية.
وإذا أطلق لفظ السياسي على من يتولى الحكم في الدولة دلَّ على نوعين من الرجال: أحدهما رجل الدولة, هو الذي يقيم الحكم على سنن العدل والاستقامة, والثاني رجل الحكم الماهر في الانتفاع بالظروف المحيطة به لتحقيق مآربه السياسية.(4)
وقد عَّرف «معجم ليتره» السياسة عام 1870 بقوله: «السياسة علم حكم الدول».
وعرفها «معجم روبير» عام 1962 بقوله: «السياسة فن حكم المجتمعات الإنسانية».
إن التقريب بين هذين التعريفين اللذين يفصل بينهما قرن من الزمان أمر هام. أنهما كليهما يجعلان الحكم موضوع السياسة. ولكن التعريف الحديث يشمل حكم الدول وحكم المجتمعات الإنسانية الأخرى فكلمة الحكم تعني عندئذ, في كل جماعة من الجماعات, السلطة المنظمة ومؤسسات القيادة والاكراه. إن الاختصاصين يتجادلون في هذا. فبعضهم ما يزال يرى أن السياسة هي علم الدولة من حيث أن الدولة هي السلطة المنظمة في الجماعة القومية. ولكن أكثر الباحثين يرون أن السياسة هي علم السلطة المنظمة في الجماعات الإنسانية كافة(5).
وليس لهذا الجدال من شأن . ذلك أن الذين يعِّرفون السياسة بأنها علم السلطة عامة يعترفون هم أنفسهم بأن السلطة تبلغ في الدولة أكمل صورة, وأتم تنظيم, وأن من الواجب أن تُدرس في هذا الإطار خاصة.
أما في الجماعات الأخرى فهي جنين. ومع ذلك فإن تعريف السياسة بأنها «علم السلطة» يتفوق على التعريف الآخر تفوقاً أساسياً. لأنه وحده يسمح بالتحقق من صحة فرضيته الأساسية. فحين ندرس السلطة في جميع الجماعات دراسة مقارنة, نستطيع أن نكشف الفروق بين السلطة في الدولة والسلطة في الجماعات الأخرى إذا كان في هذه الجماعات الأخرى سلطة.
أما إذا اقتصرنا على دراسة السلطة في إطار الدولة وحده, دون مقارنة بينهما وبين السلطة في غير ذلك, لم نستطع أن نتحقق من صدق الفرضية التي نكون قد فرضناها عن وجود فرق في الطبيعة بين الشيئين.
ويقترح بعضهم أن نفرق بين الجماعات الصغيرة والجماعات الكبيرة.
إن التنافس على السلطة في الجماعات الصغيرة إنما يقوم بين أفراد. والسلطة نفسها في هذه الجماعات الصغيرة ضعيفة التنظيم, تشبه أن تقوم على ذلك التفريق البدئي بين «الحاكمين» و« المحكومين», بين الزعماء والأعضاء. أما في الجماعات الكبيرة فإن الصراع السياسي يتناول طوائف اجتماعية , وفئات وسيطة تنشأ في داخل المجتمع الكلي , كما يتناول أفراداً. والسلطة في هذه الجماعات الكبيرة تنظيم محكم البنيان بعضه فوق بعض درجات. إن من علماء الاجتماع من يقصرون السياسة على دراسة هذه السلطة المعقدة التي تعمل في الجماعات الكبيرة, ويبعدون منها تحليل الزعامة في الجماعات الصغيرة.
والواقع أن الظاهرتين أوثق ارتباطاً من أن تستطاع دراسة كل منهما على حدة. إن هناك, في مجالس الوزراء, وفي لجان الإدارة, وفي مجالس قيادة الأحزاب, وفي كل مستوى من مستويات حكم الجماعات الكبيرة , فئات صغيرة لا يمكن أن يُشكَّ في أن السلطة فيها سياسية. وإنما ينبغي أن نميز بين مستويين من التحليل, أولهما التحليل « الميكرو سياسي» الذي يجب أن يتم على مستوى العلاقات بين الأفراد, وهي علاقات قائمة على الاتصال الشخصي, وثانيهما التحليل «الماكرو سياسي» الذي يجب أن يتم على مستوى المجموعات الكبرى التي لا وجود فيها للاتصال الشخصي, وإنما حَّلت فيها محل الاتصال الشخصي صلاتٌ بالواسطة, أو علاقات إدارية أو اتصالات مسرحية مصطنعة (مصافحة الوزير, الخطاب الذي يذيعه رئيس الدولة بالتلفزيون), فيجب أن يتم البحث على هذين المستويين في آن واحد معاً. ثم إن الانتقال من أحد هذين المستويين إلى المستوى الآخر يثير مشكلة هامة.
ويختلف التعريفان اللذان جاء بهما ليتره وروبير في نقطة أخرى: فالأول يعد السياسة علماً, والثاني لا يعدها إلا «فناً». وقد يخيل إلينا من النظرة الأولى أن عكس هذا أقرب إلى طبيعة الأمور. فالعلم السياسي في أيامنا هذه علم تعترف به جامعات العالم كلها تقريباً. إن له كراسي وأساتذة وطلاباً وأموالاًَ ترصد للبحث. وفي كل عام تُطبع عدة آلاف من الكتب أو المقالات فيه. على حين أن الناس لم يكادوا يبدأون الكلام فيه منذ قرن: بين عامي 1859 و1872 فقط إنما أبدل جانه عنوان كتابه الضخم «تاريخ الفلسفة السياسية في علاقاتها بالأخلاق» فأحلَّ « العلم السياسي» محل « الفلسفة السياسية». وما من مؤسسة جامعية كانت تعترف بهذا العلم الذي لم يكن له مكان في هيكل المعرفة. فكأن تطور التسمية سار في عكس اتجاه التطور العلمي.
ومع ذلك كان التطوران متطابقين. لقد وضع ليتره تعريفه في نهاية ذلك القرن التاسع عشر الذي كان الناس فيه يعتقدون بأن العلم سيتيح دراسة جميع العلاقات الإنسانية, لا الظاهرات المادية أو البيولوجية فحسب؛ في ذلك العهد الذي كان الناس فيه ينتظرون قيام «العصر الوضعي» الذي بشر به أوغوست كونت . فإذا بتطور العلوم الاجتماعية نفسها يؤدي اليوم إلى الحِّد من تلك المطامح. إن ما نملكه اليوم من الوفرة والاتقان. ولكننا ندرك اليوم, في الوقت نفسه, الحدود التي يقف عندها استعمال هذه الأدوات وهي حدود ضيقة. صحيح أن السياسة في عام 1964 أقرب إلى العلم منها في زمان ليتره. ففي وسع رجال الدولة في هذه الأيام أن يستعملوا احصاءات كثيرة, ودراسات تسبر الرأي العام, وأن ينتفعوا بطرائق شتى في قيادة الجماهير, وأن يستخدموا آلات حاسبة الكترونية, وما إلى ذلك, بل إن رجال الدولة ليستعملون اليوم هذه الأمور كلها فعلاً. ولكننا نعلم اليوم أن قطاع هذه «السياسة العلم» أصغر من قطاع « السياسة الفن» التي تستند إلى أمور غير دقيقة ولا يمكن حسابها, أمور حدسية لا عقلية.
وعبث أن نؤمِّل أن يغطي القطاعُ الأولُ القطاع الثاني في يوم من الأيام تغطية كاملة, وأن تصبح السياسة علمية كلها . إن القرارات السياسية لا تعتمد على معلومات موضوعية فحسب, بل تعتمد أيضاً على أحكام تعميمية بصدد الإنسان والمجتمع. وليس يبدل من الأمر شيئاً أن لا تكون هذه الأحكام التقييمية مستقلة عن أوضاع أصحابها, وأن تكون تعبيراً عن طبقتهم الاجتماعية أو مصالحهم الشخصية. إن الحرية ليست أبداً حرية اختيار لا تحدده أسباب: إن الحرية هي حرية اختيار تحدده أسبابٌ عاشها صاحبها. ولأن يكون هنالك مسافة بين الأهداف التي تنادي بها والأهداف التي ترمي إليها فعلاً, ولأن تغطي هذه الأهداف الثانية بتلك الأهداف الأولى تمويهاً , فليس ينفي هذا أن الاختيار السياسي إنما تحدده غاية. والعلم السياسي هام جداً لأنه يفضح التغطيات ويكشف عن التمويهات ويستطيع أن يوضِّح الأسباب الحقيقية ا لتي حددت الاختيار. لكنه لا يستطيع هو أن يختار.
وبمقدار ما تعتمد السياسة هذا الاعتماد على اختيار والتزام, تصبح مفاهيمها نسبية, فهذه المفاهيم تعرَّف على أساس مذاهب تقييمية معينة, فلا تعني في كل منها عين ما تعنيه في سائرها. إنك تستطيع أن تصوِّر وجه السياسة الماركسي, أو وجهها اللبرالي, أو وجهها المحافظ, أو وجهها الفاشستي, إلخ. ولكن ليس للسياسة وجه «موضوعي» تماماً, لأنه ليس هنالك سياسة موضوعية تماماًَ. إن في وسع العلم السياسي أن يفصل العناصر الموضوعية عن العناصر التي ليست موضوعية, وأن ينقد بذلك كل مذهب من المذاهب. وفي وسع العلم السياسي أن يحدد درجات ارتباط المذاهب المختلفة بعصر معيَّن, وأن يحدد تطورها. وفي وسعه أيضاً إذا هو قابل هذه المذاهب بعضها ببعض, أن يكمل بعضها ببعض وأن ينقد بعضها ببعض: كما يستطيع المرء أن يقرِّب بين عدد من الصور الفوتوغرافية المأخوذة لشيء واحد من جهات مختلفة بغية الحصول على تصور أكمل لهذا الشيء الذي تظل رؤيته المباشرة مستحيلة.
وراء جميع المذاهب التقييمية وجميع الأحكام الخاصة, نجد موقفين أساسيين على وجه العموم . فالناس منذ أن فكروا في السياسة يترجحون بين تأويلين متعارضيين تعارضاً تاماً. فبعضهم يرى أن السياسة صراع وكفاح, فالسلطة تتيح للأفراد والفئات التي تملكها أن تؤمن سيطرتها على المجتمع وأن تستفيد من هذه السيطرة. وبعضهم يرى أن السياسة جهد يُبذل في سبيل إقرار الأمن والعدالة, فالسلطة تؤمن المصلحة العامة والخير المشترك وتحميهما من ضغط المطامع الخاصة. الأولون يرون أن وظيفة السياسة هي الابقاء على امتيازات تتمتع بها أقلية وتُحرم منها الأكثرية. والآخرون يرون أن السياسة وسيلة لتحقيق تكامل جميع الأفراد في الجماعة, وخلق « المدينة العادلة» التي سبق أن تحدث عنها أرسطو.
والانتماء إلى هذا الرأي أو ذاك يحدده الوضع الاجتماعي بعض التحديد. فالأفراد والطبقات المُضْطَهَدَة المحرومة الفقيرة البائسة لا يمكن أن ترى أن السلطة تكفل الأمن والنظام حقاً, وإنما ترى أن السلطة تخلق صورة كاريكاتورية للأمن والنظام, تتقنع بها سيطرة أصحاب الامتيازات: فالسياسة في رأيها صراع. والأفراد والطبقات المترفة الغنية الراقية ترى أن المجتمع منسجم وأن السلطة تحقق أمناً ونظاماً صادقين: فالسياسة عندها اندماج وتكامل. وكثيراً ما يستطيع أصحاب الرأي الأخير أن يقنعوا أصحاب الرأي الأول بأن الصراعات السياسية سيئة مؤذية خبيثة, وأن المشتركين فيها لا يهدفون إلى غير المصالح الأنانية بأساليب مشبوهة. وبذلك يستطيع أصحاب الرأي الأخير أن يخرجوا خصومهم من المعركة فيكفلوا لأنفسهم ربحاً عظيماً. إن كل « إبعاد عن السياسة» ينفع النظام القائم, ويشجع الجمود , ويقوِّي نزعة المحافظة.
على أن هذين الموقفين لا يعبّران طبعاً إلا عن جزء من الواقع. فالمحافظون, حتى أكثرهم تفاؤلاً, لا يستطيعون أن ينكروا أن السياسة, ولو كان هدفها تحقيق التكامل الاجتماعي, قلَّما تبلغ هذا الهدف على نحو مرض. إن هؤلاء المعياريين المثاليين يصفون السياسة بما يجب أن تكون. أما خصومهم فهم أقرب إلى الواقعية يصفون السياسة بما هي. لكنهم لا يستطيعون هم أنفسهم أن ينكروا أن الصورة التي يرسمونها مسرفة في حلكتها. فالحكام, حتى أكثرهم اضطهاداً وأقلهم عدلاً, يحققون وظائف ذات نفع عام, في الميادين التقنية على الأقل, ولو لم يكن ذلك إلا تنظيم مرور السيارات, وتشغيل مصلحة البريد والهاتف والبرق, وتأمين الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية وغيرها.
ونقول على وجه العموم أن ماهية السياسة وطبيعتها الخاصة ودلالتها الحقيقية هي أنها دائماً وفي كل مكان ذات وجهين. إن صورة «جانوس», في الأساطير الإغريقية تظهره كإلهٍ ذي وجهين, هي التي تمثل الدولة حقاً: إن صورة «جانوس» هذه تعبّر عن الواقع السياسي العميق. فالدولة (والسلطة القائمة في أي مجتمع بوجه عام) تقوم في كل زمان ومكان بوظيفتين في آن واحد, فهي أداة سيطرة بعض الطبقات على الطبقات الأخرى, تستعمله الطبقات الأولى لتحقيق منافعها على حساب منافع الطبقات الأخرى, وهي في الوقت نفسه أداة لاقرار نوع من النظام الاجتماعي, وتأمين نوع من تكامل الأفراد في الجماعة لمصلحة المجموع. وتختلف نسبة هذين العنصرين باختلاف العصور والظروف والبلاد, لكنهما يوجدان معاً في جميع الأحوال. ثم أن العلاقات بين الصراع والتكامل معقدة. إن كل إنكار للنظام الاجتماعي القائم هو صورةٌ ومشروعٌ لنظام اجتماعي أعلى وأصدق. إن في كل صراع صبوة إلى تكامل وجهداً من أجل تحقيق حلم التكامل. وكثير من الناس يرون أن الصراع والتكامل ليس وجهين متعارضين, بل هما عملية كلية واحدة, فالصراع يؤدي بطبيعته إلى تكامل, والتعارضات تتجه بتطورها نفسه إلى زوالها وإلى قيام « المدينة» التي يتحقق فيها الانسجام.
إن الليبراليّين الكلاسيكيين يرون أن التكامل يولِّده الصراع أثناء تطوره: فالظاهرتان متصاحبتان. فالتنافس يؤدي إلى انتشار الانتاج على أوسع مدى, وإلى توزيع الثمرات على أحسن وجه: إنه يؤدي في كل لحظة إلى أفضل اقتصاد ممكن. والتنافس السياسي يؤدي إلى نتائج مماثلة: فبفضل هذا التنافس السياسي يصل إلى الحكم أفضل الناس وأكثرهم كفاءة وأحسنهم, فيحكمون لتحقيق مصلحة المجموع. إن الانسجام السياسي, الذي لا يعكره إلا أناس شاذون منحرفون مرضى, يوازي « الانسجامات الاقتصادية». ويرى الماركسيون من جهتهم أن الصراع هو محِّرك تطور المجتمعات, وهو يؤدي حتماً إلى زوال التعارضات وقيام مجتمع بلا نزاعات. ولكن هذا التكامل لا يظهر إلا في خاتمة المطاف من تطور طويل, لا يظهر إلا في مستقبل بعيد. ففي كل مرحلة من المراحل يتحقق تكامل جزئي, يتحقق«مركب» مايلبث أن يصبح مصدراً جديداً لتناقض وتعارض. والانسجام السياسي يتطور على نحو إيقاعي إلى أن يبلغ من التاريخ خاتمة المطاف(6).
من ناحية أخرى, فقد عرَّفت «الموسوعة الفلسفية» الروسية السياسة: بأنها المشاركة في شؤون الدولة وتوجيهها. حيث تتضمن السياسة مشكلات بنية الدولة وإدارة البلاد والمجتمع والطبقات, ومسائل الصراع الحزبي.. الخ. فالمصالح الأساسية للطبقات الاجتماعية المختلفة (والمتصارعة) والعلاقات الناشئة بين الطبقات المتناحرة تنعكس بصورة وأوضاع مواقف مباشرة وغير مباشرة في السياسة. كذلك تعبّر السياسة عن العلاقات بين الأمم والدول (السياسة الخارجية). وتنشأ العلاقات بين الطبقات, وبالتالي بين سياساتها عن وضعها الاقتصادي وأفكارها السياسية.
وفي حين أنّ المؤسسات القائمة على أساسها تشكل «البنية الفوقية», لكن ذلك لا يعني أن السياسة هي نتيجة سلبية أو حتمية للاقتصاد. لأن السياسة كي تكون قوة تحول كبيرة ينبغي أن تعكس بطريقة صحيحة وموضوعية حاجات الحياة المادية للمجتمع. ويقوم علم السياسة الحقيقي على قوانين التطور الاجتماعي, التي تتلاءم مع مصالح المجتمع.(7)
وبدورها ركّزت «الموسوعة السياسية»(8) , التي أعدّها مجموعة من الباحثين والمتخصصين العرب على حقيقة أن السياسة تشكّل مركز الحياة العامة للمجتمعات البشرية, ولهذا كثرت فيها التعريفات والاجتهادات, حيث أصبح نشوء السياسة ممكناً بعدما تخطى الإنسان مرحلة العيش البدائي, وبعدما أدرك ضرورة الحياة الاجتماعية.
فالسياسة (بحسب الموسوعة) هي فن ممارسة القيادة والحكم وعلم السلطة أو الدولة , وأوجه العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وفي تعريف أكثر دقّة وشمولاً يمكن القول بأن السياسة هي النشاط الاجتماعي, الفريد من نوعه , الذي ينظم الحياة العامة, ويضمن الأمن ويقيم التوازن والوفاق ـ من خلال الشرعية والسيادة ـ بين الأفراد والجماعات المتنافسة والمتصارعة في وحدة الحكم المستقلّة على أساس علاقات القوة , والذي يحدّد أوجه المشاركة في السلطة بنسبة الإسهام والأهمية في تحقيق الحفاظ على النظام الاجتماعي وسير المجتمع.
وفي تعريف آخر (للموسوعة السياسية): السياسة هي النشاط الاجتماعي المدعوم بالقوة المستندة إلى مفهوم ما للحقّ أو للعدالة لضمان الأمن الخارجي والسلم الاجتماعي الداخلي للوحدة السياسية, ولضبط الصراعات والتعدد في المصالح ووجهات النظر للحيلولة دون الإخلال بتماسك الوحدة السياسية, باستخدام أقل حد ممكن من العنف. وفي تعريف ثالث: هي علم دراسة المصالح المتضاربة وانعكاسها على تكوين السلطة والحفاظ على امتيازات الطبقة الحاكمة.
وفي تعريف رابع هي الجهد لإقامة النظام والعدل, وتغليب الصالح العام والمصالحة الاجتماعية المشتركة في وجه ضغوط المصالح الفئوية.
مع الإشارة هنا إلى تعريف السياسة بطريقة نقدية أو ساخرة, كقول دزرائيلي: «إن السياسة هي فن حكم البشر عن طريق خداعهم», أو القول بأنها «فن تأجيل تأزم المشكلات والمعضلات», إلى القول بأن «السياسة هي صراع أقليات منظمة», إلى قول نابليون بونابرت: «بأن السياسة هي تنظيم الجماهير المستعدة للتضحية في سبيل المُثل».
وتضيف «الموسوعة السياسية»: مهما يكن من أمر تنوّع تعريفات السياسة فإن المؤكد هو أنها من حيث كونها الوسيلة الاجتماعية الوحيدة للتنسيق والتوفيق بين المطالب السياسية والاجتماعية اللامتناهية للفئات والجماعات الاجتماعية وبين الموارد المتناهية والمحدودة للمجتمع عن طريق الكوابح وتنمية مشاعر التضامن الاجتماعي وحفظ السلم والاستقرار, فإنها شكلت , تاريخياً, الأرضية الأساسية الضرورية للتمدن والحياة الاجتماعية المتقدمة.
لقد لامست السياسة جميع الجوانب الأخرى للحياة الاجتماعية, وأقامت المناخ الملائم للحفاظ عليها وتنميتها, ومن هنا جاء قول الفيلسوف اليوناني ورائد علم السياسة أرسطو, بأن: السياسة هي علم السيادة و« سيدة العلوم» . فهي «سيدّة» كممارسة أنها تعنى بالمسائل الحيوية في المجتمع, مثل تحديد حقوق المواطن وواجباته الاجتماعية, ووجهة الثقافة وقضايا السلم والحرب.. إلخ. وهي « سيدة العلوم» كدراسة وأفكار تعنى بتوضيح المفاهيم (العدل, الحرية, الحق...), وتحديد الغايات والوسائل والخيارات, ومقارنة البدائل.. وبالتالي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في اعتماد الخيارات والحكم عليها.
أما بشأن العلاقة بين الممارسة والفكر, تقول « الموسوعة السياسية»: إنّ التفريق بين الممارسة والنظرية , بين العمل والفكر في السياسة مسألة لا تخلو من الصعوبة والتصنّع بدرجة أكبر مما يبدو للوهلة الأولى. فالسياسي يحمل, بطريقة أو بأخرى وبدرجة أو بأخرى, نظرة أو مفاهيم أو نظرية سياسية تحدّد له ملامح مسار عمله السياسي. كذلك فإن عالم السياسة يستند في جهوده ونظراته إلى الأعمال السياسية السابقة, ويقدّم خطة عمل مقبلة مستمدة من الواقع السياسي ومتوجهة إليه في آنٍ معاً.
وقد سعى عدد من العلماء والفلاسفة والدارسين للسياسة نحو إقامة أنظمة سياسية مثالية (جمهورية أفلاطون, المدينة الفاضلة..الخ), وتركوا أعمق الأثر في تاريخ الفكر السياسي وبالتالي في التاريخ السياسي, مثل أرسطو, أو جمعوا بين الممارسة والفكر السياسي مثل العلاّمة العربي وعالم الاجتماع والسياسة الأشهر عبد الرحمن بن خلدون رائد فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع السياسي, أو عملوا مستشارين للحكام مثل ماكيا فيللي (صاحب كتاب «الأمير») وغيرهم. وقد ذهب أفلاطون في جمهوريته (كتاب الجمهورية) إلى أنه من الضرورة بمكان كبير أن تنشأ مؤسسة عليا خاصة لتدريس علم السياسة وتدريب رجال الدولة, لأن قيادة الدولة هي العلم الأعلى والمسألة الأهم في المجتمع. أما أرسطو فقد ذهب إلى القول بضرورة إيجاد علم السياسة, نظراً لأن ذلك شرط من شروط اصلاح النظام.
ويرى بعضهم أن السياسة هي فن القيادة أكثر مما هي «علم الحكم». فالسياسة قائمة قبل انبثاق العلوم, وأهم الساسة في التاريخ لم يتعاطوا السياسة (وحتى عن غيرها من العلوم الاجتماعية) صفة «العلم» لصعوبة تطبيق الطرق العلمية على أبحاثها ونظرياتها وأفكارها في الاختبار والسيطرة والقدرة على التنبؤ, إضافة إلى عدم وجود إجماع بين العلماء بشأن القوانين والاستنتاجات الخاصة بهذا العلم. وعلى الرغم من أنّ العملية السياسيّة ـ الاجتماعية متطورة ومتغيرة أبداً, ومن تضمّن السياسة اعتبارات وعناصر غير عقلانية تماماً, واحتوائها لعوامل قيمية ـ معنوية (العدل ,الحرية, الحق, الواجب,) وحدسية, فإن علوم السياسة الحديثة تستخدم الوسائل والعلوم الاحصائية والاختبارية والمعلوماتية والنفسية والمقارنة والتاريخية.. للتحقق من الملاحظات والاستنتاجات وقياس اتجاهات الرأي العام, وبعض علاقات وبُنى الاجتماع السياسي. وبالطبع فإن استخدام مثل هذه المناهج العلمية لم يحوّل السياسة إلى علم «موضوعي» تماماً, ومع ذلك فإن السياسة, كما يشير موريس دوفيرجيه, علم معترف به في معظم الجامعات كعلم مستقل له أساتذته وكتبه ومناهجه المقررة, وعشرات الكتب والمؤلفات السنوية المندرجة تحت تصنيفه.
ويتصل علم السياسة بالعلوم الطبيعية (الإنسان حيوان يعيش في محيط جغرافي ويعتمد في بقائه على الموارد الطبيعية ومشتقاتها) وبالعلوم الاجتماعية, لأن السياسة هي جزء من حياة الإنسان الاجتماعية متفاعلة مع الأجزاء الأخرى, وبعلم التاريخ لأن التاريخ هو من وجهة معيّنة سجل الأحداث السياسية وتطور المؤسسات والفلسفات السياسية.«فالسياسة هي ثمرة التاريخ», والتاريخ هو جذر علوم السياسة. كما أن السياسة متصلة أيضاً بعلم الأخلاق والفلسفة, لأن هناك منحىً نمطياً وقيمياً وأخلاقياً في الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان المنظومة الاشتراكية) «الاقتصاد السياسي», لأن الاقتصاد يشكّل لبّ نشاط الدولة (قوانين الملكية, والنقود, والضرائب والتجارة, والأجور, والنقابات, والخدمات العامة, ومشاريع التنمية, والضمانات الاجتماعية, الإنفاق العام..إلخ). كذلك فإنّ الاتجاهات الأكاديمية المعاصرة تشدّد على أهمية علم النفس الفردي والجمعي والسلوكي في فهم وإدراك اتجاهات الأفراد والجماعات والمجتمعات, بغية التنبؤ بردود أفعالهم إزاء هذه المسألة السياسية أو تلك, وعلى أهمية علم الاجتماع وارتباطه العضوي والمباشر بعلم السياسة إلى درجة نشوء علم الاجتماع السياسي.(9)
المصدر: منتديات اصحاب للابد

2009-06-17الباجي قائد السبسي لـ «الشروق»: تحوّّل السابع من نوفمبر استجــاب للمطالب الشعبية والسياسيــــــة

انتهيت من قراءة كتاب الباجي قائد السبسي habib bourguiba le bon grain et lصivraie «الحبيب بورقيبة الحبة الصالحة والزؤام» والصادر هذه الايام بتونس عن دار الجنوب للنشر وبدأت استعد لمحاورة صاحبه الذي قال لي عنه أحد وزراء بورقيبة.
«انك مقدم على محاورة شخصية سياسية تتقن جيدا فنون الخطاب» ومثلما قال لي مخاطبي وجدت نفسي أمام رجل علمته السياسة فن مراوغة الآخر اذ على صراحته وطرافته كان في مواقع عديدة من حوارنا يكيف اجاباته وفق غاياته مبتعدا أحيانا عن تحميل نفسه وزر الاحكام المطلقة والنهائية تاركا لغيره وللتاريخ منطق الوعي بالاحداث. لقد تقلد الرجل في عهد بورقيبة ومنذ نشأة الدولة مناصب سياسية وديبلوماسية عدة من بينها مديرا للأمن الوطني ووزيرا للداخلية ووزيرا للخارجية، كما شغل منصب سفير لتونس بعدد من الدول الاوروبية، كما انه شارك في الحياة السياسية بعد نهاية حكم بورقيبة ووصول الرئيس بن علي للحكم سنة 1987 لينتمي الى البرلمان ويترأسه لدورة واحدة بنهايتها 1991 سوى تقاعده والتحق بممارسة مهنة المحاماة.
لقد عرف الرجل من قبل الشارع السياسي التونسي بأنه من الليبيراليين داخل الحزب الحاكم ومن دعاة الاصلاح الدستوري وقيام التعددية الحزبية وتطوير الاعلام وهو ما أدى الى طرده سنة 1974 مع مجموعة أخرى من الدستوريين كحسيب بن عمار وراضية الحداد واحمد المستيري.
كما يعرف عنه ايضا انتماؤه الى جماعة وسيلة بورقيبة وهو ما فنده بشدة داخل هذا الحديث وفي صفحات هذا الكتاب ليؤكد انتماءه لنفسه في توافقها مع الحبة الصالحة في ذات بورقيبة.
زهاء الساعتين جمعتنا بالرجل حضر فيها معنا صديقان أولهما الاستاذ المحامي الطاهر بوسمة مدير الادارة الجهوية بوزارة الداخلية في عهد بورقيبة الذي أعاننا كثير لانجاز هذا اللقاء وثانيهما الجامعي المختص في فن الصورة الاستاذ عصام نعمان.
فكان هذا اللقاء رؤية تأويلية لعصر بورقيبة ونافذة أخرى ينظر منها القارئ ليعرف تاريخ ذاته في اطلالتها على الحدث بناء وتأويلا.


* حاوره: حاتم النقاطي
* صور: عصام نعمان


* لكل عمل فكري رهاناته وكتابكم اHabib -Bourguiba le bon grain et lصivraieب «حبيب بورقيبة البذرة الصالحة والزؤام» دار الجنوب للنشر ـ تونس 2009، كان تتويجا لمسيرة سياسية ثرية بالأحداث وشهادة على عصر دام اكثر من ثلاثين عاما عجّ بالاستفهامات وتناقض الأحكام والتأويلات حول «بورقيبة» ـ 1903 ـ 2000 ـ وحول حكمه ـ 1957 ـ 1987 وما مرّ عليه من استقرار وهزات. فلماذا كان هذا الكتاب؟
ـ إن هذا الكتاب كان شهادة على عصر عشته طالبا ومسؤولا سياسيا وهي نظرة لشخصية «بورقيبة» من قبل أحد المقربين منه أردتها ان تكون دروسا لهذا الجيل الذي لم يعرف عصر بورقيبة وشخصه. لقد كان كتاب «محمد مزالي» نصيبي من الحقيقة : (دار الشروق القاهرة مصر 2007) حاملا وجهة نظر كردّ فعل على تشريد نظام بورقيبة للرجل وتشفيه منه ومن عائلته وهو ما يخالف رهانات عملي اذ أني أصدرته لإنارة فترة سياسية لرجل يجهل الجيل الجديد في تونس شخصه وطريقة حكمه بحسناتها وسيئاتها.
* عندما ننظر داخل فصول هذا الكتاب نجد ان «بورقيبة» كان مهيمنا على توجيه لحظاته باعتباره الحدث والمركز.
فما الذي تخفيه علاقتكم به؟
وما الذي شدّّكم أكثر اليه داخل ممارسته للحكم؟
ـ إن «بورقيبة» رجل مناضل وله سياسة واضحة داخليا وخارجيا ولذلك كنت من المبهورين به وهو ما جعلني أتبع حزبه وانضم الى حكومته مدافعا عن توجهات الدولة التي أسسها.
إني لست من أنصار «بورقيبة» الذاتيين بل من أنصار أفكاره ولذلك اتبعته في الخمسينات والستينات مؤمنا ببرامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولكني خالفته في أول السبعينات لما بدا لي من تصلب بعض توجهاته فكان نصيبي الطرد من الحزب سنة 1974 .
إن هذا الرجل يبقى مثقفا على «دكتاتوريته» وتبنيه غالبا سياسة ذات توجه فردي.
* هل من تقييم لصراع الزعيم «بورقيبة» مع خصومه السياسيين بدءا باليوسفيين في الخمسينات والستينات ومحاكمة زعماء اليسار في أواخر الستينات والنقابيين في أواخر السبعينات والقوميين ـ أحداث قفصة ـ 1980 ـ والاسلاميين في منتصف الثمانينات؟
ـ إن «بورقيبة» له أفكار وثوابت يدافع عنها من بينها سياسة المراحل تلك التي خالفه فيها «صالح بن يوسف». واعتقد ان «بورقيبة» في صراعه مع خصومه السياسيين كان يواجههم بحسب مقتضيات الواقع السياسي والمنطق.
فقد استعمل «بورقيبة» التصفيات الجسدية مع «اليسوفيين» لأنهم كانوا يستعملون العنف في أشد مظاهره اي السلاح الناري تجاه أنصاره وكذلك كان الامر مع أحداث قفصة 1980 فهؤلاء الرجال كانوا عسكريين استعملوا السلاح لتقويض نظام الحكم فكان العنف الذي استعملته الدولة شرعيا للدفاع عن الأموال والأرواح التي تعود لمواطنيها.
أما تعامله مع بقية الخصوم فإنهم عوملوا بحسب جرمهم السجن ثم السراح وإعادة الدمج في المجتمع.
إن «بورقيبة» هو ذاته صرّح بأنه ليس ديمقراطيا ولم يهيئ لنهاية مشرفة له ولتاريخه لقد كان عليه ان يغادر الحكم منذ أواخر الستينات عندما أصابته الجلطة القلبية الاولى.
لقد كان من أنصار الحزب الواحد وكان يفتخر دائما بذلك وبإنجازاته لهذه الدولة ولهذا الشعب ويستبعد دائما خصومه السياسيين بكل الطرق.
إن حبي لبورقيبة لا يشرّع لي تغطية عيوبه. ان هذا الكتاب مثلما بيّن حب هذا الرجل لشعبه وإنجازاته العديدة لبناء الدولة الحديثة فإنه ايضا وقف على سلبياته تفكيرا وممارسة.
* كنتم من الذين قيّموا الحزب الحاكم بعد مؤتمره لسنة 1971 احتجاجا على غياب الديمقراطية داخل الحزب وفي الحياة السياسية المدنية. ومن بين ما طالبت به المجموعة فصل الحزب عن الدولة والإقرار بجملة من الاصلاحات في مجال الاعلام والسياسة والاقتصاد والمجتمع ووقع طردكم سنة 1974 بقرار من المؤتمر.
ومن بين هذه الأسماء نذكر (حسيب بن عمار ـ أحمد المستيري الصادق بن جمعة ـ راضية الحدّاد وغيرهم..) وقد أثمرت هذه الحركة في المستوى السياسي حراكا تعدديا إذ أسس حسيب بن عمار «جريدة الرأي» وأحمد المستيري «حركة الديمقراطيين الاشتراكيين 1978 ووقع بعث الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ـ 1977 ـ بمساهمة تأسيسه لبعض هذه الأسماء كـ «حسيب بن عمار».
فما تقييمكم لهذه الحركة السياسية؟
وما الذي دعاكم الى العودة مجددا لتقلّد المناصب السياسية ـ 1980 ـ مع حكومة محمد مزالي؟
ـ لقد طردت من الحزب سنة 1974 نتاجا لأفكاري المنتقدة لواقع الحزب الاشتراكي الدستوري.
فمنذ مؤتمر 1971 تصديت أنا ومجموعة أخرى من الإخوان المناضلين لدكتاتورية الممارسات السياسية داخل الحزب.
وقد ضمت هذه المجموعة المطالبة بديمقراطية الحزب وذلك بالعودة الى القواعد وتأكيد سلطة المؤتمر والابتعاد عن التعيين، الأسماء التالية (حسيب بن عمار ـ أحمد المستيري ـ الصادق بن جمعة ـ راضية الحداد ـ محمود المسعدي وغيرهم..).
كما طالبنا باستقلالية الدولة عن الحزب وبتطوير الاعلام وبالتعددية السياسية. وقد عارضتنا أغلبية داخل قيادة الحزب ومن بين الأسماء المحافظة نذكر (الهادي نويرة ـ عبد الله فرحات ـ محمد الصياح)..
وقد أدى هذا الصراع الى ثمرة اختلافية أنجبت لاحقا حركة اعلامية وسياسية فكان إصدار جريدة الرأي «لحسيب بن عمار» وظهور حركة الديمقراطية الاشتراكيين مع «أحمد المستيري» وتأسيس الرابطين التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بمساهمة بعض المناضلين الدستوريين مثل حسيب بن عمار.
وبالنسبة لي فلقد حافظت على روابطي الفكرية مع هذه الجماعة وابتعدت عن المسؤوليات السياسية الى حد 1980 تاريخ انضمامي الى حكومة «محمد مزالي».
وما كان ذاك ليتم لولا اتفاقي معه حول جملة من النقاط المتعلقة بالانفتاح السياسي والايمان بالحريات الخاصة والعامة.
* لقد تحدثتم في كتابكم عن حب بورقيبة «للمنستير» مدينته الاصلية وتفكيره في جعلها عاصمة سياسية لتونس.
فإلى أي مدى استطاع «بورقيبة» ان يكون رئيسا لكل التونسيين وهو الذي يشتغل بوزراء حكومة يمثل رأسها وأجنحتها أصول هذه المدينة؟
إنها نزوة من نزواته التي انتابته في شيخوخته وهي فكرة طرحها على بعض المقربين منه في جلسة خاصة ولم ينفذها فعليا. وهذا لا ينفي أبدا حب «بورقيبة» للمنستير ولأبنائها إذ أنه كان حريصا على أن يكون الوزير الاول من هذه المدينة وكان يعطيهم نصيبا أوفر من المناصب السياسية داخل كل حكومة.
غير أن هذا التمييز لهذه المدينة ولأبنائها لا ينفي على الرجل حبه لباقي وزرائه ولشعبه وكل مدن تونس، إنه يؤثرهم عن الغير ربما لطابع المعرفة عن قرب وخبرته بهم أكثر من الآخرين.
* لقد تحدثتم في كتابكم عن الاصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية التي قام بها الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة وتحديدا مجلة الأحوال الشخصية (1956) التي غيرت واقع المرأة التونسية في المجتمع والأسرة.
وقد أثرتم أيضا مسألة طلاقه من زوجته وسيلة بن عمار في منتصف الثمانينات (1986) غيابيا وفي جلسة واحدة. كما يتحدث الشارع السياسي عن تحول وزير العدل ـ محمد شاكر ـ الى قصر صقانس بالمنستير وهو ما يشكل خرقا لهذه المجلة ولقوانين الأحوال الشخصية.
فهل من تفسير لهذا التلاعب بالقانون من قبل رجل يفتخر في خطبه بشخصيته الحقوقية وبحرصه على تأكيد علوية القانون؟ أم هي شخصية الحاكم العربي تطفو على سطح الاحداث كلما تعلق المشكل بأمر شخصي؟
ـ إن طلاق «بورقيبة» من زوجته كان غير قانوني وهو ما صرح به هو نفسه لاحقا إذ أن وقائعه غير مجازة بحسب مجلة الأحوال الشخصية اذ لا يعقل الطلاق في غياب صاحبة الشأن.
وشخصيا لم أكن في تلك الفترة ـ 1986 ـ في تونس بل كنت في الحج وللتاريخ أؤكد أني كنت أنا أيضا مستهدفا من قبل هذه الجماعة التي أصرت على التخلص من كل رأي حر ووطني.
إن هذا الطلاق كان مكيدة من جماعة القصر التي استندت على حديث صادر منذ ثلاث سنوات لوسيلة بورقيبة بمجلة فرنسية شهيرة انتقدت فيه وضعية الحكم في تونس وطالبت صراحة بتغييرات دستورية داخله.
وقد استطاعت هذه الجماعة أن تدفع بالرئيس لتطليقها رغم حبه الجنوني لها ليخلو لها الجو وتحقق سيطرتها على حكم شيخ يسهل توجيهه.
* لقد كانت وسيلة بن عمار طليقة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة ذات حضور مميز في هذا العمل ذلك أنكم قمتم في فصل من هذا الكتاب بمقارنة بينها وبين «سعيدة ساسي» ابنة أخت الرئيس وبدا واضحا للقارئ ميلكم «لوسيلة».
فهل يمكن أن نفهم من ذلك انتماءكم لمجموعة «وسيلة» والتي كانت تضم (الطاهر بلخوجة والهادي المبروك وإدريس قيقة...) بما تحمله هذه الجماعة من أفكار ليبيرالية معارضة للتيار العروبي.
ـ إن هذه المرأة مثقفة ووطنية ومحبة لمصلحة بورقيبة ولتونس وقد لعبت دورا أساسيا في تعديل الكفة داخل حكم عانى من الضغوطات الجهوية والإقليمية.
وأنا على احترامي لهذه المرأة ولدورها السياسي فإني ما كنت تابعا لها ولا لغيرها إذ أني كنت لا أمثل الا نفسي ووطنيتي هي القاسم المشترك مع «وسيلة» ومع غيرها من الوزراء وحتى مع «بورقيبة» ذاته.
وإني أعترض على وضعي مع أشخاص لا علاقة لهم بالتفتح والديمقراطية وتحديدا «الطاهر بلخوجة وإدريس قيقة والهادي المبروك».
* لقد لعبت هذه المرأة دورا سياسيا بارزا في توجيه الحياة السياسية التونسية داخليا وخارجيا ففي المستوى الداخلي لعبت دورا رياديا في تعيين العديد من الوزراء، وفي المستوى الخارجي كانت وراء قبول بورقيبة استضافة أبرز مقاتلي وقياديي منظمة التحرير الفلسطينية ـ 1982 ـ
ألا ترون أن السبب الأصلي في طلاقها من «بورقيبة» كان تراكمات ربع قرن من الرغبة الجامحة في توجيه فعلي للحكم السياسي في تونس والذي تجسد في شخص «بورقيبة» الحاكم الفرد؟
ـ لقد لعبت وسيلة دورا أساسيا في حكم «بورقيبة» وفي توجيه الحكم في البلاد بخيره وشره ولكن «بورقيبة» ما فقد أبدا السيطرة على قيادة البلاد.
ولكن ما حصل في آخر فترة حكمه في الثمانينات كان نتاجا لشيخوخته ولفساد حاشيته «فسعيدة ساسي» كانت تكره «وسيلة» وتكيد لها قصد الانفراد بالسلطة وهو ما حصل.
ومع ذلك تظل «وسيلة بورقيبة» متميزة في قيمها وفي وفائها للوطن.
* لقد كان عصر بورقيبة مدرسة لبناء تونس ساهمتم مع غيركم من المناضلين في إبراز وجهها في الداخل والخارج. فهل ترون أنكم الباجي قايد السبسي قد أضفتم توجها ملموسا داخل هذه الدولة أم أن شخصية «بورقيبة» قد طمست كما هي أبدا كل محاولة في الإضافة لتكون على شاكلة وذائقة فرد؟
وهو ما يعيد الاستفهام أنتم مع من ضدّ من داخل دولة بورقيبة التي كانت حافلة بالتجاذبات الجهوية وأساسا جهتي تونس والمنستير.
أنا مع «بورقيبة» اذا تعلق الأمر بالوفاء للجمهورية وللدستور وأنا ضده إذا خالف ذلك ولذلك أطردت من الحزب في 1974 .
أنا أحترم كل توجهات زملائي في الحزب طالما أنها لا تتعارض مع الوطنية والوفاء لهذا البلد الذي ضحينا جميعا من أجل استقلاله وبنائه.
إني مع الانفتاح والديمقراطية وضدّ التصلب السياسي مع الجمهورية لا مع الاستبداد.
* كنتم من أول من بارك التحول السياسي في تونس (1987) مثلما كنتم من الذين تقلدوا المسؤوليات السياسية داخله الى حدود 1991 .
فكيف تفهمون هذا الواقع السياسي الجديد؟ وهل ترونه حمل من الاصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ما كان جيلكم قد حلم به؟
ـ لقد كنت متأكدا منذ أواخر 1986 أن هذا النظام البورقيبي في نهايته ولذلك كان تحوّل السابع من نوفمبر 87 مستجيبا للمطالب الشعبية والسياسية.
ولذلك عدت للعمل مع الرئيس بن علي لأني وجدت في بيان السابع من نوفمبر ما لا يخالف توجهاتي السياسية فعملت نائبا في البرلمان ورئيسا له لدورة واحدة ثم سويت تقاعدي سنة 1991 لأتفرغ بعد ذلك للمحاماة.
إني كما ذكرت في كتابي لست من الباحثين عن المناصب بل أنا مناضل سياسي.
* أي مستقبل للأمة العربية اليوم؟ وهل ترون لها من مخرج من غير تبني ديمقراطية الحكم فكرا وممارسة؟
ـ إن الديمقراطية تظل هي الطريق للحرية وللكرامة ولذلك فلا تقدم لهذه الأمة ولشعوبها من غير ايمان بهذا الفضاء الجديد حيث احترام الذات والآخر. إن الاستبداد لا يمكن ان يقدمنا حكاما وشعوبا إنه شد الى الوراء ونكران للمدنية والحياة الرائدة حيث الانسان. غير أني أقول ان الديمقراطية بالنسبة لنا نحن العرب تتطلب وقتا إنها دربة بقدر حاجتنا لها علينا ان نتعلم معايشتها. وعلى الحكام العرب الوعي بذلك لكي يسهل تربية الشعوب عليها. إنها طريق شاقة علينا أن نتعلم دروبها للوصول الى بر الأمان.
* إذا كان ولابد من الاعتراف؟ فهل بقي ما تقولونه خارج هذا الكتاب لتطهير الضمير من حادثة سياسية أو موقف تجاه مواطن تودون التعبير عنه. فأي شيء تريدون قوله بعد خبرة عمر من السياسية والحياة ليكون عبرة أو درسا للغير حاكما ومحكوما؟
ـ إن هذا الكتاب خطوة أولى نحو استخلاص العبرة من تاريخ فرد خدم شعبا وآمن به.
ومثلما حصلت منافع لهذا الشعب حصلت أيضا أخطاء.
وإن كتابي هذا يدخل في باب اخبار هذا الجيل بتجربة فرد وشعب وأمة حتى يضطلع بنتائجها ويتعلم الدروس منها.
وإني أنتظر من هذا الجيل فهم هذا التاريخ لتطويره والعمل على اخراج الحدث من ابهامه الى الاخبار.
فلهذا القارئ يكون الدرس وله يكون الحكم ومجال الاضافة. وأشكركم على هذا اللقاء فرصة لتقريب الكتاب من الناس.

http://www.alchourouk.com

الثورة التونسيّة تفضح موقف النخبة من النخبة الخميس, 19 مايو 2011

lundi 16 mai 2011

الثورة التونسية و ظل الباجي قائد السبسي

ليس غريبا ما يحدث اليوم في تونس بل هو أمر متوقع وبديهي فالثورة لم تستكمل مهامها الثورية بعد صحيح أنها أسقطت الديكتاتور لكنها لم تقتلع بعد الديكتاتورية ولم تصفي أدواتها الصدئة وتلك مهام المرحلة الحالية كما أنها لم تقطع مع تبعيتها للرأسمالية العالمية ولم تؤسس بعد لدولتها الوطنية الديمقراطية الضامنة للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وتلك مهام مرحلتها الاحقة ..ومن الطبيعي أن تراهن القوي المعادية للثورة المتمثلة في الرأسمالية العالمية ومراكز القوي من بقايا الديكتاتور المخلوع ونظامه(كوادر التجمع وأزلامهم ;البوليس السياسي ومجرميه; بعض رجال الأعمال وخدامهم)علي إجهاض الثورة عبر محاولات متكررة لا تقنط لإحتوائها والإلتفاف عليها مستغلين في ذلك بالإضافة لإحتكارهم لأغلب مؤسسات الدولة ونفوذهم المالي والإعلامي الشبه المطلق:

١- ضعف وهشاشة الوعي السياسي لشرائح واسعة من الشعب التونسي
ومزاجيتهم المتقلبة ما بين التفاؤل والإحباط ما بين الغضب المتفجر
حد إحراق النفس والإنكفاء علي الذات والتوجس والترقب والخوف من المستقبل وبالتالي تسعي القوي المعادية للثورة للمزيد من كي وعي الجماهير وإجهادهم وإنهاكهم في قضايا جانبية كالصراعات الجهوية أو العروشية وتلهيتهم بالفقعات الإعلامية وإقناعهم بإنتصارات كاذبة أو ناقصة وتزييف وعيهم أوترويعهم ومساومتهم مابين الأمن الكاذب والإستقرار الواهن أو المواصلة في الثورة

2-ضعف الأحزاب السياسية وإنقساماتها العقائدية ومحدودية قاعدتها
الشعبية لذلك فإن القوي المعادية للثورة ستسعي دائما لتعزيز إنقسماتها
وشخصنة صراعاتها وتشويه صورتها عند الجماهير لإبرازها كأحزاب
لاهفة علي السلطة راكبة علي الثورة أو بتقديمها في صورة أحزاب متطرفة مغالية لن تجلب إلا الخراب أوفي صورة أحزاب حالمة رومنسية غير مسؤولة لا تبني إلا علي رمال متحركة

3-عزلة وزهد العديد من الكوادر العلمية والنخب الفكرية والفنية
في قضايا الشأن العام و في إنجاح مسيرة الثورة
4-إلخ...

لذلك فإن المطلوب من القوي الثورية مزيدا من النضج والمأسسة والتنظم
والإلتحام بالجماهير عبر:

1-تفعيل العمل الجبهوي والتحالفات السياسية الموسعة وتحييد ما أمكن
التجاذبات الأيدلوجية والتركييز علي ما يجمع ويوحد وهو ما من شأنه
أن ينمي ويعزز ثقة الجماهير بالأحزاب السياسية ويفوت الفرصة علي
قوي الثورة المضادة التي تحترف فن الصيد في الماء العكر والكيد
لزرع الفتن والإنقسمات وتنفير الجماهير من العمل السياسي وتغذية
إنطبعاتها السلبية تجاهه لهذا وجب:
-تفعيل جبهة 14 جانفي وجعلها ركيزة لبناء جبهة وطنية موسعة تضم
أطياف واسعة من الأحزاب بمعزل عن مرجعياتها الأيدلوجية ما لم تحد
عن أهداف الثورة وثوابتها في إقتلاع الديكتاتورية وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية دولة الحرية والكرامة
-تفعيل وثيقة 18 أكتوبر وتوسيع دائرة الحوار مع الحركات الإسلامية
ورموزها وإستقطاب العناصر الوطنية والمستنيرة منها للجبهة الوطنية الموسعة ما إلتزمت بثوابت الثورة وروحيتها

2-الدعوة العاجلة إلي عقد مؤتمر وطني تدعي إليه كل القوي الوطنية من القطاعات السياسية والمدنية والممثلين الفاعلين عن اللجان الجهوية لمجالس حماية الثورة وساحة القصبة ونشطاء صفحات الثورة علي الإنترنت ونخبة من الإعلاميين والشخصيات الفكرية والعلمية الوطنية...من أجل:
-الإعداد لميثاق وطني للثورة يعبر عن ثوابتها ويلوح لأفقها الذي تتحرك
فيه فيكون بذلك ليس مجرد وثيقة لبلورة المفاهيم الكبري التي قامت عليها الثورة كالحرية والكرامة والديمقراطية والدولة الوطنية (إلخ..)فحسب أو لتسجيل لحظتها التاريخية وطموحها فقط بل وثيقة أيضا ترتقي لمستوي الكونية لقدرتها علي التأليف بين مرجعيات متعددة ومتنوعة ومختلفة في إطار وحدة الأهداف الجامعة للثورة التونسية بعمقها الحضاري العربي لإسلامي وأفقها الإنساني
-صياغة خارطة طريق للمرحلة الإنتقالية ومعالجة القضايا الرئسية المتعلقة بها:
أ- مجلس وطني للثورة يتكون من كل فاعليات المؤتمر ذو سلطة تشريعية
يستمد شرعيته من تعدد ورحابة الشرائح والقوي الوطنية التي يضمها
ب- حكومة تكنقراط من الكفاءات الوطنية تستمد شرعيتها من الوفاق حولها ونزاهة وكفاءة أعضائها
ج- تصفية الأمن السياسي وإصلاح القضاء والإعلام وتطهير الإدارة
د-تحديد موعد جديد للإنتخابات المجلس التأسيسي
ج-إلخ...

3- تأسيس جبهة وطنية موسعة علي قاعدة الميثاق الوطني للثورة تشكلها مختلف فاعليات المؤتمرتحدث توافقا علي برنامج سياسي وطني موحد وقائمة إنتخابية موحدة لخوض إنتخابات المجلس التأسيسي
وحتي التشريعيىة فيما بعد لتسهيل إلتفاف الجماهير حولها والقطع مع تردد
المواطن البسيط وحيرته لمن سيعطي صوته ولمن سيمنح ثقته ويقطع الطريق علي قوي الردة التي تراهن علي تفتيت المشهد السياسي

4-دعم المجالس الجهوية للثورة وتنميتها لتشمل كل الجهات والمدن
وتفعيل لجان حماية الأحياء في إطارها وتحويلها لخلايا للتثقيف
والتأطير السياسي ورصد هواجس الجماهير ودفعهم للمساهمة والمشاركة في تحقيق أهداف الثورة بشكل أكثر تأطير وتنظم

5- الإهتمام بالجانب الإعلامي والدعائي للجبهة ومجالسها الجهوية
عبر ما أمكن من الفضاءات والوسائل والمحترفين وتخصيص ناطقيين رسميين بها من الذين يتمعون بالشعبية والإحترام الجماهيري الواسع من أمثال السيد عبد الناصر العويني والسيدة سهام بن سدرين مثلا

6- تشجيع تشكيل لجان أو حلقات مختصة للإسهام في تحقيق أهداف الثورة من طرف نخبة البلاد من المثقفين والأكادميين والفنانين كل حسب إختصاصه و ومن مجاله

7-إلخ...

إن دعم العمل الجبهوي وإقامة التحالفات الموسعة وتوحيد البرامج السياسية ودعم العمل الجهوي والمحلي وتأطير وتنظيم التحركات الجماهيرية وتشجيع الكوادر العلمية الأكادمية والفكرية علي الإنخراط
في فاعاليات الثورة والإهتمام بالجانب الإعلامي والدعائي وتأطيره
ومأسسته وتوحيده وتطليق الحرفية ودعم الإحتراف في العمل الثوري
عبر الإستفادة من المختصين والكوادر لتغطية جوانبه المتعددة والمختلفة
كل هذا كفيل بإنجاح المسار الثوري وقهر قوي الردة وأعداء الثورة

فإلي الأمام لمزيد من الوحدة والتنظم والإحتراف ..إلي الأمام.. عاشت ثورة الحرية والكرامة

jeudi 12 mai 2011

مضطهدو الأمس يعيدون إنتاج ثقافة مضطهديهم

مضطهدو الأمس يعيدون إنتاج ثقافة مضطهديهم


ميراث بورقيبة وعبد الناصر أنتج خلافتين وثورتين متشابهتين
لا شيء في الثورة التونسية له علاقة بالشهرين المذكورين إلا اندلاعها وانتشارها وبداية تعثرها النسبي، أما كل ما هو خلاف ذلك فكان تراكما ينتظر الوعي به، كما ينتظر أسلوبا غير تقليدي، لا تقوده المعارضة القديمة ويفاجئ العالم.


كان القهر متراكما في تونس ليس في العقدين الماضيين فقط بل منذ الاستقلال. تربينا على الثقافة الواحدة، وعلى الديكتاتورية المتفاوتة، وعلى التنمية الجهوية المنحازة، وعلى قمع الصوت المعارض وتصفية الصوت الفاعل. لماذا انتشر مصطلح الحنين إلى «العكري» ( فرنسا الاستعمارية) منذ تقدمنا في إهاب الاستقلال ممعنين في الخيبات بعد تلاشي الحماسة الأولى؟ ولمَ هاجر الطلاب نحو النظريات اليسارية في الداخل كما في الخــارج؟

هكذا بدأ الأستاذ محمد علي اليوسفي الذي كتب الرواية وقرض الشعر إلى جانب اهتمامه بالبحوث والدراسات والنقد وأدب الرحلة والسينما - في حديثه كمثقف حول ما يجري اليوم في تونس اليوم وإجابة عن سؤالنا - الثورة في تونس هل لها جذور وخلفيات ومرجعيات أم أنها وليدة ديسمبر/ جانفي ويواصل:
حوار : علياء بن نحيلة


الثورة في تونس هل لها جذور وخلفيات ومرجعيات أم أنها وليدة ديسمبر جانفي؟

لا شيء في الثورة التونسية له علاقة بالشهرين المذكورين إلا اندلاعها وانتشارها وبداية تعثرها النسبي، أما كل ما هو خلاف ذلك فكان تراكما ينتظر الوعي به، كما ينتظر أسلوبا غير تقليدي، لا تقوده المعارضة القديمة ويفاجئ العالم.

كان القهر متراكما في تونس ليس في العقدين الماضيين فقط بل منذ الاستقلال. تربينا على الثقافة الواحدة، وعلى الديكتاتورية المتفاوتة، وعلى التنمية الجهوية المنحازة، وعلى قمع الصوت المعارض وتصفية الصوت الفاعل. لماذا انتشر مصطلح الحنين إلى "العكري" ( فرنسا الاستعمارية) منذ تقدمنا في إهاب الاستقلال ممعنين في الخيبات بعد تلاشي الحماسة الأولى؟ ولمَ هاجر الطلاب نحو النظريات اليسارية في الداخل كما في الخارج؟

كانت تونس قد ودعت شهداءها لتتكثف دماؤهم في مجاهد واحد كبير، بل أكبر. ما لبث أن أتانا بأمّ عندما خال أننا يتامى، فصار الشعار الذي عايش طفولتنا: " أبو الشعب وأم التونسيين". لكن الوعي ظل مقتصرا على النخبة، والنخبة هي التي دفعت الثمن في الغالب حتى ذلك الوقت. وأعقبت ذلك تحركات شعبية وأخرى مسلحة ومحاولات انقلابية، إلى أن ترهل العهد البورقيبي الذي حُسمت شيخوخته بتوريث الأكثر دهاء ومكرا وعمالة لـ "محاربة للفساد" هذا ما كلف به بورقيبة زين العابدين في أخريات أيامه. فكان كمن هرب من القطرة إلى الميزاب: فنشر الفساد بدل استئصاله. ولعل في ذلك شكلا من أشكال مكر التاريخ وفق مقولة هيغل. التاريخ الذي لا يبالي بضحاياه من اجل تحقق الفكرة؛ وكما عين بورقيبة خليفة لمحاربة الفساد، فأفسد الزرع والضرع، جاء الخليفة ليعلن سنة تاريخية للشباب قائلا إن الشباب ليس المشكل بل هو الحل! ونعرف ماذا صنع الشباب بأصل المشكل
!

أيّ ثورة هي تراكم، وأي فعل ثوري هو مجموع دموع وآهات وقهر وممانعة. ما من حاجة لتبجح المناضلين بنضالاتهم كما يفعلون اليوم، وكما يفعل الملتحقون بهم، ولو في الدرجة الثانية من قطار الثورة، أملا في بلوغ المقاعد الأولى لاحقا. الثورة صنعها أبناء تونس الذين غضبوا والذين خافوا والذين ثاروا. أية دمعة قهر في قرانا النائية ساهمت بدورها في هذه الثورة، وجاءت اللحظة المواتية والمحملة بما يؤدي إلى التحام القهر بالوعي فحدث الانفجار الصاعق.

ألم يستشرف الشعراء والأدباء هذا الوضع الم تكن الروايات والقصائد في تونس تناضل بالتصريح والتلميح خاصة للأوضاع المتردية في البلاد؟

المثقفون مثل أفراد الشعب الذي ينتمون إليه، شاركوا في الممانعة بهذه الدرجة أو تلك، كأفراد اجتماعيين، لكن لهم وسيلة تعبير إضافية هي لغة الفنون. ميزة الفن أن له نبضَ مقاومة، كثيرا ما يتجاوز صاحبه حتى لدى الموالين للسلطة. فما بالك لدى الغاضبين والمنشقين. لذا لا أرى أن المثقف في حاجة إلى الرجوع لأعماله القديمة ليذكرنا بأنه تنبأ بالثورة كما يفعل البعض في هذه الأيام. أي كاتب له ما يشير إلى الثورة ولو تلميحا لأن القهر كان همًّا مشتركا. وكتم الرأي ينطبق على المهادنين والموالين والمسترزقين أيضا ممن لم يجيدوا الانبطاح أو سيطر عليهم دهاة المهنة من المزايدين عليهم.

لاحظ أغلب الناس غياب أو تغييب المثقف التونسي عن الملفات التي حللت أوضاع تونس قبل وبعد الثورة هل هذا صحيح ؟
المسألة لها علاقة بالثقافة في هذه البلاد كما في بلدان أخرى شقيقة وشقية. كان الرئيس الهارب يكره الثقافة والمثقفين( فأحدث لهم يوما خاصا بالتوسيم!) وهو الذي زرع ثقافة التهميش رافعا شعار "لا لتهميش الثقافة وثقافة التهميش". هو محق طبعا لأنه لم يأت من العدم بل من ثقافة تواصلت لمدة قرون. الثقافة هي حصانة المجتمع وحصانة أي ثورة لا تريد الانقلاب على نفسها نحو موروث السلف الصالح كما يحدث عندنا من تنازعات نحو الماضي القريب والبعيد. وإلا ما تفسير الهروب حاليا إلى الخلافة، وبورقيبة، والسلف الصالح، دون أن ننسى الثقافة الفرنكوفونية التي تتبجح بمصطلحات لايفهمها الشعب ولا تطبق حتى في كاتدرائيات باريس، البنت البكر للكنيسة، حسب رامبو؟

إعداد الدستور هل هو من اختصاص أهل الاختصاص في القانون أو المثقفين بالمعنى الموسع للكلمة لماذا؟
هذا تقنين لثورة تفتقر إلى الثقافة. ستخرج علينا بقوانين تفتقر إلى الروح وربما تؤدي إلى تكريس ثقافة غيبية الروح.

بدأت الحملة الانتخابية للأحزاب وبدأت الوعود ولكن ولا حزب تقريبا خصص مجالا للحديث عن مشروع ثقافي ؟
كم كانت مزدهرة أعوام ما قبل الاستقلال ومقهى تحت السور وعطاء تلك الفترة بكتابها وصحفها ! أما الآن وهنا، فتلتقي الضحية بالجلاد. مضطَهدو الأمس من السياسيين يعيدون إنتاج الثقافة السائدة لدى من ربّاهم وكان يضطهدهم. المهم سياسة الكسب السريع. أم علينا أن نرحب بذلك ونقول إنه من الأحسن أن يتركوا الثقافة لمنتجيها أفضل من تخريبها؟


هل صحيح أن وضع تونس اليوم لا يحتاج للعمل الثقافي وخاصة للفنون؟
من الذي يدعي ذلك؟ قد تتعرقل الفنون في مثل هذه المرحلة الانتقالية. أما ما عدا ذلك فإما أن يكون صادرا عن سوء نية أو عن نزعة ثورجية خبرناها سابقا لدى الحركات اليسارية الناشئة. لكننا لا نتسرع الآن في الحكم على النوايا. وفي كل الأحوال لابد أن تقفز الثقافة إلى الواجهة ولو على حساب الدور المبالغ فيه للرياضة التي تستهدف صيد الوقت والجهل بحجر واحد. والمقصود الرياضة كحيز تثقيفي وإعلامي مكرس بكثافة طاغية، وليس كممارسة. فلتكن تحت صخب إعلامي أقل... على الأقل.

اليوم وفي هذه الفترة الحرجة من حاضر تونس هل يحتاج المواطن لأن يقرأ أو لأن يكتفي بالاستماع إلى تحاليل الآخرين؟

بعد أن هدأت الفورة الأولى من الثورة سمعت الكثير من الشباب يتحدثون عن حاجتهم للتثقيف السياسي، والتثقيف السياسي ليس التثقيفَ الحزبيَّ ذا التوجه الأحادي. هذه الحاجة تعكس افتقارنا للقراءة. الصورة والنت يقدمان الثقافة الأفقية الرائعة ذات التأثير الأكبر، لكنهما يتميزان بسطحية الشاشة الملساء والفكر الأملس. وإذْ سبق لنا القول إن الكتابة فعل ممانعة ومقاومة، فلا بد من القول إن القراءة هي كذلك أيضا، لكن لشريحة أوسع.


كيف ترى تعامل المواطن التونسي الذي لم يتعود التعددية مع كل هذه الأحزاب؟
هذه ليست مشكلة المواطن العادي وحده. هي مشكلتنا جميعا. هل لنا حزب مقنع أو شخصية مقنعة؟
سيستقبل المواطن كل ذلك بالسماع الشفوي وبالوقوع في دائرة التأثر بمن يحيطون به. سيتساءل كثيرا ويسأل. حتى يتأكد لاحقا بالممارسة التي سوف تراكم عنده خبرة سياسية. قبل ذلك سيتصرف بطيبته وبالعاطفة التي تميزه. وقد شاهدنا أمثلة كثيرة على ذلك: أحبوا بساطة وزير الداخلية السابق وصدقه العفوي، فنادى الكثيرون بانتخابه رئيسا، وقبله أحبوا رشيد عمار، وهو العسكري، وتنادى الكثير من الشباب لجعله رئيسا. العاطفة موجودة لدى الشباب كما لدى الكهول، لكن الثقافة السياسية مازالت متدنية، وهي ثقافة تتوقف عند السطح وقابلة لعصف الأهواء نتيجة التربية "البطرياركية" أو أبوية الشأن السياسي منذ عهد الاستقلال.

يعاني السكان في تونس اليوم من عدم الشعور بالأمان فما هو الحل؟

أعتقد أنها مرحلة انتقالية لابد منها في كل الثورات. ولعلها المرحلة الأفضل مقارنة بالثورات عبر التاريخ وعبر العالم. حتى عدد رصاصات القتلة كانت محدودة مقارنة بما عرفنا ونعرف الآن في الجوار.

وهذا الحديث عن معارك الأحياء والجهويات والعروشية التي أراحنا منها بورقيبة وعادت بعد الثورة بقوة ؟
لا أعتقد أن بورقيبة أراحنا منها. هو حاول فقط، ونجح بهذه الدرجة أوتلك. المشكلة أننا عندما نسكن الحواضر الكبرى التي تتفتت فيها روابط القبيلة، نظن أن البلاد كلها على شاكلة عاصمتها ومدنها الكبرى. الثقافة القديمة تعيد إنتاج نفسها في غياب ثقافة بديلة حقيقية. قرارات بورقيبة في معظمها كانت فوقية. والقرارات الفوقية لا تنجح إلا بالسلطة الديكتاتورية ( غياب الأب يجعل الأبناء يشتبكون في البيت!) لنا أمثلة أخرى عن ديكتاتوريات أعتى مما كانت عليه في تونس: ألم نفاجأ بقوة العشائر في العراق بعد زوال ديكتاتورية صدام حسين وشعار العلمانية النسبية في أدبيات حزب البعث، كما أن لنا اليوم في ليبيا مثالا آخر صارخا؟


إحياء ذكرى وفاة الحبيب بورقية في أي إطار تنزله والى أي مدى يحتاج إليه المواطن التونسي اليوم؟

ميراث بورقيبة وعبد الناصر وهما "الصديقان اللدودان" أنتجا خلافتين متشابهتين وثورتين متشابهتين. لكن بالنسبة للاحتفاء ببورقيبة فهو أمر مفهوم كتعبير عن حرمان سابق من توديعه بما يليق به. لكن الأمر ليس بهذه البساطة: هناك عدة عوامل راهنة تلعب دورا في هذا التهليل المبالغ فيه. وأتمنى أن كون مخطئا في عدة جوانب سأذكرها وهي قابلة للنقاش لكنها لم تعد قابلة للرقابة أو "الصنصرة" كما أعتقد
:
يقال إن المفلس يعود إلى دفاتره القديمة: وهنا نحن أمام ظاهرة الانتقام من فساد "الهارب" بفرض طيف "المتوفي" في محاولة لاستعادة الأب المعنوي
.
ونظرا لغياب زعيم في حاضر غامض، فلنستورده من ماضينا العتيد، كما نفعل أيضا على المستوى الحضاري العربي إجمالا عندما نستقدم أبطال العروبة والإسلام لنقارع الحاضر المدقع
.
3- ذهنية العربي التي لم تتخلص من فكرة الزعامة ( ولو مدى الحياة!)، والحال أن الزعيم ليس سوى فكرة تسكن العقل فتعرقل وظائف التفكير فيه. ويضاف إلى ذلك مقولة اذكروا أمواتكم بخير؛ وهذه المقولة جعلت الكثيرين يركزون على إيجابياته ومنها نشر التعليم، وكأنما إلزامية التعليم وإجباريته لم تشهدهما بلدان عربية أخرى لم يحكمها بورقيبة! وهي في كل الأحوال لم تكن منّة
.
رغبة البعض في التمسك بمنجزات بورقيبة تجاه المرأة وهذا واقع فعلي وليس كما ذكرنا بالنسبة للتعليم.

محاولات العودة إلى البورقيبية النقية وتتضمن خطرين مفترضين: من جهة، عودة الحزب الحاكم في ثياب العيد، ومن جهة ثانية، استعادة صراع جهوي شبه خفي في تغيّرمنابت السلطة التونسية منذ الاستقلال وصولا إلى "الهروب الكبير"، أي طيلة أكثر من نصف قرن. وفي هذا المجال أتذكر زوجة فرنسية لصديق تونسي قالت منذ قرابة ثلاثين سنة: لكي تتطور تونس بتوازن حقيقي لا بد أن يكون لها رئيس من ولاية مختلفة في كل دورة
!

بالنسبة لإصلاح الوضع الثقافي في البلاد ما رأيك في الدعم الذي تقدمه الدولة هل هو وسيلة نهوض بالفنون أم انه مكبل لها باعتبار المثل القائل " اطعم الفن تستحي العين" وأي آلية تقترح لمساعدة المبدعين على تنفيذ أعمالهم؟

هذا يتوقف على شكل الدولة القادمة. هل ستكون مستغلة للثقافة أم مشجعة على إنتاجها؟ وهذا متوقف أيضا على الأحزاب القادمة، هل ستكون مستغلة للثقافة من أجل برامجها المرحلية أم مشجعة على إنتاجها؟ وفي كل الأحوال هذه ينبغي أن تكون مهمة المجتمع المدني إذا كان يريد حماية نفسه وحماية مسيرته. فعندما تتوسع دائرة داعمي الثقافة من خارج السلطة تزداد فاعليتها وتأثيرها واستقلاليتها ونجاحها في تحصين المجتمع وتخليصه من ثقافة التهميش التي نجحت في فرض الحاكم الهامشي واستبداده


*.......*

Le roi est nu الراجحي يشبه طفل الحكاية

السياسة فن الممكن؟
السياسة فن المراوغة؟
السياسة هي قول أنصاف الحقائق؟
السياسة هي بلوغ الغاية بركوب الوسيلة؟

كل هذا لم يستخدمه الراجحي؛

وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي يشبه طفل الحكاية الذي أشار بإصبعه إلى الملك وقال إنه عارٍ؛

بل هو طفل الواقع الذي أشار بإصبعه إلى الجميع ولم يترك حليفا حوله إلا... الدماء المحبطة... و الفائرة

تقول الحكاية إن نسّاجاً ماكراً أوهمَ الملك بأنه يستطيع أن يصنع له ثوباً سحرياً لا يراه إلا الأذكياء
وبذلك يكتشف الملك مَن هو الذكي ومَن هو الغبي من شعبه وحاشيته

وجلس النسَّاج وراء النَّوْل محرِّكاً يدَيه في الهواء وكأنه ينسج ثوباً حقيقياً

جاء الوزير ولم يرَ الثوب، لكنه أبدى إعجابه به كي لا يبدو غبياً
وجاءت زوجة الملك وتنهَّدت إعجاباً بالثوب كي لا يُقال إنها غبية
وجاء الملك ولم يرَ الثوب أيضاً
لكنه اصطنع ما اصطنعه الآخرون كي لا يبدو ملكاً غبياً

انتهى النسَّاج من حياكة الثوب الوهميّ،
ولبس الملكُ الثوبَ
وخرج عارياً يتبختر بين الناس الذين راحوا يتسابقون في إصدار تأوّهات الإعجاب بالثوب الذي لا يراه الأغبياء
لكنَّ طفلاً صغيراً أشار بإصبعه الصغيرة إلى الملك العاري وصرخ: الملك عارٍ

وفجأة اكتشف الناس أن الملك عارٍ حقاً

ملخص الحكاية
سواء تراجع الراجحي لهذا السبب أو ذاك أو لم يتراجع؛ فقد قال ما يفكر فيه الكثيرون
وربما الأغلبية، وهو بذلك فتح العيون وأخاف النساجين في الخفاء الذين ارتعدوا رعدة إضافبة
على هيبة الدولة